تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كَمَثَل الكلب في -سورة الأعراف-



الدكتور ضياء الدين الجماس
29-12-2013, 09:08 PM
سورة الأعراف
(مثله كمثل الكلب...)


وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ 175 وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ 176(الأعراف)


تطلب الآية الأولى من النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين نبأ شخص آتاه الله آياته المبصرات ( سواء كانت نصوصاً مكتوبة أو مقروءة أو كرامات معجزة وغير ذلك من آيات كونية.. )، وأغلب المفسرين أنه من علماء بني إسرائيل يدعى بلعام بن باعوراء ، وبعد بلوغه مرحلة من العلم، نكص بالتزامه وخلد إلى الدنيا وشهواته الدنية .
هذا ويصح المثل على كل إنسان مثله ، فالآيات الربانية تملأ الكون وتحيط بنا إحاطة الجلد بالجسم، سواء آيات كونية كالشمس والقمر والنجوم... أو حيوية كالعين والسمع والقلب والتنفس والجلد نفسه فهي آيات محيطة بكل إنسان وتأتيه من كل مكان حوله، لكن هذا الإنسان إن غلبته شهواته الدنيوية وترك ما آتاه الله تعالى وانسلخ منها متنكراً لها، ولحق بالدنيا وركن إليها وكأنها حاجة أساسية ملحة له ولازمة لحياة جسمه. بل إذا كان يركض وراءها لاهثاً في كل أحواله ، فإن الشيطان سيلحقه ويغويه أكثر فأكثر ويضله ضلالا مبيناً .
مثل هذا الإنسان يبحث عن إشباع غرائز فيزيولوجية يمكنه أن يروضها ويتحكم بها في طاعة الله، كتناول الطعام والشراب وشهوة الفرج والتلذذ بالحواس (السمعية والبصرية واللمسية والذوقية والشمية).. لكنه لم يعبأ بتعاليم الآيات الإلهية وراح في الإسراف من الشهوات.
فشابه في هذه الحالة تماماً حالة الكلب الذي يلهث في كل أحواله سواء كان في حالة الراحة أو الجهد لحاجة ملحة في طبيعة جسمه – حالة فيزيولوجية بالنسبة للكلب (سواء لتلطيف حرارة جسمه المرتفعه أو تعديل الأيونات أو غاز ثنائي أكسيد الكربون المتولد بكثرة عنده..).
وينطبق هذا المثل على كل مكذب بآيات الله تعالى يعيش في الظلام ولا يرى الحقائق ، إذ لا يكذب بهذه الآيات الواضحات إلا من أعمته شهوات الدنيا وركض وراء لذاتها الزائلة .
وفي هذا المثل دعوة صريحة للتفكر بآيات الله تعالى وأمثاله. فمن يفتقد البصيرة السليمة لن يرى النور الإلهي الحقيقي الذي ينير الدروب المظلمة ويتجنب الوقوع في العثرات والوديان السحيقة.
ويشير المثل إلى سبب من أسباب العمى والابتعاد عن آيات الله تعالى وهو الطلب الداخلي للشهوات والركض وراءها دون تفكير أو تعقل أو تدبر.
ولذلك ذكر الحل للخروج من هذه الحالة في نهاية المثل وهو التفكر بآيات الله تعالى وتدبرها. فمن ينظر في آية العين يتوصل لاسم الله البصير ، ومن يتفكر بآية السمع يتوصل إلى اسم الله السميع ومن يتفكر في حكمة توزيع أعضاء جسمه من بصر وشم وسمع وحس معمم يتعرف إلى ربه الحكيم .. وهكذا..
فإذا عرفه لن يستبدله بترهات زائلة وسيبقى على الإيمان بربه وبآياته والالتزام بها. ومن هنا نفهم قوله سبحانه وتعالى ، ولو شئنا لرفعناه بها أي لو تفكر بها والتزمها لارتقى بدرجاته قرباً من خالقه لكنه لاذ بالأرض ولذاتها فأنى له الارتقاء في عالم الفكر والعقل ثم عالم الملكوت والطهارة ؟
والله أعلم

الدكتور ضياء الدين الجماس
29-12-2013, 09:12 PM
هناك سؤال أود طرحه لمن لديه فكرة لغوية أو علمية عن الموضوع ، والسؤال:

لماذا استخدم حرف الجر مع فعل سلخ هو الحرف من بدل عن أي لماذا قال : (فانسلخ منها)، ولم يقل (فانسلخ عنها) ؟!!!

