تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حائط المرحاض



سعاد محمود الامين
11-01-2014, 12:39 PM
حائط المرحاض
قصة قصيرة
ذعرت القابلة! عند خروجه من ظلمات الرحم، كانت كفه مبسوطة وأصبعه السبابة يشير .
حين تلقمه أمه ثديها يحرك أصبعه على سطحه دوائر وخطوطا،.تبهجها فتقبل أصابعه بحنوٍ بالغ. حين هبط على الأرض هبط بقوة، يجلس ولايتحرك كثيرًا، ولكن الأرض حولة تزدان بشخبطاته.. مانفك أصبعه.يخوض مع التراب معركةً.
عندما اكتشف الطبشور فى عتبات المدرسة، لون جدرانها بجميع مارأى فى عمره الصغير وجوه وحيوانات وطيور.
كان العقاب من نصيبه..المعلم يضربه بحافة المسطرة الخشبية، على ظهر كفه حتى لايحرك أصابعه ملونا كل سطح يراه فارغا.. تألم كثيرا..
فى عالم متخلف الصفع والضرب..ديدن تقويم السلوك وقتل الموهبة. فى المدرسة والمنزل والشارع. هولم يكن سلوكه معوجا ولكنه غريب الأطوار..المكان الوحيد الذى يجد فيه راحته ويكون وحيدا ومتأكدا أن لا أحد سيدخل عليه ويوبخه..يخفى الألوان فى طي سرواله وهو المرحاض..
جدران خالية من الرقيب، بعد أن يلبى نداء الطبيعة ويقضى حاجته، وغالبا لاتكون له حاجه سوى رسم أحلامه على حائط المرحاض...كان الأطفال يتأملونها ومعجبون برسوماته...بقرة وشجرة وطيور وزهور..حتى حارس المرحاض يتأملها متمتما:
ــ يهرب من الدرس ليبقى ساعة فى المرحاض مجنون !
ولكنه يزيل الرسومات من على حائط المرحاض خوفا من العقاب..فيأتى هو ويلونها.
كانت أسرته رقيقة الحال بعد أن توفى أبيه..ترك مقاعد الدراسة..يبحث عن ذاته.. فى الرسم يلون أحلامه..ولكن من يفهم قلقه وابداعه، وقد شحت لقمة العيش، انشغل الناس ببطش المعيشة ،وصار الناس كالبهائم يأكلون ويتغوطون ويتناسلون...
هو يبحث عن شئ ما ...الانعتاق من هذه الدوافع الأولية والبحث عن ذاته...
فوضى شوارع فى الزمن القاسي،والحاكم الجائر كان هو فى المكان الخطأ. اقتيد.. للمخفر ثم الحبس دون محاكمة..دون أن يأبه لوجوده أحد. متشرد غريب الأطوار..الزنزانه رقم 117 اختفت جدرانها المتهالكة تحت رسوماته الجميلة..خيول وشمس وتحليق.. وحدائق..
كان الرقيب يؤدى وظيفته.. متلصصا عليه..فهام برسوماته وغض الطرف..ومدّه بالألوان ليعيش حرا فى خياله..
سمع صوت وجلبة خارج محبسه..لم يهتم ولم يجأر بشكوى..
ـــ كيف يحبس دون محاكمة!؟
ــ متشرد مثير للشغب يقود مجموعة لصوص تهدد أمن المجتمع
سأله الزائر وهويتأمل رسومات فى غاية الإتقان
ـــ من أنت ..بحق السماء!
ـــ أنا رسام ابن الألوان
ـــ اطلقوا سراح الرسام.. الفنان لايؤذي أحد.!
صمت الجميع.
ابتسم وهو نائم! وتمتم هامسا:
ــ هناك من يفهم..مرحي
فصاح أحدهم للمارة المتجمهرة حول جسده المسجي على أريكة الحديقة:
ــ أنه يتحدث لم يمت!!
أيقظه الضجيج فتح عينييه، رأى الضوء الأبيض فتسرب منسابا ورحل...:os:
وانصرفوا.

آمال المصري
12-01-2014, 08:29 PM
موهبة أهرقتها النشأة والظروف المحيطة .. ثم سجن الذات الذي قبع داخله وصراع أودى به مسجيا على الأرصفة
رحم الله الكاتب الروائى والشاعر والفنان التشكيلى محمد بهنس الذي خلف وراءه سيرة ذاتية حافلة بالفن والأدب
نص بديع نقلت أديبتنا الفاضلة حياة فنان ترعرعت مواهبه على جدران المرحاض وانتهت به نهاية بئيسة
بوركت واليراع
تحاياي

كاملة بدارنه
12-01-2014, 10:09 PM
أنه يتحدث لم يمت!!
يبقى الإبداع بعد رحيل صاحبه، وإن مات مظلوما
سرد مؤثّر
بوركت
تقديري وتحيّتي

سعاد محمود الامين
13-01-2014, 05:58 PM
الأستاذة آمال
شكرالك على ماتفضلت به من تعليق باهر
وانقذتي النص من الغرق
كما أشكر تعاطفك مع المبدع الراحل بهنس
دمت بخير

سعاد محمود الامين
13-01-2014, 06:01 PM
الأديبة كاملة
تحية طيبة
مرورك أسعدنى وتصويبك (اللماح ) أعجبني قمت به منك استفيد دوما
دام قلمك ودمت بألف خير

عبد السلام دغمش
13-01-2014, 06:33 PM
في بعض البلدان .. وحين تظهر علامات النبوغ المبكرة : تجد من يتولاها بالرعاية والاهتمام لا بالاهمال والعقاب..
كثيرٌ من الموهوبين يعانون من هذا الاسفاف .. وكثيرٌ منهم لا ينهضون الا بجهود ذاتية.
نص جميــل.

تحياتي.


ما انْفكّ

سعاد محمود الامين
13-01-2014, 08:37 PM
الأديب عبدالسلام
فعلا هناك من تقف مسيرة ابداعهم لظروف حياتهم وتربيتهم
هناك نوابغ تركوا الدراسة وهناك مواهب قبرت
لا الحكومةترعى عبقرى اومبدع ولا الأسر
اللهم الا الجيل المثقف من الاباء والامهات القادم
شكرا لك على المرور

ربيحة الرفاعي
02-02-2014, 01:01 AM
مسجى على أريكة في حديقة عامة أو ملقى على رصيف في شارع خلفي موبوء ....
متجمدا بردا أو قتيلا بضربة على رأسه ...
لا فرق .. فهو فيها جميعا قتيل واقع لا يفسج للجمال أو الحق على قارعته موطئ قدم

نابض بالمعاني السامية حرفك أيتها الرائعة

دمت بخير

تحاياي

نداء غريب صبري
17-04-2014, 01:15 AM
الإبداع تقتله الظروف غير المؤاتية
وعالمنا العربي كلّه ظروف غير مؤاتية

رحم الله محمد بهنس الذي لا يعرفون كيف مات وتجمد على الرصيف

شكرا لك أختي

بوركت

سعاد محمود الامين
17-04-2014, 06:14 PM
الأخت نداء
تحية طيبة
شكرا لروحك الشفيفة..العطوفة
ما أقسي حياة الأبداع فى الوطن العربي
التشرد والموت خارج بلادهم
لان الأبداع نور والمبدع لايرى غير النور
وخفافيش الظلام لاترحم فيتشردوا فى ا لمنافى
دمت بخير

خلود محمد جمعة
21-04-2014, 08:10 AM
مؤلم ان يدخل بعض العلماء او الفانين التاريخ من ابواب قبورهم
للفكر بين سطورك عمق ولحروفك كل المعاني الجميلة
دمت عميقة متعمقة
مودتي وكل التقدير

ناديه محمد الجابي
28-11-2018, 08:12 PM
الراحل بهنسي الفنان والأديب السوداني تناوشته العبقرية والجنون
فأقام في عزلته ينام في حواشيها ويرسم على متونها رؤيته للعالم
ويمتد إبداعه إلى الحيطان ملونا رافضا إنفصال الجنوب
مضى إلى ربه شاكيا من دنيا لم ينكر عليها سوى أن
رحلته الطويلة من الألام قد انتهت أخيرا.
رحم الله الفنان الشاب بهنسي فرحيلة يؤرخ لماساة جيل كامل.
نص تألقت فيه كعادتك واكتملت ملامح الجمال
تحياتي وتقديري.
:009::005::009: