تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قرار الليل ...



عبد السلام هلالي
02-12-2013, 11:02 PM
قرار الليل ...
كل صخب النهار ، بحت أصواته ، و راحت الشمس تضع أوزارها على أعتاب الأصيل. انفض عني أبنائي إلى ذويهم ، لأجد نفسي من جديد و حيدا أواجه زحف الليل المثلج في هذا المكان القصي المقيم بين السحب ، و الذي أغفلته تفاصيل الخرائط الطرقية المعبدة وغير المعبدة، و أفلت من وشوشة أجهزة الإرسال. لم تستطع له خطوات التنمية صعودا، ولم تلتف حوله أسلاك الكهرباء و لا الهاتف.
هنا حيث توقف الزمن عند الشمعة و قنديل " الغاز"، تبدو أنوار السماء أوضح و أكثر قربا من أنوار الحضارة. الناس هنا لا يتهيبون صعود الجبال، شبوا عليه و تعلموه قبل الكلام لكنهم ما زالوا يعيشون بين الحفر.
فارغة غرفتي إلا مني، شمعة يذيبها الأرق و قطعة ليل تلفنا. أدمنت إشعال الشموع وما زلت ألعن الظلام.
فارغة غرفتي من الدفء و عارية جدرانها إلا من أسماء الذين مروا من هنا و أيامهم محفورة أخاديد بعمق المعاناة. آويت إلى ركن لا يعصمني من البرد و لا من الوحدة و تكورت وسط بطانية لا تقيني لسعات البرودة المتسللة عبر شقوق البناء المفككك.
صوت الريح في الخارج عواء ذئب ، تشن هجوما مسعورا على كل ما يعترضها،يخيل إلي أنها تنتقم لهزائمها المتوالية أمام الجبل. معركة صمود ضارية تخوضها الأشجار و الجدران، لا تتضح خسائرها إلا مع شروق الشمس.
" ماذا أفعل هنا؟" ذات السؤال الموشوم على الجدار المواجه لي يصرخ في وجهي ككل ليلة ولم أستطع بعد إخراسه. رغم مئات الأجوبة التي قدمتها.
لم أعرف من من الذين سبقوني إلى هذه الغرفة نقش هذا الوجع هنا، لكني أحسست منذ أسبوعي الأول أنه وجه لي.
" ما الحياة إلا اختيارات" هكذا يقول الكتاب الذي بين يدي . أتراني أسأت الاختيار ؟ ... أكيد
لم أولد على قمة جبل. لم أولد لأعيش فيه، و لست أدري في أي منعرج سقطت مني أحلامي دفعة واحدة، في أي عبور أضعت بوصلتي لأنتهي في هذا السجن الطبيعي. حيث ما تولي و جهك فتم شيب الجبل يسد الأفق. لست من هواة الصمت و لا أحب الهواء النقي ، لم تتعود أذناي على الفراغ ، و كريات دمي امتزجت بعوادم السيارات و رائحة الزحام . لست شاعرا ولا رساما و لا متصوفا ، فلينعموا بالطبيعة ، و السكون و الجمال و وقار الجبل ، ليتربعوا على قمته و ليعيدوني إلى فوضاي و مجراي.
حلمت بكل شيء ... إلا أن أكون مدرسا في دوار منعزل على قمة جبل. أيكون هذا قدري المحتوم ؟ هل القدر هو ما يتبقى لنا بعد أن تتساقط أحلامنا تباعا؟؟
معدلاتي العالية كانت تفتح أمامي باب الاختيارات على مصراعيه ، أي ريح هذه التي أوصدته و قذفت بي إلى هنا؟؟
الصفحة قبل الأخيرة من الكتاب تقول لي أن " الواقع هو ما نموت عليه لا ما نحياه " و أنا لم أمت بعد.
" ما يزال الإنسان حيا ما دام يحلم"
أنا أيضا ما زلت أحلم !
" الحياة سلسلة من البدايات و نهاية واحدة"
لكن هل بإمكاني حقا البداية من جديد ؟؟
"أغلب الإنجازات العظيمة بنيت على أنقاض الفشل "
الصفحة الأخيرة تصرخ في وجهي بخط عريض : " قرر ، ثم انطلق ! لا تتردد لا تلتفت إلى الوراء. لا شيء يجبرك على الموت قبل أجلك"
لا شيء يجبرني على الموت، نعم.
"و حدهم الأموات مجبرون على قبورهم"
و أنا لست مجبرا على البقاء هنا، الحياة اختيارات و مسالك، لم أمت بعد، مازلت أنعم بحق تغيير المسار، بدل قضاء العمر محاولا إيجاد فجوة في سؤال .... لن أبيت غدا هنا.
أغلقت الكتاب ، حدقت في السؤال مليا ، رأيته يتضاءل ، يفقد سطوته ، أحسست أنه لم يعد يعنيني ... توسدت قراري ، تلحفت بعزيمتي و نمت.
شمس الصباح تغازل الفضاء بدفء محتشم، و ضباب ينجلي شيئا فشيئا مسفرا عن بساط أبيض. مرتديا وزرتي البيضاء ، كتبت تاريخ اليوم على السبورة و وقفت عند باب الفصل أنتظر و صول أبنائي.

عبد السلام دغمش
03-12-2013, 12:47 PM
الأستاذ الأديب عبد السلام هلالي

سردٌ ممتع واستغراق في أعماق النفس..ووصف للوحشة التي عاشها بطل القصة ..وحشة المكان ببعده عن المدينة وعن صخب الحضارة ..ثم وحشة الواقع داخل نفسية البطل ..يحاول أن يخرج من هذا الواقع ..لكن قدرته على التغيير لم تحركها القراءة ولإن تكررت ما دام لم يخض تجارب التغيير من قبل ..
وكانت النهاية تتمثل في العبارة: " توسّدتُ قراري..تلحّفتُ عزيمتي ونمت.."
أخي عبد السلام لقد نسجت نصّك هذا وحبكته بعناية ..
بورك فيك.

سامية الحربي
03-12-2013, 03:28 PM
الآمال العظيمة لا تصنعها صراعاتنا الداخلية .بطل القصة يعيش على هامش الحياة إلا في فصله على قمة الجبل و لوأدرك قيمة العقول التي أمامه لوفر على نفسه هذه الحسرات قد لا يكتب لنا أن نحيا في رغد العيش لكن بيدنا أن نحيا كراما حتى لو كنا على سفح جبل تعصف بنا الريح . وصف بليغ و ولوج دقيق لثنايا النفس الإنسانية. دمت بألق. تحياتي وتقديري.

بهجت عبدالغني
03-12-2013, 05:50 PM
هنا امتزج الفكر والفلسفة والأدب ، في صياغة فنية راقية جذّابة ..
نص جعلنا نعيش مع البطل في غرفته الفارغة ، نتأمل الجبال الشاهقة ، وأسئلته !

وأجاد القاص استخدام بعض الأشعار والمقولات المتداولة ، ووضعها في سياق تخدم نصه ..
كالبيت الشعري لأبي القاسم الشابي :
وَمَنْ يتهيب صُعُودَ الجِبَـالِ ........ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر

و ( بدلاً من لعن الظلام أوقد شمعة )


أخي المبدع عبد السلام هلالي
جميل ما سطرت هنا



محبتي وتحاياي

آمال المصري
04-12-2013, 04:59 AM
رتقت من بعض عبارات الحكمة التي نسجتها ببراعة نصا قصصيا مكلالا بالأمل الذي طفا من قاع الظلام
لغة أنيقة وتعابير راقية وفكر حكيم وحبكة متينة غلفت جميلتك
بوركت واليراع أديبنا الفاضل
تحاياي

كاملة بدارنه
04-12-2013, 08:44 PM
يبدو أنّ قرار اللّيل قد محاه نور النّهار
وصف رائع لحالة الصّراع النّفسيّ التي عاشها البطل، وكنّا نحسب أنّه سيقلب الأمور كلّها ولكن جاءت القفلة الرّائعة وأظهرت العكس
سرد جاذب حتّى النّهاية
بوركت
تقديري وتحيّتي

عبد السلام هلالي
06-12-2013, 09:43 PM
الأستاذ الأديب عبد السلام هلالي
سردٌ ممتع واستغراق في أعماق النفس..ووصف للوحشة التي عاشها بطل القصة ..وحشة المكان ببعده عن المدينة وعن صخب الحضارة ..ثم وحشة الواقع داخل نفسية البطل ..يحاول أن يخرج من هذا الواقع ..لكن قدرته على التغيير لم تحركها القراءة ولإن تكررت ما دام لم يخض تجارب التغيير من قبل ..
وكانت النهاية تتمثل في العبارة: " توسّدتُ قراري..تلحّفتُ عزيمتي ونمت.."
أخي عبد السلام لقد نسجت نصّك هذا وحبكته بعناية ..
بورك فيك.

الأديب الكريم و الصديق العزيز عبد السلام ،
سرني مرورك، تفاعلك القيم و كلماتك التي أضاءت ظلال الكلمات.
وكانت النهاية تتمثل في العبارة: " توسّدتُ قراري..تلحّفتُ عزيمتي ونمت.."
و اسمح لي أن أختلف معك هنا ، لأن النص لم ينته عند هذه العبارة . بل مع نهاية القصة ، و إن أعدت قراءته بدلالة العنوان سيتضح لك الأمر.
تحيتي و تقديري لمرورك المثمر.

سعاد محمود الامين
07-12-2013, 07:46 AM
الأديب عبد السلام
ماهذا البهاء..
لقد صنعت صباحي حين قرأت هذا القص الراقى
الزاخر بسبر غور النفس البشرية فى لحظة لفظها الواقع
...سرد ماتع ولغة فخمة ووصف كما الكمرة..
يا لك من مبدع يطيعك القلم بوركت

عبد السلام هلالي
08-12-2013, 12:09 PM
الآمال العظيمة لا تصنعها صراعاتنا الداخلية .بطل القصة يعيش على هامش الحياة إلا في فصله على قمة الجبل و لوأدرك قيمة العقول التي أمامه لوفر على نفسه هذه الحسرات قد لا يكتب لنا أن نحيا في رغد العيش لكن بيدنا أن نحيا كراما حتى لو كنا على سفح جبل تعصف بنا الريح . وصف بليغ و ولوج دقيق لثنايا النفس الإنسانية. دمت بألق. تحياتي وتقديري.

و دمت بخير و عافية أيتها الكريمة،
كلماتك إثراء و إضافة نوعية.
سررت بمرورك و شرفت بكلماتك الطيبة أختي غصن.
تحيتي و تقديري

عبد السلام هلالي
08-12-2013, 10:46 PM
هنا امتزج الفكر والفلسفة والأدب ، في صياغة فنية راقية جذّابة ..
نص جعلنا نعيش مع البطل في غرفته الفارغة ، نتأمل الجبال الشاهقة ، وأسئلته !

وأجاد القاص استخدام بعض الأشعار والمقولات المتداولة ، ووضعها في سياق تخدم نصه ..
كالبيت الشعري لأبي القاسم الشابي :
وَمَنْ يتهيب صُعُودَ الجِبَـالِ ........ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
و ( بدلاً من لعن الظلام أوقد شمعة )
أخي المبدع عبد السلام هلالي
جميل ما سطرت هنا
محبتي وتحاياي

و الاجمل مرورك أخي الكريم بهجت،
أشكر لك القراءة النافذة و المرور بين ظلال الحروف.
تحيتي و تقديري

خلود محمد جمعة
11-12-2013, 10:31 PM
الوصف الدقيق لحالة الصراع
التصوير الحي لكل ما يحيط به داحليا وخارجيا
مع السرد الرائع
جعلني اعيد قراءتها اكثر من مرة
قصة مائزة
وقلم رائع
دمت بخير
مودتي وتقديري

عبد السلام هلالي
13-12-2013, 12:57 PM
رتقت من بعض عبارات الحكمة التي نسجتها ببراعة نصا قصصيا مكلالا بالأمل الذي طفا من قاع الظلام
لغة أنيقة وتعابير راقية وفكر حكيم وحبكة متينة غلفت جميلتك
بوركت واليراع أديبنا الفاضل
تحاياي

و بوركت أديبتنا الكريمة على مجهوداتك الكبيرة و اهتمامك المستمر،
سرتني كلماتك وشرفت بشهادتك
تحيتي و تقديري

عبد السلام هلالي
13-12-2013, 12:58 PM
يبدو أنّ قرار اللّيل قد محاه نور النّهار
وصف رائع لحالة الصّراع النّفسيّ التي عاشها البطل، وكنّا نحسب أنّه سيقلب الأمور كلّها ولكن جاءت القفلة الرّائعة وأظهرت العكس
سرد جاذب حتّى النّهاية
بوركت
تقديري وتحيّتي

نعم سيدتي الكريمة ،
هو قرار الليل يمحوه النهار.
أشكرك على كرم التفاعل و الثناء و اللفتة الطيبة إلى العنوان.
تحيتي و تقديري

عبد السلام هلالي
13-12-2013, 01:00 PM
الأديب عبد السلام
ماهذا البهاء..
لقد صنعت صباحي حين قرأت هذا القص الراقى
الزاخر بسبر غور النفس البشرية فى لحظة لفظها الواقع
...سرد ماتع ولغة فخمة ووصف كما الكمرة..
يا لك من مبدع يطيعك القلم بوركت

كل ذلك من كرمك و تواضعك أختي الكريمة سعاد.
أشكرك على كرم الثناء و الكلمات المشجعة.
تحيتي و تقديري

ناديه محمد الجابي
13-12-2013, 04:57 PM
كم مرة أقرا قصتك هذه وأقف عند الإعجاب بها , دون أن أجد الرد المناسب لها..
أبحرت بنا في ذلك المكان النائي الموحش بوصف أبدعت في بنائه,
ووغلت بنا في أعماق ذلك البطل الرافض لواقع لا يحبه بفلسفة وتمكن,
الرغبة في التغيير, والقرار بالرحيل يسيطران على تفكيره
فما الذي جعل القرار يفقد سطوته؟؟ ولم تراجعت العزيمة؟؟
يبدو أن دفء شمس الصباح, وترقب وصول الطلبة قد أذاب كل الرغبات.

لوحتك القصية جميلة رائعة
والمشهد الإنساني عميق الحس, باهر المعاني.
سلمت يداك ولك تحياتي وودي.

ربيحة الرفاعي
13-01-2014, 02:12 AM
رائعة فكرة وأسلوبا ومعالجة
في سرد جميل ملفت وأداء مائز وظف التوصيف النابض والغوص الواعي في دخيلة البطل وتتبع حواره الداخلي لتحقيق بناء درامي مؤثر
القفلة موفقة والعمل ناجح بجدارة

دمت بألق أيها المبدع

تحاياي

محمد محمود محمد شعبان
22-01-2014, 03:57 PM
الأديب الرقيق
عبد السلام الهلالي
أعجبتي تلك اللقطة من حياة هذا المدرس
آه أيها الفذ لقد ذكرتني بأسلوبك الفريد بأيام الدراسة وأنا مستمتع الآن بإجازة نصف العام بعيدا عن الطلاب ولجان المتابعة :009:
ما أروع ما قرأته هنا


تحيتي

حمادة الشاعر

عبد الله راتب نفاخ
22-01-2014, 05:32 PM
إبداع في السرد والتصوير يفصصح عن أديب متمكن
راااائع بل فوق الروعة أستاذي
سلمتم ودمتم

نداء غريب صبري
09-02-2014, 04:00 PM
قصة جميلة ومميزة
ووصف للصراع النفسي الذي عاشه البطل

أمتعتني قراءتها

شكرا لك أخي

بوركت

عبد السلام هلالي
21-04-2019, 01:25 PM
كم مرة أقرا قصتك هذه وأقف عند الإعجاب بها , دون أن أجد الرد المناسب لها..
أبحرت بنا في ذلك المكان النائي الموحش بوصف أبدعت في بنائه,
ووغلت بنا في أعماق ذلك البطل الرافض لواقع لا يحبه بفلسفة وتمكن,
الرغبة في التغيير, والقرار بالرحيل يسيطران على تفكيره
فما الذي جعل القرار يفقد سطوته؟؟ ولم تراجعت العزيمة؟؟
يبدو أن دفء شمس الصباح, وترقب وصول الطلبة قد أذاب كل الرغبات.

لوحتك القصية جميلة رائعة
والمشهد الإنساني عميق الحس, باهر المعاني.
سلمت يداك ولك تحياتي وودي.

أختي الكريمة نادية، تتقاذفنا أمواج الحياة، تسطو الريح على أشرعتنا و تقودنا حيث لا تشتهي أحلامنا، تضع العواصف أوزارها، نرفع هاماتنا بعد انحناء طويل نتفقد الخسائر، و نجد هذه الواحة الفيحاء تحتفظ لنا بأغلى ما نملك، بنات أفكارنا، فشكرا لها كل الشكر، وشكرا لك على المتابعة و الدعم و التشجيع.

عبد السلام هلالي
21-04-2019, 01:36 PM
رائعة فكرة وأسلوبا ومعالجة
في سرد جميل ملفت وأداء مائز وظف التوصيف النابض والغوص الواعي في دخيلة البطل وتتبع حواره الداخلي لتحقيق بناء درامي مؤثر
القفلة موفقة والعمل ناجح بجدارة

دمت بألق أيها المبدع

تحاياي
الأديبة الكريمة ربيحة الرفاعي، كلماتكم المخطوطة على هامش حروفي المتواضعة تشد الأزر تمد اليد لتنتشلنا من الضياع، و تحثنا على الوقوف من جديد، فلكم جزيل الشكر على الانسانية قبل الابداع.

تسنيم الفراصي
21-04-2019, 03:37 PM
يُقال بأن قرارات ما قبل النوم -مساءً-
يمحيها شروق شمس يومٍ جديد،
قرارات هشة جداً.

عظيمٌ جداً هذا النص ! ،
حقاً عظيم.

فكرةً و أسلوباً أدهشني،
أرغب بالقراءة لك أكثر.

دمت و دام هذا الألق.