هشام النجار
15-02-2014, 02:08 PM
( 1 )
فى بيت فؤاد الجبل يسكن الحب وينبت الحزن ويثمر .
لماذا نحن هنا لوحدنا يا جدى ؟
لماذا جعلت بيتنا قصياً ؟
صرنا كباراً لا يعرفنا أحد .
يضم ولديه وقال الجبل : لأنى أحبكم .
عبرت نظرة كسيرة من عينى سكينة ، انزوت بعدها فى صمت حزين الى الركن القصى من صحن الدار القصية .
يتبعها قلب أبيها فى سيرها الخجول ويهرب بعينيه كى لا تلتقيا بعينيها الهاربتين .
قال الجبل وهو يضم زوجته الشابة الجالسة أمام الفرن البلدى بعينين دامعتين .. لأنى أحبكم .
هرعت سكينة باكية ولاذت بحضن غرفتها .
يمسح فؤاد الدموع من فوق خدين كالهرمان .
أنظرى الى دموعى يا حبيبتى .
لا تظهر لى حزنك .
قولى لى ..
قبل أن يحدث ما حدث كان فى عينيك شئ .. كنت أقرأ فى تعابير وجهك عن رغبة دفينة فى فعل شئ ما أو امتلاك شئ ما .
ما هو ؟
أقول لك ولا تضحك منى .
قولى يا نور عينى .
قبل أن يحدث ما حدث كنت أحلم بالجلوس مكان أمى أمام الفرن فى يوم الخبيز .
كان حلماً صامتاً
كانت ستتنازل هى راضية .
عزمت على مصارحة أمى بحلمى
لكن يومها .... تنكس رأسها وتنساب الدموع
صغرت أمام نفسى .
احتقرت كيانى .
وزهدت من يومها فى كل شئ وفى مكانة سيدة الفرن .
( 2 )
لا .
لا تفعل أرجوك .
ليتنى ما صارحتك .
ليتنى ما أخبرتك .
من الآن فصاعداً أنت سيدة الفرن .
تنظر سكينة بريبة الى عيون قريباتها اللاتى تجمعن فى اليوم المشهود .
وتلوذ فى صمت الى عينى أمها الحانيتين لتستمد الثقة والأمان .
من أيت تأتى النساء بهذه النظرات الحارقة التى تشعل كيانى وتخبز فؤادى الموجوع على نارها القاسية .
يحترق الخبز فى قلب الفرن ويشتعل اللهب فوق وجنتى سكينة الداميتين .
تقذف سكينة بالحديدة والخشبة وتنهض فزعة .
فى الغرفة تسعد بوحدتها وتبرد جوفها وجسدها بهواء داعب برقة شباكها الصغير .
أتدرين يا سكينة ماذا كانت تقول زوجة خالك وهى تنظر اليك بعينين شامتتين .
ماذا كانت تقول ابنة خالتك
أتدرين ؟
( 3 )
مستلق بين النائم واليقظان على سرير واه معتم محاذ لجدار عار مضاء بلمبة جاز عتيقة تلونت بلون الجدار الباهت واكتست بسحنته الأسطورية .
فؤاد هنا ليس وحيداً تماماً فمعه من يشغل وقته ويشعل فكره ويلهب عواطفه ويغذى أحزانه فى البيت القصى .
هناك من يوقد اللهيب بداخل الفرن العتيق وحوله .. وهو منطفئ .
يرحل فؤاد الجبل الى مدن الماضى البعيدة .
يهرب من الحزن القريب ويهرع الى يوم الفرح المستحيل .
وحده ، فى حجرة باردة فى بيت فسيح فى مجاهل قرية مرتبكة من قرى الصعيد. .
دموع جامدة تنحدر ببطء ساخنة لاذعة على وجنتى فؤاد الجبل فتسقط دمعة دمعة كصخور تخلت عن قمتها الشاهقة ، وهوت نحو السفوح فى ثبات وصمت وكبرياء وشموخ .
الجبل هنا ليس وحده .
( 4 )
فتحة الفرن كأنها شاشة تلفاز تعرض مشهداً من دنيا الأمنيات .
يراه فؤاد الآن من شاشة فرن سكينة .
المشهد الخيالى الحالم بتفاصيله وشخصياته يتحرك أمام عينى الجبل كأنه يحدث ويتحقق الآن .
الزغاريد تنطلق من بيت فؤاد الجبل فى وسط القرية وأصوات طبول وتصفيق منتظم على أياد رقيقة وغناء آت من أزمان سحيقة يتردد بخفة ورشاقة بأصوات ناعمة مبسوطة ، تتمازج فى تحد مع أصوات صهيل الخيل الراقصة يمتطيها فى صوان خارج البيت فتوات فى أبهى زينة ، وأصوات ضرب العصى فى أيدى شباب عيونهم متحفزة فرحانة .
