هشام النجار
16-03-2014, 12:16 AM
- في ندوة تحت عنوان " الإسلام والعلمانية " تساءل الدكتور فؤاد زكريا : ماذا يفعل الإسلام لحل مشكلة الديون المصرية ؟.
- فلم يجب الشيخ الغزالي على سؤاله ؟
- فسأل أحد الحضور الشيخ – رحمه الله - : لماذا لم تجب عن تساؤل الدكتور زكريا ؟.
- فقال الشيخ الغزالي : وجدت السؤال ساذجاً.
- ولو قال : ماذا يفعل الإسلام لعلاج أخطاء العلمانية الاقتصادية لسارعت بالجواب.
- قال : وما هذه الأخطاء ؟.
- قال الغزالي : إن مصر بعد الحرب العالمية الثانية كانت دولة دائنة.. وكانت القيمة الذاتية للجنيه المصري خمسة أضعاف الدولار الأمريكي.
- فما الذي جعل الدولة مدينة ؟.
- وما الذي جعل الجنيه يساوى في الأسواق نصف دولار ؟.
- تلك آثار العلمانية الاقتصادية وعبقريتها في التخريب المادي والأدبي.
- والسخيف أنها تخفى هذا الفشل تحت ثوب من الترفع والتعالم !.
- ثم تقول للمسلمين : ماذا ستفعلون لحل المشكلة التى وضعوا هم بذورها ؟.
- إن هؤلاء ( البله ) يحسبون أن الإسلاميين سيقيمون حلقة ذكر لحل المشكلة !.
- ( سنعرض بإذن الله تفاصيل المواجهة بين الشيخ الغزالي والعلمانيين في حلقات قادمة ضمن هذه السلسلة ).
- وهؤلاء ( البله ) الذين ذكرهم الغزالي لم تتكون لديهم هذه الفكرة عن عجز الإسلام عن حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المعقدة التى خنقت شعوبنا إلا لجهلهم بالإسلام.. ولو أنهم اطلعوا على ما كتبه علماء الإسلام قديماً وحديثاً.
- وما صنفوا من مؤلفات تتناول هذه القضايا والمشاكل وتضع الحلول العملية لها لما أثاروا الشكوك حول الحل الإسلامي.. ولو كانت لديهم النية والرغبة الصادقة في الإصلاح والنهوض لكانوا أول المدافعين عن الفكرة الإسلامية.. وأول المطالبين بتطبيقها.
- ونحن هنا نعرض باختصار شديد لجهد عالم واحد من علمائنا في هذا المجال.
- لقد وصف الغزالي الدواء بعد أن شخص الداء.
- ولكننا – كعادتنا – أهملنا تراث الرجل ورفضنا ما قدمه لنا من أفكار لعلاج ما نعانى منه من أزمات مستعصية ومشكلات مستفحلة.
- وأفكار الشيخ رحمه الله تتميز بواقعيتها.. وحلوله التى وضعها للمشكلة ليست بالخيالية..وليست مغرقة في المثالية.. وليست فقط نظريات لا علاقة لها بالواقع المعاش.
- إنما هي حلول عملية وأطروحات تناقش المشكلة بفهم عميق وتضع لها الحل بوعي وحرص.. ولنقرأ في البداية معا ما ذكره في كتابه ( الحق المر ) لحل مشكلة الديون الخارجية التى ادعى الدكتور فؤاد زكريا في تلك المناظرة أن الاسلام لا يملك حلا لها.
- يقول الغزالي رحمه الله : " إذا كنا مدينين بستة وثلاثين مليارا من الدولارات ، فهناك ضعف هذا المبلغ من الثروة المصرية موجود في البنوك الخارجية ، وينبغي أن يعود كله أو جله.
- ثانياً : الإنتاج العام عندنا ضعيف إلى حد مخيف.. ويكاد يوم العمل يهبط إلى ساعة واحدة.
- بينما هو في الدنيا ثماني ساعات.. إن المديرين والمنفذين يتحركون بغير حماس وبلا وعى.. ويجب أن يتغير ذلك كله .
- ثالثاً : آن الأوان لمحو تقاليد الصرف والترف.. ومقاتلة المخدرات والمسكرات جميعاً.
- وإرغام أصحاب الكروش على شد الأحزمة والعيش كسائر الناس.
- رابعاً : عند التأمل سنجد أن الدول الفقيرة سدت ما عليها ولكن ما دفعته ذهب في الفوائد الربوية.. وفى رواتب الموظفين والخبراء الأجانب الذين يصحبون المشروعات الإنمائية.. أي أن الدول الغنية تقوم بأعمال سرقة ونهب وتغرير واحتيال ويجب فضح هذا المسلك ".
- وبالرغم من أن الشيخ الغزالي يعتبر أول داعية إسلامي يثير هذه القضايا الشائكة بمثل هذا الزخم.. إلا أنه يتميز عن كثيرين ناقشوا هذه المسألة وبحثوها وأثاروها وكتبوا فيها فيما بعد.
- بالطرح الواقعي – كما ذكرنا – وأيضا تشعر في ثنايا كلامه بالوجع والحزن الشديد لحال الأمة.. وتحس بمشاعر رجل يرغب بصدق وإخلاص في التغيير والإصلاح.. لنقرأ مثلاً هذه الأسطر من كتابه الحق المر.
- حيث يقول : " يجب أن تتكاتف الجهود للعودة بالعرب والمسلمين إلى ( اقتصاد حرب ) يفرض عليهم الاكتفاء الذاتي.. فقد تداعت عليهم الأمم.. وإن لم يتماسكوا هلكوا.
- إنني أرى السكارى والمدخنين فأشعر بغصة.. وأرى الأفواج المسافرة إلى الخارج للنزهة والمتعة فأحس الهزيمة.
- وأرى الذين يتطلعون إلى الحطام الزائل بشوق ورغبة فأقول : إن حاجتنا ماسة إلى تربية صحيحة لنستنفذ ديننا ودنيانا. "
- إن الغزالي يقرر في البداية – كما في كتابه ( الإسلام والأوضاع الاقتصادية ) .
- " إن الأغنياء لا يجوز أن يبقى لهم غناهم كاملاً.. وأن الفقراء لا يجوز أن يبقى عليهم فقرهم كاملاً.. ولابد أن يشترك هؤلاء وأولئك في إقامة مجتمع لا يوجد فيه الرجل المترف والرجل المحروم ".
- ويقرر أيضا في نفس الكتاب : " لابد من إعادة التوازن الاقتصادي على أساس لا تبقى معه هذه الموبقات ، ولا تتوطن فيه هذه المفاسد الشائنة ".
- ثم يضع الغزالي الدولة أمام مسئولياتها لإنهاء هذه الحالة البغيضة التى يأباها الإسلام.. وهى احتكار طبقة من طبقات المجتمع ثروة الأمة واستيلاؤها بغناها الفاحش على التوجيه الاقتصادي والسياسي والثقافي للشعب.
- فالحاكم في هذه الحالة له الحرية في اتخاذ الوسائل التى تعينه على إعادة التوازن بين طبقات المجتمع.
- يقول رحمه الله في كتابه ( الإسلام والمناهج الاشتراكية ) : " أما إذا تغيرت النفوس وحلت الأثرة مكان الإيثار ، وتزاحم الناس على المورد المحدود كل يبغى أن يستبد به دون غيره ، أما إذا لم تجد إلا طبقات مسترقة وطبقة مؤامرة ، فهنا يتدخل القانون – باسم الله ورسوله – ليحقق الحكمة التى عناها القرآن عند تقسيم الملك والمال فقال : " كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ".
- ويضرب الغزالي مثالاً بما حدث بعد غزوة بني النضير
- فيقول : " حتى حدثت موقعة بني النضير.. فرأى الرسول الفرصة سانحة لإعادة التوازن الاقتصادي.. إذ اعتبر هذا الفيء ملكا خاصاً له.. فجعل الغنائم من أرض ومال وقفاً على المهاجرين.. إذ لا معنى لأن يزداد الأنصار غنى على غناهم.. بينما أكثر المهاجرين في قلة ظاهرة من المال.
- قال الزهري : " كانت غنائم بني النضير للنبي - صلى الله عليه وسلم - خالصة.. إذ لم يفتحوها عنوة بل فتحوها على صلح.. فقسمها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين.. ولم يعط الأنصار منها شيئاً إلا رجلين كانت بهما حاجة ".
- يضع الغزالي الدولة أمام مسئولياتها ويتشدد ويغلظ في القول.
- لأنه كما يقول في كتابه ( الإسلام والأوضاع الاقتصادية ) : " لا يجوز أن يبقى رجل من غير دخل قليل أو كثير ، يكفل له المستوى الواجب لمعيشته.. وعلى المجتمع أن ينظم أموره تنظيماً يؤدى إلى هذه النتيجة المحتومة.. وإلا كان مجتمعاً لا دين له.
- وقد أفتى ابن حزم وغيره من العلماء بأنه : إذا مات رجل جوعاً في بلد اعتبر أهله قتلة.. وأخذت منهم دية القتيل.
- وقد اعتبر القرآن أنه من التكذيب بالدين أن تدع اليتيم وألا تحض على طعام المسكين.
- فكيف يكون رأى القرآن في بلاد لا تهمل الحض على طعام المسكين فقط.. بل تصنع الفقر والمسكنة.. وتخرج إلى المجتمع الإنساني ألوف الفقراء والمساكين.. فكأن أنظمتها الاقتصادية آلات جبارة تصوغ البؤس في قوالب من أبناء آدم.. ثم ترمى بهم على أفاريز الطرق وفى خرائب الأبنية أو بين السجون والملاجئ والمستشفيات ".
- وضع الغزالي أيضاًالدولة أمام مسئولياتها لحماية ثروات الأمة واستخراج كنوزها والاستفادة من جهود وطاقات شبابها.
- يقول رحمه الله في ( الإسلام والأوضاع الاقتصادية ) : " ليس أعجز من مجتمع تراق فيه الثروة البشرية على هذا النحو الشائن.. خصوصاً إذا كانت أرضه حافلة بالدفائن النفيسة التى يجب استخراجها مهما تكلفت من جهد وتطلبت من عون.. أو كانت الرقعة المزروعة يمكن زيادتها واستنبات الطيبات منها.. ومن الحماقة التهوين من مصيبة البطالة أو من آثارها المادية والمعنوية ".
- وكلام الغزالي هذا سبق به من تكلموا عن أهمية التنمية والعمل والإنتاج والاستثمار لمعالجة الفقر والأزمات الاقتصادية الطاحنة.. خاصة في دول لا تنقصها متطلبات الأمن الغذائي.. ولديها من الموارد الطبيعية والبشرية ما يكفيها ويزيد عن حاجتها.. وهذه الموارد.
- كما ذكر الشيخ الغزالي – تتمثل في أرض قابلة للزراعة وأيدي عاملة لا تجد فرصة للعمل وفوائض استثمارية كبيرة.. هذا إلى جانب كل مقومات التنمية الاقتصادية لإنتاج ما تحتاج إليه من سلع إستراتيجية وسلع غذائية.
- وضع الغزالي الدولة أيضا أمام مسئولياتها للقضاء على البطالة وأخذ الزكاة وتوزيعها على مستحقيها باعتبار أن هذه المهمات مهمات دول وليست مهمات أفراد أو مؤسسات أو جمعيات.
- يقول رحمه الله في كتابه ( الفساد السياسي ) : " لماذا تبقى محاربة البطالة والبأساء والضراء خاضعة لتطوع أفراد بأداء الزكاة وبذل المعونة ؟
- لقد كان من أول أعمال الدولة الإسلامية – بعد حراسة الإيمان – أخذ الزكاة.
