تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ذكريات



محمد ياسين العشاب
24-12-2013, 07:04 PM
هذه قصيدة من الأرشيف تعود إلى صيف سنة 1997، وكنت في الثامنة عشر من عمري، وكان صديق حميم عزيز يراسلني من إسبانيا وأراسله، ويوما اقترح علي أن أنظم شعرا يؤرخ لمشاعري وما تنطوي عليه نفسي بعد انصرام مرحلة الطفولة وبداية الشباب، وقال إن طفولتك ومستهل شبابك كانا حافلين بمشاعر وأحداث خاصة لا يشاركك فيها أحد، فلم لا تخلدها بقصيدة؟
وبعد قراءة كلماته هاجت المشاعر واختلط طيف الذكريات بوقع القلم، فنظمت هذه الأبيات:

تَـجَوَّلْتُ أُحْيِي الـذِّكْـرَيَاتِ وَأَكْـتُـبُ**وَأَلَّـفْتُ أَوْرَاقًـا، فَـكَـيْفَ تُــرَتَّـــــبُ؟

وَشَـاقَتْنِيَ الأَيَّـــامُ لَــمَّا قَطَفْتُـهَا**مِنَ الْفِكْرِ غُصْنًا فِي الْخَمَائِلِ يُطْلَبُ

قَرِيـبَـةُ عَهْـدٍ فِي صِبَـايَ تَـأَلَّـقَـتْ**وَزَهْرَتُ ـهَـا مِنْ سِنِّيَ الْغَضِّ أَقْــرَبُ

وَعِنْدَ بُلُوغِ السَّبْعَ عَشْرَةَ لَمْ أَجِــدْ**سِوَى أَثَــرٍٍ فِي الذِّكْـرَيَـاتِ يُرَغِّـبُ

كَأَنَّ الصِّبَا مَا كَـانَ مِنْ قَبْلُ كَـائِـنًـا**وَهَلْ تَـدَعُ الأَيَّامُ مَا لَيْسَ يَـذْهَـبُ؟

*** *** *** *** *** ***

لَيَـالٍ بِأَزْهَارِ السَّـعَـادَة قَدْ مَـضَـتْ**إِذَا مَـرَّ يَـوْمٌ لاَحَ فِي الأُفْقِ كَوْكَـبُ

تَوَقَّـدَ صَدْرِي مِنْ سَـنَاهَا وَأَيْقَظَتْ**لَوَاعِـجَــ ـهُ جَـيَّـاشَــــةً تَـتَـلَـهَّــبُ

فَـلاَ الْقَلْبُ يَدْرِي مَـا أَصَابَ نِـيَاطَـهُ**وَلاَ الرُّوحُ تَـسْتَهْدِي لِفَهْمٍ يُقَــرِّبُ

تَرَكْـتُ زَمَـانًـا وَانْـصَـرَفْـتُ لِـغَـيْــرِهِ**فَمَـا لَكَ يَـا فَـجْـْرَ النَّـدَى تَتَهَــرَّبُ

أَرَاقَـكَ حَـالِـي وَالشُّعُـورُ مُـسَـيَّــجٌ**بِحَسْـرَتِ ـهِ وَالْفِكْـرُ سَـاهٍ مُـعَــذَبُ

كَـذَا كُلُّ بِشْـرٍ فِي الْحَيَاةِ بِسُرْعَـةٍ**يَغِيضُ، فَلاَ تَدْرِي مَتَى كَانَ يَعْذُبُ

وَقَدْ يُسْعِدُ الطَّيْفُ الْعُيُـونَ لِبُـرْهَةٍ**وَيَسْرِي سَرِيعًا فِي الْفُؤَادِ وَيَخْلُبُ

*** *** *** *** *** ***

مَشَيْـتُ وَقَلْبِي جَنَّــةٌ وَمَشَاعِرِي**رِيَـاضٌ وَأَنْـهَـارٌ تَـفِـيـضُ فَتُـخْصِـبُ

تَـدَفَّـقَ مَعْنَـاهَـا فَـأَنْـهَـلَ مَبْـدَئِي**وَكُـنْــتُ عَـنِ الآَمَــالِ لاَ أَتَـغَـيَّـــبُ

عَهِـدْتُ بِـهَـا الأَيَّـامَ تَنْسَابُ عَذْبَـةً**وَتِلْكَ الْأَمَـانِي وَالْمُـرَادُ الْـمُحَبَّـبُ

وَكُنْتُ أَرَى أَنَّ الْحَيَـاةَ سَـعَـــــادَةٌ**وَفِي بَـهْـجَـةِ الآفَـاقِ بَـدْرٌ مُـقَـرَّبُ

وَمَا اسْتَشْرَفَتْ نَفْسِي رَيَاحِينَ جَنَّةٍ**تَدُومُ عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ وَتَجْـــذِبُ

أَرَاقَـكَ حَـالِي يَـا زَمَـانُ وَمُهْجَتِي**لَهِيـبٌ، وَشَوْقِي دَائِـمًـا يَـتَـغَـلَّــبُ

تَنَاسَيْتُ فَاسْتَعْدَى عَلَيَّ خَوَاطِرًا**مُرَوِّعَــةً فِي قَلْبِ فِـكْـرِيَ تَـضْــرِبُ

تَسَلَّـتْ بِعَقْلِي فَاحْتَمَلْتُ تَغَـرُّبًـا**وَكُـنْــتُ بِـهَـا مِـنْ قَـبْـلُ لاَ أَتَـغَـرَّبُ

وَأَقْبَلَتِ الأَشْجَانُ تَسْكُنُ خَافِقِي**مُـؤَرِّقَــــةً مِنْ أَسْـرِهَــا أَتَـهَــيَّــبُ

فَـأَمْسَيْـتُ وَالدُّنْيَا تَضِيقُ بِرَحْبِهَـا**عَلَيَّ، وَأَسْـبَــابُ الأَسَى تَـتَـأَلَّـبُ!!

*** *** *** *** *** ***

بَقِيَّـةَ عَهْـدٍ بِالْمَـعَــانِي مُخَـلَّــدٍ**عَقَدْنَـا بِـكَ الْآمَـالَ نَسْعَـى وَنَرْقُـبُ

وَأَرْوَاحُنَا تَشْكُو الْجَفَافَ بِلاَ هُدًى**وَتَبْحَثُ فِي الظَّلْمَـاء وَالنُّورُ يُحْجَـبُ

سَلَوْنَاكَ يَا عَهْدَ السَّعَادَةِ إِذْ نَأَتْ**سَعَادَتُـنَــا، وَاشْتَدَّ بِالْقَلْبِ غَيْهَــبُ

إِذِ النَّاسُ فِي شَرْقِ الْبِلاَدِ وَغَرْبِهَا**عَلَـيْـهِـمْ بِأَحْـوَالِ الزَّمَـانِ تَعَـجُّــبُ

سَـلاَمٌ تَغَشَّـاهُ الظَّـلاَمُ مُـخَـيِّـمًـا**وَحَقٌّ طَوَى صَفْحًا يَضِيعُ وَيَنْضُـــبُ!!

*** *** *** *** *** ***

تَدَفَّقَ وِجْدَانِي بِـمَا فِيـهِ إِذْ جَرَتْ**مَشَـاعِـرُهُ تَسْلُـو الزَّمَانَ وَتَـعْـجَبُ!

أَيُغْتَـالُ فِي صَدْرِي النِّدَاءُ فَلاَ يَرَى**ضِيَـاءً، وَيَغْـتَـرُّ الدًَّعِـيُّ وَيَـغْـضَـبُ؟!

وَمَا كَتَموا الْأَنْفَاسَ حَتَّى تَبَخَّـرَتْ**أَمَـانِـيُّ ـهُـمْ تَـطْـوِي الزَّمَـانَ وَتَغْـرُبُ!

تَـوَسَّـلَ بِالْأَمْـسِ الْأَوَانُ لَـعَـلَّـــهُ**يُضِيءُ سَنَاهُ الْأَرْضَ خَيْرًا وَيَسْكُـبُ

تَقَـارَبَتِ الْأَزْمَانُ فَـاشْتَاقَ بَعْضُهَا**لِبَـعْـضٍ، وَأَضْحَـتْ بِاللِّـقَـاءِ تُـرَحَِّـبُ

عَلِـمْـتُ بِأَنَّ الْفَجْـرَ لاَ رَيْبَ قَـادِمٌ**وَبَـعْـدَ غَــدٍ عَـهْــدٌ أَبَــرُّ وَأَنْــجَــــبُ

*** *** *** *** *** ***

تَذَكَّـرْتُ أَيَّــامَ الطَّـفُـولَةِ وَالصِّـبَى**وَبِـــتُّ بِـذِكْـرَاهَـا دُجًـى أَتَـقَـلَّـــبُ

وَلَمَّـا دَجَى دَاجِي الظَّلاَمِ نَفَضْتُهَا**وَذَاكَ مِنَ الذِّكْرَى أَشَدُّ وَأَصْـعَــبُ

وَأَذَّنَ بِالْفَـجْـرِ الْمُـؤَذِّنُ فَـاغْـتَـدَى**يُـذَكِّـــ رُنِـي رَجْـعًـا يَجِـيءُ وَيَذْهَــبُ

قَطَفْتُ الْهُدَى مِنْ رَوْضِ جَدِّي نَوَاضِرًا**مَلَأْتُ بِهَا رُوحِي تَذُوقُ وَتَشْرَبُ

فَحَلَّقْتُ فِي أُفْقِ الْمَحَبَّةِ فَارْتَقَتْ**بِمَـحْضِ شُعُـورِي سَاطِـعًا يَـتَـوَثَّـبُ

سَبَحْتُ بِهِ فَوْقَ السَّحَـابِ فَجَنَّتِي**هُنَاكَ، وَما الدُّنْيَا بِشَيْءٍ يُرَغَّــبُ

سِـرَاجٌ يُضِيءُ الرُّوحَ وَاللَّيْـلُ حَالِـكٌ**كَـأَنَّ بُـرَاقَ النُّــورِ يَسْرِي فَأَرْكَبُ!

نُصَلِّي مَعًا وَالْفَجْرُ فِي الْكَوْنِ يَزْدَهِي**وَكُلُّ جَمَالٍ فِي الْوُجُودِ مُحَبَّبُ

وَأصْحَــبُ جَــدِّي لِلصّـلاَةِ بِجُمْعَــةٍ**وَأَسْمَعُهُ مِنْ مِنْبَرِ الْحَقِّ يَخْطُـبُ

يُـحَـدِّثُ أَنَّ الْأَرْضَ تَـشْـكُـــو مَرَارَةً**وَأَنَّ النُّفُـوسَ التَّـائِـهَـاتِ تُـعَــذَّبُ

تَخَطَّفَهَا عَصْـرُ الْحَضَــارَةِ فَـانْـبَـرَتْ**تُجَـرَّدُ مِنْ طَـعْـمِ النَّقَاءِ وَتُسْلَـبُ

وَحَدَّثَنِـي أَنَّ الـسَّـعَــادَةَ قَـبْـلَـنَــا**تَحَقَّـقَ مِنْـهَـا مَـا يَـرُوقُ وَيُطْــرِبُ

وَمَـا أَقْدَمَتْ نَفْسٌ عَلَى الشَّرِّ إِنْ وَعَتْ**دَلِيلاً إِلَى خَيْرٍ قَوِيمٍ يُـــؤَدِّبُ

*** *** *** *** *** ***

فَمَاذَا أَصَابَ الْأَرْضَ حَتَّى تَـبَدَّلَتْ؟!**وَ مَاذَا أَصَابَ النَّاسَ حَتَّى تَنَكَّبُوا؟!

كَأَنَّ الدُّنَى مَادَتْ! كَأَنَّ الْهُدَى هوَى!**وَهَاذ صُدورُ الْخَلْقِ حَرَّى تَلَهَّبُ!!

مَضَى مَنْ مَضَى لَمَّا تَخَطَّفَهُ الرَّدَى**وَقَدْ فَرَّ أَهْلُ الْكَهْفِ مِمَّا تَرَقَّبُــوا!

أَقُـولُ وَفِي قَـوْلِي الْعَـزَاءُ حَـيَـاتُـنَــا**إِذَا قَامَ دَاعِي الرُّشْد يَوْمًا تُصَـوَّبُ

عبد السلام دغمش
24-12-2013, 10:25 PM
الأستاذ محمد ياسين العشاب

قصيدة حافلة بالذكريات ومعاني الحكمة ..بارك الله في عمرك وشبابك..
وبارك فيك أن حفظت لجدك المعروف رغم تقادم الأجل..

"كَـذَا كُلُّ بِشْـرٍ فِي الْحَيَاةِ بِسُرْعَـةٍ**يَغِيضُ، فَلاَ تَدْرِي مَتَى كَانَ يَعْذُبُ

وَقَدْ يُسْعِدُ الطَّيْفُ الْعُيُـونَ لِبُـرْهَةٍ**وَيَسْرِي سَرِيعًا فِي الْفُؤَادِ وَيَخْلُبُ"

حقاً فما اكثر تقلب الحياة..!

تحياتي.

عارف عاصي
24-12-2013, 10:44 PM
فَمَاذَا أَصَابَ الْأَرْضَ حَتَّى تَـبَدَّلَتْ؟!**وَ مَاذَا أَصَابَ النَّاسَ حَتَّى تَنَكَّبُوا؟!

كَأَنَّ الدُّنَى مَادَتْ! كَأَنَّ الْهُدَى هوَى!**وَهَاذ صُدورُ الْخَلْقِ حَرَّى تَلَهَّبُ!!

مَضَى مَنْ مَضَى لَمَّا تَخَطَّفَهُ الرَّدَى**وَقَدْ فَرَّ أَهْلُ الْكَهْفِ مِمَّا تَرَقَّبُــوا!

أَقُـولُ وَفِي قَـوْلِي الْعَـزَاءُ حَـيَـاتُـنَــا**إِذَا قَامَ دَاعِي الرُّشْد يَوْمًا تُصَـوَّبُ




الشاعر الكريم
والأخ الحبيب

محمد ياسين العشاب

أبدعت أخي
وأنت تمخر عباب الذكريات
وتدلف من إلى الحياة بشتى تقلباتها


وكانت الخلاصة
أكثر من رائعة في الخاتمة


بورك القلب والقلم
تحاياي
عارف عاصي

هاشم الناشري
10-01-2014, 07:44 PM
تَدَفَّقَ وِجْدَانِي بِـمَا فِيـهِ إِذْ جَرَتْ**مَشَـاعِـرُهُ تَسْلُـو الزَّمَانَ وَتَـعْـجَبُ!

صدقتَ ! فقد تدفق وجدانك ودليله هذه المطولة الرائعة بما حملت
من الذكريات ، جعلك الله من السعداء في الدارين وأن تكون أيامك
حافلة بما يسرك ، وأن يصلح حال الأمة.

تحياتي وتقديري.

جلال طه الجميلي
10-01-2014, 08:22 PM
قصيدة رائعة موضوعا وصياغةً ..
أحسنت أيها الشاعر المُجيد وأنت تُقيّد الذكريات
بصور شعرية جميلة وكأنها (صور فوتوغراف)
ألتقطها مصور بارع

نداء غريب صبري
12-02-2014, 12:33 AM
شعر جميل ووفاء وسفر في الذاكرة وفي الذكريات
أمتعتني قراءتها

شكرا لك أخي

بوركت

د. سمير العمري
10-05-2020, 09:34 PM
أنت شاعر مفطور ومثل هذه القصيدة في مثل هذه السن خير شاهد!
هي قصيدة مميزة على بحر الطويل الذي يميز به عادة طبقات الشعراء ، وتدوين شعري مميز للسيرة والذكريات فلا فض فوك!


تَذَكَّـرْتُ أَيَّــامَ الطَّـفُـولَةِ وَالصِّـبَى**وَبِـــتُّ بِـذِكْـرَاهَـا دُجًـى أَتَـقَـلَّـــبُ
بل الصبا.


وَلَمَّـا دَجَى دَاجِي الظَّلاَمِ نَفَضْتُهَا**وَذَاكَ مِنَ الذِّكْرَى أَشَدُّ وَأَصْـعَــبُ
دجا الليل يدجو وليس دجى.
ثم إن في قولك دجا داجي الظلام حشو تكرار وترهل لا يليق بشاعر في قامتك قادر على أن يتحاشى هذا بتراكيب أفضل تثري المبنى والمعنى.


هذا وعتب كبير أبثه إليك في قلة تفاعلك في الواحة سواء مع من يتفاعل مع نصوصك أو تفاعلك مع نصوص الآخرين وأنت تعلم أن الواحة موقع تفاعلي ولعدم التفاعل دليل أو تأويل غير محبب في النفوس.


تقديري

عبدالحكم مندور
11-05-2020, 11:11 AM
قصيدة بتلك المعاني وبهذا الإمتداد جديرة بلفت الأنتباه والإعجاب والإحتفاء وإننا لننتظر مزيدا من الجديد/ تقبل خالص تقديري وشكري

محمد ذيب سليمان
11-05-2020, 12:10 PM
ويكفي انها حملت وسجلت ما كنت عليه فهي قصيدة فاخرة
وسوف تعيش معك ومن بعدك تحملك بما انت عليه
بوركت

عبد القادر حفصاوي
22-05-2020, 06:47 PM
قصيدة جميلة شاعرنا ضمنتها نظرتك وبعض الحكمة ..
دمت وسلمت ودام عطاؤك والجمال ..
تقديري ..