المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل في القرآن الكريم نسخ ؟



بهجت عبدالغني
04-04-2014, 08:48 PM
هل في القرآن الكريم نسخ ؟

بهجت عبدالغني الرشيد

ضمن مجموعة مراجعاتي في علم ( أصول الفقه ) ، سأقف اليوم على مبحث مهمٍ جداً من مباحثه ، والذي هو محل اهتمام العلماء قديماً وحديثاً ، وقوفاً له أهميته .. لأنه يبحث في القرآن الكريم وآياته ، فيقضي على بعضها بالنسخ ، ولأن تراثنا الأصولي والفقهي مستقرّ على هذا المبحث تأصيلاً وعملاً ، وإن شهد مجال تطبيقاته مداً وجزراً هناك وهناك ..
هذا المبحث يحمل اسم ( الناسخ والمنسوخ ) ..

فكرة الناسخ والمنسوخ :

فكرة الناسخ والمنسوخ قائمة على وجود حكمين ( نصين ) مختلفين لموضوع واحد ، ولا يمكن الجمع بينهما بأيّ طريقة من طرق الجمع ، ولذا لا يمكن إعمالهما معاً وإلا وقعنا في التعارض والتناقض ..
ولإزالة هذا التعارض ( الحقيقي ) ذهب العلماء إلى القول بأن الحكم المتأخر نسخ وأزال الحكم المتقدّم للتخلص من هذا التعارض ، فالشريعة لا تعارض فيها ، ولا بد من ( تنزيه كلام الله تعالى عن التناقض ) على حدّ تعبير الإمام الجويني (1).

يقول الإمام الشافعي :
( فإذا لم يحتمل الحديثان إلا الاختلاف كما اختلفت القبلة نحو بيت المقدس والبيت الحرام كان أحدهما ناسخاً والآخر منسوخاً ) (2).
ويقول الغزالي :
( اعلم أنه إذا تناقض نصان فالناسخ هو المتأخر ) (3).
ويقول الزرقاني :
( النسخ ضرورة لا يصار إليها إلا إذا اقتضاها التعارض الحقيقي دفعاً للتناقض في تشريع الحكيم العليم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) (4).

هذا هو مفهوم النسخ وفكرته ..
ولكن .. ماذا لو تمّ الجمع بين هذين المتعارضين ؟
هل سيبقى الحكم على القديم بالنسخ ؟
ثم أليس إعمال النص أولى من إهماله ، فإذا ما وجدنا طريقاً للجمع فلماذا نصرّ على وجود النسخ ؟

وقبل الولوج في إجابات هذه الأسئلة ، لا بد من الوقوف أولاً عند الأدلة التي اعتمدها العلماء واستندوا إليها في تأصيل علم ( الناسخ والمنسوخ ) .

الدليل الأول :
قول الله تعالى : ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) ( النحل: 101 ـ 102 ) .
في تفسير هذه الآية وجهان :
الأول : أي تبديل الشرائع السابقة بشريعة الإسلام ، قال القرطبي ( بدلنا شريعة متقدمة بشريعة مستأنفة ) (5).
ثانياً : نسخ آية وإحلال آية مكانها ، قال النسفي : ( كانوا يقولون إن محمداً يسخر بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً فيأتيهم بما هو أهون ولقد افتروا فقد كان ينسخ الأشق بالأهون والأهون بالأشق { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ } لحكمة في ذلك ) (6).
وقال الكلبي ، وغيره : كان إذا نزلت آية فيها شدة ، ثم نزلت آية ألين منها ، قال كفار قريش: إن محمدا يسخر بأصحابه ، يأمرهم اليوم بأمر ، وغدا بأمور ، وإنه ليتكذبه ويأتيهم به من عند نفسه ، فأنزل الله {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} (7).
ثالثاً : سببها ـ أي نزول هذه الآية ـ أن اليهود لما حسدوا المسلمين في التوجه إلى الكعبة وطعنوا في الإسلام بذلك ، وقالوا : إن محمدا يأمر أصحابه بشيء ثم ينهاهم عنه ، فما كان هذا القرآن إلا من جهته ، ولهذا يناقض بعضه بعضا ، فأنزل الله : {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} [النحل 101] وأنزل {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} (8).

ويمكن تسجيل جملة من الملاحظات على ما سبق :
1 ـ القول بأن التبديل هنا شريعة متقدمة بشريعة مستأنفة بعيد ، لأن المعترضين هنا هم المشركون ، فالآية مكية ، وهؤلاء لا عهد لهم بشريعة سابقة ، وإنما يتلاءم هذا التفسير إذا كان الخطاب موجهاً لليهود أو النصارى .
1 ـ إن آية ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ) في سورة النحل وهي ( مكية ) ، والآيات المكية كما هو معلوم تدور حول توحيد الله تعالى وإثبات وحدانيته ، والترغيب في الجنة ، والتحذير من الشرك والتخويف بالنار ، فلم يكن فيما نزلت شيئاً من الأحكام التشريعية حتى تنسخ بعضها بأقلّ منها أو مثلها ! (9).
2 ـ إن الكثير من كتب التفسير يجعل من سبب النزول ذلك مرتبطاً بقوله تعالى ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) وليس بآية ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ) ، وذلك أقرب لأنه كما قلنا لم تكن في مكة أحكام حتى تنسخ ..

3 ـ يذهب الشيخ عبدالكريم يونس الخطيب إلى أن ( منطوق الآية هو ( وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ) .. ولو كان معنى التبديل المحو والإزالة ، لما جاء النظم القرآني على تلك الصورة ، ولكان منطق بلاغته أن يجيء النظم هكذا: وإذا بدّلنا آية بآية .. ولما كان لكلمة ( مكان ) موضع هنا .. )
ثمّ يوضح معنى التبديل هنا فيقول :
( الجواب ـ والله أعلم ـ أن المراد بتبديل آية مكان آية هنا ، هو ما كان يحدث في ترتيب الآيات ، في السور ، ووضع الآية بمكانها من السورة ، كما أمر الله سبحانه وتعالى.. وذلك أن آيات كثيرة كانت مما نزل بالمدينة ، قد وضعت في سور مكية ، كما أن آيات مما كان قد نزل بمكة ، ألحقت بالقرآن المدني .. ) (10).
لكن الشيخ ابن عاشور يرى إلى أن المكان هنا ( مكان مجازي ، وهو حالة الكلام والخطاب ، كما يسمّى ذلك مقاماً ، فيقال : هذا مقام الغضب ، فلا تأت فيه بالمزح . وليس المرَاد مكانَها من ألواح المُصْحَف ولا بإبدالها مَحوُها منه ) (11).

4 ـ ويذهب الشيخ ابن عاشور بأن تبديل الآيات هنا هو تبديل الأسلوب حسب مقتضى المقام ، من لين وشدة وتعميم وتخصيص ، ونحو ذلك مما يتبع اختلافه اختلاف المقامات واختلاف الأغراض واختلاف الأحوال التي يتعلّق بها ، لكن الكفار لا يعلمون ذلك ولا يفقهونه ويرون أنه ضرب من التناقض ! وذلك ناشئ عن قصور مداركهم عن إدراك مرامي القرآن وسموّ معانيه ، وبعضه ناشئ عن تعمّد للتجاهل تعلّقاً بظواهر الكلام يلبّسون بذلك على ضعفاء الإدراك من أتباعهم ، ولذلك قال تعالى ( بل أكثرهم لا يعلمون ) ، أي ومنهم من يعلمون ولكنهم يكابرون .
ويستدل على ذلك أيضاً بما رواه ابن عباس في سبب نزول هذه الآية ( كان إذا نزلت آية فيها شدّة ثم نزلت آية ألين منها يقول كفار قريش : والله ما محمد إلا يسخر بأصحابه ، اليوم يأمر بأمرٍ وغداً ينهى عنه ، وأنه لا يقول هذه الأشياء إلا من عند نفسه ) .
فالتبديل في قوله تعالى ( بدلنا ) هو التعويض ببدل ، أي عوض . والتعويض لا يقتضي إبطال المعوّض ـ بفتح الواو ـ بل يقتضي أن يجعل شيء عوضاً عن شيء . وقد يبدو للسامع أن مثل لفظ المعوّض ـ بفتح الواو ـ جعل عِوضاً عن مثل لفظ العوض بالكسر في آيات مختلفة باختلاف الأغراض من تبشير وإنذار ، أو ترغيب وترهيب ، أو إجمال وبيان ، فيجعله الطاعنون اضطراباً لأن مثله قد كان بُدل ولا يتأملون في اختلاف الأغراض . وقد تقدم شيء من هذا المعنى عند قوله تعالى ( ائت بقرآن غيرِ هذا أو بدّله ) في سورة يونس ... والله تعالى أعلم بما ينزل من آية بدل آية ، فهو أعلم بمكان الأولى ومكان الثانية ومحمللِ كلتيهما ، وكل عنده بمقدار وعلى اعتبار (12).

5 ـ النسخ هنا هو نسخ معجزات الأنبياء السابقين بمعجزة القرآن ، فيرى الشيخ محمد الغزالي إلى أن معنى الآية الصحيح هو ( أن المشركين لم يقنعوا باعتبار القرآن معجزة تشهد لمحمد بصحة النبوة ، وتطلعوا إلى خارق كوني من النوع الذي كان يصدر عن الأنبياء قديمًا فهو في نظرهم الآية التي تخضع لها الأعناق ، أما هذا القرآن فهو كلام ربما كان محمد يجيء به من عند نفسه ، وربما كان يتعلمه من بعض أهل الكتاب الذين لهم بالتوراة والإنجيل دراية ... وقد ردّ الله سبحانه وتعالى على هذه الطعون ، بأنه أدرى من المشركين بنوع الإعجاز الذي يصلح للعالم حاضره وغده وأن هذه الآية أجدى على البشر وأخلد في إنشاء الإيمان وتثبيته من أي آية أخرى ) (13).
وإلى ذلك ذهب الشيخ القاسمي أيضاً ، إذ يقول :
( وذهب قوم إلى أن المعنى تبديل آية من آيات الأنبياء المتقدمين ، كآية موسى وعيسى وغيرهما من الآيات الكونية الآفاقية ، بآية أخرى نفسية علمية ، وهى كون المنزل هدى ورحمة وبشارة يدركها العقل إذا تنبه لها وجرى على نظامه الفطري. وذلك لاستعداد الإنسان وقتئذ ، لأن يخاطب عقله ويستصرخ فمه ولبه. فلم يؤت من قبل الخوارق الكونية ويدهش بها كما كان لمن سلف. فبدلت تلك بآية هو كتاب العلم والهدى من نبيّ أمّيّ لم يقرأ ولم يكتب . فبدلت تلك ـ وهى الآيات الكونية ـ بآية هو كتاب العلم والهدى من نبي أمي صلى الله عليه وسلم . وهذا التأويل الثاني يرجحه على الأول ، أن السورة مكية. وليس في المكي منسوخ بالمعنى الذي يريدونه ) (14).

الدليل الثاني :
قوله تعالى ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) ) سورة البقرة .
1 ـ يقول القرطبي في سبب نزول هذا الآية :
( وسببها أن اليهود لما حسدوا المسلمين في التوجه إلى الكعبة وطعنوا في الإسلام بذلك ، وقالوا : إن محمدا يأمر أصحابه بشيء ثم ينهاهم عنه ، فما كان هذا القرآن إلا من جهته ، ولهذا يناقض بعضه بعضاً ، فأنزل الله : {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} [النحل 101] وأنزل {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} ) (15).

2 ـ يقول الرازي : ( اتفقوا على وقوع النسخ في القرآن ، وقال أبو مسلم بن بحر: إنه لم يقع ، واحتج الجمهور على وقوعه في القرآن بوجوه. أحدها: هذه الآية وهي قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } ، أجاب أبو مسلم عنه بوجوه :
الأول: أن المراد من الآيات المنسوخة هي الشرائع التي في الكتب القديمة من التوراة والإنجيل ، كالسبت والصلاة إلى المشرق والمغرب مما وضعه الله تعالى عنا وتعبدنا بغيره ، فإن اليهود والنصارى كانوا يقولون: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، فأبطل الله عليهم ذلك بهذه الآية.
الوجه الثاني: المراد من النسخ نقله من اللوح المحفوظ وتحويله عنه إلى سائر الكتب وهو كما يقال نسخت الكتاب)(16).
أما الوجه الثاني الذي ذكره أبو مسلم ، فبعيد ، لأن الآية لا تتحدث عن النسخ فقط ، بل عن النسخ وعن إبدال الآيات بآيات أخرى ، وهو ما لا يتحقق بمجرد النقل من اللوح المحفوظ .
أما الوجه الأول فأقرب ، وبخاصة أن السياق السابق للآية تتحدث عن بني إسرائيل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) ) ، والآية اللاحقة لها تتحدث عن النهي عن مشابهة بني إسرائيل ( أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) ) .

3 ـ النسخ عند الصحابة رضي الله عنهم مصطلح شائع يقصدون به ( التخصيص والاستثناء والتفسير ) (17) ، أو هو مجمل أخّر بيانه ، أو خطاب قد حال بينه وبين أوله خطاب غيره ، أو مخصوص من عموم ، أو حكم عام لخاص ، أو لمداخلة معنى في معنى. وأنواع الخطاب كثيرة ، فظنوا ـ أي القائلين بالنسخ ـ أن هذا نسخاً ، وليس به ، وإنه ـ أي القرآن ـ الكتاب المهيمن على غيره ، وهو نفسه متعاضد (18).
فلا يكون معنى النسخ هنا الإزالة ..
يقول الشاطبي :
( يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخاً ، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخاً ، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخاً ، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخاً ) (19).

ومن أمثلة ذلك إطلاق النسخ على الاستثناء ( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) فَنَسَخَ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَثْنَى فَقَالَ (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ) ) (20).
وإطلاق النسخ على الإيضاح والتفصيل ( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فَكَانَ الرَّجُلُ يُحْرَجُ أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فَنَسَخَ ذَلِكَ الآيَةُ التي في النُّورِ قَالَ (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ) (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) إِلَى قَوْلِهِ ( أَشْتَاتًا ) كَانَ الرَّجُلُ الْغَنِىُّ يَدْعُو الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِهِ إِلَى الطَّعَامِ قَالَ إني لأَجَّنَّحُ أَنْ آكُلَ مِنْهُ. وَالتَّجَنُّحُ الْحَرَجُ وَيَقُولُ الْمِسْكِينُ أَحَقُّ بِهِ مِنِّى. فَأُحِلَّ في ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأُحِلَّ طَعَامُ أَهْلِ الْكِتَابِ ) (21).

4 ـ إذا جاء شرط في القرآن الكريم.. أيجب أن يقع هذا الشرط ، وأن يتحقق تبعاً لذلك جوابه ؟
يتساءل الشيخ عبدالكريم الخطيب ، ويجيب :
أنه ليس من الحتم اللازم أنه إذا ورد في القرآن أسلوب شرطي أن يقع هذا الشرط ، وإنما الحتم اللازم هو ، أنه إذا وقع الشرط فلا بد أن يقع ويتحقق الجواب المعلق على وقوع هذا الشرط.
فما أكثر ما وردت أساليب شرطية في القرآن غير مراد وقوعها ، وتحقيق جوابها.. ومن ذلك قوله تعالى ، لنبيه الكريم:
«وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» (116: الأنعام) وقوله تعالى عن نبيه الكريم أيضا:
«وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ» (44- 46 الحاقة) وقوله تعالى خطابا له: «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» (65: الزمر) .
فلم يقع شرط أي آية من هذه الآيات ، ولم يقع جوابها كذلك.
وعلى هذا ، يجوز في الآية الكريمة ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) - يجوز ألا يقع شرطها وجوابها ، وتكون من قبيل القضايا الفرضية ، التي يراد بها العبرة والعظة.
والذي نأخذه من هذا ، أن النسخ الذي أشارت إليه الآية الكريمة ، ليس لازما أن يقع ، وإنما وقوعه أمر احتمالي ، يشهد له الواقع أو لا يشهد ، فإن شهد له اعتبر ، وإلا فلا (22).

5 ـ إن معنى الآية هنا يعني المعجزة ، فيكون ما ننسخ أي نمحو من معجزة من المعجزات التي آتيناها الأنبياء والأمم السابقة كبني إسرائيل ، أو ننسها على مرّ الأزمنة الطويلة ، نأت بمعجزة وآيات تثبت قدرة الخالق خير منها ، أو مثل المعجزات السابقة ؛ لأن الله على كل شيء قدير ولا يعجزه شيء ، ولذا قال تعالى بعد هذه الآية إسرائيل ( أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ ) (23).

وذكر هذا الاحتمال الأستاذ سيد قطب رحمه في تفسيره ، إذ قال :
( فإذا نسخ آية ألقاها في عالم النسيان ـ سواء كانت آية مقروءة تشتمل حكماً من الأحكام ، أو آية بمعنى علامة وخارقة تجيء لمناسبة حاضرة وتطوى كالمعجزات المادية التي جاء بها الرسل ـ فإنه يأتي بخير منها أو مثلها! ولا يعجزه شيء ، وهو مالك كل شيء ) (24).

6 ـ إذا ربطنا الآية بسبب نزولها ، كان النسخ واقعاً في تبديل القبلة من بيت المقدس إلى مكة المكرمة ، فلا يصار إلى القول إلى نسخ آيات أخرى بدون دليل ، وإنما يبقى النسخ محصوراً في سببه .

7 ـ نُنسها بمعنى نؤجلها ، أي نؤجل إنزال الحكم إلى حين وقته ، وقرأَ أَبو عمرو ما نَنْسَخْ مِن آيةٍ أَو نَنْسَأْها أي ما نَنْسَخْ لك مِن اللَّوْحِ المَحْفُوظ أَو نَنْسَأْها نُؤَخِّرْها ولا نُنْزِلْها (25).

وبعد عرض هذه الآراء ، بقي أن نشير إلى ملاحظة مهمة ، وهي أنه إذا قلنا إن الآيتان السابقتان تدلان على نسخ الأحكام لا غيره ، واستبعدنا التفاسير الأخرى ، فلا يعني ذلك بالضرورة وجود نسخ في القرآن المتلو ، وإنما تشيران إلى وجود أحكام نزلت ثم نسخت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تثبت في القرآن الكريم ، مثل عدد الرضعات ، كما في رواية أمنا عائشة رضي الله عنها ، ( فعَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ ـ وَهْىَ تَذْكُرُ الَّذِى يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ ـ قَالَتْ عَمْرَةُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ نَزَلَ في الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ثُمَّ نَزَلَ أَيْضًا خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ ) (26).
فعدد الرضعات كان من القرآن الكريم ، ثمّ نُسخ ..

كيف يُعرف الناسخ والمنسوخ ؟
إزالة حكم بحكم آخر لا يكون إلا بدليل من القرآن الكريم أو بتصريح النبي صلى الله عليه وسلم ، فقول الصحابي واجتهاد مجتهد وقول مفسر ، لا ينهض دليلاً على النسخ ، لأن القول بإزالة حكم من غير دليل تقوّل على الله تعالى ، وجرأة على دينه وشريعته .. يقول ابن الجوزي : ( إطلاق القول برفع حكم آية لم يُرفع؛ جرأة عظيمة ) (27).
فالناسخ حقيقة ـ على حدّ قول ابن عطية الأندلسي ـ هو الله تعالى (28).

يقول الإمام الغزالي :
( اعلم أنه إذا تناقض نصان فالناسخ هو المتأخر ، ولا يعرف تأخره بدليل العقل ولا بقياس الشرع بل بمجرد النقل ) (29).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية :
( النسخ لا يصار إليه إلا بيقين وأما بالظن فلا يثبت النسخ ) (30).
ويقول ابن حزم الأندلسي :
( لا يحل لمسلم أن يقول في آية ولا حديث بالنسخ إلا عن نص صحيح ، لأن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم واجبة ، فإذا كان كلامهما منسوخاً فقد سقطت طاعته عنا وهذا خطأ ومن ادعى سقوط طاعة الله تعالى وسقوط طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم في مكان ما من الشريعة فقوله مطروح مردود ما لم يأت على صحة دعواه بنص ثابت ، فإن أتى به فسمعاً وطاعة وإن لم يأت به فهو كاذب مفتر ، إلا أن يكون ممن لم تقم عليه الحجة فهو مخطىء معذور باجتهاده ) (31).
ويقول الشاطبي :
( إن الأحكام إذا ثبتت على المكلف فادعاء النسخ فيها لا يكون إلا بأمر محقق ؛ لأن ثبوتها على المكلف أولا محقق ، فرفعها بعد العلم بثبوتها لا يكون إلا بمعلوم محقق . ولذلك أجمع المحققون على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن ولا الخبرَ المتواتر ؛ لأنه رفع للمقطوع به بالمظنون . فاقتضى هذا أن ما كان من الأحكام المكية يدعى نسخه فلا ينبغي قبول تلك الدعوى فيه إلا مع قاطع بالنسخ ، بحيث لا يمكن الجمع بين الدليلين ، ولا دعوى الإحكام فيهما . وهكذا يقال في سائر الأحكام ، مكية كانت أو مدنية ) (32).
ويقول ابن حجر العسقلاني :
( الطعن في الروايات الثابتة بالظن الذي لا مستند له لا يقبل ، والنسخ لا يصار إليه إلا بدليل ) (33).
ويقول السيوطي :
( قال ابن الحصار ولا يعتمد في النسخ قول عوام المفسرين بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صحيح ولا معارضة بينة لأن النسخ يتضمن رفع حكم وإثبات حكم تقرر في عهده والمعتمد فيه النقل والتاريخ دون الرأي والاجتهاد ) (34).
أما قول السيوطي وغيره بأنه يصار إلى النسخ أيضاً عند وجود معارضة بيّنة فيحتاج إلى توقف وتوضيح ، لأن التعارض في شريعة الله تعالى مستحيل ، يقول الشاطبي :
( التعارض إما أن يعتبر من جهة ما في نفس الأمر ، وإما من جهة نظر المجتهد ، أما من جهة ما في نفس الأمر ؛ فغير ممكن بإطلاق ، وقد مر آنفاً في كتاب الاجتهاد من ذلك ـ في مسألة أن الشريعة على قول واحد ـ ما فيه كفاية ، وأما من جهة نظر المجتهد ؛ فممكن بلا خلاف ) (35).
ولذا قال ابن زيد : إن القرآن لا يكذّب بعضه بعضًا ، ولا ينقض بعضه بعضًا ، ما جهل الناس من أمرٍ ، فإنما هو من تقصير عقولهم وجهالتهم ! (36).

وبذلك فالقرآن الكريم يصدق بعضه بعضاً ، ويشهد بعضه لبعض ، وإنما يكون التعارض من جهة المجتهد وفي ذهنه ، وفي هذه الحالة فالتعارض ليس حقيقياً وإنما متوهماً ، ولذلك لا ترى آية قيل أنها منسوخة إلا وعورض ! وما ذاك إلا لظهور التعارض عند البعض فيقول بالنسخ ، فيأتي آخر فيحلّ ذلك التعارض ويثبت أنه إنما كان في ذهن المجتهد وليس في الأحكام .. يقول الشاطبي :
( غالب ما ادعى فيه النسخ إذا تأمل وجدته متنازعاً فيه ومحتملاً وقريباً من التأويل بالجمع بين الدليلين على وجه من كون الثاني بياناً لمجمل أو تخصيصاً لعموم أو تقييداً لمطلق وما أشبه ذلك من وجوه الجمع مع البقاء على الأصل من الإحكام في الأول والثاني وقد أسقط ابن العربي من الناسخ والمنسوخ كثيراً بهذه الطريقة ) (37).
ويقول الدكتور جاسر عودة في كتابه ( فقه المقاصد ) :
( حتى لو صح تفسير الآية على أنها تتحدث عن مبدأ نسخ آيات القرآن أو أحكامه ـ كما يرى الجمهور ـ فإن هذه الآية لا تدل بذاتها على وقع النسخ فعلياً في موضع بعينه من القرآن بدون دليل خاص . فادعاء وقوع النسخ بمعنى الإلغاء المؤبد لآية بعينها أو حكم بعينه يحتاج إلى دليل شرعي ومنهج محدد للاستدلال من هذا الدليل ليس على الإلغاء فقط ) (38).

وبذلك نلخص إلى أن النسخ لا يمكن أن يُعلم إلا بإخبار الشارع عنه ، ولا علاقة أو مدخل للاجتهاد والرأي فيه ، وإلا لقال من شاء ما شاء ، فنقع في فتنة وابتلاء ..


كيف نحلّ مشكلة النسخ ؟
قلنا إن فلسفة النسخ وأصله نابع من وجود تعارض بين نصين ، ثم أثبتنا أن التعارض الحقيقي غير موجود في شريعة الله تعالى ، وإنما يكون في ذهن المجتهد ، وهنا تظهر لنا مشكلة ، وهي :
أن هناك فعلاً نصوص ثبت تعارضها ، فكيف تعالجون وتوجّهون تلك النصوص ؟
كما أسلفنا أن التعارض غير موجود في الحقيقة ، ولكن توهم التعارض ينشأ عن عدم قراءة النص بطريقة شمولية ، فكل نص له سياقه وسباقه ولحاقه ، وله علته ومقاصده ، فإذا قرأنا النصوص بهذه الطريقة فلا يبقى تعارض البتة ، ويمكن العمل بكلا النصين معاً كل في مجاله دون إلغاء أحدهما ..
فكثيراً ما يورد العلماء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه : ( نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُور فَزُورُوهَا ) (39). على أن الحكم الثاني وهو إباحة الزيارة نسخ الحكم الأول ( النهي ) ، وهو ليس كذلك ، ولا نسخ هنا ، وإنما حكم مرتبط بعلته ، فالنهي كان أولاً لعلة وهي خشية الوقوع في الشرك والحرام ، فإن العرب كانوا قوماً يعظمون الآباء والأجداد ، ولذا نهاهم النبي عن الزيارة ، ولكن بعدما استقر التوحيد في نفوس الصحابة وثبت ، أباح لهم النبي الزيارة ، فالحكم هنا مرتبط بعلته ولا داعي للقول بالنسخ .

يقول الشيخ عبدالكريم الخطيب :
( ... نجد ألا تعارض ، ولا تناسخ بين الآيات التي تختلف أحكامها في الأمر الواحد ، إذ أن كل حكم محكوم بحال خاصة به ، مقدرة له ، وعلة تدور معه وجودا وعدماً ) (40).
وإذا كان الإمام الجويني يعلل سبب القول بالنسخ بأنه :
( تنزيه كلام الله تعالى عن التناقض ) (41).
فكيف إذا أمكن حلّ هذا التناقض بطريق غير طريق النسخ ؟

فلو أخذنا مثالاً تطبيقياً على كلامنا ، وهو قوله تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) ) آل عمران
قيل أنها منسوخة بقوله تعالى :
( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن
وهي ليست كذلك ، لأن لا تعارض في الحقيقة بين الآيتين ، يقول الشيخ ابن عاشور موضحاً ومفنداً دعوى النسخ هنا:
( وحاصلها ـ أي التقوى ـ امتثال الأمر ، واجتناب المنهي عنه ، في الأعمال الظَّاهرة ، والنَّوايا الباطنة . وحقّ التقوى هو أن لا يكون فيها تقصير ، وتظاهر بما ليس من عمله ، وذلك هو معنى قوله تعالى : ( فاتَّقوا الله ما استطعتم ) ، لأنّ الاستطاعة هي القدرة ، والتَّقوى مقدورة للنَّاس . وبذلك لم يكن تعارض بين الآيتين ، ولا نسخ ، وقيل : هاته منسوخة بقوله تعالى : ( فاتقوا اللَّه ما استطعتم ) لأنّ هاته دلّت على تقوى كاملة كما فسَّرها ابن مسعود : أن يطاع فلا يعصى ، ويُشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا يُنْسى ، ورووا أنّ هذه الآية لمَّا نزلت قالوا : ( يا رسول الله من يَقوىَ لهذا ) فنزلت قوله تعالى : ( فاتَّقوا الله ما استطعتم ( فنسَخَ هذه بناء على أنّ الأمر في الآيتين للوجوب ، وعلى اختلاف المراد من التقويين . والحقّ أنّ هذا بيان لا نسخ ، كما حقَّقه المحقِّقون ، ولكن شاع عند المتقدّمين إطلاق النَّسخ على ما يشمل البيان ) (42).
وهذا الزمخشري يمازج بين كلتي الآيتين ويفسر أحداهما بالأخرى فيقول :
( حق تقاته أي واجب تقواه وما يحق منها وهو القيام بالمواجب واجتناب المحارم ونحوه ( فاتقوا الله ما استطعتم ) يريد بالغوا في التقوى حتى لا تتركوا من المستطاع منها شيئاً ) (43).
بل إن سيد قطب يلقي بظلال مبدعة في فهم هذه الآية الكريمة فيعرض حقّ التقوى على أنه مدارج يسلكها السالك يرتقي فيها رتبة رتبة ودرجة درجة وهو يتطلع إلى المقام الأعلى ، فيقول :
( اتقوا الله ـ كما يحق له أن يتقى ـ وهي هكذا بدون تحديد تدع القلب مجتهداً في بلوغها كما يتصورها وكما يطيقها . وكلما أوغل القلب في هذا الطريق تكشفت له آفاق ، وجدّت له أشواق . وكلما اقترب بتقواه من الله ، تيقظ شوقه إلى مقام أرفع مما بلغ ، وإلى مرتبة وراء ما ارتقى . وتطلع إلى المقام الذي يستيقظ فيه قلبه فلا ينام ! ) (44).

وهكذا يمكن الجمع بين النصوص التي قد يبدو على ظاهرها التعارض ، بسبب تجريدها من علتها وسياقها وفهم مقاصدها ..وهي ليست متعارضة في الحقيقة ..
وكما نعلم أن إعمال النص أولى من إهماله ، لذا يجب على من اشتغل بالقرآن الكريم أن ينظر فيه وفي آياته نظرة متبصر ، يقرأه جميعه ، وعليه أن لا يقع في إشكالية تقطيع النصوص من سياقها ، أو الإتكاء على آراء سابقة من غير فحصٍ ولا تدقيق ..

إذن هل في القرآن ناسخ ومنسوخ ؟
من خلال هذه الدراسة ، توصل الباحث أن لا يوجد في القرآن آية منسوخة ، أي معطل حكمها ، لا يعمل بها ، لأن النسخ لا يصار إليه إلا بوجود تعارض ، ولا تعارض بين آيات القرآن الكريم .
غير حكم واحد يمكن القول بنسخه ، وهو حبس المرأة الزانية في بيتها ، حتى يتوفاها الموت أو يجعل الله لها سبيلاً ، قال تعالى ( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) ) . سورة النساء . ثم نُسخ بالجلد أو الرجم ، فعندما نزلت قوله تعالى ( الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُواْ كُلّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ) سورة النور ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( خُذُوا عَنِّى فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ الثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ رَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ وَالْبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ نَفْىُ سَنَةٍ ) (45).
قال ابن عباس رضي الله عنه : كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور ، فنسخها بالجلد أو الرجم (46).
إلا أن ابن العربي نفى أن يكون الحكم منسوخاً ، وعللّ ذلك بأن الحكم هنا ممدود إلى غاية ، ثم وقع بيان الغاية ، قال :
( اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً ، لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَوْلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، اللَّذَيْنِ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِحَالٍ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مَمْدُودًا إلَى غَايَةٍ ، ثُمَّ وَقَعَ بَيَانُ الْغَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِنَسْخٍ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُنْتَظِمٌ مُتَّصِلٌ لَمْ يَرْفَعَ مَا بَعْدَهُ مَا قَبْلَهُ ، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ ) (47).

ولكن لا ضير في اعتبار هذا الحكم منسوخاً ، لأنه نسخ بدليل ..


نتائج البحث

1 ـ فكرة النسخ قائمة على وجود نصين مختلفين لموضوع واحد ، ولا يمكن الجمع بينهما بأيّ طريقة من طرق الجمع ، ولذا لا يمكن إعمالهما معاً وإلا وقعنا في التعارض والتناقض .
2 ـ ذهب العلماء إلى القول بالنسخ تنزيهاً لكلام الله تعالى من التعارض .
3 ـ عرضنا أقوال العلماء في تفسير الآيتين اللتين يُستدل بهما في إثبات النسخ ، ويميل الباحث إلى أن الآيتين إن كانتا تعنيان النسخ ، أي إزالة الحكم ، فهما تشيران لنسخ بعض الأحكام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن الأحكام المنسوخة لم ثبت في القرآن المتلو . وإذا ما ربطناها بسبب نزولها ، فلا يدلّ ذلك على وجود منسوخ في القرآن ، لأن المنسوخ ( التوجه نحو بيت المقدس ) لم يكن آية في القرآن أبداً .
4 ـ الناسخ والمنسوخ لا يُعرف إلا بنقل من الشارع ، ولا دخل للاجتهاد والرأي فيه ، لأنه لا يجوز القول بإيقاف العمل بنص إلا بدليل .
5 ـ لا تعارض بين آيات القرآن الكريم ، وكل قول بالتعارض وَهْمٌ من قِبل المجتهد ، فلا نقرأ في القرآن أنه أحلّ شيئاً ثم حرّمه ، أو حرّمه ثمّ أحله ، ولا حوّل المباح محظوراً ، والمحظور مباحاً .
6 ـ يمكن حلّ التعارض ـ الظاهري ـ بالنظر في علل النصوص وقراءتها ضمن سياقها واستحضار مقاصدها .
7 ـ لا نسخ في القرآن الكريم ، غير حكم واحد ، وهو حكم الحبس للزانية ، فقد نُسخ بالجلد أو الرجم ، بدليل من القرآن والسنة ، وليس بالاجتهاد .



والله تعالى أعلم وأعظم وأجلّ




..........................
هوامش ومصادر البحث :

1) البرهان في أصول الفقه ، عبد الملك بن عبد الله الجويني ، أبو المعالي (المتوفى: 478هـ) ، تحقيق: صلاح بن محمد بن عويضة ، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان ، ط1 ، 1418 هـ ـ 1997 م ، ج2 ، ص248 ـ 249 .
2) اختلاف الحديث ، أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (المتوفى: 204هـ) ، دار المعرفة ـ بيروت ، 1410هـ/1990م ، ج9 ، ص589 .
3) المستصفى في علم الأصول ، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى : 505هـ) ، تحقيق : محمد بن سليمان الأشقر ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، 1417هـ/1997م ، ج1 ، ص244 .
4) مناهل العرفان في علوم القرآن ، محمد عبد العظيم الزرقاني ، تحقيق : فواز أحمد زمرلي ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط1 ، 1415هـ ، 1995م ، ج2 ، ص139 . ينظر : أصول الفقه محمد الخضري ، المكتبة التجارية الكبرى ، مصر ، 2002 ،ص270 .
5) الجامع لأحكام القرآن ، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي (المتوفى: 671هـ) ، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش ، دار الكتب المصرية ـ القاهرة ، ط2 ، 1384هـ ـ 1964 م ، ج10 ، ص176 .
6) مدارك التنزيل وحقائق التأويل ، أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي (المتوفى: 710هـ) ، حققه وخرج أحاديثه: يوسف علي بديوي ، راجعه وقدم له: محيي الدين ديب مستو ، دار الكلم الطيب ، بيروت ، ط1 ، 1419 هـ ـ 1998 م ، ج2 ، ص233 .
7) الوسيط في تفسير القرآن المجيد ، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي ، النيسابوري ، الشافعي (المتوفى: 468هـ) ، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود وآخرون ، قدمه وقرظه: الأستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان ، ط1 ، 1415 هـ ـ 1994 م ، ج3 ، ص84 .
8) تفسير القرطبي ، ج2 ، ص61 .
9) ينظر : نظرات في القرآن الكريم ، محمد الغزالي ، دار نهضة مصر ، ط1 ، ص200
10) التفسير القرآني للقرآن ، عبد الكريم يونس الخطيب (المتوفى: بعد 1390هـ) ، دار الفكر العربي ـ القاهرة ، ج2 ، ص362 ـ 363 .
11) التحرير والتنوير ، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393هـ) ، دار سحنون للنشر والتوزيع ـ تونس ، 1997 م ، ج14 ، ص283 .
12) التحرير والتنوير ، ج14 ، ص281 ـ 283 .
13) نظرات في القرآن الكريم ، محمد الغزالي ، ص200
14) محاسن التأويل ، محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي (المتوفى: 1332هـ) ، تحقيق : محمد باسل عيون السود ، دار الكتب العلميه ـ بيروت ، ط1 ، 1418 هـ ، ج6 ، ص408 ـ 409 .
15) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ج2 ، ص61 .
16) مفاتيح الغيب ( التفسير الكبير ) أبو عبد الله محمد بن عمر فخر الدين الرازي (المتوفى: 606هـ) ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، ط3 ، 1420 هـ ، ج3 ، ص639 .
17) ينظر : فقه المقاصد " إناطة الأحكام الشرعية بمقاصدها " ، جاسر عودة ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، الولايات المتحدة الأمريكية ، ط1 ، 2006 ، ص122 .
18) التفسير القرآني للقرآن ، ج1 ، ص125 .
19) الموافقات ، الشاطبي ، ج3 ، ص75 .
20) الأدب المفرد ، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري (المتوفى: 256هـ) ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، دار البشائر الإسلامية ـ بيروت ، ط3 ، 1409 ـ 1989 ، ج1 ، ص301 ، رقم الحديث ( 871 ) . قال الألباني : صحيح .
21) سنن أبي داود ، أبو داود سليمان بن الأشعث الأزدي السَِّجِسْتاني (المتوفى: 275هـ) ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، المكتبة العصرية ، صيدا ـ بيروت ، ج3 ، ص343 ، رقم الحديث ( 3753 ) . حكم الألباني : حسن الإسناد .
22) التفسير القرآني للقرآن ، عبدالكريم الخطيب ، ج1 ، ص127 ـ 128 .
23) نظرات في القرآن الكريم ، محمد الغزالي ، ص203 .
24) في ظلال القرآن ، سيد قطب إبراهيم حسين الشاربي (المتوفى: 1385هـ) ، دار الشروق ـ بيروت ، ط17 ، 1412 هـ ، ج1 ، ص102 .
25) لسان العرب ، محمد بن مكرم ابن منظور ، تحقيق : عبد الله علي الكبير ومحمد أحمد حسب الله وهاشم محمد الشاذلي ، دار المعارف ـ القاهرة ، ج6 ، ص4403 .
26) صحيح مسلم ، كتاب ( الرضاع ) ، باب ( باب التَّحْرِيمِ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ ) ، دار الجيل ـ بيروت ، رقم الحديث ( 3671 ) ، ج4 ، ص167 .
27) نواسخ القرآن ، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) ، تحقيق : أبو عبد الله العاملي السّلفي الداني بن منير آل زهوي ، شركه أبناء شريف الأنصارى ـ بيروت ، ط1 ، 1422 هـ ـ 2001 م ، ص11 .
28) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي (المتوفى: 542هـ) ، تحقيق : عبد السلام عبد الشافي محمد ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، ط1 ، 1422 هـ ، ج1 ، ص190 .
29) المستصفى في علم الأصول ، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى : 505هـ) ، تحقيق : محمد بن سليمان الأشقر ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط1 ، 1417هـ ـ 1997م ، ج1 ، ص244 .
30) ( ) الفتاوى الكبرى ، المؤلف : أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ، تحقيق : حسنين محمد مخلوف دار المعرفة ـ بيروت ، ط1 ، 1386 ، ج1 ، ص394 .
31) الإحكام في أصول الأحكام ، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456هـ) ، تحقيق : أحمد محمد شاكر ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، ج7 ، ص67 .
32) الموافقات ، ج ، ص .
33) فتح الباري شرح صحيح البخاري ، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي ، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي ، دار المعرفة ـ بيروت ، 1379 ، ج2 ، ص363 .
34) الإتقان في علوم القرآن ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1394هـ/ 1974 م ، ج3 ، ص81 .
35) الموافقات ، إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي الشاطبي ، تحقيق عبدالله دراز ، دار الحديث ـ القاهرة ، 2005 ، ج4 ، ص503 .
36) جامع البيان في تأويل القرآن ، محمد بن جرير الطبري (المتوفى: 310هـ) ، تحقيق : أحمد محمد شاكر ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1420 هـ ـ 2000 م ، ج8 ، ص567 .
37) الموافقات ، ج4 ، ص74 .
38) فقه المقاصد ، جاسر عودة ، ص129 .
39) صحيح مسلم ، كتاب الجنائز ، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عزّ وجلّ في زيارة قبر أمه ، ج3 ، ص63 ، رقم الحديث ( 2305 ) .
40) ج1 ، ص125 .
41) البرهان في أصول الفقه ، ج2 ، ص248 ـ 249 .
42) ج4 ، ص30 .
43) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ) ، دار الكتاب العربي ـ بيروت ، ط3 ، 1407 هـ ، ج1 ، ص394 .
44) في ظلال القرآن ، ج1 ، ص442 .
45) صحيح مسلم ، كتاب الحدود ، باب حدّ الزنا ، ج5 ، ص115 ، رقم الحديث ( 4511 ) .
46) تفسير القرآن العظيم ، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ) ، تحقيق : سامي بن محمد سلامة ، دار طيبة للنشر والتوزيع ، ط2 ، 1420هـ ـ 1999 م ، ج2 ، ص233 .
47) أحكام القرآن ، محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي (المتوفى: 543هـ) ، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه : محمد عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان ، ط3 ، 1424 هـ ـ 2003 م ، ج1 ، 457ص457 .

ناديه محمد الجابي
05-04-2014, 10:39 AM
قال الإمام الشافعي: "إن الله خلق الخلق لما سبق في علمه مما أراد بخلقهم وبهم، لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، وأنزل عليهم الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة، وفرض فيه فرائض أثبتها وأخرى نسخها، رحمة لخلقه بالتخفيف عنهم، وبالتوسعة عليهم، زيادة فيما ابتدأهم به من نعمه، وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم جنته والنجاة من عذابه، فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ، فله الحمد على نعمه"(14).

ووجود النسخ في الشريعة له حِكَمٌ عديدة، منها مراعاة مصالح العباد، ولا شك فإن بعض مصالح الدعوة الإسلامية في بداية أمرها، تختلف عنها بعد تكوينها واستقرارها، فاقتضى ذلك الحال تغيُّر بعض الأحكام؛ مراعاة لتلك المصالح، وهذا واضح في بعض أحكام المرحلة المكية والمرحلة المدنية، وكذلك عند بداية العهد المدني وعند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن حكم النسخ أيضًا ابتلاء المكلفين واختبارهم بالامتثال وعدمه، ومنها كذلك إرادة الخير لهذا الأمة والتيسير عليها، لأن النسخ إن كان إلى أشق ففيه زيادة ثواب، وإن كان إلى أخف ففيه سهولة ويسر.

بارك الله فيك أ. بهجت
بحث طيب نافع ومجهود رائع لموضوع شائك
نفع الله به وجعله في ميزان حسناتك
زادك الله علما ومكانة في الجنة.

بهجت عبدالغني
08-04-2014, 06:52 PM
شكراً أستاذتي الكريمة نادية
على هذه المداخلة الثرية وجزاك ربي خيراً

ويبقى السؤال الذي يحاول البحث أن يُجيب عنه :

هل في القرآن المتلو نسخ ؟



تحاياي ودعواتي

ناديه محمد الجابي
08-04-2014, 08:59 PM
إن استقراء المواضع القرآنية، التي ورد فيها لفظ « آية « مفردة، يقول ـ على سبيل الحصر والقطع ـ إن المراد بالآية ـ في جميع هذه المواضع هو العلامة والمعجزة والحجة..
وهذا هو موضوع حديث القرآن الكريم في سورة البقرة [ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ].. وفي سورة النحل [ وإذا بدلنا آية مكان آية ].. ومن ثم فلا حجة للذين انطلقوا من هاتين الآيتين للقول بالنسخ الذي زعموا أنه قد وقع في القرآن الكريم ـ بمعنى المحو والإزالة والإبطال والإعدام والتغيير والتبديل ـ.. هكذا سقطت الحجة الأولى ـ والأساسية ـ التي استند إليها القائلون بحدوث النسخ ـ بهذا المعنى ـ في القرآن الكريم.

ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ـ
[أي ما نثبت من آية معجزة أو ننسها ونتجاوزها ونبعدها فتنساها الذاكرة، فإن البديل هو الخير، لأنه المناسب لأمة الرسالة ولمقاصدها] ـ
فالمراد كما قدمنا ـ: ما نثبت من معجزة بديلة للتي نتجاوزها وننسها أو ننسأها: نؤخرها ـ فإن هذا جميعه في إطار الخير الذي يختاره الله ـ سبحانه وتعالى ـ مناسباً لواقع أمم الرسالات، ودرجتها على سلم التطور البشري.
فالسياق.. والمعنى المراد.. هو سياق الحديث عن المعجزات.. والمعنى المراد «بالآية» ـ في هاتين الآيتين ـ آية البقرة وآية النحل ـ إنما هو سياق الحديث عن المعجزة والحجة.. وليس عن العبارة القرآنية بأي حال من الأحوال.
وهكذا تجردت ـ وجُرِّدت ـ دعاوى النسخ ـ بمعنى المحو والإلغاء والإزالة والإعدام والتغيير والتبديل ـ لآيات القرآن وأحكامه ـ تجردت وجُرِّدت من أهم وأقوى «دلالة» التي استند إليها وانطلق منها القائلون بوقوع النسخ ـ بهذا المعنى ـ في القرآن الكريم.

للمفكر الإسلامي
أ. د. محمد عمارة
مصر.

لحسن عسيلة
08-04-2014, 10:30 PM
موضوع غني استفدت منه كثيرا ،
جزاك الله خيرا أخي بهجة الرشيد ،
تحية لك

السعيد شويل
08-04-2014, 11:12 PM
إن استقراء المواضع القرآنية، التي ورد فيها لفظ « آية « مفردة، يقول ـ على سبيل الحصر والقطع ـ إن المراد بالآية ـ في جميع هذه المواضع هو العلامة والمعجزة والحجة..
وهذا هو موضوع حديث القرآن الكريم في سورة البقرة [ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ].. وفي سورة النحل [ وإذا بدلنا آية مكان آية ].. ومن ثم فلا حجة للذين انطلقوا من هاتين الآيتين للقول بالنسخ الذي زعموا أنه قد وقع في القرآن الكريم ـ بمعنى المحو والإزالة والإبطال والإعدام والتغيير والتبديل ـ.. ـ .


******************

أنار الله دربك وقلبك وفكرك الأخت نادية .

فالناسخ والمنسوخ من المواضيع الشائكة ( سواء كان بالنفى أو كان بالإثبات ) .

ولكن أعجبنى جداً هذا القول

لكم تحياتى

وتحياتى إلى الأخ بهجت الرشيد

******

بهجت عبدالغني
11-04-2014, 08:18 PM
إن استقراء المواضع القرآنية، التي ورد فيها لفظ « آية « مفردة، يقول ـ على سبيل الحصر والقطع ـ إن المراد بالآية ـ في جميع هذه المواضع هو العلامة والمعجزة والحجة..

.........

للمفكر الإسلامي
أ. د. محمد عمارة
مصر.


معلومة جديدة ، سأعود بإذن الله تعالى إلى مواضع ذكر كلمة ( آية ) في القرآن الكريم
وسأحاول دراستها ..

ويقترب رأي الدكتور محمد عمارة من رأي الشيخ الغزالي على أن الآية هي المعجزة ..

وقد ذكرت بأنه حتى لو استبعدنا كل التفاسير ، واقتصرنا على كون نسخ الآية يعني نسخ الأحكام
فذلك لا يعني بالضرورة أن هناك آيات في القرآن نُسخت ..
بل يعني أن بعض الأحكام نزلت وكانت من القرآن ثم نسخت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل عدد الرضعات ..


شكراً أٍستاذتي لهذه المداخلة القيمة
وبارك الله فيك



تحاياي ودعواتي

بهجت عبدالغني
11-04-2014, 08:20 PM
******************

أنار الله دربك وقلبك وفكرك الأخت نادية .

فالناسخ والمنسوخ من المواضيع الشائكة ( سواء كان بالنفى أو كان بالإثبات ) .

ولكن أعجبنى جداً هذا القول

لكم تحياتى

وتحياتى إلى الأخ بهجت الرشيد

******



حياك الله أستاذ السعيد وبياك
وأسعدك الله في الدنيا والآخرة

شكراً لحضورك العطر



تحاياي ودعواتي

بهجت عبدالغني
15-04-2014, 09:39 PM
موضوع غني استفدت منه كثيرا ،
جزاك الله خيرا أخي بهجة الرشيد ،
تحية لك


وجزاك ربي خيراً أخي العزيز
وبارك فيك ..

شكراً للحضور المتألق



تحاياي ودعواتي

بهجت عبدالغني
26-05-2014, 04:54 PM
يؤكد ابن الجوزي خطورة إطلاق القول بالنسخ من غير دليل ، وأن تقليد من سبق من غير بحث أو تمحيص يُدخل المرء في فساد ..
يقول في كتابه ( نواسخ القرآن ) :
( فإن نفع العلم بدرايته لا بوراثته وبمعرفة أغواره لا بروايته وأصل الفساد الداخل على عموم العلماء تقليد سابقيهم ، وتسليم الامر الى معظميهم ، من غير بحث عما صنفوه ولا طلب للدليل عما ألفوه .
ثم انى رأيت الذين وقع منهم التفسير صحيحاً قد صدر عنهم ما هو أفظع فألمني وهو الكلام في الناسخ والمنسوخ ، فانهم أقدموا على هذا العلم فتكلموا فيه وصنفوه .
وقالوا بنسخ ما ليس بمنسوخ ، ومعلوم أن نسخ الشيء ، رفع حكمه واطلاق القول برفع حكم آية لم يرفع جرأة عظيمة.
ومن نظر في كتاب الناسخ والمنسوخ للسدى رأى من التخليط العجائب ، ومن قرأ في كتاب هبة الله المفسر رأى العظائم ) .

ومن أغرب الأشياء في مسألة النسخ القول : ويجوز نسخ الناسخ فيصير الناسخ منسوخاً !
وكذلك القول بأن أول الآية وآخرها منسوخان ، ووسطها محكم !
يقول ابن العربي ( نقلاً عن البرهان في علوم القرآن ) :
( ومن أغرب آية في النسخ قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} أولها وآخرها منسوخان ووسطها محكم .
ويجوز نسخ الناسخ فيصير الناسخ منسوخاً وذلك كقوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} نسخها بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} ثم نسخ هذه أيضاً بقوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} وقوله: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} وناسخه قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} ثم نسخها: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} ) .

فتأمل في أي إشكالية نحن !

د. سمير العمري
02-06-2014, 02:31 AM
اسمح لي بداية أن أشكر لك هذا المبحث المهم ، وأشكر فيك هذه الروح العلمية الدقيقة في التحري والتمحيص فجزاك الله خيرا!

ثم دعني أبدأ بالقول إن الخوض في هذا الحديث لهو أمر خطير ولا يجوز إلا لمن هم له أهل وإلا بدليل علمي معتبر ، وأنا أقصد هنا أن لا يكون الخوض في هذا باب لكل سفيه يسوق الزعم ويحرف القول ويجلب بخيله ورجله.

النسخ موجود في القرآن في الأحكام وليس في الآيات ، بمعنى أن ما نزل على الرسول قد أثبت آيات بينات ، ولكن هناك بعض نسخ للأحكام من باب التدرج رحمة من الله بالناس وتأليفا لهم في دين جديد غير الكثير مما اعتادوا عليه كنسخ حكم الخمر تدريجيا وحد الزنا ، وما ذاك من باب تغيير حيثية الحكم وإنما الندرج في التطبيق كما أوضحنا.

هو مبحث رائع ومهم أشكرك عليه وأقدره كثيرا.

تقديري

بهجت عبدالغني
05-06-2014, 06:00 PM
أستاذي الحبيب الدكتور سمير العمري
سعيد بإطلالتك المبدعة وحضورك العطر
وقراءتك وملاحظاتك ..

وأقول :
نعم والله إنه أمر عظيم وخطير ، وإني حرصت أن لا أكتب أو أنشر إلا بعد أن عرضت البحث على بعض المشايخ والإخوة المهتمين ، وناقشته ، وللأمانة بعضهم عارضني ولم يتفق معي ..
ثم إنك لترى يا أستاذي أني حرصت على تقييد صفحات البحث بحزام النقول ، من كلام العلماء ، حتى أبيّن أن التأصيل الذي قدمته ليس ببدعة أتيت بها من عند نفسي ، وإنما كان السبق فيه لعلماء أفذاذ سطّروه في مصنفاتهم .. وذلك ما شجعني أيضاً لإكمال البحث ..

( النسخ موجود في القرآن في الأحكام وليس في الآيات )

العلماء في مصنفاتهم استخدموا نسخ الآية ونسخ الحكم ، قال ابن عاشور في ( التحرير والتنوير ) : ( والمراد بالآية هنا حكم الآية سواء أزيل لفظها أم أبقى لفظها لأن المقصود بيان حكمة إبطال الأحكام لا إزالة ألفاظ القرآن ) .
فيبدو أنهم يستعملون نسخ الآية ، ويقصدون حكمها ..

هل التدرج يعني وجود نسخ ؟
كلا .. لأن التدرج لا يعني بالضرورة وجود حكمين متعارضين في مسألة واحدة ، لا يمكن الجمع بينهما .
مثال : تحريم الخمر ..
القرآن الكريم تدرج في تحريم الخمر .. لكن لن يجد الإنسان في القرآن الكريم أنه أحلّ الخمر ثمّ حرمها ، وكل ما هنالك بعضُ الآيات التي لا تصرّح بالتحريم ، لكنها في الوقت نفسه لا تحلّل .. وكذلك لا يوجد تعارض بين هذه الآيات حتى نقول بنسخها ..

فالآية ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ) (البقرة : 219) .
تقرّ حقيقة واقعة .. الخمر والميسر فيهما منافع للناس ، لكن إثمهما أكبر .. فأي تعارض بين هذه الآية وبين آية تحريم الخمر ؟

وآية ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ» ( النساء : 43 ) .
ليس بينها وبين آية تحريم الخمر تعارض ، فهذه الآية تنهى المسلم الذي اقترف جريمة شرب الخمر أن يقرب الصلاة ، وهذا الحكم يُعمل به في أي وقت ، ( فقد يشرب المسلم الخمر، يشربها ويدمغ بالإثم والعصيان، ولكن على أي حال هو مسلم، لا تسقط عنه الواجبات المفروضة على المسلم، ومن بينها الصلاة.. وليس من حائل يحول بينه وبين الصلاة في هذه الحال، إلا أن يكون في حال سكر، لا يدرى معها ما يقول.. وهنا نجد الآية الكريمة: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ» نجدها عاملة غير معطلة، فهي تفرض حكمها على من خالف ما نهى الله عنه من أمر الخمر فشربها حتى سكر، وهو ألا يقرب الصلاة حتى يصحو من سكره، ويعلم ما يقول ) ( التفسير القرآني للقرآن لعبدالكريم الخطيب ) .

وآية التحريم القطعي هي ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) ( المائدة : 91 ـ 92 ) .

( فالآيات كلها في الحقيقة تعرّض بالخمر وتضعها في موضع غير كريم ، وتزنها بميزان يقلّ فيه خيرها ويكثر فيه شرها ، فهي رزق.. ولكنها رزق غير حسن .. وهي نفع.. ولكن إثمها أكبر من نفعها ، وهي رجس.. ولكن بعض الناس يلطخ نفسه بهذا الرجس!.
فجميع هذه الأوصاف هي للخمر، وهى أوصاف خسيسة كلها، ولكنها درجات في الخسّة من حيث النظرة التي ينظر بها إليها، وهى على جميع مواقع النظر موسومة بسمة القبح والإثم والرجس، وتلك الأوصاف ملازمة لها، لا تنفصل عنها أبداً.
وإذن فالآيات الأربع الواردة في شأن الخمر، لا تعارض بينها، ولا تناسخ، بل كلها عاملة، تعطى الوصف المناسب لها، كما تعطى الحكم المناسب أيضاً ) .. ( التفسير القرآني للقرآن لعبدالكريم الخطيب ) .

( وما ذاك من باب تغيير حيثية الحكم وإنما التدرج في التطبيق )

إذا لم يكن هناك تغيير في الحكم ، فكيف يكون هناك نسخ ؟


أما حدّ الزنا ، فقد ذكرت أنه نسخ بدليل ، ولا مانع من النسخ إذا ثبت بدليل من قرآن أو سنة ، ولكن الاعتراض على النسخ بالاجتهاد والرأي ..



خالص تحاياي ودعواتي

فاطمة بنلحسي
03-07-2014, 07:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى "انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون"
فالله تعالى أنزل القرآن الكريم وجعله دستورا للمسلمين ,يتعبدون بتلاوته ويعملون بأحكامه فيطيعون أوامره ويجتنبون نواهيه .
وعندما نقول بالنسخ في آية من آياته ,فاننا نقر بوجود تعارض واختلاف بين اياته والله تعالى يقول في كتابه العزيز"ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه احتلافا كثيرا"
والحكم على آية من آيات الله بالنسخ يعطل الحكم و العمل بها ،وهذا يخالف امر الله
أما بالنسبة لآية "واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فأشهدوا عليهن أربعة من رجالكم ............."سورة النساء وأية "الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة"سورة النور
فلا تعارض بين الايتين اذ أمكن الجمع بينهما ,فقد جاء في تفسير المنار وتفسير البحر المحيط,ان آية سورة النساء جاءت بحكم السحاق أي النساء المساحقات, أما آية سورة النور فجاءت بحكم الزنا وهذا التفسير قال به كل من مجاهد وأبي مسلم .
كما لا يمكن نسخ القران بالسنة ,لان القرأن قطعي الثبوت قطعي الدلالة ,في حين السنة النبوبة منها المتواتر والاحاد والضعيف .

فاطمة بنلحسي
04-07-2014, 05:36 PM
أعتذر لوقوع خطأ في مداخلتي السابقة في الاية الكريمة من سورة النور قال عز وجل "الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة "
أعتذر مرة اخرى
تحيتي واحترامي .

بهجت عبدالغني
25-08-2014, 04:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى "انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون"
فالله تعالى أنزل القرآن الكريم وجعله دستورا للمسلمين ,يتعبدون بتلاوته ويعملون بأحكامه فيطيعون أوامره ويجتنبون نواهيه .
وعندما نقول بالنسخ في آية من آياته ,فاننا نقر بوجود تعارض واختلاف بين اياته والله تعالى يقول في كتابه العزيز"ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه احتلافا كثيرا"
والحكم على آية من آيات الله بالنسخ يعطل الحكم و العمل بها ،وهذا يخالف امر الله
أما بالنسبة لآية "واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فأشهدوا عليهن أربعة من رجالكم ............."سورة النساء وأية "الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة"سورة النور
فلا تعارض بين الايتين اذ أمكن الجمع بينهما ,فقد جاء في تفسير المنار وتفسير البحر المحيط,ان آية سورة النساء جاءت بحكم السحاق أي النساء المساحقات, أما آية سورة النور فجاءت بحكم الزنا وهذا التفسير قال به كل من مجاهد وأبي مسلم .
كما لا يمكن نسخ القران بالسنة ,لان القرأن قطعي الثبوت قطعي الدلالة ,في حين السنة النبوبة منها المتواتر والاحاد والضعيف .


