المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوم فى حياة صابر ..



بثينة محمود
31-03-2005, 07:38 PM
- اصحى .. فوق
- تمام يا فندم

صرخت بها وأنا أضرب الأرض بحذائى الغليظ واضبط وضع سلاحى على كتفى, يدى ترتفع تكاد

تصفع رأسى وتهوى إلى جوارى فى حزم.

يذهب الباشا, وابقى كالصنم فى مكانى, كم ساعة لبثت واقفاً هنا ؟ لست أدرى, أعرف طبعاً أن

أجيب لو سألنى أحدهم عن الساعة, علمنى ذلك الحاج فاروق حلاق قريتى, وأهدانى أخى

سليمان ساعة جديدة عندما نجحت فى الإبتدائية أخفيها تحت أكمامى, لكنى لا أستطيع الحراك

الآن, الموكب على وشك الاقتراب, يمر الباشا كل فترة ويزعق بهذا :

- الموكب قرّب, انتباه يا ولاد ال .....
- تمام يا فندم

فى الصباح الباكر, وعندما جاءت بنا العربات من الوحدة,كانت الشوارع هادئة, والأشجار المحيطة

بنا تمتلىء بالطيور التى تستعد للانطلاق, شاهدت هذا من شباك العربة الصغير قبل نزولى,

ولكنى منذ أخذت مكانى لم التفت, أشعر ان المكان من حولى جميل, هل يمكننى الالتفات قليلاًو

آه .. هذا "على الشبراوى" يقف بعدى,إنه لا يرانى, لعله نائم, سيجىء الباشا الآن ويفزعه "

ضحكت دون أن اهتز " .

كم هو رائع هذا الشارع وهذه البنايات الشاهقة, يا إلهى .. عالية جداً, ويبدو لى من فوقها .. ما

هذا ؟ هل نقف بالأعلى أيضاً ؟ الباشا موسوس جداً, ما الذى يمكن أن يحدث, ومن يجرؤ على

مهاجمة الباشا الكبير جداً ؟ ولماذا يهاجمه أحد من الأصل ؟ أليس هو ولى أمرنا وراعينا وحاميا

كما يقولون ؟ لماذا إذن ...

- اثبت ياعسكرى..
- تمام يا فندم.

يا إلهى ,ماذا كنت أفعل ؟ هل كنت أحك جلدى ؟ أم أتثاءب؟ لعنة الله على التفكير الذى يدفعنى

للغفلة.
الباشا يقترب, أشعر به يقترب, استر يا ستار ..

- أيوه يا باشا , كله تمام .

الحمد لله, اللاسلكى أنقذنى, ماذا كنت أقول؟ نعم .. الحر شديد جداً اليوم والعرق يخرج من كل

أجزاء جسدى وكأنى أُعصر, أتذكر الآن البلد وجوها العليل" بلدنا حلوة", وكلها خير, وناسها

طيبون, ولكنهم غلابة.

يستكينون كلما زعق أحدهم مثل الباشا, يخضعون للغفر ولشيخ البلد وللعمدة وللمأمور, وهؤلاء

لابد أن يكون هناك من يخضعون له من الكبار, الحياة كلها درجات, وليس عيباً أن أكون فى أول

السلم وخاضع للجميع, ليس عيباً.
الملح بدأ يتراكم تحت ملابسى ويلدغنى كلدغ النحل, أود لو ألقى بهذا السلاح وأركض عارياً فى

الشارع, سيقتلنى الباشا بالرصاص" قهقهت بدون حركة", الناس من حولى يتحركون, عدد قليل

جداً من الناس فالموكب لا يمر إلا فى الشوارع الخالية, احتياطات أمن, هكذا يقول لنا الباشا.
ولكن هناك سؤال يداهمنى دوماً, كيف أتصرف إذا وجدت خطراً؟ وسؤال أخطر, كيف أشعر

بالخطر وانا لا يمكننى الالتفات ولا أستطيع النظر إلا أمامى مباشرة ؟ ماذا لو جاءنى احدهم من

الخلف وطوق عنقى وأردانى قتيلاً؟ ماذا سيحدث للباشا الكبير جداً حينئذ ؟ والله سأحزن عليه ..

- اصحى يا خويا, أنت نايم, قدامى على الصف ..

لسعنى الباشا على قفاى, لكنها " حاجة بسيطة" , ضاع الألم لأنى تحركت أخيراً, اهتف معهم

وأنا أقفز فى الصف هتافاً لا أفهمه, لكنى ابتسم, فالباشا الكبير جداً غير اتجاهه, أو ربما غير رأيه,

واستراح اليوم فى البيت.

محمد الدسوقي
31-03-2005, 08:14 PM
جميل جداً

الحمد لله الذي أخرجني من تلك الحالة

وأخيراً تحركت

هذا مشهد رائع :010:

عندما تكون السلطة قاهرة مستبدة

يكون الألم

سلم ذلك المداد

تحياتي :noc:

محمد الدسوقي
لا شئ فى الأفق يبشر .....

إسلام شمس الدين
01-04-2005, 01:29 PM
الحياة كلها درجات, وليس عيباً أن أكون فى أول السلم وخاضع للجميع, ليس عيباً.

تلك هي معضلة معظمنا ، وما أكثر الباشوات الذين يجيدون استغلال هذا المنطق حتى يصبح " لسع القفا " حقاً روتينياً مكتسباً لهم

القصة رائعة ومشوقة وتحمل الكثير من المعاني
شكراً لكِ كاتبتنا المميزة سنبة على هذا النص الجميل

مع أطيب أمنياتي لكِ بالتوفيق الدائم
إسلام شمس الدين

بثينة محمود
05-04-2005, 08:50 AM
أخى الكريم محمد الدسوقى
شكرا لك وقوفك أمام نصى
والحمد لله أن خرجت من هذه الحالة

لا تتوحد فتصير صابر
فقد مل الصبر منا :011:
تحياتى

بثينة محمود
05-04-2005, 08:52 AM
الأستاذ إسلام شمس الدين
المعضلة الأكبر أن نصبر على الخضوع
أن نفقد الأسى على أنفسنا
أن نحيا ..لمجرد الحياة

تحياتى لمرورك العبق
وشكرا لك

سلطان زمن
05-04-2005, 03:50 PM
السلام عليكم

الكاتبة المبدعة / سنبلة

قصة غاية في الروعة والتصوير ، فمن خلال قصتك القصيرة تسلطين الضوء على مشكلة

شعوبنا العربية التي تعيش هذه الحالة وما زالت منذ مدة من السنين .

يستطيع الإنسان تحمل أي شيء يسلب منه ، ولكن من الصعب جدا أن يتحمل سلب حياته

من أجل غيره .

تملكين قلما رائعا بالفعل .


تحياتي وإعجابي ،،،،

يسرى علي آل فنه
07-04-2005, 03:15 PM
مااكثر الصابرين ياسنبلة وماأقل المتسائلين عن مسوغات الصبر

ولاصدى يجئ من الأعماق سوى لاأعلم التي ندرك منها اننا تشكَّلنا نفسياً وفق تبعية

مبهمة وكئيبة

كان مشهداً مميزاً في تصويره معبراً في مضمونه

تقبلي اعجابي وتقديري

د. سمير العمري
09-04-2005, 02:51 AM
الرائعة سنبلة الواحة:

تناول مميز ومهم لأمر كنت أتمنى أن نتناوله منذ مدة.

ولعلي كنت سأرد على أخي الحبيب إسلام بمثل ما رددت. نعم ، السلطة مستبدة متخلفة ترى السيادة والقيادة في قهر الرعية لا في حمايتهم والسهر على راحتهم. ولكن المعضلة الأكبر والسؤال الأهم هو: من أين أتى هؤلاء بهذا الاستبداد؟؟ أليس من خنوع أمثال صابر ووصولية غيره؟؟
من أين أتى هؤلاء المسؤولون والقادة؟ ..إن كانوا سيئين وهم حقاً كذلك أليسوا هم نتاج مجتمع سيء أيضاً؟؟
ثم من هو المجتمع؟؟
إنه أنا قبل أن يكون أنت.

هل تعي الأمة هذا؟؟



تحياتي وتقديري
:os::tree::os:

بثينة محمود
30-04-2005, 01:25 AM
الاخ سلطان زمن

شكرا لتفاعلك مع الكلمات

واشاركك الرأى
فما من شىء أغلى على الانسان من ارادته

تحياتى

بثينة محمود
30-04-2005, 01:28 AM
الاخت يسرى

نعم ما أكثر الصابرين ولكن المشكلة ان يترافق الصبر مع الاستسلام

شكرى وتحيتى لك

بثينة محمود
30-04-2005, 01:39 AM
د. سمير

الحق أنّا نجيد تأليه حكامنا.. ونجيد الخضوع والنفاق إلى الحد الذى لم يعد يغرينا فيه حديث عن حرية

ولميعد يشغلنا سؤال عن كيفية رد الحاكم إن أخطأ
بل ما يشغلنا هو تثبيت عرشه, والوقوف خلفه بمروحة من ريش

لم يعد يشغلنا حالنا فقد خرجنا من أنفسنا, وصرنا صابرين مستسلمين ومريدين دائمين لأضرحة حريتنا المسلوبة

شكراً لك وقوفك أمام نصى

أجمل تحياتى

د.جمال مرسي
30-04-2005, 10:27 AM
الأخت الرائعة سنبلة
بكل أسف أمثال صابر كثير في مجتمعاتنا و ما زالت حفلات الضرب على القفا و الفم و العين و الخدود على أشدها بل و أصبحت موسيقاها أكثر صخباً من ذي قبل .
المشكلة متى يفيق أمثال عمنا صابر من سباتهم
لعله يكون قريبا
استمتعت بالقراءة لك أيتها الاديبة الرائعة سنبلة .
تقبلي الود
د. جمال

ناديه محمد الجابي
10-02-2016, 06:11 PM
أحييك على هذه القصة البديعة ، بذلك الحوار الداخلي لصابر
ذلك الجندي البسيط في كل شيء .. في تكوينه وفي تفكيره
أسأل نفسي كثيرا عندما أمر على نماذج من صابر بملامحهم
الريفية البسيطة ووقفتهم الحازمة في اعتداد لمدد تمتد أحيانا
لساعات طويلة وكأنهم قد فقدوا آدميتهم وأصبحوا من خشب
أو من حجر .. ترى لو أراد أحدهم الدخول الحمام مثلا ..
مالذي يمكن أن يحدث ، وكيف يتصرف !!!
في الحقيقة نحن من نخلق الطواغيت والجبابرة ـ ثم نكاد أن
نألههم ونعبدهم من دون الله.
صدق د. سمير .. لولا أمثال صابر لما وجد المستبد والطاغية.
سرد جميل لحالة أجدت تصويرها بلغة قوية وأسلوب جميل متمكن
سلمت يداك . :os:

مرة أخرى قصة في قسم النثر !!!

أسمحي لي أن أنقلها لقسم القصة

غلام الله بن صالح
10-02-2016, 07:34 PM
قصة جميلة
دمت بألق
تقديري

ربيحة الرفاعي
09-04-2016, 09:23 PM
أسلوبك جميل وشائق، واللغة جاءت ماتعة رغم تشريبها بالعامية
والفكرة هامة وعميقة الدلالة والإشارات

دمت بروعتك أديبتنا المبدعة
تحيتي