تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الهدف رقم 30



عبد السلام هلالي
06-03-2014, 11:55 PM
الهدف رقم 30.
قبل أن يفتح النهار عيونه، كان أحمد قد أخذ موقعه على سطح إحدى العمارات بالشارع المفضي إلى الميدان، تماما كما حدد له في التعليمات. قنينة ماء، علبة طعام، راديو الخدمة، أربع رصاصات و بندقية قنص مزودة بمنظار.
الوضع هادئ، الشارع يلعق جروحه تحت أضواء ساترة. و حدها دوريات الشرطة تتسيد المكان.
الساعات التي تفصله عن بدء المهمة فرصة لأخذ قسط من الراحة و الاسترخاء. جلس على الأرض، أسند ظهره إلى الحائط القصير المطل على الشارع. مد رجليه، أغمض عينيه يعيد شريط التعليمات كما تلقفه من رئيسه : '' أربع رصاصات أربع جماجم! لا أريد رصاصة ضائعة ! اجعلوني أفتخر بكم !
الرأس القلب، الرقبة ! هؤلاء أعداؤكم و أعداء الوطن. إن تمكنوا منكم فلن يرحموكم و لا أولادكم و نساؤكم، فلتفوزوا بهم قبل أن يفعلوا.
كانت الكلمات تخرج من فمه سريعة قوية كالرصاص، مصحوبة بضربات قبضته على الطاولة فتبعث الحماس في نفوس أفراد "القوة الخاصة"، و يتدفق الأدرينالين في العروق.
- أربع رصاصات فقط! ما هذا البخل؟ أسرها إلى زميله فأجابه بأنها احتياطات أمنية، فهم لا يثقون في المجندين الجدد، و يخشون تمردهم لذلك لا يكثرون من الذخيرة.
احتضن بندقيته و ركب إغفاءة أخذته إلى حدود العاشرة صباحا، ليستفيق على صوت اللاسلكي يطلب منه تأكيد وجوده في الموقع و استعداده.
"تمام "
عدل وضعه، تمطى، تثاءب، فرك عينيه، تناول قنينة الماء، أخذ جرعة ثم رش و جهه يبغي إزالة بقايا النعاس.
استدار في مكانه، أطل بحذر على الشارع الذي بدأ يتململ، بعدما انسحبت منه جميع عناصر الشرطة.
مرت ساعات الانتظار بطيئة. أذان صلاة الجمعة يعلن اقتراب وقت الذروة. الراديو يأمره بالجاهزية.
تناول واحدة من رصاصاته، وضعها برفق و انسياب في خزان البندقية و كأنه يستمتع باللحظة. خالطته نشوة ممزوجة بارتباك و هو الذي لم يجرب سلاحه من قبل إلا على رؤوس و قلوب خشبية. تذكر النقط العالية التي كان يحصدها في اختبارات الرماية بمعهد الشرطة. تفوقه في التداريب و إعجاب رؤسائه. تضاعفت نشوته، تراجع ارتباكه وداعبت ابتسامة ثقة شفتيه.
مع انقضاء الصلاة ، أصبح الشارع أكثر ازدحاما، أفواج بشرية تتدفق نحو الميدان. الهتافات تتعالى أكثر فأكثر، حتى تستحيل هديرا يصم الآذان. لا ينافسه إلا أزيز الرصاص و دوي قنابل الغاز.
" الهدف رقم 25 يدخل مجالك الآن"
" عُلم"
في جيب سترته صور جميع المستهدفين، لكنه لا يحتاجها، فقد حفظ ملامحهم عن ظهر قلب. وخزن كل المعلومات المتعلقة بهم.
"الهدف رقم 25، محمود، طالب بكلية الطب، متفوق في دراسته، حديث العهد بالانضمام إلى الجماعة لكنه متحمس و مندفع إلى درجة التهور. نشيط في الجامعة، و له تأثير كبير على زملائه"
يستظهر المعلومات، و هو يمسح بعينيه الشارع طولا و عرضا. يجده في وقت وجيز، يعلم مركز العمليات أنه استلمه. بدأت اللعبة فعليا الآن.
قصر قامة محمود و الازدحام الشديد، يشوشان عليه. يظهر تارة و يختفي أخرى، فلا تكاد تبدو منه إلا يمناه الملوحة في الهواء، ما بين قبضة عزم و شارة نصر.
يصوب أحمد بندقيته، يتحفز، يتذكر التعليمات:" لا أريد رصاصة ضائعة" يتريث، يقترب أحد الشباب من محمود، يرفعه على كتفيه... ها هو الآن أمامه على طبق من ذهب.
منظار البندقية، يجعل وجه الهدف قريبا جدا منه، تقع العين على العين. يتذكر نصائح زملائه باجتناب النظر في عين الهدف.
يحس بحرارته ترتفع، جسده يكاد يشتعل تحت و طأة وهج الشمس و ثقل البذلة العسكرية. قلبه يخفق بقوة، تتسارع أنفاسه.
" ماذا هل سقطت في الفخ؟؟"
يجاهد لاستعادة السيطرة على الموقف ، يسترجع أمجاده في التداريب و تفوقه حتى على القدامى من زملائه. يتنفس بعمق. العرق المنسكب بغزارة من جبينه، يجعل الصورة ضبابية. يغمض عينيه بقوة لاعتصار الدموع المترقرقة.
الهدف يدنو من نهاية الشارع، الضغط يزداد، تضاعفه و شوشة الجهاز: "أطلق! ماذا تنتظر؟؟"
يستجمع قواه، يلم شتات ذهنه.
لا يمكن أن أخسر اختباري الأول، هذه درجتي الأولى على سلم المجد. كتفي ما تزال فارغة، هذه فرصتي...
يقترب أصبعه من الزناد، يلامسه برفق،ترتعش يده.
صوت جديد و بنبرة أقوى يصل عبر الجهاز: " المجند رقم 30 أنت تخالف الضوابط العسكرية و تعرض نفسك لعقوبات قاسية! أطلق! !"
ثوان تفصل الهدف عن الخروج من مجاله. ينتفض. يعض على شفتيه. يضغط بكامل قوته.
لا يتحرك الزناد.
رصاصتان كانتا ترقبان الوضع عن كثب، تغادران بندقيتهما على عجل لتستقرا في الجمجمتين.

كاملة بدارنه
07-03-2014, 07:52 AM
هي حالة الفوضى والعبثيّة التي تسود البلدان، وحرب الاستنزاف بين الإخوة !
كاميرا رائعة صوّرت اللّقطة وعرضتها بأسلوب جاذب...
ومسحة من الحزن طبعت على المشاعر
بورك القلم وصاحبه
تقديري وتحيّتي

رياض شلال المحمدي
07-03-2014, 08:55 AM
**(( حُبُّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئةٍ ، وهذا ديدن مَن عموا وصمّوا عن منهج
الحياة الخالدة ، وهم ما بين الخافقين كثير ، سلم البيان والبنان أخي الحبيب ،
وفقك الله ))**

عبد السلام هلالي
08-03-2014, 11:10 PM
هي حالة الفوضى والعبثيّة التي تسود البلدان، وحرب الاستنزاف بين الإخوة !
كاميرا رائعة صوّرت اللّقطة وعرضتها بأسلوب جاذب...
ومسحة من الحزن طبعت على المشاعر
بورك القلم وصاحبه
تقديري وتحيّتي

الكريمة كاملة بدارنة،
لك كل الشكر و ألف تحية على هذا المرور العطر، و التفاعل المثري.
دمت بخير و عافية.

سعاد محمود الامين
09-03-2014, 05:48 PM
أهرول لاهثة بين السطور.أنه سرد ماتع وتصوير بليغ كما الكمرة
شكرا لقصك المائز الذى تناول الوضع الراهن فى أبشع صوره
دمت متألقا

عبد السلام دغمش
09-03-2014, 05:51 PM
لحظات حرجة وتطوّر متسارع أخذنا الى النهاية .
كانت تلكما الرصاصتين عقاباً لمن تردد في سفك الدماء .
نسأل الله ان يصلح الحال.
الاستاذ عبد السلام :تحية لهذا الاسلوب الراقي.
دام نبضك الاصيل.

عبد السلام دغمش
09-03-2014, 05:52 PM
لحظات حرجة وتطوّر متسارع أخذنا الى النهاية .
كانت تلكما الرصاصتين عقاباً لمن تردد في سفك الدماء .
نسأل الله ان يصلح الحال.
الاستاذ عبد السلام :تحية لهذا الاسلوب الراقي.
دام نبضك الاصيل.

مازن لبابيدي
09-03-2014, 06:02 PM
الأديب المبدع عبد السلام هلالي

رائعة حقا ، في توصيفها وحبكتها وسردها .

ربما الأصح تثنية بندقية كذلك في " .. تغادران بندقيتهما على عجل .." ، فما رأيك .

العنوان تجلى ذكاؤه في الخاتمة المدهشة ، ربط رائع بين جميع عناصر القصة

إعجابي ووافر تقديري .

عبد السلام هلالي
09-03-2014, 09:14 PM
**(( حُبُّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئةٍ ، وهذا ديدن مَن عموا وصمّوا عن منهج
الحياة الخالدة ، وهم ما بين الخافقين كثير ، سلم البيان والبنان أخي الحبيب ،
وفقك الله ))**

وفقني و إياكم إلى ما فيه صلاح دنيانا و آخرتنا.
سعدت بمرورك و طيب كلماتك أخي رياض.
لك التحية و باقة ود

عبد السلام هلالي
10-03-2014, 06:32 PM
أهرول لاهثة بين السطور.أنه سرد ماتع وتصوير بليغ كما الكمرة
شكرا لقصك المائز الذى تناول الوضع الراهن فى أبشع صوره
دمت متألقا

أختي الكريمة سعاد،
شكرا لحضورك هنا و لتفاعلك المشجع.
تحيتي و تقديري

عبد السلام هلالي
11-03-2014, 10:45 AM
لحظات حرجة وتطوّر متسارع أخذنا الى النهاية .
كانت تلكما الرصاصتين عقاباً لمن تردد في سفك الدماء .
نسأل الله ان يصلح الحال.
الاستاذ عبد السلام :تحية لهذا الاسلوب الراقي.
دام نبضك الاصيل.

شكرا لأخي الكريم، صاحب الأدب الجم و القلم الوارف الحرف.
سعدت بمرورك، و سرني أن تجد هنا ما يروق ذائقتك
تحيتي و تقديري

عبد السلام هلالي
11-03-2014, 11:23 AM
الأديب المبدع عبد السلام هلالي
رائعة حقا ، في توصيفها وحبكتها وسردها .
ربما الأصح تثنية بندقية كذلك في " .. تغادران بندقيتهما على عجل .." ، فما رأيك .
العنوان تجلى ذكاؤه في الخاتمة المدهشة ، ربط رائع بين جميع عناصر القصة
إعجابي ووافر تقديري .

أهلا بك سيدي الكريم مازن لبابيدي،
سعيد ان بمرورك بين حروفي المتواضعة، و سعادتي أكبر حين تجد في ظلالها ما يروق ذائقة الشاعر و القاص.
بالنسبة للجملة موضوع الملاحظة، لم أقصد "بندقيتان" بل واحدة، و لم أدرج ما يدل على ان الرصاتين غادرتا متزامنتين.
هو شخص واحد كان يرقب الوضع.
شاكر لك هذا التفاعل القيم و الاهتمام النبيل.
لك باقة ود و ورد.

ناديه محمد الجابي
11-03-2014, 05:10 PM
هذه ليست أول مرة أقرأ قصتك الرائعة وأفر دون أن أستطع الرد
فرغم سردك الرائع المتدفق، ولغتك القوية البيان ، وذلك الحوار
الداخلي الصادق بين أحمد ونفسه .. كانت المرارة تملأ فمي
والأسى يسيطر علىّ لذلك الحال الذي وصلنا إليه ـ وكما يقول
تعالى :(يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ ) وهل هناك خراب أكبر من أن
نقتل شبابنا بأيدينا.
أخي الفاضل .. أبدعت في الوصف ونقلت المشاعر ببراعة
وأوصلت الفكرة .. فسلمت وسلم صرير قلمك.

عبد السلام هلالي
12-03-2014, 11:11 PM
هذه ليست أول مرة أقرأ قصتك الرائعة وأفر دون أن أستطع الرد
فرغم سردك الرائع المتدفق، ولغتك القوية البيان ، وذلك الحوار
الداخلي الصادق بين أحمد ونفسه .. كانت المرارة تملأ فمي
والأسى يسيطر علىّ لذلك الحال الذي وصلنا إليه ـ وكما يقول
تعالى :(يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ ) وهل هناك خراب أكبر من أن
نقتل شبابنا بأيدينا.
أخي الفاضل .. أبدعت في الوصف ونقلت المشاعر ببراعة
وأوصلت الفكرة .. فسلمت وسلم صرير قلمك.
و سلمت أختي الكريمة نادية،
سررت بهذا التفاعل القيم، و هذه القراءة الوارفة
سعيد بإعجابك بالنص و استمتاعك بالقراءة.
لك التحية وباقة شكر

خلود محمد جمعة
17-03-2014, 07:53 AM
اهي القصة ام السرد ام اللغة او الفكرة

انه الحرف الذي يتشكل كعجينة بين اناملك
دمت مبدعا
مودتي وكل التقدير

ربيحة الرفاعي
07-04-2014, 08:42 PM
الهدف رقم 25 والمجند رقم 30
ورصاصتان تستقران في الرأسين
فالكل أهداف وإن جعلوا، والمقصلة معدّة لجميع الأعناق

قصة مدهشة بدقة تصويبها ومهارة توظيف العنوان مثخنا بالفكرة جرحا ووجعا
والسرد شائق ومتقن

دمت بخير

تحاياي

آمال المصري
11-04-2014, 05:33 PM
بدقة ومهارة في الآداء وظفت أديبنا الفاضل كل أدواتك الراقية لتصيغ لنا وتنقل صورة حية من الساحة وكأنها التقاطة بعدسة مصور حاذق
وكان التسلسل والتصاعد سريعا والخاتمة مثخنة بالوجع
بوركت واليراع الفريدة
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

د. سمير العمري
10-07-2014, 09:24 AM
رائع يا عبد السلام ، هكذا هو فن القص الحقيقي المؤثر والهادف والذي يمسك بتلابيب القارئ حتى آخر حرف.

من أجمل ما قرأت منذ مدة فلا فض فوك!

تقديري

علاء سعد حسن
11-07-2014, 03:22 AM
سيدي عبد السلام هلالي
تحية عطرة لك

كأنك كنت معنا يومها..
وكأنك كنت هناك في الميدان

رغم يقيني ان اوطاننا جميعا صارت ميدانا واحدا تحت حصار القناصة..

نسأل الله تعالى يا اهل المغرب الحبيب أغلى اﻷماكن على قلبي وخاطري ونفسي ان يحفظكم ويسلمكم من حصار القناصة والمجند رقم 30

نداء غريب صبري
20-08-2014, 01:45 AM
قصة شدتني جدا بأسلوبها الشيق وبموضوعها المؤثر والذي يتحدث عن واقع مؤلم
شكرا لك أخي على هذا الألق

بوركت

عبد السلام هلالي
21-04-2016, 12:04 AM
اهي القصة ام السرد ام اللغة او الفكرة

انه الحرف الذي يتشكل كعجينة بين اناملك
دمت مبدعا
مودتي وكل التقدير

شكرا لك أخت خلود، سعيد أن لاقيت هنا ما يروقك تحيتي

عبد السلام هلالي
21-04-2016, 12:06 AM
الهدف رقم 25 والمجند رقم 30
ورصاصتان تستقران في الرأسين
فالكل أهداف وإن جعلوا، والمقصلة معدّة لجميع الأعناق

قصة مدهشة بدقة تصويبها ومهارة توظيف العنوان مثخنا بالفكرة جرحا ووجعا
والسرد شائق ومتقن

دمت بخير

تحاياي

سيدتي الكريمة ربيحة الرفاعي، هذا من كرمك و تواضعك.
سعيد أن لاقيت هنا ما يروق ذائقتك. لك التحية و التقدير