المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحلم الكبير



حارس كامل
29-12-2013, 08:55 PM
الحلم الكبير

===لم يكن الطفل يعرف حقيقة ما يدور في الخارج.. كان يسمع هديرا.. سرعان ما صار الهدير أصواتا صاخبة كدوي الرعد.
دفعه الفضول لأن يعرف حقيقتها، ومن أين تأتي.
صعد إلى سطح المنزل. رأى الطائرات تحلق في السماء. فرح، وداعبها بأحلامه الصغيرة.لوح لها بيديه، ونادها بصوته الصغير.غابت في الأفق البعيد؛ حزن وجلس في ركن السطح يدعو لها بالعودة.
كانت تحكي له جدته قبل نومه بأن الطائرة تعود بالأحباب، ومنذ لحظتها أصبحت الطائرة صديقته التي تزوره في الأحلام كل ليلة. يناجيها لتحقق أمنيته الغالية.
عاد الهدير يتزايد ويتزايد، وثمة صرخات مبهمة يرتفع صداها في كل مكان.
شعرت أمه بالخوف والقلق، زاد قلقها حينما نظرت حولها ولم تراه بجوارها. بحثت عنه في كل أرجاء المنزل، لم تجده. اشتعل صدرها بالرعب، تبدلت ملامح وجهها حتى بدت كالمجنونة.تذكرت سطح المنزل الذي يحب الجلوس فيه؛ متعته الوحيدة في الحياة. هرعت إليه مرعوبة، ورعبها يتزايد كل لحظة حتى صار كجبل يرزح فوق صدرها. صرخت في أعماقها:(كل شيء تغير يا صغيري، ولم يعد السطح مسرحا لأحلامك الصغيرة.. كل شيء تغير!)
بسرعة تدرجت السلم حتى كادت أن تقع. نادت عليه بجنون.. صرخت بكل أحاسيسها. لم يجبها؛ كان يحدق في السماء بكل شغف. ينتظر عودة الطائرة، ومعها حلمه الكبير.. عودة أبيه الغائب عنه منذ ولادته.
وصلت إلى السطح، رأته جاثيا على ركبتيه، رافعا يديه إلى السماء يبتهل بالدعاء كما علمته ذات مساء.
لمح الطفل الطائرات عائدة، و تقترب منه.فرح، فرد ذراعيه، قفز في الهواء، وكأنما يحاول التحليق؛ ليعانقها.
عاودت أمه النداء عليه مذعورة، ودنياها تتهاوى مع كل شيء يتهاوى حولها..
لم يلحظها؛ كان عقله مازال هائما مع معشوقته التي ستحقق نبوءة كلمات جدته.فتحت ذراعيها، وتوسلت إليه:
(تعال!)
بفرحة نظر إليها، ثم أشار بإصبعه إلى أعلى:
(ناديها معي أن ترجع بأبي!)
ذرفت عيناها بالدموع، وتألمت بشدة؛ حين تذكرت رحيل أبيه عنهم بقذيفة غادرة وهو في بطنها.
أمسك الطفل بغصن زيتون ولوح به مجددا إلى الطائرات، يستحثها أن تنزل إليه.اقتربت منه أمه، ورمت نفسها عليه، وعانقته.اختلطت دموعها بابتسامته العريضة.
اختلط رعبها من الغبار المتصاعد حولها بحلمه الكبير الذي رآه يقترب ويقترب..حملته فوق صدرها، وأسرعت بالنزول.. أخذت تقفز بخطوات متسارعة كأرنب؛ لتنجو وصغيرها من المجهول.لحظتها كانت عيناه معلقتان بالسماء، تحلقان مع الطائرات التي وقفت فوقهما تماما.. تماما.
رآها بعد ذلك تدور دورتين في الفضاء، ثم تدنو.. وتدنو؛ لتحقق حلمه الكبير الذي كان يرواده كل ليلة..



25/5/2013

عبد السلام دغمش
30-12-2013, 10:58 AM
الأستاذ حارس كامل

نصّ شائق نقل الينا حال تلك الطفولة البريئة .. براءتها بسلامة طويّتها .. ثم براءتها مما يحصل من صراعات وويلات..
جميلٌ ما قرأته هنا.

تقديري.

آمال المصري
31-12-2013, 02:41 AM
(ناديها معي أن ترجع بأبي!)
....................
...................
رآها بعد ذلك تدور دورتين في الفضاء، ثم تدنو.. وتدنو؛ لتحقق حلمه الكبير الذي كان يرواده كل ليلة..


ظل يحلم بأنها ستأتي له بوالده ببراءة ينتظر حتى تحقق الحلم .. ولكن جاءت لتأخذه حيث يرقد الغائب
جميلة فكرا وبيانا وحبكة وخاتمة مباغتة مؤلمة
ولم تره
بوركت واليراع المبدعة أديبنا الفاضل
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

حارس كامل
31-12-2013, 08:43 PM
الأستاذ حارس كامل

نصّ شائق نقل الينا حال تلك الطفولة البريئة .. براءتها بسلامة طويّتها .. ثم براءتها مما يحصل من صراعات وويلات..
جميلٌ ما قرأته هنا.

تقديري.

الشاعر الكبير/عبدالسلام دغمش
أشكرك على روحك الجميلة وطيب كلماتك
تحيتي وتقديري

ناديه محمد الجابي
31-12-2013, 09:46 PM
تضيع أحلام الطفولة وبرائتها فيما نعيش من أحداث
يكاد دوي المدافع يصم آذانهم, وأزيز الطائرات يروع قلوبهم
ومشاهد القتل والدمار شريط يتجدد أمام أعينهم كل يوم على
شاشات التلفزيون نقلا حيا لفصول الحرب والدمار.
وبين من يعيش الحرب ومن شاهدها من أطفالنا تضيع طفولتهم
وتزداد معاناتهم.
أما هنا فقد رسمت بحروفك صورة من حالات الطفولة البريئة
التي تغفل عن ويلات الحرب وآلامها بأسلوب قصي متميز
وبديع وسرد أنيق متمكن.
تحياتي وتقديري.

سامية الحربي
03-01-2014, 05:36 PM
مؤسف أن غدت مسارح أحلامنا فضاءات للأعداء .قصة جميلة جمعت ما بين المباشرة والرمزية .تحياتي وتقديري.

بهجت عبدالغني
03-01-2014, 06:30 PM
براءة ... وجريمة ...
أيّة قسوة هذه التي تخطف أحلام الأطفال ، وتزجّ بها في دهاليز الصراعات الآثمة
لتحقيق جشع شيطاني !

قصة
لغتها سهلة ، وأسلوبها جميل ، وسردها رائع ..

دمت بخير وعافية



وتحاياي

كاملة بدارنه
04-01-2014, 09:19 PM
سرد رائع رغم كآبة الواقع، ونهاية صاعقة
اغتيال الحلم ليس غريبا في زمن الغوغائيين
بوركت
تقديري وتحيّتي

حارس كامل
06-01-2014, 11:07 PM
ظل يحلم بأنها ستأتي له بوالده ببراءة ينتظر حتى تحقق الحلم .. ولكن جاءت لتأخذه حيث يرقد الغائب
جميلة فكرا وبيانا وحبكة وخاتمة مباغتة مؤلمة
ولم تره
بوركت واليراع المبدعة أديبنا الفاضل
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

القديرة المبدعة/آمال المصري
سعدت بقراءتك وكلماتك الثرية
تحيتي وتقديري

خلود محمد جمعة
08-01-2014, 10:59 PM
حتى احلام العصافير اغتيلت
وصف بسرد مائز
قصة مؤلمة بحرف متمكن
دمت بخير
مودتي وتقديري

ربيحة الرفاعي
25-01-2014, 03:58 PM
سرد جميل لفكرة بديعة صوبت نيران التعرية نحو همجية ما آل إليه الحال
واداء قصّي طيب بأسلوب موفق ونص مشوق

دمت بخير

تحاياي

حارس كامل
03-02-2014, 08:51 PM
تضيع أحلام الطفولة وبرائتها فيما نعيش من أحداث
يكاد دوي المدافع يصم آذانهم, وأزيز الطائرات يروع قلوبهم
ومشاهد القتل والدمار شريط يتجدد أمام أعينهم كل يوم على
شاشات التلفزيون نقلا حيا لفصول الحرب والدمار.
وبين من يعيش الحرب ومن شاهدها من أطفالنا تضيع طفولتهم
وتزداد معاناتهم.
أما هنا فقد رسمت بحروفك صورة من حالات الطفولة البريئة
التي تغفل عن ويلات الحرب وآلامها بأسلوب قصي متميز
وبديع وسرد أنيق متمكن.
تحياتي وتقديري.

القديرة المبدعة/نادية محمد الجابي
أشكر مرورك الوارف وحضورك البهي وكلماتك الأنيقة
تحيتي وتقديري

نداء غريب صبري
14-02-2014, 11:54 PM
أحزنتني هذه البراءة التي لم يرحمها الزمن

قصة جميلة وقراءة ممتعة

شكرا لك أخي

بوركت

د. سمير العمري
13-03-2015, 02:22 PM
أجادت القصة هنا لمس مواضع البراءة في حس الطفل بشكل إنساني مؤثر وذكاء في طرح نص قال الكثير بكلماته وقال ما هو أكثر بين تلك الكلمات.

بقي أن أشير إلى أهمية اللغة وضبطها في النص الأدبي وأنصحك دوما بهذا!

تقديري

د.حسين جاسم
06-04-2015, 12:32 AM
براءة ... وجريمة ...
أيّة قسوة هذه التي تخطف أحلام الأطفال ، وتزجّ بها في دهاليز الصراعات الآثمة
لتحقيق جشع شيطاني !

قصة
لغتها سهلة ، وأسلوبها جميل ، وسردها رائع ..

دمت بخير وعافية

وتحاياي

أحترم فكرك أيها الرجل

ولصاحب القصة أقول
أحسنت بناء فكرتك

أحييكما