المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مستويات الحرية والعقل الاسلامى



هشام النجار
29-01-2014, 09:31 PM
ابن القيم رحمه الله يقول – فى اعلام الموقعين - " الله سبحانه وتعالى أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذى قامت به السماوات والأرض ، فاذا ظهرت أمارات العدل وأسفر صبحه بأى طريق فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره " ، ومن مقتضيات العدل الالهى ولوازمه تلك المستويات الممنوحة للبشر من الحرية .
واذا تتبعنا مسارات هذه القضية الكبيرة على مستوى ارتباطها بالدين والشريعة ، عجبنا من سطحية وسذاجة تعامل العقل الاسلامى الحماسى معها بما قد يطيح بأحد أهم معالم الشريعة وأركانها الخالدة .
قد ينشأ الخلط – كما أسلفنا – من عدم الفصل بين حقوق الله المرتبطة بضمير الفرد والمتعلقة بالجوانب التعبدية والاعتقادية ، وحقوق العباد التى تحتاج لسلطات دولة وقوانين لضبطها وانفاذها ، وهو جانب محدود جداً تم التوسع فيه والمبالغة على حساب مساحات الحرية الواسعة الخارجة عن سلطان القوانين والملاحقات والمراقبة ؛ فليس من الشريعة فى شئ ارغام الناس على غلق متاجرهم فى أوقات الصلاة أو اجبار السيدات على ارتداء الحجاب بقانون وعقوبة .
سلطة الله على عباده وعلى الكون محيطة بجميع ما كان وما يكون ، فلا يقع فى الكون شئ الا بما يشاؤه ، ومساحة حرية الانسان وسط هذا الملكوت المطلق يقول عنها الامام محمد عبده : " فليعط الانسان الارادة وليفعل هو بهذه الارادة ما يشاء الى يوم الحساب ؛ فالله سبحانه خلق السماوات والأرض وما فيهما بقدرته وهو قادر على كل شئ ، وهذه القدرة التامة تقتضى علمه بكل شئ ، اذ يعلم ما فى الصدور وهو علام الغيوب ، فهو يعلم أفعال الانسان اذا كانت خيراً وان كانت شراً ، والى جانب ذلك خلق لعباده ارادة حرة وحكم فيها عقولهم ، فالانسان اذن بعقله يفكر وبمداركه يفهم ويعلم ، لهذا كان تبعاً لارادة المرء وعقله مختاراً فيما يُقدم عليه من الأعمال ، وبالتالى يُسأل عن أفعاله طالما أنه حر فى الاختيار ؛ فالسارق يسرق بارادته ، كما يزنى بميوله وشهواته ، بمعنى أنه ينفذ ما يقدم عليه بارادته لا بارادة القضاء المكتوب ، فالانسان مسئول عن أفعاله عملاً بقوله تعالى " كل نفس بما كسبت رهينة " ، وعلى ذلك يتقرر أن الشريعة تسائل المرء عن أفعاله مسئولية كاملة " .
هذه الحكاية عن عبدالله بن عمر تبسط لنا المسألة ؛ أن بعض الناس قالوا له : يا أبا عبد الرحمن ان قوماً يزنون ويشربون الخمر ويسرقون ويقتلون النفس ويقولون : كان فى علم الله فلم نجد بداً منه ، فغضب عبدالله بن عمر ثم قال : سبحان الله العظيم ، قد كان ذلك فى علمه أنهم يفعلونها ولم يحملهم علم الله على فعلها ، حدثنى أبى عمر بن الخطاب أنه سمعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مثل علم الله فيكم كمثل السماء التى أظلتكم والأرض التى أقلتكم ؛ فكما لا تستطيعون الخروج من علم الله وكما لا تحملكم السماء والأرض على الذنوب ، كذلك لا يحملكم علم الله عليها " .
فلا يعقل أن يدفع الله سبحانه وتعالى هذا الشخص أو ذاك الى السرقة وشرب الخمر والزنا ، فهذا يتناقض مع نهيه سبحانه عن هذه الأفعال ويتناقض مع العدل الالهى المطلق .
ليأتى اجبار الناس بسلطة القانون – كما فى بعض التطبيقات الشوهاء للشريعة – على الصوم أو الصلاة أو الحجاب متناقضاً مع هذه القيمة المطلقة ، وليفرغ قضية الخلق والمسئولية من مضمونها ، ويجعل الانسان كائناً بلا ارادة ولا اختيار ، ويجعل العبادات والمعتقد - وهى أعلى وأعظم قيم الدين - عُرضة لملوثات النفاق والخداع وتملق البشر ومراءاتهم ، وصولاً بكنوز الجوهر والمضمون الغالية الى المتاجرة فى أسواق المظاهر الخاوية .
جاء على لسان ربعى ابن عامر فى خبر دخوله على رستم ابتعاث المسلمين لاخراج الناس من جور الأديان الى عدل الاسلام ، وهذا المستوى التحررى اقتضى قول عمر الفاروق " ألا انما أبعث عمالى يعلموكم دينكم وسنة نبيكم ولا أبعثهم ليضربوا ظهوركم ولا يأخذوا أموالكم " ، وأيضاً : " ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم ولا تجمروهم فتفتنوهم ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم " ، واستلزم هذا المنهج القصاص من ابن عمرو بن العاص بشهود المؤمنين بخاتمة قول عمر الخالد " مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً " .
وهذا مستوى آخر من الحرية أضر به العقل الاسلامى الحماسى عندما استصحب فقط قول ربعى وغفل عن منهج عمر ، وغفل عن " البينات " و " الكتاب " و " الميزان " و " القسط " ليقفز مباشرة الى " الحديد " ، ليصبح دين الله وكتابه المنزل بالحق ورحمته المهداه للعالمين قتالاً أول ما يكون ، أو عقاباً وقصاصاً وحداً وتعزيراً أول ما يكون .
وللحديث بقية ان شاء الله .

خليل حلاوجي
29-01-2014, 10:13 PM
اجبار الناس بسلطة القانون تتنافى مع روح الشريعة .. لست عليهم بمصيطر ..


ننتظر المزيد.

هشام النجار
02-02-2014, 04:14 AM
اجبار الناس بسلطة القانون تتنافى مع روح الشريعة .. لست عليهم بمصيطر ..


ننتظر المزيد.

شكرا جزيلا للأديب والمفكر الأستاذ خليل حلاوجى .. يشرفنى حضوركم وتوقيعكم البهى