- وهذا ما عزم عليه الصديق ، وتابعه فيه بقية الصحابة.
- ومعنى الأخذ من الأغنياء أن الدولة هي التى تتولى الإنفاق في المصارف المقررة.. وأنها مسئولة عن رعيتها أمام الله وأمام جماعة المسلمين ".
- بل يذهب الغزالي إلى أكثر من ذلك في كتابه ( الإسلام والأوضاع الاقتصادية ) فيقول : " والمال الذي يكفى لإذهاب العيلة واستئصال الحرمان وإشاعة فضل الله على عباده يجب إخراجه مهما عظم من ثروات الأغنياء.. ولو تجاوز بعيداًمقادير الزكاة المفروضة لأن حفظ الحياة حق إسلامي أصيل ".
- كذلك وضع الغزالي الدولة أمام مسئولياتها لمراقبة سير المال في المجتمع وطرق تداوله بين شتى الطبقات.. لمنع تكدسه من ناحية وإفقار ناحية أخرى منه أو نواح كثيرة.
- وكثيراً ما حذر الشيخ الغزالي - رحمه الله - في كتبه ومقالاته وحواراته من احتكار الثروة.. فيصبح المال - الذي هو قوام الحياة - دولة بين جماعة قليلة من الناس.
- فإن نتائج ذلك مدمرة ؛ إذ الجوع كافر.. وحقد المحرومين قاتل .
- وضع الغزالي – رحمه الله- الدولة أمام مسئولياتها ورسم لها الطريق وحدد لها المسار وبين لها المنهج.
- يقول رحمه الله بدون استخدام مصطلحات معقدة وبكل وضوح وبساطة وواقعية :
- " وعلى الدول شق ميادين العمل لكل قادر واستنفاد الطاقات المختزنة في الأجساد لمصلحة الفرد والجماعة.
- فإذا توفرت ثمرات العمل أولا : فان الزكوات وشتى ضروب العطاء عليها بعد ذلك أن تعمل عملها الواسع في تفريج الضائق وسد حاجات اليتامى والمساكين والمعوزين.
- فإذا جفت بعض المنابع كان على المنابع الباقية أن تحمل العبء كاملاً.. وعلى الدولة أن تستنبط من موارد المال ما توازن به شئون المجتمع وتقيم به مصالح الناس.. والدين لها في كل ذلك ظهير ".
- لقد فصل شيخنا - رحمه الله - وتوسع في حديثه إلى الحكام والمسئولين.. ليقوموا بدورهم الواجب عليهم للخروج من الأزمات الاقتصادية الطاحنة.. وللنهوض بالمجتمعات والشعوب الإسلامية.
- ونحن هنا - لضيق المقام - نقتطف قطوفا.. ونلتقط بعض الجزئيات التى تصلح لتكون عناوين ومنطلقات ورؤوس أقلام.. ومن أراد الاستزادة والبحث فعليه بتراث الشيخ.. ففيه الكثير والكثير مما يجب علينا جميعا دراسته وتأمله.
- يقول الشيخ رحمه الله على سبيل المثال في كتابه ( الإسلام والمناهج الاشتراكية ) :
- " فكيف يعجز المسلمون – إذا أخلصوا لدينهم – عن إقامة صرح اقتصادي لا مكان فيه للربا والمرابين.. ويكون في جوهره ومظهره إسلامياً بحتاً ؟ ".
- ويقول رحمه الله : " وقد بين الإسلام الجرائم الاقتصادية التى يحاربها فذكر في عدادها الربا والاحتكار والاغتصاب.. وهذه المآثم تعتبر المعالم الأولى للنظام الرأسمالي الطليق.. فكيف يبقى ويبقى معه الإسلام ؟ ".
- ويقول رحمه الله أيضاً في موضع آخر من نفس الكتاب :
- " إذا حرمنا نباح الكلاب وعواء الذئاب.. فالطريقة المثلى للتنفيذ أن تعدم الكلاب والذئاب لأنها ما دامت حية فستنبح وتعوي.
- والنظم التى نبحت الإنسانية وقطعت طريقها و أنشبت فيها أظافرها وأنيابها.. هي هذه النظم المحتكرة للأقوات والمصالح.. المحتقرة للشعوب والطبقات العامة.. المتسلطة بالجبروت على المال تعبث به وتملأ الأرض فسادً ".
- ويقول في كتابه ( الإسلام والأوضاع الاقتصادية ) :
- " ولا يجوز البتة أن تستغل أموال الشعب في النواحي الشخصية لأحد لينفق منها على زينته أو يسرف في أبهته ".
- ويقول في موضع آخر من الكتاب :
- " فإطلاق الملكيات أو تقييدها ووضع حد أدنى للضرائب على رأس المال أو على الدخل.. وجعل المرافق العامة ملكاً للدولة أو للأفراد.. هذه كلها أمور يخضعها الدين لحاجات الناس وأطوار الزمن.
- ولنا أن ننظر إلى حاجات شعبنا ومطالب عصرنا وأحوال وطننا.. ونضع لأنفسنا ما نشاء من النظم الاجتماعية والاقتصادية التى نراها كفيلة بتحقيق أهدافنا الكبرى في ميادين الإصلاح العام ".
- ويقول أيضا في نفس الكتاب :
- " قيام التوازن بين الناس.. بإقامة العدل الاجتماعي والسياسي فيهم.. وتشريع القوانين المادية والأدبية التى تكفل تحقيق هذه الغاية الكبيرة بينهم ".
- ويقول أيضاً :
- " فعلى الحكومة أن تضع يدها باسم الشعب على مصادر الثروة العامة.. وأن تقصى المحتكرين أفراداً كانوا أو شركات من محاولة استغلالها لأنفسهم.. وتسخيرها وتسخير الشعب معاًلمطامعهم.
- هل يفهم من كلامنا أننا نجور على حق التملك الخاص ؟
- إننا ما نقصد إلى هذا بتاتاً.. فحرية التملك جزءً من الحرية الشخصية التى نحترمها ونود لو أحيطت بألف سياج.
- من حق أي إنسان أن يعمل وأن ينال ثمرة عمله كاملة وأن يستمتع بنتائج جهده وأن يورث أبناءه ما اكتسب.
- وقد أقر الإسلام مبدأ الملكية ودافع عنه.
- إلا أن الإسلام أكثر من القيود التى تجعل حق التملك لا ينقلب وبالاً على أصحابه وعلى الناس.. فالملك مقبول من حلال مرفوض من حرام.. والملك الحلال لابد أن تخرج منه حقوق شتى حتى يسلم لصاحبه ما بقى له.
- وما بقى بعد ذلك لا يجوز أن يكون سنداً لتطاول أسر متكبرة تحاول بقوة المال أن تحكم وتتصدر وتسوق الجماهير بثرائها أو بعصاها ".
- وكما وضع الغزالي - رحمه الله - الدولة أمام مسئولياتها ، وضع كذلك الحركة الإسلامية أمام مسئولياتها.. وحدد لها الميادين التى يجب أن تعمل فيها بجد ومثابرة وتجرد.
- ونكتفي بما قاله في ( جهاد الدعوة ) حيث يتساءل مستنكرا ومحفزاً ومستنهضاً لهمم أبناء الحركة الإسلامية :
- " أما تعرفون ميادين أخرى أخطر من ميادين الحرب الساخنة يمكنكم فيها أن تنصروا الله ورسوله.
- في ميدان الإعلام – أو بلسان الشرع ميدان الدعوة – توجد مليارات من الناس سيئة العلم بالإسلام.. تفترسها شبهات وخرافات حول ديننا البرئ.
- فهل أسهمتم في تبديدها ؟
- في ميدان المال والأعمال تكاد الأديان الأخرى تنفرد بزمام الحياة وتؤثر تياراتها سلباًوإيجاباً.
- فهلا تحركتم لتمتلئ الأيدي بالشغل ولتختفي من بينكم البطالة.. وليكون لكم صوت مسموع ؟
- في ميدان العلم مدنياًكان أو عسكرياً.. لا يعرف لنا وجود.
- فهلا نافستم واستفدتم وأفدتم ؟
- في ميدان السياحة والكشوف.. نقل المتحركون عقائدهم حيث ذهبوا.
- فماذا حبسكم في أماكنكم ؟
- في ميدان المساعدات والخدمات الاجتماعية.. اجتهد كثيرون في تخفيف الآلام وتجفيف الدموع.. وكسبوا قلوباًتحفظ الجميل.. فأين أنتم ؟؟؟ ".
- وأخيراً: وضع الغزالي الشعوب المسلمة أمام مسئولياتها.
- نعم ، فمحاربة الفقر ومواجهة الأزمات ليس مسئولية الدولة فقط.. بل هي مسئولية مشتركة بين الجميع.
- وقد اهتم الغزالي أيما اهتمام بالشعوب.. وتراثه ذاخر بمناهج عملية لتقويم الأفراد والجماعات.. وتاريخه حافل بجولات ومواجهات من أجل النهوض بالشعوب المسلمة.. وتربيتها وتنمية وعيها وإدراكها.. وإخراجها من منطقة الخرافة والدروشة والدجل إلى ميادين التحرر والسعي والإبداع والعمل.
- وما ننقله هنا من كتبه ما هو إلا إطلالة خاطفة نرجوا من ورائها تحفيز الناس العاديين والدارسين والباحثين وأصحاب الشأن لمراجعة ما سطره الرجل من أفكار.. تلك الأفكار التى أثبت بها اليوم أنه سبق عصره بأكثر من نصف قرن من الزمان.
- يقول رحمه الله في كتابه ( الإسلام والمناهج الاشتراكية ) متحدثا عن دور الشعوب :
- " إننا يجب أن نصارح قومنا بأن أساليبهم في الحياة لن تؤدى إلا إلى فنائهم.
- إن الأجيال تجد وهم يهزلون.. وصراخهم في طلب الحقوق سيعد نباحاً ما لم يثبتوا جدارتهم بما يطلبون.. بل إن أهليتهم لهذه الحقوق ستكون موضع ريبة بالغة ما لم يتحولوا في بلادهم إلى رسل للحياة والتعمير.. والنشاط والتدبير.. هذه سنة الله في كونه.. ولن يزيغ عنها إلا هالك ".
- ويقول أيضا في ( الإسلام والطاقات المعطلة ) – والأمثلة أكثر من أن تحصى :-
- " وفى هذا الزمان.. ليس نهوض المسلم إلى تجربة كيماوية أو صناعة آلية بأقل من نهوضه لصلاة يفتتحها بتكبير الله ويختتمها بالسلام على خلقه ".
- وفى موضع آخر من الكتاب يقول :
- " أجل لنقلها صريحة ؛ فان أمتنا محتاجة إلى أن تجيد فن الحياة ، وقبل أن تصل إلى درجة الإجادة المنشودة لن يصلح بها دين ، ولن تصلح لها دنيا ".
- هكذا عالج الغزالي القضية من كافة جوانبها ، ووصف الدواء وكتب روشتة العلاج ، ورسم المنهج وحدد المسئوليات.. ولكن السؤال هو :-
- متى نطبق أفكار الرجل ؟ متى نحترم خبرته وحكمته ؟
- ثم ألم يحن الوقت لنتناول الدواء الذي وصفه لنا ، خاصة بعد أن وصلنا اليوم – شعوباً ودولاً– إلى تلك الحالة المزرية بعد أن تمكن الداء من جسومنا ، وبعد أن أنهك قوانا وأضاع أوقاتنا وأرهق عقولنا ؟.
- والله إنني أنظر اليوم لحال أمتنا ، ثم أقرأ في تراث مفكريها وعلمائها فأتذكر قول القائل :
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول
- فلم يجب الشيخ الغزالي على سؤاله ؟
- فسأل أحد الحضور الشيخ – رحمه الله - : لماذا لم تجب عن تساؤل الدكتور زكريا ؟.
- فقال الشيخ الغزالي : وجدت السؤال ساذجاً.
- ولو قال : ماذا يفعل الإسلام لعلاج أخطاء العلمانية الاقتصادية لسارعت بالجواب.
- قال : وما هذه الأخطاء ؟.
- قال الغزالي : إن مصر بعد الحرب العالمية الثانية كانت دولة دائنة.. وكانت القيمة الذاتية للجنيه المصري خمسة أضعاف الدولار الأمريكي.
- فما الذي جعل الدولة مدينة ؟.
- وما الذي جعل الجنيه يساوى في الأسواق نصف دولار ؟.
- تلك آثار العلمانية الاقتصادية وعبقريتها في التخريب المادي والأدبي.
- والسخيف أنها تخفى هذا الفشل تحت ثوب من الترفع والتعالم !.
- ثم تقول للمسلمين : ماذا ستفعلون لحل المشكلة التى وضعوا هم بذورها ؟.
- إن هؤلاء ( البله ) يحسبون أن الإسلاميين سيقيمون حلقة ذكر لحل المشكلة !.
- ( سنعرض بإذن الله تفاصيل المواجهة بين الشيخ الغزالي والعلمانيين في حلقات قادمة ضمن هذه السلسلة ).
- وهؤلاء ( البله ) الذين ذكرهم الغزالي لم تتكون لديهم هذه الفكرة عن عجز الإسلام عن حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المعقدة التى خنقت شعوبنا إلا لجهلهم بالإسلام.. ولو أنهم اطلعوا على ما كتبه علماء الإسلام قديماً وحديثاً.
- وما صنفوا من مؤلفات تتناول هذه القضايا والمشاكل وتضع الحلول العملية لها لما أثاروا الشكوك حول الحل الإسلامي.. ولو كانت لديهم النية والرغبة الصادقة في الإصلاح والنهوض لكانوا أول المدافعين عن الفكرة الإسلامية.. وأول المطالبين بتطبيقها.
- ونحن هنا نعرض باختصار شديد لجهد عالم واحد من علمائنا في هذا المجال.
- لقد وصف الغزالي الدواء بعد أن شخص الداء.
- ولكننا – كعادتنا – أهملنا تراث الرجل ورفضنا ما قدمه لنا من أفكار لعلاج ما نعانى منه من أزمات مستعصية ومشكلات مستفحلة.
- وأفكار الشيخ رحمه الله تتميز بواقعيتها.. وحلوله التى وضعها للمشكلة ليست بالخيالية..وليست مغرقة في المثالية.. وليست فقط نظريات لا علاقة لها بالواقع المعاش.
- إنما هي حلول عملية وأطروحات تناقش المشكلة بفهم عميق وتضع لها الحل بوعي وحرص.. ولنقرأ في البداية معا ما ذكره في كتابه ( الحق المر ) لحل مشكلة الديون الخارجية التى ادعى الدكتور فؤاد زكريا في تلك المناظرة أن الاسلام لا يملك حلا لها.
- يقول الغزالي رحمه الله : " إذا كنا مدينين بستة وثلاثين مليارا من الدولارات ، فهناك ضعف هذا المبلغ من الثروة المصرية موجود في البنوك الخارجية ، وينبغي أن يعود كله أو جله.
- ثانياً : الإنتاج العام عندنا ضعيف إلى حد مخيف.. ويكاد يوم العمل يهبط إلى ساعة واحدة.
- بينما هو في الدنيا ثماني ساعات.. إن المديرين والمنفذين يتحركون بغير حماس وبلا وعى.. ويجب أن يتغير ذلك كله .
- ثالثاً : آن الأوان لمحو تقاليد الصرف والترف.. ومقاتلة المخدرات والمسكرات جميعاً.
- وإرغام أصحاب الكروش على شد الأحزمة والعيش كسائر الناس.
- رابعاً : عند التأمل سنجد أن الدول الفقيرة سدت ما عليها ولكن ما دفعته ذهب في الفوائد الربوية.. وفى رواتب الموظفين والخبراء الأجانب الذين يصحبون المشروعات الإنمائية.. أي أن الدول الغنية تقوم بأعمال سرقة ونهب وتغرير واحتيال ويجب فضح هذا المسلك ".
- وبالرغم من أن الشيخ الغزالي يعتبر أول داعية إسلامي يثير هذه القضايا الشائكة بمثل هذا الزخم.. إلا أنه يتميز عن كثيرين ناقشوا هذه المسألة وبحثوها وأثاروها وكتبوا فيها فيما بعد.
- بالطرح الواقعي – كما ذكرنا – وأيضا تشعر في ثنايا كلامه بالوجع والحزن الشديد لحال الأمة.. وتحس بمشاعر رجل يرغب بصدق وإخلاص في التغيير والإصلاح.. لنقرأ مثلاً هذه الأسطر من كتابه الحق المر.
- حيث يقول : " يجب أن تتكاتف الجهود للعودة بالعرب والمسلمين إلى ( اقتصاد حرب ) يفرض عليهم الاكتفاء الذاتي.. فقد تداعت عليهم الأمم.. وإن لم يتماسكوا هلكوا.
- إنني أرى السكارى والمدخنين فأشعر بغصة.. وأرى الأفواج المسافرة إلى الخارج للنزهة والمتعة فأحس الهزيمة.
- وأرى الذين يتطلعون إلى الحطام الزائل بشوق ورغبة فأقول : إن حاجتنا ماسة إلى تربية صحيحة لنستنفذ ديننا ودنيانا. "
- إن الغزالي يقرر في البداية – كما في كتابه ( الإسلام والأوضاع الاقتصادية ) .
- " إن الأغنياء لا يجوز أن يبقى لهم غناهم كاملاً.. وأن الفقراء لا يجوز أن يبقى عليهم فقرهم كاملاً.. ولابد أن يشترك هؤلاء وأولئك في إقامة مجتمع لا يوجد فيه الرجل المترف والرجل المحروم ".
- ويقرر أيضا في نفس الكتاب : " لابد من إعادة التوازن الاقتصادي على أساس لا تبقى معه هذه الموبقات ، ولا تتوطن فيه هذه المفاسد الشائنة ".
- ثم يضع الغزالي الدولة أمام مسئولياتها لإنهاء هذه الحالة البغيضة التى يأباها الإسلام.. وهى احتكار طبقة من طبقات المجتمع ثروة الأمة واستيلاؤها بغناها الفاحش على التوجيه الاقتصادي والسياسي والثقافي للشعب.
- فالحاكم في هذه الحالة له الحرية في اتخاذ الوسائل التى تعينه على إعادة التوازن بين طبقات المجتمع.
- يقول رحمه الله في كتابه ( الإسلام والمناهج الاشتراكية ) : " أما إذا تغيرت النفوس وحلت الأثرة مكان الإيثار ، وتزاحم الناس على المورد المحدود كل يبغى أن يستبد به دون غيره ، أما إذا لم تجد إلا طبقات مسترقة وطبقة مؤامرة ، فهنا يتدخل القانون – باسم الله ورسوله – ليحقق الحكمة التى عناها القرآن عند تقسيم الملك والمال فقال : " كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ".
- ويضرب الغزالي مثالاً بما حدث بعد غزوة بني النضير
- فيقول : " حتى حدثت موقعة بني النضير.. فرأى الرسول الفرصة سانحة لإعادة التوازن الاقتصادي.. إذ اعتبر هذا الفيء ملكا خاصاً له.. فجعل الغنائم من أرض ومال وقفاً على المهاجرين.. إذ لا معنى لأن يزداد الأنصار غنى على غناهم.. بينما أكثر المهاجرين في قلة ظاهرة من المال.
- قال الزهري : " كانت غنائم بني النضير للنبي - صلى الله عليه وسلم - خالصة.. إذ لم يفتحوها عنوة بل فتحوها على صلح.. فقسمها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين.. ولم يعط الأنصار منها شيئاً إلا رجلين كانت بهما حاجة ".
- يضع الغزالي الدولة أمام مسئولياتها ويتشدد ويغلظ في القول.
- لأنه كما يقول في كتابه ( الإسلام والأوضاع الاقتصادية ) : " لا يجوز أن يبقى رجل من غير دخل قليل أو كثير ، يكفل له المستوى الواجب لمعيشته.. وعلى المجتمع أن ينظم أموره تنظيماً يؤدى إلى هذه النتيجة المحتومة.. وإلا كان مجتمعاً لا دين له.
- وقد أفتى ابن حزم وغيره من العلماء بأنه : إذا مات رجل جوعاً في بلد اعتبر أهله قتلة.. وأخذت منهم دية القتيل.
- وقد اعتبر القرآن أنه من التكذيب بالدين أن تدع اليتيم وألا تحض على طعام المسكين.
- فكيف يكون رأى القرآن في بلاد لا تهمل الحض على طعام المسكين فقط.. بل تصنع الفقر والمسكنة.. وتخرج إلى المجتمع الإنساني ألوف الفقراء والمساكين.. فكأن أنظمتها الاقتصادية آلات جبارة تصوغ البؤس في قوالب من أبناء آدم.. ثم ترمى بهم على أفاريز الطرق وفى خرائب الأبنية أو بين السجون والملاجئ والمستشفيات ".
- وضع الغزالي أيضاًالدولة أمام مسئولياتها لحماية ثروات الأمة واستخراج كنوزها والاستفادة من جهود وطاقات شبابها.
- يقول رحمه الله في ( الإسلام والأوضاع الاقتصادية ) : " ليس أعجز من مجتمع تراق فيه الثروة البشرية على هذا النحو الشائن.. خصوصاً إذا كانت أرضه حافلة بالدفائن النفيسة التى يجب استخراجها مهما تكلفت من جهد وتطلبت من عون.. أو كانت الرقعة المزروعة يمكن زيادتها واستنبات الطيبات منها.. ومن الحماقة التهوين من مصيبة البطالة أو من آثارها المادية والمعنوية ".
- وكلام الغزالي هذا سبق به من تكلموا عن أهمية التنمية والعمل والإنتاج والاستثمار لمعالجة الفقر والأزمات الاقتصادية الطاحنة.. خاصة في دول لا تنقصها متطلبات الأمن الغذائي.. ولديها من الموارد الطبيعية والبشرية ما يكفيها ويزيد عن حاجتها.. وهذه الموارد.
- كما ذكر الشيخ الغزالي – تتمثل في أرض قابلة للزراعة وأيدي عاملة لا تجد فرصة للعمل وفوائض استثمارية كبيرة.. هذا إلى جانب كل مقومات التنمية الاقتصادية لإنتاج ما تحتاج إليه من سلع إستراتيجية وسلع غذائية.
- وضع الغزالي الدولة أيضا أمام مسئولياتها للقضاء على البطالة وأخذ الزكاة وتوزيعها على مستحقيها باعتبار أن هذه المهمات مهمات دول وليست مهمات أفراد أو مؤسسات أو جمعيات.
- يقول رحمه الله في كتابه ( الفساد السياسي ) : " لماذا تبقى محاربة البطالة والبأساء والضراء خاضعة لتطوع أفراد بأداء الزكاة وبذل المعونة ؟
- لقد كان من أول أعمال الدولة الإسلامية – بعد حراسة الإيمان – أخذ الزكاة.
- وهذا ما عزم عليه الصديق ، وتابعه فيه بقية الصحابة.
- ومعنى الأخذ من الأغنياء أن الدولة هي التى تتولى الإنفاق في المصارف المقررة.. وأنها مسئولة عن رعيتها أمام الله وأمام جماعة المسلمين ".
- بل يذهب الغزالي إلى أكثر من ذلك في كتابه ( الإسلام والأوضاع الاقتصادية ) فيقول : " والمال الذي يكفى لإذهاب العيلة واستئصال الحرمان وإشاعة فضل الله على عباده يجب إخراجه مهما عظم من ثروات الأغنياء.. ولو تجاوز بعيداًمقادير الزكاة المفروضة لأن حفظ الحياة حق إسلامي أصيل ".
- كذلك وضع الغزالي الدولة أمام مسئولياتها لمراقبة سير المال في المجتمع وطرق تداوله بين شتى الطبقات.. لمنع تكدسه من ناحية وإفقار ناحية أخرى منه أو نواح كثيرة.
- وكثيراً ما حذر الشيخ الغزالي - رحمه الله - في كتبه ومقالاته وحواراته من احتكار الثروة.. فيصبح المال - الذي هو قوام الحياة - دولة بين جماعة قليلة من الناس.
- فإن نتائج ذلك مدمرة ؛ إذ الجوع كافر.. وحقد المحرومين قاتل .
- وضع الغزالي – رحمه الله- الدولة أمام مسئولياتها ورسم لها الطريق وحدد لها المسار وبين لها المنهج.
- يقول رحمه الله بدون استخدام مصطلحات معقدة وبكل وضوح وبساطة وواقعية :
- " وعلى الدول شق ميادين العمل لكل قادر واستنفاد الطاقات المختزنة في الأجساد لمصلحة الفرد والجماعة.
- فإذا توفرت ثمرات العمل أولا : فان الزكوات وشتى ضروب العطاء عليها بعد ذلك أن تعمل عملها الواسع في تفريج الضائق وسد حاجات اليتامى والمساكين والمعوزين.
- فإذا جفت بعض المنابع كان على المنابع الباقية أن تحمل العبء كاملاً.. وعلى الدولة أن تستنبط من موارد المال ما توازن به شئون المجتمع وتقيم به مصالح الناس.. والدين لها في كل ذلك ظهير ".
- لقد فصل شيخنا - رحمه الله - وتوسع في حديثه إلى الحكام والمسئولين.. ليقوموا بدورهم الواجب عليهم للخروج من الأزمات الاقتصادية الطاحنة.. وللنهوض بالمجتمعات والشعوب الإسلامية.
- ونحن هنا - لضيق المقام - نقتطف قطوفا.. ونلتقط بعض الجزئيات التى تصلح لتكون عناوين ومنطلقات ورؤوس أقلام.. ومن أراد الاستزادة والبحث فعليه بتراث الشيخ.. ففيه الكثير والكثير مما يجب علينا جميعا دراسته وتأمله.
- يقول الشيخ رحمه الله على سبيل المثال في كتابه ( الإسلام والمناهج الاشتراكية ) :
- " فكيف يعجز المسلمون – إذا أخلصوا لدينهم – عن إقامة صرح اقتصادي لا مكان فيه للربا والمرابين.. ويكون في جوهره ومظهره إسلامياً بحتاً ؟ ".
- ويقول رحمه الله : " وقد بين الإسلام الجرائم الاقتصادية التى يحاربها فذكر في عدادها الربا والاحتكار والاغتصاب.. وهذه المآثم تعتبر المعالم الأولى للنظام الرأسمالي الطليق.. فكيف يبقى ويبقى معه الإسلام ؟ ".
- ويقول رحمه الله أيضاً في موضع آخر من نفس الكتاب :
- " إذا حرمنا نباح الكلاب وعواء الذئاب.. فالطريقة المثلى للتنفيذ أن تعدم الكلاب والذئاب لأنها ما دامت حية فستنبح وتعوي.
- والنظم التى نبحت الإنسانية وقطعت طريقها و أنشبت فيها أظافرها وأنيابها.. هي هذه النظم المحتكرة للأقوات والمصالح.. المحتقرة للشعوب والطبقات العامة.. المتسلطة بالجبروت على المال تعبث به وتملأ الأرض فسادً ".
- ويقول في كتابه ( الإسلام والأوضاع الاقتصادية ) :
- " ولا يجوز البتة أن تستغل أموال الشعب في النواحي الشخصية لأحد لينفق منها على زينته أو يسرف في أبهته ".
- ويقول في موضع آخر من الكتاب :
- " فإطلاق الملكيات أو تقييدها ووضع حد أدنى للضرائب على رأس المال أو على الدخل.. وجعل المرافق العامة ملكاً للدولة أو للأفراد.. هذه كلها أمور يخضعها الدين لحاجات الناس وأطوار الزمن.
- ولنا أن ننظر إلى حاجات شعبنا ومطالب عصرنا وأحوال وطننا.. ونضع لأنفسنا ما نشاء من النظم الاجتماعية والاقتصادية التى نراها كفيلة بتحقيق أهدافنا الكبرى في ميادين الإصلاح العام ".
- ويقول أيضا في نفس الكتاب :
- " قيام التوازن بين الناس.. بإقامة العدل الاجتماعي والسياسي فيهم.. وتشريع القوانين المادية والأدبية التى تكفل تحقيق هذه الغاية الكبيرة بينهم ".
- ويقول أيضاً :
- " فعلى الحكومة أن تضع يدها باسم الشعب على مصادر الثروة العامة.. وأن تقصى المحتكرين أفراداً كانوا أو شركات من محاولة استغلالها لأنفسهم.. وتسخيرها وتسخير الشعب معاًلمطامعهم.
- هل يفهم من كلامنا أننا نجور على حق التملك الخاص ؟
- إننا ما نقصد إلى هذا بتاتاً.. فحرية التملك جزءً من الحرية الشخصية التى نحترمها ونود لو أحيطت بألف سياج.
- من حق أي إنسان أن يعمل وأن ينال ثمرة عمله كاملة وأن يستمتع بنتائج جهده وأن يورث أبناءه ما اكتسب.
- وقد أقر الإسلام مبدأ الملكية ودافع عنه.
- إلا أن الإسلام أكثر من القيود التى تجعل حق التملك لا ينقلب وبالاً على أصحابه وعلى الناس.. فالملك مقبول من حلال مرفوض من حرام.. والملك الحلال لابد أن تخرج منه حقوق شتى حتى يسلم لصاحبه ما بقى له.
- وما بقى بعد ذلك لا يجوز أن يكون سنداً لتطاول أسر متكبرة تحاول بقوة المال أن تحكم وتتصدر وتسوق الجماهير بثرائها أو بعصاها ".
- وكما وضع الغزالي - رحمه الله - الدولة أمام مسئولياتها ، وضع كذلك الحركة الإسلامية أمام مسئولياتها.. وحدد لها الميادين التى يجب أن تعمل فيها بجد ومثابرة وتجرد.
- ونكتفي بما قاله في ( جهاد الدعوة ) حيث يتساءل مستنكرا ومحفزاً ومستنهضاً لهمم أبناء الحركة الإسلامية :
- " أما تعرفون ميادين أخرى أخطر من ميادين الحرب الساخنة يمكنكم فيها أن تنصروا الله ورسوله.
- في ميدان الإعلام – أو بلسان الشرع ميدان الدعوة – توجد مليارات من الناس سيئة العلم بالإسلام.. تفترسها شبهات وخرافات حول ديننا البرئ.
- فهل أسهمتم في تبديدها ؟
- في ميدان المال والأعمال تكاد الأديان الأخرى تنفرد بزمام الحياة وتؤثر تياراتها سلباًوإيجاباً.
- فهلا تحركتم لتمتلئ الأيدي بالشغل ولتختفي من بينكم البطالة.. وليكون لكم صوت مسموع ؟
- في ميدان العلم مدنياًكان أو عسكرياً.. لا يعرف لنا وجود.
- فهلا نافستم واستفدتم وأفدتم ؟
- في ميدان السياحة والكشوف.. نقل المتحركون عقائدهم حيث ذهبوا.
- فماذا حبسكم في أماكنكم ؟
- في ميدان المساعدات والخدمات الاجتماعية.. اجتهد كثيرون في تخفيف الآلام وتجفيف الدموع.. وكسبوا قلوباًتحفظ الجميل.. فأين أنتم ؟؟؟ ".
- وأخيراً: وضع الغزالي الشعوب المسلمة أمام مسئولياتها.
- نعم ، فمحاربة الفقر ومواجهة الأزمات ليس مسئولية الدولة فقط.. بل هي مسئولية مشتركة بين الجميع.
- وقد اهتم الغزالي أيما اهتمام بالشعوب.. وتراثه ذاخر بمناهج عملية لتقويم الأفراد والجماعات.. وتاريخه حافل بجولات ومواجهات من أجل النهوض بالشعوب المسلمة.. وتربيتها وتنمية وعيها وإدراكها.. وإخراجها من منطقة الخرافة والدروشة والدجل إلى ميادين التحرر والسعي والإبداع والعمل.
- وما ننقله هنا من كتبه ما هو إلا إطلالة خاطفة نرجوا من ورائها تحفيز الناس العاديين والدارسين والباحثين وأصحاب الشأن لمراجعة ما سطره الرجل من أفكار.. تلك الأفكار التى أثبت بها اليوم أنه سبق عصره بأكثر من نصف قرن من الزمان.
- يقول رحمه الله في كتابه ( الإسلام والمناهج الاشتراكية ) متحدثا عن دور الشعوب :
- " إننا يجب أن نصارح قومنا بأن أساليبهم في الحياة لن تؤدى إلا إلى فنائهم.
- إن الأجيال تجد وهم يهزلون.. وصراخهم في طلب الحقوق سيعد نباحاً ما لم يثبتوا جدارتهم بما يطلبون.. بل إن أهليتهم لهذه الحقوق ستكون موضع ريبة بالغة ما لم يتحولوا في بلادهم إلى رسل للحياة والتعمير.. والنشاط والتدبير.. هذه سنة الله في كونه.. ولن يزيغ عنها إلا هالك ".
- ويقول أيضا في ( الإسلام والطاقات المعطلة ) – والأمثلة أكثر من أن تحصى :-
- " وفى هذا الزمان.. ليس نهوض المسلم إلى تجربة كيماوية أو صناعة آلية بأقل من نهوضه لصلاة يفتتحها بتكبير الله ويختتمها بالسلام على خلقه ".
- وفى موضع آخر من الكتاب يقول :
- " أجل لنقلها صريحة ؛ فان أمتنا محتاجة إلى أن تجيد فن الحياة ، وقبل أن تصل إلى درجة الإجادة المنشودة لن يصلح بها دين ، ولن تصلح لها دنيا ".
- هكذا عالج الغزالي القضية من كافة جوانبها ، ووصف الدواء وكتب روشتة العلاج ، ورسم المنهج وحدد المسئوليات.. ولكن السؤال هو :-
- متى نطبق أفكار الرجل ؟ متى نحترم خبرته وحكمته ؟
- ثم ألم يحن الوقت لنتناول الدواء الذي وصفه لنا ، خاصة بعد أن وصلنا اليوم – شعوباً ودولاً– إلى تلك الحالة المزرية بعد أن تمكن الداء من جسومنا ، وبعد أن أنهك قوانا وأضاع أوقاتنا وأرهق عقولنا ؟.
- والله إنني أنظر اليوم لحال أمتنا ، ثم أقرأ في تراث مفكريها وعلمائها فأتذكر قول القائل :
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول