المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أعزب مزمن



نزار ب. الزين
31-03-2005, 08:31 PM
أعزب مزمن
قصة بقلم : نزار ب. الزين*
888888888888888


[size=4]حسام بك في آخر السبعينيات من عمره ..

أعلن الحرب على الزواج منذ وقت مبكر ، يدعي أن فشل زواج شقيقه و بعض أقاربه جعله يتعظ و يفهم الدرس جيدا .

و مع ذلك فله عدة مغامرات تافهة – أيام شبابه - كادت واحدة منها تكلفه حياته .

و مع ذلك فإن مكتبته المليئة بالكتب التاريخية الصفراء مليئة أيضا بكتب تعج بقصص الجنس المثيرة ، بدءاً من ألف ليلة و ليلة بأجزائها الأصلية الأربعة ( قبل التنقيح ) و ورقها الأصفر ، و انتهاء بسلسلة كتب البدائع الجنسية قبل أن تحظر الدولة تداولها . و نظراً لغلاء أجهزة الفيديو و توابعها فقد أحجم عن شرائها و اكتفى باجترار كتبه الصفراء كلما شعر بالفراغ و ما أكثر ساعات فراغه..

و حسام بك يعتبر من الأغنياء إلا أن بدلته الزرقاء لم يغيرها منذ نيف و عشرين سنة و قميصيه اللذين يتبادل ارتداءهما لا يدخلان إلى ( طشت الغسيل ) إلا كل عدة أشهر .

و رغم تطور أساليب الطهو كفرن الغز أو فرن الموجات متناهية الصغر ، فهو لا زال يستخدم (ببور الكاز) عندما يطهو (مفركة) البطاطا ، أو عندما يقلي الباذنجان بزيت يستخدمه عدة مرات ، هما الأكلتان الوحيدتان اللتان يتناوب طهوهما فلا تدخل معدته غيرهما ؛ إلا عند أولاد أو بنات شقيقه حين زيارتهم .

أما أفضل جولة لديه و يعتبرها نزهة ترفيهية ، فهي نزهة آخر الشهر ، حيث يتأنق و على غير عادة يزين صدره بربطة عنق أكل الدهر عليها و شرب ، و يحلق ذقنه و ينعمها جيداً بشفرة استعملها قبل الآن عشر مرات على الأقل ، و لا ينسى تنظيف حذائه بالماء و الصابون ، ذاك الذي دخل قدميه أول مرة منذ عشرين سنة أو نيف ؛ ذلك اليوم هو يوم جمع إيجار بيوته و دكاكينه المتعددة .



*****

المشهد الأول:

يقرع باب سوسن –و هي مستأجرة لأحد بيوته – و تعمل كممثلة في الأدوار الثانوية في تلفزة الدولة .

تستقبله بحرارة ..

تدعوه للدخول بإلحاح ..

يخجل ..

يغض الطرف ...

لا زالت مرتدية مباذلها

- " أتستحي مني يا حسام بك ؟

أنت كوالدي يا حسام بك !

سأسقيك من يدي كوب ( ليمونادة ) بماء الزهر ، لم تذق مثله بحياتك .."

تجحظ عيناه ...يفغر فاه ... يسيل لعابه .يشتعل وجهه إحمرارا ، تستيقظ جميع أحاسيسه و رغباته دفعة واحدة ، بينما سوسن في حركتها المغناج جيئة و ذهابا ، و قد شف قميص نومها عن أكثر مفاتنها ..

يعود إلى داره ....

يتجه مباشرة إلى سريره ، و قد شطح خياله بعيدا ، ثم أحلامه أبعد و أبعد ؛

يستمر منعزلا في فراشه يوما آخراً ...

ثم يوما آخراً ...

ثم يخرج مضطرا لشراء كيلا أو كيلين من الباذنجان أو البطاطا .

ثم يعِدُّ الأيام مستعجلا نهاية الشهر ...

في انتظار كوب( ليمونادة ) جديد

*****

المشهد الثاني :

تتكرر الزيارة ..

لم تعد زيارتها مقتصرة على نهايات الأشهر ،

تشكو له ذات يوم ، قلة الأدوار ، و قلة ذات اليد ؛

يؤكد لها أنه لن يتناول منها أي أجر إلى أن تنفرج الأمور !

تعانقه شاكرة ..

فيذوب رغبة ..

و لكنه في آخر السبعينيات !!

يخشى أن تكتشف ضعفه ...

فيكتفي من طبق الحلوى بالشم !

*****

المشهد الثالث :

يقرع بابها متلهفا ،

لا يجيبه أحد ..

" لعلها في ( الأستوديو ) تمثل ؟ " همس لنفسه ،

قرع في المساء ؛ لم يجبه أحد

قرع في اليوم الثاني ؛ لات من مجيب ..

توجه إلى مبنى التلفزة ..

سأل عنها..

تغامزوا ..

همست إحداهن :

" هذا هو العجوز المتصابي !!!"

قالت أخرى :

" هذا هو القس الذي عشق سلامة "

قالت ثالثة :

" بل إنه مجنون ليلى !!!"

قالوا له :

" هي في المشفى ، أجريت لها جراحة إستئصال الزائدة .."

صُعق !!

تضاحكوا و هم يرون مدى صدمته ..

هُرع إلى المستشفى ..

عندما شاهد ركن الزهور ، تذكر أن عليه حمل بعض الزهور ..

إشترى الباقة دون أن يفكر – لأول مرة في حياته – بثمنها !

" سلامتك " قال لها ، بينما انبثقت من عينيه دمعتان حارتان !



*****

المشهد الرابع :

تشكو له أنها وحيدة ...

لا تعرف أحدا يساعدها بعد خروجها من المشفى ..

يقسم عليها أغلظ الأيمان أن تكون ضيفته طيلة فترة نقاهتها ..

ترضى بعد تمنع !!

يعود إلى بيته ،

ينهمك بتنظيفه ،

يغسل الأغطية للمرة الأولى منذ عدة سنوات ؛

يُملئ الثلاجة بالفواكه و الخضار و كذلك باللحم ( ! ) – يفعل ذلك للمرة الأولى في حياته – و للمرة الأولى دون أن يفكر بالثمن!! ..

يشتري وسائد جديدة ..

و شراشف جديدة ..

و مناشف جديدة..؛

و إذ حانت لحظة تسريحها من المشفى ، حملها – فرحا مبتهجا - بسيارة اجرة ، مباشرة إلى بيته !...

للمرة الأولى في حياته يطلب سيارة أجرة و يدفع للسائق إكرامية سخية !

ثم يستقبلها أحر استقبال !!

" البيت بيتك ، يا سوسن خانم "

قالها لها من صميم الفؤاد !



*****

المشهدالأخير :

يُقرع الباب بقوة و إلحاح ..

يفتحه ،

- " من حضرتكم و ماذا تريدون ؟ " يسألهم ...

يدفعونه بعيدا ..

يقتحمون المنزل .......

- " أين هي يا كلب ؟ "

يقتحمون غرفة النوم ...

يجدونها !

- " ماذا تفعلين هنا يا كلبة "

تصرخ

تتصنع الرعب الشديد ..

" تعرفينهم ؟ "

يسألها حسام بك متلجلجاً ، و قد عقدت لسانه الدهشة ..

" إنه زوجي السابق ، حلف عليَّ الطلاق ثلاثا و لم أره منذئذ ! و بيننا قضية في المحكمة الشرعية "

تجيبه متظاهرة بالخوف ! فيتصدى لها زوجها المزعوم فيجيبها و هو في أقصى حالات الإنفعال :

" و لكنك لا زلت على ذمتي يا خائنة ... سأجهز عليكما و أشرب من دمائكما "

ثم يلتفت نحو حسام بك فيصفعه بكل قوته فيلقيه أرضا ..

يصرخ هذا محتجا و مقسما أغلظ الأيمان أنه لا يعرف إطلاقا أن لها زوجا ، و أنها لم تخبره بذلك يوما ، و أنه دعاها إلى بيته إشفاقا عليها لأنها ( مقطوعة من شجرة ) كما قالت ، و ليس لها أحد يخدمها في فترة نقاهتها !..

" كاذب ، يا لص الزوجات " قال له ذلك بشفة مرتعشة ، ثم ثنّى بصفعة ثانية أدمت شفتيه ..

تقدم منه أحد مرافقَيه قائلا :

" إنه عجوز مسن ، لن يتحمل المزيد ،لا أريدك أن توسخ يديك بدمه ، دعه لي يا أبو ضرغام ، أنا سأتفاهم معه "

ترفع سوسن رأسها متصنعة الضعف الشديد و الرعب الشديد و الهلع الشديد .

تخاطب حسام بك باكية :

" نفذ له طلباته يا حسام بك ، افتدِني و افتدِ نفسك يا حسام بك "

-----------------------------------

* نزار بهاء الدين الزين

مغترب في الولايات المتحدة الأمريكية من أصل سوري

إسلام شمس الدين
01-04-2005, 01:21 PM
رائع هذا المشهد الروائي أديبنا الكبير
قصة من رحم الحياة ، نراها كثيرا في واقعنا ، لكن قلما ينسجها قلم بهذه الحرفية وهذه الروعة

أسعد دوماً بالقراءة لك أستاذ نزار
فلا تحرمنا من جديدك

دمت بكل الخير
ولك تحياتي وتقديري
إسلام شمس الدين

نزار ب. الزين
02-04-2005, 02:11 AM
أخي العزيز إسلام شمس الدين
أسعدتني كلماتك و سأجعلها وساما يزين القصة أينما نشرت
شكرا لاهتمامك يا أخي
نزار ب. الزين

بلال الزين
02-04-2005, 12:35 PM
اخ نزار
كنت أقرأ تلك الكلمات وأتخيل نفسي أقرأ خان الخليلي
او احدى الروائع الأدبية من الخمسينات

جميل قلمك وجميل اسلوبك
واجمل منه شفافيتك

اشكرك

ربيحة علان
02-04-2005, 04:58 PM
بالفعل المشاهد تجعل القاريء يتتبعها بشوق ، يجعل القاريء يرى المشهد وحتى تعابير الوجه للشخصيات من خلال الكلمات.. أنت كاتب متمكن ... سأتتبع موقعك لقراءة المزيد لك وأتمنى أن تزودنا بالمزيد من كتاباتك في الواحة
تحياتي وتقديري لك
ربيحة علان

سلطان زمن
14-04-2005, 01:01 PM
السلام عليكم

أخي الحبيب / نزار الزين

بادئا قد اشتقنا لك ولكتاباتك أيها المغترب عنا وعن وطنه .

لا شك بأن قصتك من أجمل القصص التي قرأتها لك ، وللأسف أخي نزار فهذه المشكلة

الواقعية قد طالما رأيناها وأشفقنا على أصحابها ، فإن مما أعجب منه هو تبني شخص لمبدأ

معين ليس في صالحه وما ذلك إلا تعنتا لرأي أو لمجرد إتبات الذات أو من مبدأ خالف تعرف .

ولكن قلما ينظر الناس إلى بديع قوله تعالى في القرآن: (وجعلناكم أمة وسطا لتكونوا

شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) .


عظيم التحية والإعجاب ،،،،

نزار ب. الزين
14-04-2005, 08:47 PM
إخواني الدكتور سلطان الحريري ، بلال الزين ، ربيحة علان ، و إسلام شمس الدين
أسعدتني تعقيباتكم حول قصة ( أعزب مزمن ) و أرجو أن أظل عند حسن ظنكم
أخوكم / نزار ب. الزين

براءة الجودي
10-01-2013, 04:14 AM
قلم بارع ومشاهد تجعلنا نتلهف لقراءة المزيد لم أدرك بدا أني وصلتُ للنهاية فقد كنتُ أنتظر مشاهدا أخرى << طماعة ^^"
شكرا لك أستاذ نزار على بديع ماقرأته من ألفاظ معبرة ومعاني

نداء غريب صبري
30-01-2013, 04:11 PM
قصة واقعية ممتعة ومشوقة

شكرا لك اخي نزار

بوركت

ربيحة الرفاعي
22-02-2013, 07:40 AM
واقعية نهجك القصي، وحرصك البيّن على تقديم النصح الاجتماعي في نصوصك، يضفي عليها قيمة إضافية عالية

دمت بخير أيها الكريم


تحاياي

نزار ب. الزين
23-02-2013, 10:47 PM
قلم بارع ومشاهد تجعلنا نتلهف لقراءة المزيد لم أدرك بدا أني وصلتُ للنهاية فقد كنتُ أنتظر مشاهدا أخرى << طماعة ^^"شكرا لك أستاذ نزار على بديع ماقرأته من ألفاظ معبرة ومعاني

**************
أختي الفاضلة براءة
ثناؤك وسام زيَّن نصي
و شرَّف صدري
فلك كل الشكر
مع ودي و وردي
نزار

نزار ب. الزين
23-02-2013, 10:50 PM
قصة واقعية ممتعة ومشوقة
شكرا لك اخي نزار
بوركت

************
أختي الكريمة نداء
الشكر الجزيل لمرورك و ثنائك العاطر
مع ودي و وردي
نزار

نزار ب. الزين
23-02-2013, 10:54 PM
واقعية نهجك القصي، وحرصك البيّن على تقديم النصح الاجتماعي في نصوصك، يضفي عليها قيمة إضافية عالية
دمت بخير أيها الكريم
تحاياي

***************
أختي الفاضلة ربيحة
إعجابك بمنهج قصي محل فخري و اعتزازي
ألف شكر ، مع كل الود و التقدير
نزار

آمال المصري
11-03-2013, 03:00 PM
وقع في " الفخ " بقلة خبرته في الحياة رغم قحامته
من واقع الحياة دائما تقدم لنا وجبات أدبية لذيذة
وهنا كنت رائعا جعلتنا نترقب النهاية بشوق لتتركنا ومازالت الدهشة حاضرة
بوركت أديبنا الكبير
ولك مطر من التحايا

ناديه محمد الجابي
11-03-2013, 05:11 PM
وما يقع إلا الشاطر ..
ظل طوال عمره يحسبها بالقرش والمليم
ويحرم نفسه من أبسط حقوقها تعنتا وبخلا
فجاءت من تأخذ منه ماتريد..وتستل ما
إدخربالمكر والخديعة فيعطي عن طيب خاطر.
قصة من واقع الحياة كتبت بيد خبيرة , لا تحكي
الحدث فقط , ولكن تبحث في أغوار النفس البشرية
بعمق وتمكن .
سلمت أستاذ نزار وسلم قلمك
تحياتي وتقديري .
:001:

نزار ب. الزين
22-03-2013, 11:12 PM
الزميلات الكريمات :
براءة الجودي
نداء غريب صبري
ربيحة الرفاعي
آمال المصري
ناديه محمد الجابي
ممتن من الأعماق لزيارتكن
و مشاركتكن التفاعلية و ثنائكن على النص
مع ود بلا حد
نزار