تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سد الرمق ............محمد محضار



محمد محضار
30-11-2013, 08:07 PM
قصة قصيرة: سد الرمق




--------------------------------------------------------------------------------




الطفلة تبتسم وتنظرالى أمها سائل المخاط ملتحم بشاربها ثيابهاالرثة تحمل أثر التراب, يدها تحك رأسها الأشعث المقمل, أمهامدفونةالجسد في ثوب وسخ ملفوفة في نصف ملاءة قديمة . تنتعل حذاء بلاستيكيا يطفح بالرائحة الكريهة .الطفلة والأم تتجولان بين جماعات المسافرين الواقفين على رصيف المحطة .الأم تمد يدها المشققة: صدقةعلى الله والوالدين يا أولاد الحلال.




تقتربان من شاب مكرفط وفتاة متبرجة ترافقه , تنظر الطفلة الى ساقي الفتاة الممتلئتين مستنشقة ذرات العبير المنبعثة من كل جسدها.




الأم تمد يدها قائلة :صدقة يا أولاد الحلال الله يكمل عليكم يرد الشاب متأففا: "ابتعدي يا امرأ ة الله يعفو عليك وعلي.".تقول الفتاة مزدرية :"كثرتم الله يحضر السلا مة "..تبتعد الأم وطفلتها .



الطفلة تنحني الى الأرض تلتقط علبة رايب فارغة تبدأ بلحس بقاياها ..الأم تتكئ على حائط أحد شبابيك التذاكير تحسب السنتيمات التي جمعتها منذ الصباح الباكر. منبهات الحافلات تحطم سكون المكان , ترمي الطفلة علبة الرايب بعد ان فرغت من لعقها .ماسح أحذية شاب جالس على الارض امامه علبته , في يده اليمنى خرقة مخضبة بالسلسيون يشمها بنشوة , عيناه مقلوبتان , شفتاه زرقاوتان , الطفلة تبحلق فيه , يبدو غريبا الأم غير مكترثة بأمره , لها مشاكلها الخاصة ..يقترب كهل مكتنز من ماسح الأحذية يضع قدمه على خشبة العلبة . يشتغل الماسح ..تجر الأم طفلتها وتتركان مكانهما . صرخة نسوية تردد صداها فجأة جدران المحطة, تلتفت الأم وطفلتها , امرأة عجوز تسللت خصل من شعرها الابيض عبر المنديل الذي تشد به رأسها تصيح وتصرخ :"..سرقوني يالمسلمين ضربوا لي الجيب ..خطفوا لي رزقي يخ من المدينة يخ من المدينة.". بعض أبناء الحلال يحاولون زرع السكينة في نفسها , آ خرون يهبونها نقودا.




شمس الربيع تنثر أشعتها الدافئة ..رياح شمالية تهب منعشة , الأم وابنتها تغادران المحطة , تعنان على السويقة , تشتري الأم خبزة ودرهما زيتونا ..تجران أقدامهما عبر شوارع المدينة ,


بعد حين تصبح دورها وعماراتها خلف ظهريهما وبمواجهتهما مدينة القصدير , ضجيج الأطفال يتهادى الى أسماعهما كلما تقدمتا .تصلانها. الطفلة تبتسم لمجموعة من البنات المتسخات مثلها يلعبن بالحبل , الأم تهز رأسها مسلمة على كهلة ضامرة العود تقف قرب باب براكة .





عند مدخل براكتهما اقتعد الأب صخرة متوسطة الحجم , موجة من دخان الكيف ترتفع من شقف السبسي الذي يدخنه ..الطفلة تهرول نحوه مقبلة خده الممتقع .ترتسم على شفتيه الذابلتين ابتسامة لاهثة . الأم تقترب منهما . يرفع الأب رأ سه نحوها ..لم أجمع اليوم الا سنتيمات قليلة , رواد السوق البلدي كانوا قلة وأكثرهم من الشباب وانت تعرف أولاد اليوم..المحطة كانت مكتظة لكن بركة هذا الصباح كانت قليلة المهم ان نسد الرمق ونعيش ...





يدلف الثلاثة الى داخل البراكة .تضع الأم حبات الزيتون في طبق قصديري , يجتمعون حوله’ جالسين على حصيرة مهترئة.



محضار
نشرت هذه الاقصوصة بجريدة العلم سنة 1987
واعيد نشرهايوم 28دجنبر2005 بجريدة النهار المغربية

سامية الحربي
01-12-2013, 09:47 PM
يوم حافل بالتسكع على نواصي الطرقات وهدر الكرامات .الكل مشغول بنفسه و ذاهل عن حتى لو أبدى بعض المواساة . المهم تلك اللقمة التي تستقر في الأمعاء لتخرس الجوع. حقًا الفقر كافر ومن لا ينتفض لو أن من هذه الجموع الهائمة أهله! سرد مؤلم .تحياتي و تقديري.

آمال المصري
01-12-2013, 10:33 PM
ما لفت انتباهي هنا الرضا بلا حدود فهناك من يتأفف من شدة العوز والدَّقع ولكن الأم تتسول بابنتها والأب الشاحب الوجه ينتظر أن تأتيه بما يسد الرمق ونجد هنا رغم المعاناة الابتسامة المرسومة وإقبال الابنة بتقبيل أبيها وإعداد الأم طبق الزيتون لتناول الطعام راضين
وكان الوصف للشخوص والمكان متقنا بأسلوب جعلني أراها صورة متحركة ناطقة
أبدعت أديبنا الفاضل
بوركت

عبد السلام دغمش
02-12-2013, 07:12 AM
مشاهد ناطقة بالمعاناة والألم وقلم يصور المشهد مثل الكاميرا..
وتناقض ما بين العوز المدقع والبذخ المسرف..
بوركتم أديبنا الفاضل.

خلود محمد جمعة
08-12-2013, 11:02 PM
صورة باتت مألوفة في مجتمعاتنا العربية
والأب المبتسم الأحرى به ان ينهض عن صخرته
وبما ان الأم لها هذه المقدرة على الدوران طوال اليوم بين المحطات فالأولى بها ان تجد لنفسها عملاً كريما
لتعلم ابنتها الكرامة بدل التسول
دمت بخير
مودتي وتقديري

ربيحة الرفاعي
07-01-2014, 01:57 AM
وصف قصّي متقن، عرض لظاهرة بشعة في قاع ، تداخلت فيها الأدوار والغايات وسقطت القيم وعامت المعاني
السرد شائق والعرض موفق والأداء جميل

دمت بخير أيها الكريم

تحاياي

محسن العافي
07-01-2014, 02:57 AM
http://dhwhria.com/imgcache/1112.imgcache.gif

محمد محضار
08-01-2014, 12:12 AM
وصف قصّي متقن، عرض لظاهرة بشعة في قاع ، تداخلت فيها الأدوار والغايات وسقطت القيم وعامت المعاني
السرد شائق والعرض موفق والأداء جميل

دمت بخير أيها الكريم

تحاياي
شكرا لك أستاذتي الراقية على بصمتكم الجميلة ، دمت سامقة

نداء غريب صبري
07-04-2014, 01:25 AM
أب يجلس بباب مسكنهم مدخنا قاضيا الوقت بينما تذهب امرأته للتسول

صورة أشد قبحا من الحضيض الاجتماعي الذي يحدث عنه المشهد

شكرا لك أخي

بوركت

كاملة بدارنه
09-04-2014, 12:06 PM
يا لكرامة هذا الرّجل المهدورة!
يترك زوجته وابنته عرضة للإهانة ويجلس يدخّن
وطموح لا يتعدّى سدّ الرّمق وبطريقة مهينة
واقع مرير تمكّنت من نقل مشاهدة بكاميرا محترف
مؤسف أن التّسوّل بات ظاهرة
بوركت
تقديري وتحيّتي

ناديه محمد الجابي
04-05-2023, 08:25 PM
صورة بائسة للفقر والجوع والعوذ في ألعن أشكاله متمثلة في عائلة ضائع عائلها
بين الكيف والدخان ليترك زوجته وابنته يحترفان التسول ليأتوا في النهاية بلقمة
تسد الرمق مغموسة بالذل والهوان
معاناة وواقع مؤلم يعيشه الكثيرين من أهل قاع المدينة عبرت عنه
بمقدرة على الوصف والتصوير ومهارة في التعبير ، ولغة موحية معبرة ، وأداء قصي جميل.
دمت بكل خير.
:009::006::009: