تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : السفينةُ الغارقة



هَنا نور
23-12-2013, 05:55 AM
السفينة الغارقة

دخلت عليهم العروس ترفلُ في ثوب الصباحية الوردي، وقد أشرق وجهُها الوضاءُ بابتسامةٍ خجلى.. وما إن التقت عيناها بعينيه حتى تحولَ بياضُ الخدين إلى حُمرةٍ متقدة .. قام إليها، وأحاطها بذراعيه ومالت برأسها على صدره، تداري خجلها، وأخذ يتمتم بالدعاء لها ولزوجها بالبركة والهناء ... لبثت العروس في حضن أمها لحظاتٍ أُخَر قبل أن يستلمها باقي المهنئين من الأقارب.

امتثلت " أميرةُ " لأمره وجلست بجانب حبيبها، عبدالرحمن ، وقد أضاء وجهيهما بهاءٌ رصَدته مجموعة من الصور قام العم بالتقاطها بكاميرا هاتفه

تجولت عينا أم أميرة في وجوه الحاضرين، وهي تردد في نفسها المعوذتين، وتنظر إلى العروسين فتعيذهما من شر نفسها.. وتنظر إلى زوجها المشغولِ بالتقاط الصور، وطفلٍ جميلٍ يشبهها يقف على الكرسي خلف أبيه ليشاهد الصور فور التقاطها، وتعود فتنظرُ إلى ابنتها العروس وتترقرق في عينيها دموعٌ هي تعرف جيداً مبعثها.

التقت عيناهما أخيراً .. استعادا معاً في نظرةٍ خاطفةٍ نفسَ الذكرى.. توجهت عيناهما معاً نحو العروسين.. ابتسما للعروسين وتشاغلا بالحديث مع الحضور.

أخيراً انتصر الحبُ على العادات والتقاليد، وعلى رغبة الأم المتعنتة، وعلا صوته فوق أصواتِ العُذالِ والحاسدين.. ومن ذا الذي نصرَه وأظهرَه؟ إنه هو.. هو ذاتُه الذي لم يجد من ينصرُه ذات حبٍ مضى.

****
- من سيربي بناتِ أخيك؟
- حفظك الله يا أبي.. وهل يمنعُ زواجي ممن أحببتُ أن أرعى بناتِ أخي ، رحمه الله ؟
- وماذا لو تزوجَتْ سعادُ من غريبٍ وأصرت أن تأخذ بناتها في حضانتها؟ أفنحرمها منهن ونحرمهن من أمّهن؟ أنتركُ لحمنا للغريب؟
- يا أبتِ .. تعرف أني و أرملةُ أخي لا يطيق أيُّ منا الآخر .. أنسيتَ يا أبتِ كيف كانت تتعامل معي واخوتي؟ أنسيت تعاليها وتكبرها على مساعدة أمي في تربية إخوتي الصغار وإصرارها على العيش في بيتٍ منفصل؟ أنسيت.....
- وهل نسيتَ أنتَ ما حلَّ بها وبُنَيّاتِها.. ألا ترى انكسارها بعد وفاةِ أخيك؟ سعادُ لا تزال في عزِ صباها وجمالِها ، وألف من يتمناها..
-لكنني لست أحد هؤلاء الألف.. لا أحبها، ولا أملكُ أمرَ قلبي.
-لا أنت ولدي ولا أعرفك يا محمد إن لم تتزوجها.. هذا آخرُ ما عندي..

****
- مُنى.. ما الذي أخرّكِ هكذا؟
- كانت لدينا محاضرات متأخرة اليوم.
- محاضرات متأخرة أم مواعيد بعد المحاضرات؟
- ماذا تقصدُ يا أبي؟
- أحقاً لا تعرفين؟ أقصد ما صار حديثُ أهل البلدة، في وجهي ومن وراء ظهري..
-أبي...
- لا أريدُ أن أسمع منكِ كلمة واحدة.. لم أعد أدري بم أجيبُ الناس عندما يسألونني عن موعد إعلان الخطبة..
- ألم يأتكَ خاطباً يا أبي؟ ألم تكن راضياً عنه؟ أليس هو محمد حافظ القرآن الذي طالما أُعجبتَ به وطالبتَ إخوتي أن يجعلوه مثلهم الأعلى؟
- وكيف أقبله وقد جاء بمفرده وبدون موافقة أبيه؟
-أنتَ تعرفُ موقف أبيه المتشدد..
- وأنا لن أوافق أبداً ما دام أبوه رافضاً.. ويجب عليه أن يكفَ شِعرَهُ عنكِ .. لقد صارت سيرتكِ على كل لسان.. وصار الناسُ يلقبونه بمجنون مُنى .. لم أعد أستطيعُ مواجهة الناس .. لا خروج لك من البيتِ بمفردكِ بعد اليوم .. كلامٌ نهائي.
- أتشكُ فيّ يا أبي؟
- لا .. أنت ابنتي الشريفةُ الطاهرة.. لكني أريد أن أقطعَ ألسنة الناس عنك.

****
وتفشل جميعُ الوساطات في إقناعِ أي من الأبوين بتغيير موقفه. والناسُ لا يكفون عن الحديثِ وإصدارِ الفتاوى والأحكام.. أقداماً ثقيلة تدهسُ بكلِ عزمٍ وإصرارٍ نبتةً غضةً ندية، لم تكد تهنأ بالضياء والهواء.

ترد مُنى على أحد الوسطاء رداً نهائياً قاطعاً بالرفض متمثلة قول ليلى العامرية:


إنه منى القلب أو منتهى شغله
ولكن أترضى حجابي يُزال ... وتمشي الظنون على سدله
ويمشي أبي فيغض الجبين ... وينظر في الأرض من ذله
يداري لأجلي فضول الشيوخ ... ويقتلني الغم من أجله
يمينًا لقيت الأمرين من ... حماقة قيس ومن جهله
فضحت به في شعاب الحجاز ... وفي حزن نجد وفي سهله
فخذ قيس يا سيدي في حماك ... وألق الأمان على رحله
ولا يفتكر ساعة بالزواج ... ولو كان مروان من رسله.


يسافرُ محمد هارباً من تعنتِ أبيه وإعراضِ حبيبته عنه، وهمزاتِ العذال والشامتين.

وتتزوج مُنى لتعيشَ بعيداً في إحدى مدن الشمالِ القاصية. وتتجنب العودة إلى بلدتها إلا في المناسبات.
وتبحثُ ألسنةُ الناس عن حديثٍ جديد..
ويعودُ محمد ليُرضي أباه المحتضَر ..
وتمر الأيامُ والأعوام.

رَنَّ جرسُ الباب .. أسرع عبدالرحمن يستقبل مهنئين من أقاربه .. وما إن التقت العيون حتى غاصت القلوب في أعماقٍ بعيدة ... كلٌّ يبحث عن شيئ ثمينٍ تركه قبل أن يقفزَ ذات يأسٍ من السفينةِ الغارقة.

سامية الحربي
23-12-2013, 08:00 PM
بعض العادات والتقاليد خرق بالية لا تستطيع سد شقوق القلوب المتصدعة ولكن الحياة تمضي رغم كل شيء و ينجح بعضها كما في صدارة القصة. مشهدان رسما بعناية عالجا قضية اجتماعية شائكة.مرحبًا بك وبقلمك أديبتنا .تحياتي وتقديري.

كاملة بدارنه
24-12-2013, 07:45 PM
سرد جاذب وعرض رائع لدور العادات والتّقاليد في مجتمعاتنا، وأسلوب جميل في السّرد
بوركت
تقديري وتحيّتي

آمال المصري
25-12-2013, 12:33 PM
عادات وتقاليد تطيح بطموحات البعض وتغير مسارات البعض وتصنع العراقيل أمام آمال وأحلام كانت قيد تحقيق لأصحابها
لغة متينة وسرد ماتع وحبكة قوية لنص جميل
بوركت واليراع هنا
ولك من الشكر أوفره ومن الزهر أعطره
تحاياي

خلود محمد جمعة
30-12-2013, 11:34 AM
كم من قلوب حطمت بسبب العادات البالية
سرد مائز
بحروف من ألق
دمت بخير
مودتي وتقديري

ناديه محمد الجابي
30-12-2013, 06:20 PM
كم من مواقف وقصص تقشعر لها الأبدان كان سببها التمسك
بالعادات والتقاليد البالية المقيتة ـ إن الإنسان العاقل هو من يتخذ
من العادات الأسلامية الأصيلة نبراسا له ويتجنب السيئة حتى لو نبذه مجتمعه.

نص ذكي اجتماعي ـ وأسلوب قصي متميز وملفت وبديع
وتقنية في العرض فيها احترافية.
دام إبداعك.

هَنا نور
01-01-2014, 09:58 PM
بعض العادات والتقاليد خرق بالية لا تستطيع سد شقوق القلوب المتصدعة ولكن الحياة تمضي رغم كل شيء و ينجح بعضها كما في صدارة القصة. مشهدان رسما بعناية عالجا قضية اجتماعية شائكة.مرحبًا بك وبقلمك أديبتنا .تحياتي وتقديري.




المبدعةُ الراقية الأستاذة غصن الحربي
أرحبُ بكِ في أولِ إشراقاتكِ على صفحتي في واحة الخير والعطاء.

كما تفضلتِ أختي الكريمة : بعض العادات والتقاليد تستطيع رأب الصدوع في البنيان الاجتماعي، وبعضها الآخر يزلزل ويكسر النفوس، وفي كلا الحالين تمضى عجلة الحياة ولا تتوقف لتهنئ هذا ولا لتجبر كسر ذاك..

شرفتِني بحضورك الراقي، وأعتز بقراءتكِ الواعية.

خالص مودتي وتقديري

هَنا نور
01-01-2014, 10:12 PM
سرد جاذب وعرض رائع لدور العادات والتّقاليد في مجتمعاتنا، وأسلوب جميل في السّرد
بوركت
تقديري وتحيّتي




الأديبةُ الكبيرةُ المبدعة الأستاذة كاملة بدارنة

بوركتِ أستاذتي وبوركت هذه الإطلالة الكريمة التي أتشرفُ بها دائماً.

خالص الود والامتنان والتقدير

هَنا نور
01-01-2014, 10:46 PM
عادات وتقاليد تطيح بطموحات البعض وتغير مسارات البعض وتصنع العراقيل أمام آمال وأحلام كانت قيد تحقيق لأصحابها
لغة متينة وسرد ماتع وحبكة قوية لنص جميل
بوركت واليراع هنا
ولك من الشكر أوفره ومن الزهر أعطره
تحاياي




الأديبةُ القديرةُ المبدعة الأستاذة آمال المصري

باقةُ وردٍ عاطرةٍ فاخرة، مغلَّفةٌ بخالصِ الود، وبطاقةُ إهداءٍ لا تتسع مساحتها لكل عبارات الشكر والتقدير فاختصرتهم جميعاً في

" شكراً لكم
مع خالص احترامي وتقديري "

هَنا نور
01-01-2014, 10:56 PM
كم من قلوب حطمت بسبب العادات البالية
سرد مائز
بحروف من ألق
دمت بخير
مودتي وتقديري




أديبتنا المبدعةُ المتألقة الأستاذة خلود محمد جمعة

تشرفتُ بمصافحتك هنا، وأضاءت صفحتى بحضورك الباهي.

جزيل الشكرِ، وخالص المودةِ والتقدير.

هَنا نور
01-01-2014, 11:18 PM
كم من مواقف وقصص تقشعر لها الأبدان كان سببها التمسك
بالعادات والتقاليد البالية المقيتة ـ إن الإنسان العاقل هو من يتخذ
من العادات الأسلامية الأصيلة نبراسا له ويتجنب السيئة حتى لو نبذه مجتمعه.

نص ذكي اجتماعي ـ وأسلوب قصي متميز وملفت وبديع
وتقنية في العرض فيها احترافية.
دام إبداعك.




المبدعةُ الرائعة الأستاذة نادية محمد الجابي

ليتنا بالفعل نقوم بتصفية عاداتنا وتقاليدنا، فنستبقي منها ما يتفق وتعاليم ديننا، ونذرُ ما يخالفها.. فلا شك أن الخير كله والبركات والرحمات في ظلال هذا الدين العظيم

أعتز دائماً بقراءتكم المتميزة ورؤيتكم النافذة إلى لُبِّ النص.
تشرفتُ بحضوركم الكريم.
خالص مودتي وتقديري.

ربيحة الرفاعي
16-01-2014, 02:09 PM
ليست العادات والتقاليد دستورا سماويا فيه الخلاص للبشر، وليست عرفا شيطانيا لا يأتي بغير الدمار والشر، وبين ما يحفظ المجتمع منها وما يضير به يقف الوعي حكما والعقلاء فرسانه
نص قصي متعدد المشاهد بسرد شائق وأداء طيب

دمت بخير أيتها المبدعة

تحاياي

نداء غريب صبري
05-04-2014, 12:41 AM
لأ أعرف لماذا اتهم الجميع العادات والتقاليد في تعليقاتهم مع أنها لم تكن مسؤولة عن ما حصل ..
لقد تحدت حبهما من جهته مخاوف والد فقد احد أولاده ويخاف على ولده الثاني، ومن جهتها حرص والد على سمعته بسبب أشعار محمد في ابنته
وقد تعاطفت معهما أكثر مما تعاطفت مع العاشقين

قصة جميلة أختي

شكرا لك

بوركت