تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مخيم الموت



محمد أحمد دركوشي
10-02-2014, 12:09 PM
وثكلى قدْ تعلّقها الشّقاءُ
يطارحُها الهمومَ متى يَشاءُ
كسَاها من قماشِ القهرِ ثوبًا
ومن جلدِ الأسَى كانَ الحذاءُ
لهَا من كلّ نازلةٍ نصيبٌ
وحصّتها من الدّاءِ العَياءُ
كأنّ عيونَها سُملتْ بشوكٍ
فدأبُ عيونها الوسنى البكَاءُ
غفَا في حُجرها قمرٌ رضيعٌ
محَا الأنوارَ في عينيهِ داءُ
حَباهُ اللهُ بالميلادِ حُسناً
فغيّرهُ إلى القبحِ الشقاءُ
ذوى حتى كأنّ الجسمَ لم يبْـ
ـقَ فيهِ ما تعلَّقَهُ الذمَاءُ
ترعرعَ في بلادِ الظلمِ عشراً
وشرّدهُ من الوطنِ البلاءُ
أتتْ بصغيرها الأعرابَ ترجو
ففي غضبِ الملايين العزاءُ
أشارتْ وهيَ راجيةٌ إليهِ
ونارُ القلبِ في العينينِ ماءُ
فقالوا: كيفَ يا بئسَ الثكالى
نكلّمُ من تلمّظهُ الفناءُ؟
خيامُ الزعتريّ لكمْ مقامٌ
ومَا عندَ الورى إلا الدعاءُ
يقالُ سَفائنُ الإحسانِ تدنو
تكدّسَ في خزائنها الغذاءُ
أجابتهُ وماءُ العينِ سَكبٌ
لمن بالخبزِ يأتي الأصدقاءُ؟
ولم تبقِ المنايا طيفَ إلفٍ
فبيتي من أحبتهِ خَلاءُ
ترنّحَ فوقَ كفّيها المسجّى
كمَا العصفورُ بلّلهُ الحَياءُ
وخاطبهمْ ولمْ يهتفْ بحرفٍ
ويعلمُ أنّ صَرختهُ هباءُ
هسيسُ الفلسِ مسموعٌ لديهم
وخفقُ القلبِ يخنقهُ الهواءُ
أنا العربيّ والأحرارُ أهلي
وأنتمْ في العروبةِ أدعيَاءُ
غداةَ تضرّمتْ بيروتُ ناراً
وفي بغدادَ عاثَ الأشقياءُ
دمُ العربيّ فينا صَاحَ أهلاً
وصَافحَ فيكمُ الكفَّ الإخاءُ
وهَا أنتمْ تجازونا المنايا
فلا زادٌ هنَاكَ ولا دواءُ
ولا قربى لهَا حَقٌ يُراعى
ولا عُجُزٌ تصانُ ولا نساءُ
أسارى في المخيّمِ دونَ أسرٍ
نساقُ كأنّنا إبلٌ وشَاءُ
تعافُ طعامَنا وحشُ البراري
وتأبى ماءَنا العفنَ الجراءُ
ضَحايا الحرّ إذمَا الصّيفُ وافى
وصَرعى البردِ إنْ هجمَ الشتاءُ
أضاعَ بأمّةِ الدّينِ التآخي
وماتَ بأمّةِ العربِ الرجاءُ؟
أرى الأقوامَ ليسَ لهم شعورٌ
ولا دينٌ يصدّ ولا وفَاءُ
كأنّ قلوبَهم رُصفتْ بصخرٍ
وأنّ دمَاءَهم واللهِ مَاءُ
***
أيَا أمّ الكرامةِ لا تنادي
رجالاً ليسَ يبعثهم نداءُ
عَلَى إخْوانهم أسدٌ رجالٌ
وفي لُقيَا عَدُوٍّ هُمْ نساءُ
خَلا فئةٍ مرابطةٍ لهَا في
ميادينِ الوغى حسَناً بَلاءُ
فكلّ صَبيحةٍ تجْري دمَاءٌ
وتضـرَى كُلّ يَومٍ كربلاءُ
وعنترةُ المتوّجُ لا يبالي
أموتى آلُ عبلةَ أم سباءُ
فهمْ زعماءُ في سَاحِ الغواني
وفي الفتيا جميعاً أنبياءُ
وما زالوا على خُلفٍ قروناً
نقابُ الوردِ ثوبٌ أم رداءُ
وأن تغدو- حَلالٌ أم حَرامٌ -
طيورُ الدوحِ يغمرها الغناءُ
وإن همْ في مجالِ العلمِ خاضوا
تعجّبَ ضاحكَ الثغرِ الغباءُ
بَراءٌ منهمُ الإسلامُ طُرّاً
وأخلاقُ الألى منهمْ بَراءُ
***
أيَا أمّ الشريدِ فداكِ نفسي
أرى الظلماءَ يكنسُهَا الضياءُ
فخلّي عنكِ أحزانَ الثكالى
فعندَ الحرّ يَا أمّي الرجاءُ
دماؤهمُ تحطّمُ كلّ قيدٍ
سيسقطُ ما تحطّمهُ الدّماءُ
أراقوها بلا ذنبٍ سِوى أنـ
ـهمْ لإلهِ أحمدَ أوفياءُ
تحلّوا بالإباءِ ومَا تخلّوا
نعمّا حليةُ الحرّ الإباءُ
وذابوا في ترابِ الحقِ عشقاً
مناراتٍ على الدّنيا أضاؤوا
أيا جيشَ الكرامةِ لا تصالحْ
فأبلغُ قولةٍ للظلمِ لاءُ
بأفئدةِ الملايينِ انسكبتم
غراماً لا يخالطهُ الريَاءُ
تعبّدَ في عفيفِ هواكَ قلبي
ومَا حبي عَلى فيضٍ جَزاءُ
فمن يجزي على المرجانِ بحراً
وهل جزيتْ على صَوبٍ سَماءُ
فلو أعطيتكَ الأحداقَ عقداً
لَمَا وفّاكَ من حدقي العطاءُ
أقمها دولةَ الأحرارِ فينا
رسَالتها إلى الدّنيا السّناءُ
سَتشرقُ شمسُ جلّقَ من جديدٍ
إذا مَا ضمّنا قولٌ سَواءُ
أرى الأيامَ لا تبقي ضعيفاً
وداراً بينَ أهليها عداءُ
فلمّ الضعفَ وابعثهُ جميعاً
فإنّ الضعفَ مجتمعاً بقاءُ
سَترهبنا الكواكبُ في علاها
فإنْ نغضبْ تغبْ خوفاً ذُكاءُ
فإنا أمّةٌ للمجدِ جوعى
وكم يحلو على الجوعِ الجناءُ
أراني حيثُ سِرتُ أرى شباباً
قشيب الروح موعده العلاءُ
إذا مَا الجيلُ راودهُ طريقٌ
فلا قدرٌ يحولُ ولا قَضاءُ
* * *
بني قومي إذا رفتْ حروفي
أبابيلاً حجارتها الصلاءُ
فإني مذْ رضعتُ لبانَ أمي
وليداً قد تعلّقني الإباءُ
وأقسمُ ما هجوتُ العرْبَ بغضاً
وليسَ سَجيّةً عندي الهجاءُ
ولكن جئتُ أرثي ميْتَ أهلي
فعزّ غداةَ لم يثبوا الرثاءُ
وعزّ على المتيّمِ أنْ يراهم
لدى البأساءِ كثرتهم غُثاءُ
وكانوا أهلَ عزّ يومَ كانوا
أعاريباً يظلّلهم خبَاءُ
وصَاروا أهلَ ذلّ يوم صَاروا
دويلاتٍ يبعثرها الولاءُ
وإنّي هَاجني فعلُ الغيارى
وكمْ يهفو إلى الماءِ الظِماءُ
فأطلقتُ القوافي صَادحاتٍ
ويجملُ في المروءاتِ الغناءُ

عبد السلام دغمش
10-02-2014, 01:32 PM
قصيدة رائعة بحقّ شاعرنا الكريم ..
ما أشدّ حرقة ما نراه في الزعتري واليرموك على النفس ..
مشاهد مؤلمة ..
ربما كان الاشباع والتدوير في بعض المواطن .. لكنها نادرة في هذه الدرر المنثورة المطولة .
دام ابداعك وسلم نبضك الاصيل وحسّك الصادق .
والدعاء موصول بان يفرج الله الكرب ويصلح الأمة بما صلح به اولها .
وافر تحياتي.

محمد حمود الحميري
10-02-2014, 07:55 PM
قصيدة بديعة متألقة تبوح بتألق يراعك السامق
رائعة في مضمونها ، ممتعة تدل على شاعر متمكن
سعدتُ بالتواجد بين ثناياها لعذوبتها .
مودتـــــي .

بشار عبد الهادي العاني
10-02-2014, 08:59 PM
سلم النبض واليراع , أستاذ محمد , قراءة أولى لهذه المعلقة المضمخة إباء وشموخاً , ولي عودة إن شاء الباري.
تحيتي وتقديري...

عبد العزيز الجلالي
11-02-2014, 12:51 AM
هذا والله الشعر فلا فضض الله فاك أضاءت حروفك أرجاء الواحة فهنيئا لك ما خط يراعك و اسأل الله ان يفرج همكم و غمكم إنه ولي ذلك و القادر عليه ..

عبد العزيز الجلالي
11-02-2014, 01:18 AM
و في نفسي من هذا البيت شيء :

إذا مَا الجيلُ راودهُ طريقٌ
فلا قدرٌ يحولُ ولا قَضاءُ

تذكرني ببيت شاعرنا ابي القاسم :

إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أين يستجيب القدر

مازن لبابيدي
11-02-2014, 02:39 PM
شاعر متمكن جميل الحرف قوي العبارة

القصيدة متينة السبك سلسة الوزن ، وقد أغنت عن كل تعليق .

تقديري وترحيبي بك أخي الشاعر محمد دركوشي

هاشم الناشري
13-02-2014, 05:27 PM
معلقة تنضح بالأسى ، ولا أدري متى ستزول غصّة هذا المسمّى (مخيّم)
من ذاكرة المواجع التي امتلأت بالأحزان والقهر والتشريد؟!

نسأل الله تعالى أن يكتب للأمة أمر رشد وأن يعيد الحق لأهله.

بورك النبض واليراع أيها الشاعر الأبيّ.

تحيتي وتقديري.

زاهرحبيب
13-02-2014, 05:32 PM
همزيةٌ أنيقةٌ كأنتَ أخي محمد
نفسك الشعري مذهل وحِنكتك ملفتة
تقبل ودادي ياصديقي

هبة الفقي
15-02-2014, 11:53 PM
رائعة رائعة
ماشاء الله
أبدعت شاعرنا وتألقت
دام هذا الرقي بحرفك

عبدالحكم مندور
16-02-2014, 08:16 PM
نعم يجمل في المروءات الغناء
نعم هنا الشعر بلغ غايته في قرع الاسماع ونشر الرسالة
وحث الهمم وفي ترجمة وضع مأساوي يظل استمراره عارا في جبين مدعي الحضارة
والمدنية نسأل الله أن تصحو الضمائر وأن يعود الوعي
خالص التقدير

أحمد محمد عراقى
14-11-2014, 11:31 AM
يقالُ سَفائنُ الإحسانِ تدنو
تكدّسَ في خزائنها الغذاءُ
أجابتهُ وماءُ العينِ سَكبٌ
لمن بالخبزِ يأتي الأصدقاءُ؟
ولم تبقِ المنايا طيفَ إلفٍ
فبيتي من أحبتهِ خَلاءُ

أوجعت قلوبنا والله وامتلأت أرواحنا ألما وحسرة
نسأل الله أن يفرج هم المهمومين
ويزيل كرب المكروبين
ويعجل بالفرج القريب

لمست بحرفك شغاف قلوبنا
لك منى التحية والتقدير

د. سمير العمري
14-05-2015, 04:37 PM
معلقة كتبها مداد الألم والأمل على رقعة من إباء فجاءت شاملة قد أحاطت بحال القوم علما ، وأناطت بأحرارهم مسؤولية التعبير عن الحق والتغيير للواقع المحتل بالباطل.

قصيدة رائعة وأداء شعري جميل ومضمون مهم على ما حملت من جلد للذات يشفع له الاستحقاق ثم الاستدراك في آخر القصيدة بالشرح والتبرير.

كأنّ عيونَها سُملتْ بشوكٍ
فدأبُ عيونها الوسنى البكَاءُ
صورة شعرية معبرة ومميزة!

أشارتْ وهيَ راجيةٌ إليهِ
ونارُ القلبِ في العينينِ ماءُ
هنا جمال الاستحضار للصورة القرآنية مع البيت الذي تلاه في القصيدة ، وهنا المقابلة المعبرة والمميزة بين نار القلب التي تتحول ماء عين.

كأنّ قلوبَهم رُصفتْ بصخرٍ
وأنّ دمَاءَهم واللهِ مَاءُ
بيت آخر جميل الأسلوب معبر الصورة ، ولكنه شاهد أيضا على ما أخذت على القصيدة من تكرار لعدة مفردات في القافية مثل ماء هنا ومثل إياء وغير ذلك ، وجيد أنك تجنبت الإيطاء ولكن شاعرا يكتب مثل ها الشعر لحري أن يتجنب التكرار.

تحلّوا بالإباءِ ومَا تخلّوا
نعمّا حليةُ الحرّ الإباءُ
هذا بيت رائع المعنى ولكنه أجمل من جهة المبنى بما حمل من محسنات كالجناس بين تحلوا وتخلوا ، ووقع تكرار الإباء الذي جاء هنا معبرا وجميلا.

وأقسمُ ما هجوتُ العرْبَ بغضاً
وليسَ سَجيّةً عندي الهجاءُ
ولكن جئتُ أرثي ميْتَ أهلي
فعزّ غداةَ لم يثبوا الرثاءُ
وعزّ على المتيّمِ أنْ يراهم
لدى البأساءِ كثرتهم غُثاءُ
وكانوا أهلَ عزّ يومَ كانوا
أعاريباً يظلّلهم خبَاءُ
وصَاروا أهلَ ذلّ يوم صَاروا
دويلاتٍ يبعثرها الولاءُ
أبيات أحسنت في سوقها شرحا تبريريا لما كان من جلد الذات المستحق وراقت لي كثيرا إلحاقا بالقصيدة ولكني رأيت أن تكون هي ما تختم به القصيدة وما تلاها من بيتين كانا خاتمة ضعيفة ولا دور لها بما سبب إثقالا لا ضرورة له.

هذا وإن النص هذا على ما حفل من ألق وعمق في المبنى وفي المعنى يستحق التقدير بالتثبيت في القلب.

ودام هذا الألق، وأصلح الله الحال!

تقديري

فجر القاضي
14-05-2015, 07:31 PM
قلّما تلامس الحروف القلب والعين والوافع
أوجعتنا وقد جربناها ذات مرة ...
فحسبي الله ونعم الوكيل
سلمت يمينك