الدكتور ضياء الدين الجماس
30-12-2013, 06:22 AM
لهاث الكلب خاصة فيسيولوجية فيه

http://www7.0zz0.com/2013/12/30/05/198736164.jpg (http://www.0zz0.com)

الدكتور ضياء الدين الجماس
30-12-2013, 08:11 AM
وجدت على النت هذه الصورة مع تعليق لطيف عليها

http://www4.0zz0.com/2013/12/30/07/430383977.jpg (http://www.0zz0.com)

آمال المصري
30-12-2013, 11:17 AM
هناك سؤال أود طرحه لمن لديه فكرة لغوية أو علمية عن الموضوع ، والسؤال:

لماذا استخدم حرف الجر مع فعل سلخ هو الحرف من بدل عن أي لماذا قال : (فانسلخ منها)، ولم يقل (فانسلخ عنها) ؟!!!

يأتي الله آياته لإنسان ويسبغ عليه من فضله وعلمه, ويمنحه الفرصة كاملةً للعلو والارتفاع, فعندما ينسلخ من تلك الآيات كأنما الآيات جلد يغلف لحمه فعندما ينسلخ يحتاج لجهد ومشقة حيث أنه تجرد من الغطاء الواقي والدرع الحامي بانحرافه عن الهدى واتباعه للهوى
لذا أعطى الحرف " من " أثرا أقوى حيث أنها تدل على براءته منها بانسلاخه التام وتخليه عنها كليا
هذا والله أعلى وأعلم
وشكرا لك أديبنا الفاضل على فتح تلك النوافذ القيمة وعلى الفائدة
تحاياي

الدكتور ضياء الدين الجماس
30-12-2013, 12:22 PM
يأتي الله آياته لإنسان ويسبغ عليه من فضله وعلمه, ويمنحه الفرصة كاملةً للعلو والارتفاع, فعندما ينسلخ من تلك الآيات كأنما الآيات جلد يغلف لحمه فعندما ينسلخ يحتاج لجهد ومشقة حيث أنه تجرد من الغطاء الواقي والدرع الحامي بانحرافه عن الهدى واتباعه للهوى
لذا أعطى الحرف " من " أثرا أقوى حيث أنها تدل على براءته منها بانسلاخه التام وتخليه عنها كليا
هذا والله أعلى وأعلم
وشكرا لك أديبنا الفاضل على فتح تلك النوافذ القيمة وعلى الفائدة
تحاياي

أستاذتنا وأديبتنا الفاضلة آمال المصري
أشكرك شكراً جزيلاً لتعاونك ومشاركتك في الإجابة على سؤالي الذي أود توضيحه أكثر:
علمنا من كتب الأدب والنحو أن لحروف الجر معان ترجح استخدام أحدهما بدل الآخر.
فمن معاني حرف الجر (عن) المجاوزة والبعد ، وأما حرف الجر (من) فيفيد ابتداء أو منطلق الغاية كما يفيد معنى الضمنية .
فعندما نقول خرج الطالب من المدرسة يفيد حرف الجر (من) هنا الإشارة بل التركيز على الخروج من ضمن المدرسة ، ولو قلنا خرج الطالب (عن) المدرسة فإننا نريد التركيز على بعد الطالب وابتعاده عن المدرسة ، وحسب هذا المعنى يبدو أن استعمال (فانسلخ عنها) كان يمكن أن يشير إلى المعنى الذي أردتيه في جملتك الأخيرة (..بانسلاخه التام وتخليه عنها كليا).
لذلك أرى أن فهم معاني القرآن تتطلب فهم الحقائق اللغوية كشرط أساسي لكنه قد لا يكون كافياً للوصول للحقيقة دون التفكر في الحقائق العلمية المدروسة وشروط وصفها لغوياًً.
ونلاحظ في هذا الباب أن القرآن الكريم لم يستعمل حرف الجر (عن) مع الفعل سلخ بل استعمل حرف الجر (من) في هذه الآية ، والآية الكريمة : ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون).
ولم يقل ( نسلخ عنه النهار) ، فلابد من إعمال الفكر على قاعدة اللغة المتينة للوصول إلى أقرب معنى يحقق المراد والله أعلم به.
سأبدي المعنى الذي جال بخاطري حول تدبر هذه الآية الكريمة لغوياً من جهة وعلمياً ومعرفياً من جهة أخرى، بعد تقصي آراء الأدباء حول هذا الموضوع تجنباً للأخطاء اللغوية الممكنة قدر الإمكان.
أكرر شكري الجزيل لشخصك الكريم وإثرائك اللغوي الأدبي الذي نحتاجه دائماً ولا نستغني عنه.

بهجت عبدالغني
30-12-2013, 06:09 PM
ومن بلاغة هذا المثل :
قوله تعالى ( فانسلخ منها ) فهو من البيان بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال ، أي خرج منها بالكلية انسلاخ الجلد من الشاة . وقال أبو السعود في تفسيره : ( التعبير عن الخروج منها بالانسلاخ للإيذان بكمال مباينته للآيات بعد أن كان بينهما كمال الاتصال ) .
وقوله تعالى ( كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ) فيه تشبيه تمثيلي أي حاله التي هي مثل في السوء كحال أخس الحيوانات وأسفلها وهي حالة الكلب في دوام لهثه في حالتي التعب والراحة فالصورة منتزعة من متعدد .


شكراً دكتور ضياء الدين الجماس
على هذه المساحة الطيبة
لتدبّر كتاب الله تعالى



وتحاياي

الدكتور ضياء الدين الجماس
30-12-2013, 06:43 PM
ومن بلاغة هذا المثل :
قوله تعالى ( فانسلخ منها ) فهو من البيان بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال ، أي خرج منها بالكلية انسلاخ الجلد من الشاة . وقال أبو السعود في تفسيره : ( التعبير عن الخروج منها بالانسلاخ للإيذان بكمال مباينته للآيات بعد أن كان بينهما كمال الاتصال ) .
وقوله تعالى ( كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ) فيه تشبيه تمثيلي أي حاله التي هي مثل في السوء كحال أخس الحيوانات وأسفلها وهي حالة الكلب في دوام لهثه في حالتي التعب والراحة فالصورة منتزعة من متعدد .
شكراً دكتور ضياء الدين الجماس
على هذه المساحة الطيبة
لتدبّر كتاب الله تعالى
وتحاياي



شكراً لك أخي الفاضل بهجت على تكرمك بالمشاركة الطيبة.
وتنفيذاً لطلب الآية الكريمة في نهايتها بالتفكر (... فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) أود أن أبين هذه الومضة التي جالت بخاطري عند تدبر هذه الآية الكريمة:
لو رجعنا إلى المعاجم كلسان العرب نجد فيه تحت كلمة سلخ :
السَّلْخُ: كُشْطُ الإِهابِ عنِ ذيهِ. سَلَخَ الإِهابَ يَسْلُخه ويَسْلَخه سَلْخاً: كَشَطه.
والسَّلْخُ ما سُلِخَ عنه.
وسَلَخَت المرأَة عنها دِرْعَها: نزعته؛ قال الفرزدق: إِذا سَلَخَتْ عنها أُمامةُ دِرْعَها.
فنلاحظ أن حرف الجر (عن) الذي يفيد معنى البعد يستعمل عندما يستعمل السلخ لرداء أو جلد أو درع أو أي شيء سطحي يحيط بالجسم كالجلد مثلاً.
ولو كان للجلد ألياف تمتد إلى أعماق الجسم لما صح استعمال حرف الجر (عن)، بل يجب استعمال حرف الجر (من) في مثل هذه الحالة للدلالة على الانسحاب من ضمن الجسم.
ولما كانت آيات الله تعالى تحيط بالإنسان من خارجه ومحيطه ، بل تمتد إلى جميع مكوناته الداخلية من قلب ورئة ودماغ ودم وخلايا، فلا يمكن لأي مخلوق أن ينسلخ عن آيات الله، فهي تلفه وتكونه ، وحاله كمن يتساءل هل يمكن لإنسان أن ينسلخ عن الهواء الذي يحيط به ويدخل إلى داخله ؟... هذا مستحيل.
ويكون الانسلاخ منها يعني عدم الولوج فيها تفكراً وتدبراً لاكتشاف حكمتها وأحكامها ، ومعرفة الله تعالى من خلالها ، أو تركها ونسيانها أو الانسحاب من ضمنها إن ولج يتفكر فيها ذات مرة... والانصراف إلى الدنيا وشهواتها ومباهجها راكضاً لاهثاً وراءها.
وكمثل هذا الاستعمال في القرآن الكريم قوله : وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ، ولم يقل نسلخ عنه النهار ، فالآيتان (الليل والنهار) متداخلتان تكوينياً وليست إحداهما قشرة للأخرى ليتم فصلهما عن بعضهما، وإنما هي عملية تداول الإنارة وولوجها بين جهتين متقابلتين لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى.
ولعل في هذا المعنى يتضح قول الله تعالى : وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ.
أي لو ولج في آياتنا متفكراً متدبراً لرفعناه بها ، ولكنه انسل منها (تناساها وانسلخ منها) راغباً بملذات الدنيا الأرضية ... وأجمل ختام في الآية قوله تعالى فاقصص القصص لعلهم يتفكرون.
فالحكمة النهائية ضرورة ولوج الآيات وطلب التفكر الصحيح فيها وعدم الانسلاخ منها.
والله أعلم

الدكتور ضياء الدين الجماس
31-12-2013, 07:13 AM
باختصار :
بما أن حرف الجر (من) يفيد معنى الابتداء الضمنية وآيات الله تعالى تحيط بالإنسان من كل مكان حتى من داخله، فاستعمال حرف (من) مع فعل السلخ (انسلخ منها) أبلغ من استعمال حرف الجر (عن) (انسلخ عنها) لأن الآيات ليست سطحية بالنسبة للإنسان ولا تشبه الجلد فقط .
والمطلوب مزيد من التدبر والتفكر في آيات القرآن وإعمال الفكر العلمي الأدبي الفقهي...
(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)

عدنان الشبول
31-12-2013, 09:16 AM
جهد تشكر عليه دكتورنا الجميل
في مواضيعكم دائما استفادة



ألف تحية

الدكتور ضياء الدين الجماس
31-12-2013, 03:59 PM
جهد تشكر عليه دكتورنا الجميل
في مواضيعكم دائما استفادة
ألف تحية

ما شاء الله ... نجد نشاط في كل مكان.
رفع الله منازلك وزاد همتك ..
وعلو الهمة من الإيمان.
جزاك الله خيراً

محمد حمود الحميري
21-01-2014, 02:41 PM
شكرًا دكتور ضياء الدين
جزاك الله عنا خير الجزاء .

الدكتور ضياء الدين الجماس
21-01-2014, 06:47 PM
شكرًا دكتور ضياء الدين
جزاك الله عنا خير الجزاء .
أخي محمد حمود الحميري
شكراً للمتابعة الصميمية وطيب الكلام
بوركت

ناديه محمد الجابي
10-04-2014, 10:42 AM
بارك الله فيك د. ضياء
وصدق الله حين قال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
أن العلماء الذين يقرأون آيات الله المنزلة في كتابه العظيم
والذين يتأملون في آيات الله المبثوثة في هذا الكون هم الذين
يخشون الله حق الخشية ويقدرونه حق قدره.

جعل الله تفكيرك وتفسيرك وتدبرك في ميزان حسناتك
وجزاك الله الفردوس الأعلى من الجنان.

الدكتور ضياء الدين الجماس
12-04-2014, 02:18 PM
بارك الله فيك د. ضياء
وصدق الله حين قال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
أن العلماء الذين يقرأون آيات الله المنزلة في كتابه العظيم
والذين يتأملون في آيات الله المبثوثة في هذا الكون هم الذين
يخشون الله حق الخشية ويقدرونه حق قدره.
جعل الله تفكيرك وتفسيرك وتدبرك في ميزان حسناتك
وجزاك الله الفردوس الأعلى من الجنان.

شكراً لك مشرفتنا الكريمة على كلامك الطيب المنير.
وهذا من حسن وعيك وطيبك وإيمانك.
جزاك الله خيراً