عريس من فوق عرشه يهبط كأمير من فوق ظهر فرس فخم ، ويستقبل بأيد فتية العصى ويقتحم الرقص واللعب .
تعلو الزغاريد ويشتد التصفيق ويرق الغناء والعروس تتهادى كالنعام فى الطريق لاحتلال مكانها فى صحن الدار الفسيحة .
الجبل يخشع فى بركة دموع أمام الفرن .
يجلس فى شغف وحميمية بين يدى الحيز المكانى الشاغر الساحر الذى يرى فيه ابنته الصغرى فى مكان حلمها .
عاش ليراها أميرة وسيدة .
وتمنى اليوم الذى يزور فيه ابنته الوحيدة فى كبرياء .
( 5 )
تنهمر دموع فؤاد الجبل كشلال دافق ويمسح بيد فنان أصابها اليقين على فراغ تشكل على هيئة فتاة كسيرة .
هناك .
فى داره القصية .
حيث أحزانه .
حيث يرقد ماضيها قصياً فى وحشة ، وتسكن ذكراها وحيدة فى فرن مهيب .
يحادثها فى صمت ويعزيها فى سكون ويربت بيديه الحانيتين على قلبها الدامى الموجوع .
احتشدت الجموع .
القرية فى صفوف غذت الطريق من بيت فؤاد الجبل الجديد فى قلب القرية الى بيته البعيد .
الرجال تقدموا وتأخرت النساء فى موكب البحث عن فؤاد الجبل .
مشاعل تضئ الطريق المظلم الى البيت وموكب مهيب يتقدمه الفرسان .
خلف الباب المتهالك سكنت الأصوات .
ترقد هنا سكينة.
ويخيم الألم وتنتشر الأحزان .
هنا تجدون الجبل .
قالوا انتحرت !
قلن بل قتلها الجبل ليغسل عاره .
قلن : وجدوها بعد الفجر محروقة جافة يابسة فى قلب الفرن كرغيف الخبز المحروق .
قيل : بل قذف بها الجبل فى قلب الفرن .
نطق الفرن بما أصاب سيدته وصمت الجبل .
فى بيت فؤاد الجبل يسكن الحب وينبت الحزن ويثمر .
لماذا نحن هنا لوحدنا يا جدى ؟
لماذا جعلت بيتنا قصياً ؟
صرنا كباراً لا يعرفنا أحد .
يضم ولديه وقال الجبل : لأنى أحبكم .
عبرت نظرة كسيرة من عينى سكينة ، انزوت بعدها فى صمت حزين الى الركن القصى من صحن الدار القصية .
يتبعها قلب أبيها فى سيرها الخجول ويهرب بعينيه كى لا تلتقيا بعينيها الهاربتين .
قال الجبل وهو يضم زوجته الشابة الجالسة أمام الفرن البلدى بعينين دامعتين .. لأنى أحبكم .
هرعت سكينة باكية ولاذت بحضن غرفتها .
يمسح فؤاد الدموع من فوق خدين كالهرمان .
أنظرى الى دموعى يا حبيبتى .
لا تظهر لى حزنك .
قولى لى ..
قبل أن يحدث ما حدث كان فى عينيك شئ .. كنت أقرأ فى تعابير وجهك عن رغبة دفينة فى فعل شئ ما أو امتلاك شئ ما .
ما هو ؟
أقول لك ولا تضحك منى .
قولى يا نور عينى .
قبل أن يحدث ما حدث كنت أحلم بالجلوس مكان أمى أمام الفرن فى يوم الخبيز .
كان حلماً صامتاً
كانت ستتنازل هى راضية .
عزمت على مصارحة أمى بحلمى
لكن يومها .... تنكس رأسها وتنساب الدموع
صغرت أمام نفسى .
احتقرت كيانى .
وزهدت من يومها فى كل شئ وفى مكانة سيدة الفرن .
( 2 )
لا .
لا تفعل أرجوك .
ليتنى ما صارحتك .
ليتنى ما أخبرتك .
من الآن فصاعداً أنت سيدة الفرن .
تنظر سكينة بريبة الى عيون قريباتها اللاتى تجمعن فى اليوم المشهود .
وتلوذ فى صمت الى عينى أمها الحانيتين لتستمد الثقة والأمان .
من أيت تأتى النساء بهذه النظرات الحارقة التى تشعل كيانى وتخبز فؤادى الموجوع على نارها القاسية .
يحترق الخبز فى قلب الفرن ويشتعل اللهب فوق وجنتى سكينة الداميتين .
تقذف سكينة بالحديدة والخشبة وتنهض فزعة .
فى الغرفة تسعد بوحدتها وتبرد جوفها وجسدها بهواء داعب برقة شباكها الصغير .
أتدرين يا سكينة ماذا كانت تقول زوجة خالك وهى تنظر اليك بعينين شامتتين .
ماذا كانت تقول ابنة خالتك
أتدرين ؟
( 3 )
مستلق بين النائم واليقظان على سرير واه معتم محاذ لجدار عار مضاء بلمبة جاز عتيقة تلونت بلون الجدار الباهت واكتست بسحنته الأسطورية .
فؤاد هنا ليس وحيداً تماماً فمعه من يشغل وقته ويشعل فكره ويلهب عواطفه ويغذى أحزانه فى البيت القصى .
هناك من يوقد اللهيب بداخل الفرن العتيق وحوله .. وهو منطفئ .
يرحل فؤاد الجبل الى مدن الماضى البعيدة .
يهرب من الحزن القريب ويهرع الى يوم الفرح المستحيل .
وحده ، فى حجرة باردة فى بيت فسيح فى مجاهل قرية مرتبكة من قرى الصعيد. .
دموع جامدة تنحدر ببطء ساخنة لاذعة على وجنتى فؤاد الجبل فتسقط دمعة دمعة كصخور تخلت عن قمتها الشاهقة ، وهوت نحو السفوح فى ثبات وصمت وكبرياء وشموخ .
الجبل هنا ليس وحده .
( 4 )
فتحة الفرن كأنها شاشة تلفاز تعرض مشهداً من دنيا الأمنيات .
يراه فؤاد الآن من شاشة فرن سكينة .
المشهد الخيالى الحالم بتفاصيله وشخصياته يتحرك أمام عينى الجبل كأنه يحدث ويتحقق الآن .
الزغاريد تنطلق من بيت فؤاد الجبل فى وسط القرية وأصوات طبول وتصفيق منتظم على أياد رقيقة وغناء آت من أزمان سحيقة يتردد بخفة ورشاقة بأصوات ناعمة مبسوطة ، تتمازج فى تحد مع أصوات صهيل الخيل الراقصة يمتطيها فى صوان خارج البيت فتوات فى أبهى زينة ، وأصوات ضرب العصى فى أيدى شباب عيونهم متحفزة فرحانة .
عريس من فوق عرشه يهبط كأمير من فوق ظهر فرس فخم ، ويستقبل بأيد فتية العصى ويقتحم الرقص واللعب .
تعلو الزغاريد ويشتد التصفيق ويرق الغناء والعروس تتهادى كالنعام فى الطريق لاحتلال مكانها فى صحن الدار الفسيحة .
الجبل يخشع فى بركة دموع أمام الفرن .
يجلس فى شغف وحميمية بين يدى الحيز المكانى الشاغر الساحر الذى يرى فيه ابنته الصغرى فى مكان حلمها .
عاش ليراها أميرة وسيدة .
وتمنى اليوم الذى يزور فيه ابنته الوحيدة فى كبرياء .
( 5 )
تنهمر دموع فؤاد الجبل كشلال دافق ويمسح بيد فنان أصابها اليقين على فراغ تشكل على هيئة فتاة كسيرة .
هناك .
فى داره القصية .
حيث أحزانه .
حيث يرقد ماضيها قصياً فى وحشة ، وتسكن ذكراها وحيدة فى فرن مهيب .
يحادثها فى صمت ويعزيها فى سكون ويربت بيديه الحانيتين على قلبها الدامى الموجوع .
احتشدت الجموع .
القرية فى صفوف غذت الطريق من بيت فؤاد الجبل الجديد فى قلب القرية الى بيته البعيد .
الرجال تقدموا وتأخرت النساء فى موكب البحث عن فؤاد الجبل .
مشاعل تضئ الطريق المظلم الى البيت وموكب مهيب يتقدمه الفرسان .
خلف الباب المتهالك سكنت الأصوات .
ترقد هنا سكينة.
ويخيم الألم وتنتشر الأحزان .
هنا تجدون الجبل .
قالوا انتحرت !
قلن بل قتلها الجبل ليغسل عاره .
قلن : وجدوها بعد الفجر محروقة جافة يابسة فى قلب الفرن كرغيف الخبز المحروق .
قيل : بل قذف بها الجبل فى قلب الفرن .
نطق الفرن بما أصاب سيدته وصمت الجبل .