هذا ما وصلت إليه إلى الآن .. لا يوجد تعارض بين حكمين في القرآن الكريم حتى نقول بالنسخ
وأن النسخ لا يكون إلا بنص من قرآن أو سنة وليس باجتهاد مجتهد

أما بخصوص آية ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ) ، فنعم .. ذكر البعض أنها غير منسوخة ، وقد أفاض الرازي في تفسيره ( مفاتيح الغيب ) سرد الرأي والرأي الآخر فيها
ولكن لا إشكال في القول بنسخها ، لأنها نسخت بدليل من قرآن وسنة ..

وأظن أنك قصدت في قولك ( القرأن قطعي الثبوت قطعي الدلالة ) ، أن القرآن قطعي الثبوت ، أما من حيث الدلالة ففيه القطعي والظني ..


أشكر لك مرورك الكريم أختي العزيزة فاطمة بنلحسي
بارك الله فيك ورعاك


وتحياتي

ربيحة الرفاعي
28-08-2014, 01:39 AM
قلنا إن فلسفة النسخ وأصله نابع من وجود تعارض بين نصين ، ثم أثبتنا أن التعارض الحقيقي غير موجود في شريعة الله تعالى ، وإنما يكون في ذهن المجتهد ، وهنا تظهر لنا مشكلة ، وهي :
أن هناك فعلاً نصوص ثبت تعارضها ، فكيف تعالجون وتوجّهون تلك النصوص ؟
كما أسلفنا أن التعارض غير موجود في الحقيقة ، ولكن توهم التعارض ينشأ عن عدم قراءة النص بطريقة شمولية ، فكل نص له سياقه وسباقه ولحاقه ، وله علته ومقاصده ، فإذا قرأنا النصوص بهذه الطريقة فلا يبقى تعارض البتة ، ويمكن العمل بكلا النصين معاً كل في مجاله دون إلغاء أحدهما .

فليس الأمر نسخا بالمعنى الذي يتبادر للذهن باعتبار العنوان، وإنما هو نسخ للحكم المقترن بظرف في ظرف غيره!

تحليل مدهش أسعدني التفكر فيه وأراحني ما انتهى إليه
دمت متألقا أيها الرائع

تحاياي

مصطفى حمزة
28-08-2014, 10:27 AM
أخي الأكرم ، الحبيب الأستاذ بهجت
أسعد الله أوقاتك
وزادك علماُ ، ونفع بك
موضوع مهم جداً للمثقف المسلم ، فما بالك بغير المثقف أو بالجاهل ، أو بغير المسلم الذي يتربص بالإسلام رمياً بالشبهات والاتهامات !!!
عرض البحث للآراء باستقصاء وهدوء - بما يسمح به مجال البحث - ثم الآراء المخالفة ، وناقشها ثم خرج بالخلاصة .. ولم يترك القارئ
قبل أن يُقنعه بالبيان والحجة المنقولة والمعقولة بأن القرآن الكريم - من خلال أنه لا ناسخ ولا منسوخ - لا يأتيه الباطل أبداً ..
حياك الله أخي بهجت ، ونور قلبك ، وجزاك الخير عن كل خير

فكير سهيل
28-08-2014, 11:53 AM
النسخ: هو رفع الحكم الشرعي المتقدم بخطاب متأخر بحيث لو لم يرد لكان الحكم الأول باقياً.
- الناسخ وهو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم- فيما اذن الله به.
- المنسوخ عنه: هو الحكم المتقدم.
- المنسوخ إليه: هو الحكم المتأخر.
مما يدل على وجود النسخ حديث عايشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحُرمن، ثم نُسخن بخمس معلومات) رواه مسلم.
و قالت" كان مما أَنزل اللهُ من القرآنِ ثم سقط لا يُحرِّمُ إلا عشرُ رضعاتٍ أو خمسٌ معلوماتٌ" .صححه المحدث:الألباني - سقط يعني نسخ.

وروى البخاري (6830) ومسلم (1691) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فخطب الجمعة ، وكان مما قال رضي الله عنه فقال : (إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَرَأْنَاهَا ، وَعَقَلْنَاهَا ، وَوَعَيْنَاهَا ، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ ، أَوْ الِاعْتِرَافُ) . زاد أبو داود (4418) : (وَايْمُ اللَّهِ ، لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ : زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَكَتَبْتُهَا).
وهذا يرد على القول بان الاية غير منسوخة.
والنسخ ثلاثة انواع:
1-نسخ التلاوة والحكم معًا
2-نسخ الحكم وبقاء التلاوة
3-نسخ التلاوة مع بقاء الحكم
فالاية ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) نسخت حكما وبقيت تلاوة
ولا يمكن بهذا انكار النسخ.
اذا هو موجود بانواعه الثلاثة فكيف يمكن انكاره بالجملة؟ ثم لماذا يكون النسخ خاصا بآية الرجم فقط -رغم ان هذا يدل على وجود النسخ؟ ولماذا لا يكون في غيرها اي ننفي النسخ عن القرآن ونقر به في آية.
والله اعلم.
يرعاك الله اخي بهجت الرشيد.

بهجت عبدالغني
30-08-2014, 02:15 PM
فليس الأمر نسخا بالمعنى الذي يتبادر للذهن باعتبار العنوان، وإنما هو نسخ للحكم المقترن بظرف في ظرف غيره!

تحليل مدهش أسعدني التفكر فيه وأراحني ما انتهى إليه
دمت متألقا أيها الرائع

تحاياي


أستاذتي العزيزة ربيحة
أشكر لك قراءتك وحضورك المشرق هنا
بارك الله فيك ورعاك


تحياتي وخالص تقديري

بهجت عبدالغني
30-08-2014, 03:13 PM
أخي الأكرم ، الحبيب الأستاذ بهجت
أسعد الله أوقاتك
وزادك علماُ ، ونفع بك
موضوع مهم جداً للمثقف المسلم ، فما بالك بغير المثقف أو بالجاهل ، أو بغير المسلم الذي يتربص بالإسلام رمياً بالشبهات والاتهامات !!!
عرض البحث للآراء باستقصاء وهدوء - بما يسمح به مجال البحث - ثم الآراء المخالفة ، وناقشها ثم خرج بالخلاصة .. ولم يترك القارئ
قبل أن يُقنعه بالبيان والحجة المنقولة والمعقولة بأن القرآن الكريم - من خلال أنه لا ناسخ ولا منسوخ - لا يأتيه الباطل أبداً ..
حياك الله أخي بهجت ، ونور قلبك ، وجزاك الخير عن كل خير


أستاذي الحبيب مصطفى حمزة
نوّرت الضفحة بإطلالتك المشرقة وحضورك العطر
وتعليقك الجميل
أحبك الله وبارك فيك

ونسأله تعالى أن يهدينا إلى الحق والصواب ، فهو ولي ذلك والقادر عليه ..


تحياتي وخالص الودّ

بهجت عبدالغني
30-08-2014, 03:29 PM
- الناسخ وهو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم- فيما اذن الله به.
وهذا ما نقول به .. النسخ لا يكون إلا بنص من قرآن أو سنة صحيحة
وإذا تأملت الآيات التي قيلت أنها منسوخة ، فهل يا ترى ستجد عند قائلهم مستنداً من قرآن أو سنة ؟
أم هو قول بالنسخ لوجود تعارض ـ حسب رأي المجتهد ـ ؟

مما يدل على وجود النسخ حديث عايشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحُرمن، ثم نُسخن بخمس معلومات) رواه مسلم.
و قالت" كان مما أَنزل اللهُ من القرآنِ ثم سقط لا يُحرِّمُ إلا عشرُ رضعاتٍ أو خمسٌ معلوماتٌ" .صححه المحدث:الألباني - سقط يعني نسخ.

هذا المثال سُقته في البحث أصلاً ، ولم نعترض على أن عدد الرضعات نُسخ ، ولكن المنسوخ ( عدد الرضعات ) غير موجود في القرآن الكريم ، وبحثنا عن وجود النسخ في القرآن ( المتلو ) .. ثم هذا نسخ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس باجتهاد المجتهدين .. فتأمل حفظك المولى ورعاك ..
ونفس الكلام ينسحب على آية الرجم ، فهي غير موجودة في القرآن ( المتلو ) ..

فالاية ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) نسخت حكما وبقيت تلاوة

هل يجوز للإنسان أن يصلي وهو سكران ؟


والله تعالى أعلم


أخي العزيز الأستاذ فكير سهيل
شكراً للمرور الكريم


تحياتي ودعواتي

فكير سهيل
31-08-2014, 10:19 AM
-" ثم نُسخن بخمس معلومات"
قصدت بهذا اثبات وجود النسخ في القرآن انطلاقا من حديث عائشة -رضي الله- عنها فقد استعملت كلمة النسخ ولو كان ممتنعا لما قالت به. وقد قالت فيما أنزل أي من القرآن.
-أما آية الرجم فكانت موجودة تلاوة بدليل حديث عمر الذي ذكرته ثم نسخت تلاوة وبقيت حكما.
-طبعا النسخ لا يمكن ان يكون بالاجتهاد فالنسخ وحي وانزال احكام وهذا لا يكون الا من عند الله.
اما القول بوجود النسخ في حق آية لا يُعد ملجأ لتبرير التعارض وانما استحالة الجمع تبين ان الله نسخ الحكم وبهذا يزول التعارض, اي ان النسخ ينفي وجود التعارض في القرآن الكريم. والاجتهاد يقع هنا هل نسخ الحكم ام لم ينسخ- مثل تحريم الذهب المحلق عند الشيخ الالباني هو لا يرى بنسخ الاحاديث على عكس علماء آخرين.
-( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )
هاته الآية كانت تقتصر على تحريم الخمر في الصلاة ثم نسخت حكما وبقيت تلاوة -بآية تحريم الخمر بالكلية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
بارك الله فيك اخي الاستاذ بهجت الرشيد واشكرك على روحك الندية
يرعاك الله

بهجت عبدالغني
31-08-2014, 01:36 PM
-" ثم نُسخن بخمس معلومات"
قصدت بهذا اثبات وجود النسخ في القرآن انطلاقا من حديث عائشة -رضي الله- عنها فقد استعملت كلمة النسخ ولو كان ممتنعا لما قالت به. وقد قالت فيما أنزل أي من القرآن.
-أما آية الرجم فكانت موجودة تلاوة بدليل حديث عمر الذي ذكرته ثم نسخت تلاوة وبقيت حكما.

مجال بحثي كما هو واضح من العنوان هو القرآن الكريم الذي نتلوه اليوم ، وقضية الرضعات وآية الرجم خارج نطاق البحث ، لأنها آيات نزلت ثمّ نسخت ولم تثبت في القرآن الكريم ..
فأنا لا أعترض على وجود النسخ .. هكذا بالمطلق .. ، ولكن بحثي يتساءل عن وجود النسخ في القرآن الكريم الذي بين أيدينا .. أما آيات نزلت ثم نُسخت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلا اعتراض ولا إشكال ..

-طبعا النسخ لا يمكن ان يكون بالاجتهاد فالنسخ وحي وانزال احكام وهذا لا يكون الا من عند الله.
اما القول بوجود النسخ في حق آية لا يُعد ملجأ لتبرير التعارض وانما استحالة الجمع تبين ان الله نسخ الحكم وبهذا يزول التعارض, اي ان النسخ ينفي وجود التعارض في القرآن الكريم. والاجتهاد يقع هنا هل نسخ الحكم ام لم ينسخ- مثل تحريم الذهب المحلق عند الشيخ الالباني هو لا يرى بنسخ الاحاديث على عكس علماء آخرين.

معنى قولك أن هناك تعارض بين بعض الآيات ، فنقول بالنسخ فيزول هذا التعارض ..
وسؤالنا أين هذا التعارض الموجود أصلاً بين الآيات والتي لا يمكن الجمع بينها ؟
ومثال الذهب ـ وإن كان مثالاً لتوضيح المقال ـ بعيد عن موضوعنا ، فالبحث هنا عن القرآن الكريم ، أما النسخ في الأحاديث فيحتاج إلى بحث مستقل ..

-( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )
هاته الآية كانت تقتصر على تحريم الخمر في الصلاة ثم نسخت حكما وبقيت تلاوة -بآية تحريم الخمر بالكلية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

ولهذا سألتك إذا كان يمكن للسكران أن يصلي .. فأنت تقول إن الحكم نسخ ، والمنسوخ لا يُعمل به ، فهل هذا يعني أن من شرب الخمر يمكن له أن يصلي حال سكره ؟
فأنا ـ حسب ما أفهم ـ لا أرى أي تعارض بين آية تحريم الخمر وهذه الآية .. إذ الخمر محرم بآية محكمة قاطعة : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
ولكن بعض المسلمين يخالفون هذا التحريم فيشربون الخمر ، فإذا شرب مسلم الخمر وحضرت الصلاة فلا يجوز له أن يصلي ، بدليل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )
فالآية هنا عاملة غير معطلة ..


وبارك الله فيك وأحبك أخي العزيز ورضي عنك

تحياتي وخالص الودّ

السعيد شويل
01-09-2014, 03:13 AM
*********************************

أخى العزيز بهجت الرشيد

سأتحاور معكم فى هذا التساؤل


فالاية ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) نسخت حكما وبقيت تلاوة

هل يجوز للإنسان أن يصلي وهو سكران ؟

***

السكر أخى بهجت ليس من الشراب فحسب فقد يكون السكر من التعب والمشقة وقد يكون نتيجة جهد أو جهد

وقد يكون من الهم والحزن وقد يكون من الفكر وانشغال البال ... إلخ

فأمرنا الله أن لا نؤدى الصلاة ولا نقربها ونحن منشغلين غير عاقلين أو سكارى مما نحن فيه لاندرى صلينا ثلاث ركعات أم

أربع أو نصلى ولانعى ما نقول أو للتخلص من أداء فرضها .

ولقد أفسح الله لنا الوقت المحدد لكل صلاة لكى نؤدها وقتما نكن مدركين غير سكارى أو مجهدين .

**************
ولكم كل التحية والتقدير

فكير سهيل
01-09-2014, 09:29 AM
معنى قولك أن هناك تعارض بين بعض الآيات ، فنقول بالنسخ فيزول هذا التعارض ..
وسؤالنا أين هذا التعارض الموجود أصلاً بين الآيات والتي لا يمكن الجمع بينها ؟
ومثال الذهب ـ وإن كان مثالاً لتوضيح المقال ـ بعيد عن موضوعنا ، فالبحث هنا عن القرآن الكريم ، أما النسخ في الأحاديث فيحتاج إلى بحث مستقل ..

اقصد طبعا التعارض ظاهرا -لا يوجد تعارض حقيقي- واذا كان فالنسخ هو التفسير -لهذا التعارض الظاهر- ونفي النسخ يضطرنا الى تأويلات للآيات قد تكون بعيدة عن الصحة في محاولة للجمع قسرا.

-( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )
هاته الآية كانت تقتصر على تحريم الخمر في الصلاة ثم نسخت حكما وبقيت تلاوة -بآية تحريم الخمر بالكلية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

ولهذا سألتك إذا كان يمكن للسكران أن يصلي .. فأنت تقول إن الحكم نسخ ، والمنسوخ لا يُعمل به ، فهل هذا يعني أن من شرب الخمر يمكن له أن يصلي حال سكره ؟
فأنا ـ حسب ما أفهم ـ لا أرى أي تعارض بين آية تحريم الخمر وهذه الآية .. إذ الخمر محرم بآية محكمة قاطعة : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
ولكن بعض المسلمين يخالفون هذا التحريم فيشربون الخمر ، فإذا شرب مسلم الخمر وحضرت الصلاة فلا يجوز له أن يصلي ، بدليل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )
فالآية هنا عاملة غير معطلة ..

لا يكون النسخ الا بالناسخ وهو يحل محل المنسوخ فآية تحريم الخمر نهائيا حلت محل آية تحريم الخمر في الصلاة فقط, ومما هو ملعوم بالضرورة ان تحريم الكل يستلزم تحريم الجزء
فتحريم الخمر في كل الاوقات يعني تحريمها في بعض الوقت وهو وقت الصلاة, فتحريم الخنزير يستلزم تحريم اعضائه ولا يمكن ان نقول ان القلب مثلا وهو جزء من الكل حلال.
وبارك الله فيك أخي العزيز

بهجت عبدالغني
01-09-2014, 02:49 PM
*********************************

أخى العزيز بهجت الرشيد

سأتحاور معكم فى هذا التساؤل



***

السكر أخى بهجت ليس من الشراب فحسب فقد يكون السكر من التعب والمشقة وقد يكون نتيجة جهد أو جهد

وقد يكون من الهم والحزن وقد يكون من الفكر وانشغال البال ... إلخ

فأمرنا الله أن لا نؤدى الصلاة ولا نقربها ونحن منشغلين غير عاقلين أو سكارى مما نحن فيه لاندرى صلينا ثلاث ركعات أم

أربع أو نصلى ولانعى ما نقول أو للتخلص من أداء فرضها .

ولقد أفسح الله لنا الوقت المحدد لكل صلاة لكى نؤدها وقتما نكن مدركين غير سكارى أو مجهدين .

**************
ولكم كل التحية والتقدير


نعم هناك من فسر السكر بسكر النوم ، وهو قولٌ للضحاك ، قال ابن العربي في ( أحكام القرآن ) :
( وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن المراد بهذا السكر سكر الخمر ، وأن ذلك إبان كانت الخمر حلالاً ، خلا الضحاك فإنه قال : معناه سكارى من النوم ) .
وقال ابن كثير في تفسيره : ( وقال الضحاك في الآية : لم يعن بها سكر الخمر وإنما عنى بها سكر النوم ، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ، ثم قال ابن جرير : والصواب أن المراد سكر الشراب ) .

وسبب النزول يرجح كون السكر هو سكر الخمر فـ ( عن علي بن أبي طالب قال صنع لنا عبدالرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون قال فأنزل الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) . رواه الترمذي وقال الالباني : صحيح .


شكراً لك أخي العزيز السعيد شويل
لمداخلتك الطيبة وحضورك الجميل

دمت بخير

وتحياتي

بهجت عبدالغني
01-09-2014, 04:49 PM
اقصد طبعا التعارض ظاهرا -لا يوجد تعارض حقيقي- واذا كان فالنسخ هو التفسير -لهذا التعارض الظاهر- ونفي النسخ يضطرنا الى تأويلات للآيات قد تكون بعيدة عن الصحة في محاولة للجمع قسرا.

أولاً : إذا كان التعارض ظاهرياً ، فهذا يعني أنه لا يوجد تعارض في الحقيقة ، بل هو تعارض متوهم ..
وفي هذه الحالة لا نحتاج إلى نسخ ، وإنما نُعمل كل نص حسب موضوعه وسياقه ..
ثانياً : النسخ لا يعتبر تفسيراً ، التفسير هو البيان ، بينما النسخ هو إزالة حكم شرعي .. فبينهما بون شاسع ..
ثالثاً : لا نحتاج إلى تأويلات ـ صرف النص عن ظاهره إلى معنى مرجوح ـ في محاولة الجمع ، بل يكون بفهم النصوص في سياقها ومقاصدها وعللها ، من غير تكلف وليٍّ لأعناق النصوص ..

يكون النسخ الا بالناسخ وهو يحل محل المنسوخ فآية تحريم الخمر نهائيا حلت محل آية تحريم الخمر في الصلاة فقط, ومما هو ملعوم بالضرورة ان تحريم الكل يستلزم تحريم الجزء
فتحريم الخمر في كل الاوقات يعني تحريمها في بعض الوقت وهو وقت الصلاة, فتحريم الخنزير يستلزم تحريم اعضائه ولا يمكن ان نقول ان القلب مثلا وهو جزء من الكل حلال.
وبارك الله فيك أخي العزيز

عندنا آيتان ، الأولى في تحريم الخمر ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ).
والثانية في النهي عن الصلاة حالة السكر ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )

ألا يمكن إعمال الآيتين معاً ؟
الأولى فيها حكم الخمر النهائي ، والثانية فيها حكم من شرب الخمر وأراد الصلاة ( والآية لا تقول إن الخمر حلال ، فموضوعها مختلف ) ..
فإذا أمكننا ذلك ، فإعمال النص أولى من إهماله .. ولا حاجة إلى القول بالنسخ ..


وبارك الله فيك ورعاك

تحياتي وتقديري