المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فيلم نوح



هشام النجار
09-03-2014, 10:31 PM
الفنانون عادة يستخدمون الأكاذيب لاخبار الحقيقة ، لكن هناك منهم أيضاً من يستخدم الحقائق لترويج الأكاذيب ولتضليل البشر . آلاف الأفلام حول العالم تم استخدامها لاعادة كتابة التاريخ من وجهة نظر صانعيها ، وما فعله يوسف شاهين على سبيل المثال مجرد نموذج متواضع جداً بجانب ما صنعه المخرجون العالميون الذين برعوا فى اللعب بالتاريخ وتوجيه أحداثه لحساب مصالحهم ولخدمة أفكارهم أو سياسات بلادهم . المخرج العالمى الشهير سيرغاى ايزنشتاين أحد أهم صناع السينما فى تاريخها كله وصاحب أعظم أفلام السينما حتى الآن ، كلفه السوفييت فى عشرينيات القرن الماضى باخراج فيلم للاحتفال بذكرى ثورة أكتوبر البلشفية ، فطلب من السلطات مشاهد توثيقية كانت صورت بالفعل هجوم الثوار على قصر " الشتاء " فى بطرسبرج ، ذلك الهجوم التاريخى الذى حسم النصر للبلاشفة . لكن السلطات رفضت اعطاءه الأشرطة الأصلية ، فاضطر للاستعانة بآلاف الكومبارس وأعاد تصوير مشهد اقتحام العمال والفلاحين الثائرين على القصر ، وأنجز الفيلم الرائع الذى صار علامة من علامات تاريخ السينما وحقق نجاحاً منقطع النظير . رغم ذلك لم يكن ما حكاه الفيلم هو الحقيقة وهو ما حدث بالفعل ؛ وبعد تفتيش المؤرخين فى أسباب احجام السلطات عن تزويد ايزنشتاين بالأشرطة الأصلية ، تبين أن الذين ثاروا كانوا يرتدون أزياء عسكرية موحدة ، وأن ما حدث لم يكن ثورة شعبية ولا غضبة عمال وفلاحين ، ولا يمثل أكثر من انقلاب عسكرى مخطط له بعناية ، ثم أردوا هذا الفيلم وغيره لمجرد الدعاية والتعمية على ما حدث . الطغاة دائماً وأصحاب الأهواء والمرضى بالعقد المزمنة يخفون الحقائق ويتلاعبون بالوقائع ويعيدون تصوير المشاهد الأصلية بتزوير محكم يخدم مصالحهم ويرفع أسهمهم . وهم عادة – وهذا مشترك بين المدرسة الغربية والطبيعة الديكتاتورية – يميلون للطرح الفنى المباشر والواضح والصريح بدون أى ترميز أو تجريد ، فالطغاة والديكتاتوريون لا يفضلون الرمز حتى لا يعمل المشاهد عقله ويستخدم خياله للوصول الى رسائل غير مرغوب فيها ، ومبدعو الغرب من خلال التجسيد والطرح المباشر يريدون اقناع المتلقى بأن هذه هى الحقائق وأن ما يشاهده هو التاريخ كما حدث بتفاصيله وسلوك شخصياته دون غيره . صناع هذا النوع من الأفلام – وآخرها فيلم نوح الذى أثار جدلاً واسعاً عند عرضه فى مصر مؤخراً – يسعون لتشكيل الواقع واحتكار الرواية التاريخية للأحداث خاصة ما يتعلق بتاريخ الوجود والوقائع الكبرى التى تعد من علامات التأثير فى حياة البشر . لم نشاهد بعد فيلم " نوح " ، ولم يشاهده العلماء الأفاضل الذين اعترضوا عليه ، ومنطلق الرفض عندهم من وجهة نظر شرعية بسبب تحريم تجسيد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على الشاشة ، وليس الرفض من منطلق أبعاد الطرح التاريخى وطريقة تناول الفيلم له ، بالرغم من أن تشويه التاريخ واعادة توجيهه أيديولوجياً واللعب بالوقائع وتزويرها ، جريمة أبشع من التجسيد . لا أتحدث من وجهة النظر الفقهية ولا تعليق لى على الجدل المثار بشأن مسألة التجسيد ، فالقضية التى ينبغى أن تشغلنا فى ظنى هى قضية التلاعب بالتاريخ ، وربما يُعرض الفيلم ويتشربه الكثيرون بما فيه من أفكار وروايات مزيفة ، ويظل الجدل دائراً حول حرمة تجسيد الأنبياء دون الانشغال بتصحيح الرواية ونشر الحقائق وعرض الوقائع الأصلية . نمتلك الرواية الأصلية والصحيحة للأحداث ، ووجود القرآن معنا يوجب علينا التحرك فى اتجاه نشر روايته للتاريخ وحقائق الوجود وما وراءها من أسرار وغايات بكل ما توصل اليه البشر من تقنيات ووسائل وابداع . ونمتلك أيضاً أسلوب فنى يجنح للترميز والتجريد ولا يهتم بالعرض المباشر يمكن من خلاله معالجة اشكالية تجسيد الأنبياء ، بأسلوب يهتم بالقيمة والرسالة وينفذ الى طبيعة الأشياء وما وراء المجسم . من غير المنطقى أن يكون هذا هو مستوى الفن لدينا ، بعد أن طفح واقعنا السينمائى بتجسيد الرذائل والانحرافات ، مع الجنوح لتأريخ الشرور وسير الراقصات ، وينشغل علماؤنا بالهجوم على فيلم أجنبى يؤرخ لحياة نبى – بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه وأيضاً عن الجدل الفقهى المثار - . الحقيقة تشتكى أصحابها ، ونوح عليه السلام وغيره من الأنبياء كنا الأولى بهم من غيرنا لنروى قصصهم بطريقتنا للعالمين من خلال الشاشات كما نزل القرآن علينا يرويها لنا .

نداء غريب صبري
29-03-2014, 11:30 PM
لم اشاهد فيلم نوح بعد
لكني متحمسة لمشاهدته لكثرة ما سمعت من حديث عنه
والكل حولي متحمسون مثلي
حتى أصبحت اسال نفسي هل تزيد هذه الفتاوى من ترويج ما تصدر بحقه؟

مقالتك هامة وليت صوتا مثل صوتك يجد من يسمعه أخي

شكرا لك

بوركت

ربيحة الرفاعي
03-04-2014, 02:21 AM
، ومنطلق الرفض عندهم من وجهة نظر شرعية بسبب تحريم تجسيد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على الشاشة ، وليس الرفض من منطلق أبعاد الطرح التاريخى وطريقة تناول الفيلم له ، بالرغم من أن تشويه التاريخ واعادة توجيهه أيديولوجياً واللعب بالوقائع وتزويرها ، جريمة أبشع من التجسيد .

ووجود القرآن معنا يوجب علينا التحرك فى اتجاه نشر روايته للتاريخ وحقائق الوجود وما وراءها من أسرار وغايات بكل ما توصل اليه البشر من تقنيات ووسائل وابداع . ونمتلك أيضاً أسلوب فنى يجنح للترميز والتجريد ولا يهتم بالعرض المباشر يمكن من خلاله معالجة اشكالية تجسيد الأنبياء ، بأسلوب يهتم بالقيمة والرسالة وينفذ الى طبيعة الأشياء وما وراء المجسم .


من غير المنطقى أن يكون هذا هو مستوى الفن لدينا ، بعد أن طفح واقعنا السينمائى بتجسيد الرذائل والانحرافات ، مع الجنوح لتأريخ الشرور وسير الراقصات ، وينشغل علماؤنا بالهجوم على فيلم أجنبى يؤرخ لحياة نبى – بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه وأيضاً عن الجدل الفقهى المثار .

تعجبني هذه الموضوعية والسمو الفكري في طرح ما يمور تحت سطح المشهد من جحيم يترصد الأمة وعلماؤها عنه في غفلة، ولعل من نافلة القول هنا الإشارة لكون الفيلم يحكي قصة نوح عليه السلام من رؤية توراتية، وأنه فيلم عالمي لمخرج وأبطال كبار لن يعجز منع عرضه الراغبين بمشاهدته عن تحقيق ذلك من خلال الانترنت، وحسبنا هذا لنعرف حجم التزييف الذي سيتضمنه، ما كان على علمائنا من جهد مطلوب لمواجهة طرحه بالحجة المفندة بدل الانشغال بمحاولة رفع السدود الحجرية بين الجمهور وبين عمل ستزيد مثل هذه المحاولة من ترويجه ...

كانت جبهة الإبداع استنكرت مساعي الأزهر لمنع عرض الفيلم في مصر، فيما اعتبرته تعديا على دور جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وقدمت لذلك من الحجة ما يضعف الحجة الأزهرية ، و أعلنت الجبهة في حينه عن استعدادها لعمل مناظرة فكرية في أي وقت مع من أسمتهم " الشيوخ الأجلاء أصحاب فكر المنع" للمجابهة بالرأي و الرأي الآخر، ولا أقسى وأيم الله من أن يحاج رقيب عالما، لكننا نصر على ان لا نتعلم.

دمت وسامق طرحك أيها الرائع

تحاياي

هشام النجار
05-04-2014, 08:44 PM
لم اشاهد فيلم نوح بعد
لكني متحمسة لمشاهدته لكثرة ما سمعت من حديث عنه
والكل حولي متحمسون مثلي
حتى أصبحت اسال نفسي هل تزيد هذه الفتاوى من ترويج ما تصدر بحقه؟

مقالتك هامة وليت صوتا مثل صوتك يجد من يسمعه أخي

شكرا لك

بوركت

شكراً جزيلاً .. وفعلاً فالممنوع مرغوب خاصة اذا تفرغوا فقط للتحريم والاداء السلبى وردود الافعال وتركوا العمل الايجابى والتأثير والانتاج .
ربنا يكرمك ويبارك فيك سيدتى الكريمة أستاذتنا المبدعة نداء غريب صبرى .
باقة شكر وتحية لهذا الحضور والتوقيع الراقى
تقديرى ودعواتى

هشام النجار
05-04-2014, 09:02 PM
تعجبني هذه الموضوعية والسمو الفكري في طرح ما يمور تحت سطح المشهد من جحيم يترصد الأمة وعلماؤها عنه في غفلة، ولعل من نافلة القول هنا الإشارة لكون الفيلم يحكي قصة نوح عليه السلام من رؤية توراتية، وأنه فيلم عالمي لمخرج وأبطال كبار لن يعجز منع عرضه الراغبين بمشاهدته عن تحقيق ذلك من خلال الانترنت، وحسبنا هذا لنعرف حجم التزييف الذي سيتضمنه، ما كان على علمائنا من جهد مطلوب لمواجهة طرحه بالحجة المفندة بدل الانشغال بمحاولة رفع السدود الحجرية بين الجمهور وبين عمل ستزيد مثل هذه المحاولة من ترويجه ...

كانت جبهة الإبداع استنكرت مساعي الأزهر لمنع عرض الفيلم في مصر، فيما اعتبرته تعديا على دور جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وقدمت لذلك من الحجة ما يضعف الحجة الأزهرية ، و أعلنت الجبهة في حينه عن استعدادها لعمل مناظرة فكرية في أي وقت مع من أسمتهم " الشيوخ الأجلاء أصحاب فكر المنع" للمجابهة بالرأي و الرأي الآخر، ولا أقسى وأيم الله من أن يحاج رقيب عالما، لكننا نصر على ان لا نتعلم.

دمت وسامق طرحك أيها الرائع

تحاياي

وفى رواية أخرى قرأت أثناء احدى متابعاتى لأخبار الفيلم أنه يناقش اشكالية بيئية من منطلق القصة الشهيرة بتوظيفها لهدف يخدم قضايا البيئة التى يهتم بها الغرب عموماً ، ومهما كان الامر فلا ينبغى ان تفلت من أيدينا المبادرة وان نقعد فى مقاعد المتفرجين فى مسرح نمتلكه ونحن الذين ابتكرناه ليتلقى أجيالنا الفكرة والرؤية والمعالجة الفنية من أناس أقل ما يوصفون به أنهم خصوم .
القضية قضية منافسة وساحة الفن وانتاجه خاضع للعرض والطلب والخبرة تقول ان المنع لا مجال له انما الدفع والمدافعة والمنازلة بانتاج منافس ومناهض والجمهور هو الذى يحكم ببقاء هذا اللون من الطرح بالاقبال عليه وباعدام الآخر ومنعه بهجره ومقاطعته وتركه مفلساً مادياً ومعنوياً ، فكيف الحال لو كان هناك انتاجان متنافسان غربى وافد ومحلى وطنى قريب من قضايانا معبر عن رؤانا ترتاح العقول والقلوب له ، فهل ساعتها سيكون للمنافس الوافد مثل هذا الحضور الطاغى والشنة والرنة التى يحظى بها اليوم فى الساحة منفرداً .
القضية تحتاج لمخلصين وعقول ومبدعين ومنتجين ومستثمرين يحبون بلادهم وأوطانهم ودينهم وغيورين عليه .
باقة شكر للأديبة والمبدعة الراقية المتميزة أستاذتنا الكبيرة ربيحة الرفاعى
خالص التحية والتقدير وأطيب أمنياتى .

بشرى رسوان
07-04-2014, 02:29 PM
صباح الخيرات

أكثر ما اعجبني في المقالة (الحياد النسبي )

دون اللجوء لمفردات قوية ومباشرة

هشام النجار
26-05-2014, 11:03 AM
صباح الخيرات

أكثر ما اعجبني في المقالة (الحياد النسبي )

دون اللجوء لمفردات قوية ومباشرة

شكراً جزيلاً سيدتى الكريمة على حضورك وتوقيعك الثرى
تحياتى وتقديرى