تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رجل يمشى



هشام النجار
14-04-2014, 02:10 AM
يبدو وسيماً ، وقد انعكس سمار وجهه على لوح النحل الذى يتراقص فى ضوء آشعة شمس أكتوبر فى سنة غامضة من سنوات الستينات ، طوله فارع وملامحه قاسية تكشف عن مغامرات مميتة تعرض لها .
يظل يحكى عن عشقه لعبد الناصر وكيف قاد مظاهرة حزينة اثر موته ، وظل يمشى فى المظاهرات يبتكر الهتافات ويرسم خطة الفرار قبل الاشتباك ، وعرفته المؤتمرات والمؤامرات السياسية .
يخبط العساكر بقوة الأرض بضربات منتظمة مهيبة ويظلل سواد الخوذات جدران البيوت وينتعش الفزع ، ويزف الصبيان رجلاً ضخماً قبض عليه الجنود بعد أن قذفوه فى ماء الترعة وأخرجوه وحشاً مدهوناً بالطين ، ودوت الهتافات الملحنة تشكر رجال الأمن وتلعن الخارجين على القانون ، ويحاول هو صرف الناس ، وألقى على الرجل المزفوف عباءة وصرخ يستجدى أنصاراً لتمرده .
ثار الجدل حول رجل يمشى يتحدث عن العصيان ، وعن القانون الذى يجرد الضعفاء من أسلحتهم ولا يقرب الفاسدين ، ويسأل عن أشياء تمس المساواة وتعيد الكرامة للمقهورين .
يطمئن تماماً لخطته ويبدو كبطل شعبى عندما يلقون عليه القبض بعد أن دلهم أحد أقاربه على مكان الطبنجة غير المرخصة أسفل برميل فى اصطبل الخيل بجوار المنحل خلف البيت الذى شهد وقوعه أول مرة ، وسرعان ما وقف ومشى نازفاً على وقع الضربات الجماعية ، ليجر الهاجمين الى الزحام .
يشعل المظاهرة بالهتاف ضد الرجل الحديدى وفساده وينادى برخصة السلاح ليدافع عن نفسه ويسامر الضعفاء ويسهر فى جلسات علية القوم ، ويلعب فى مركز صانع الألعاب وأحياناً حارس المرمى فى مباريات الكرة ، وفى الساحات الواسعة كان الشباب يفرغون شحنات الغضب فى اللعب والمنافسة واحراز الأهداف .
دعا صديقه الشاب صاحب الوجاهة الذى يدعم خصم رجله فى الانتخابات على فنجان شاى على مقهى قريب من بيته ، وبعد أن ارتشف رشفات ضحك بصوت عال حتى فزع الناس وطوق الشباب وبعض أقارب صديقه المكان ، عندها لقنه علقة ساخنة وتركه جريحاً ينزف ، ومضى واضعاً يده على جانبه فلزموا الصمت والسكون ظناً أنه حصل على سلاح .
يزحف السادات الى القدس ويخطب فى الكنيست ويمدح فى الانفتاح ، ويزحف هو الى المدينة ويخطب فى المؤتمرات ويبنى شبكة مصالح ويضخ أمواله فى صراعاته السياسية ويتحدثون عن مغامراته النسائية ، ويظل يضحك ويطلق النكات ويطلب من شلته المزيد من القفشات وعلى شاطئ البحر يلهو كطفل صغير ، ويعود ليضبطه صغيره يبكى بمرارة وهو فى خلوة مع ربه .
لا يزال قوياً شاباً فى الخمسينات والستينات والسبعينات ، عاشق للحياة ويحب الله ، يسأل عن كل صغيرة وكبيرة وبارع فى الحديث وانتقاء الكلمات ويعيش اللحظة بكل تفاصيلها وعمقها ويلتهم حب القريبين منه ويتغذى على الفخر ويقرأ ويناور ويحب ويكره ويرتفع ويهبط ، ويصلى ويبكى ويبيع مصرف مياه حكومى لرجل غشه وتحداه ، ويبيع كل ما لديه ليحظى بنزهة ولا يخطط لشئ ، بعفوية يتكلم ويمشى فى جميع الاتجاهات ، ويتلقى الاتصالات ويحلل وينقد ولا يتوقف عن الكلام والضحك حتى يستسلم للنعاس ، يتيه بين الناس ، ويقود سيارته المتواضعة بنفس الثياب والثبات والثقة التى كان يقود بها قبل شهور قليلة سيارته الفارهة ، ويجلس كثيراً مع الأصدقاء يحدثهم ويحدثونه عن الذكريات والمغامرات والقفشات .. ويعلو الضحك .
خلت فجأة جلسة الأصدقاء منه .
لم يعد قادراً على اطلاق ضحكته المجلجلة فتمتلئ الحياة بالبهجة .
فى البيت لم يعد يستطيع الحركة الا على كرسى ويعجز عن حمل جسده .
فى عينيه حديث طويل ليس له نهاية وضحكات لم ينلها ومغامرات موءودة ونضال يفارقه ، وأحلام مذبوحة ، ورغبة تفتك به .. أن يمشى .

كاملة بدارنه
14-04-2014, 11:13 AM
ليت هذه النّهاية تكون عبرة للاهثين وراء الكراسي والمناصب !
لن يدوم مركز دنيويّ، لذا الأفضل تقوى الله والسّير على المنهج القويم عند اعتلاء مجد السّلطة التي يبغون
صوّرت الواقع بسرد جميل
بوركت
تقديري وتحيّتي

خلود محمد جمعة
20-04-2014, 12:46 AM
أراد الكرسي فالتصق به
ليجلس عليه ويطيل التفكير قاعداً
فكرك العميق بأسلوبك المشوق يعطي مساحات للتفكر
دام اليراع جاداً
مودتي وكل التقدير

هشام النجار
20-04-2014, 01:49 AM
ليت هذه النّهاية تكون عبرة للاهثين وراء الكراسي والمناصب !
لن يدوم مركز دنيويّ، لذا الأفضل تقوى الله والسّير على المنهج القويم عند اعتلاء مجد السّلطة التي يبغون
صوّرت الواقع بسرد جميل
بوركت
تقديري وتحيّتي

سيدتى الكريمة المبدعة الكبيرة الأستاذة كاملة بدارنة .. انا متعاطف جداً مع بطل القصة ، هو حيويى متحرك طموح يحب الحياة متعلق بصراعاتها والتأثير فى مجريات احداثها الاجتماعية والسياسية لاقصى درجة ، هدفه وغايته الحركة أن يظل يمشى ويصول ويجول ويخطب ويناور ويربح وينفق ويبتهج ويعيش اللحظة ، وفى نفس الوقت هو يحب ربه وعلاقته بدينه على ما يرام رغم الهفوات والزلات وهكذا هم البشر .
المعضلة فى السؤال الى متى ؟ .. فهناك نهاية للانسان على الارض حتماً ولا مفر سيثقل هذا الجسد الطموح المتحرك وسيأتى الوقت الذى يفشل فيه عن الحركة خطوة واحدة بعد ان كان يملأ الدنيا حياة وحركة وحيوية .
ماذا يدور بخلده ؟ بماذا يفكر وهو على تلك الحال وهو فى تلك الازمة القاسية ؟ رأيت وقرأت فى عينه الرغبة فى أن يمشى .. فقط يمشى .. هو يريد ذلك دون اهتمام بالوجهة او الى اين ؟ فقط يريد ان يمشى .
دعواتك لنا سيدتى الكريمة وبارك الله فيك .

آمال المصري
22-04-2014, 11:13 PM
هي سنة الحياة أن تمر بنا ونتغير ولا تتغير ونظل نتطلع لمزيد من الطموحات ولكن يحبطنا العجز
نص جميل قوي الحبكة
شكرا لك أديبنا
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

هشام النجار
26-04-2014, 12:35 PM
أراد الكرسي فالتصق به
ليجلس عليه ويطيل التفكير قاعداً
فكرك العميق بأسلوبك المشوق يعطي مساحات للتفكر
دام اليراع جاداً
مودتي وكل التقدير

شكراً جزيلاً لهذا الحضور والتوقيع الثرى لأديبة راقية ومبدعة أحترمها وأقدر قلمها الرائع وفكرها العميق وعطاءها الذى أسأل الله تعالى ألا يحرمنا منه ابدا انه ولى ذلك والقادر عليه
تحياتى ودعواتى

ناديه محمد الجابي
29-04-2014, 10:36 AM
تحية طيبة أيها الأديب والأخ الفاضل/ هشام النجار
عندما قرات قصتك أول مرة أحسست إنك تصف رجل بعينه
رجل تحبه وتجله مبهور به وبشخصيته المليئة بالحياة الفريدة
فحاولت أن أمشي خطوة خطوة مع وصف حياة هذا الرجل..
هو كان يعشق عبد الناصر ـ قاد مظاهرات حزينة أثر موته
يمشي .. يتحدث عن القانون الذي لا يقرب الفاسدين بينما هو ضد الضعفاء
ويبدو كبطل شعبي يوم قبض عليه لإقتنائه سلاح غير مرخص
شعلة من النشاط والحركة، يشعل المظاهرات ويلعب أحيانا حارس
مرمى في مباريات الكرة وفي الساحات.
وفي عهد انفتاح السادات يبني شبكة مصالح ويضخ أمواله في صراعات سياسية
يلهو كطفل على شاطئ البحر ، ويبكي بحرقة وهو بين يدي ربه في خلوة.
محب للحياة .. طوال سنوات عمره حتى بعد وصل للسبعينات من عمره
يعيش حياته بكل عمق وديناميكية يحب ويكره يصلي ويبكي ولا يخطط لشئ
يتكلم بعفوية ويحلل وينتقد ويضحك ويضحك من حوله.
ولكن كل هذه الحياة المتدفقة فقدت يوم فقد القدرة على المشي ليربطه كرسي متحرك
لتظل في عينيه أحلام مذبوحة ، ورغبة مميتة في أن يكون كما كان .. وأن يمشي
ولكن سبحان من له الدوام ـ وسبحان الذي يغير ولا يتغير .
بقى لي سؤال واحد .. هل صاحبك هذا العزيز مازال حيا أم أنك فقدته منذ فترة قريبة ؟؟

سرد بديع تسربل بالعفوية فصدق الحس وتغلغل في النفس
فجاء نصك شائقا ألقا.

هشام النجار
29-04-2014, 01:20 PM
هي سنة الحياة أن تمر بنا ونتغير ولا تتغير ونظل نتطلع لمزيد من الطموحات ولكن يحبطنا العجز
نص جميل قوي الحبكة
شكرا لك أديبنا
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

أستاذتنا الأديبة الكبيرة آمال المصرى .. شكراً جزيلاً على الحضور والتوقيع الراقى ، وهى حالة انسانية ثرية جداً بها الكثير من نقاط التامل فكراً وابداعاً ، منها ما تفضلتِ به ، ومنها الزوايا الانسانية فى شخصية بطل القصة التى تترك فى عمومها انطباعاً بالتعاطف ، فهو مثير بحركته وعطائه ومشيه فى جميع الاتجاهات يسعى للتأثير فى الحياة وترك بصمة وان تعثر بعض الأحيان وان أخطأت بعض اجتهاداته وان أخفق مرة أو مرتين ، وحتى وان رأى البعض خلاف ما يرى هو فالله أعلم بما فى القلوب وتأويلات العقول والافكار ، والله اعلم بعلاقة العبد بربه ، فقد يحكم الناس على الظاهر أمامهم وهم لا يدركون مدى ارتباط وتعلق الشخص بخالقه . هذا عكس الشخصية الخمولة الكسولة العاجزة على الدوام التى لا تصنع شيئاً ولا تسير فى أى اتجاه اجتماعياً أو سياسياً ، فهذا الشخص غير فاعل ويثير أول ما يثير مشاعر الاستهجان والاستخفاف بحالة فهو ارتضى بالعيش على الهامش منزوياً راضياً بحاله خائفاً من أن يتحرك أو يمشى فيصيبه مكروه هنا أو نائبة هناك .
تلك أهم زاوية - من وجهة نظرى - فى شخصية البطل الذى لا يأتيه العجز من داخله أو أنه اختار العجز والقعود والانزواء منهجاً فى الحياة وانما اضطرته اليه الأقدار اضطراراً ، فى خاتمة حياة مليئة بالحركة والنشاط والنجاح والاخفاق والنفع والمصلحة والضحك والبكاء ، وفجأة يثقله المرض ويسجنه فى غرفة وأربعة جدران على كرسى أو سرير لا يستطيع مغادرته .
هو رجل يمشى .. تلك أهم وأوضح وأخطر صفاته ومواهبه ، يمشى يتحرك مليئ بالحياة والحيوية ، يتفاعل مع الاحداث ومع الشخصيات ومع الناس كل الناس ، لا يترك أحداً الا ورغب فى التعرف عليه والتواصل معه ، يفتعل شيئاً جديداً ليحدث شئ ما جديد فى حياته اذا شعر بالملل وأن الامور تسير على وتيرة واحدة سعياً للتجديد وخلقاً لمساحات جديدة فى الحياة من مواقف وشخصيات ومشاوير وأحداث . بعكس الحالات التى تعيش منعزلة تحيا وتموت دون أى تأثير ودون أن يسمع عنها وبها أحد .
هو يمشى ، وجاء الفعل مضارعاً استمرارياً متحركاً ليناسب طبيعة الشخصية ، وهو بالفعل بعد الرحيل لا يزال يمشى فى مخيلة الحياة التى تركها حافلة بمواقفه وقضاياه وفعالياته وعلاقاته المتشعبة وانجازاته وسيئاته وحسناته وفشله ونجاحه - وذلك هو الانسان كما خلقه الله تعالى - ، وفى مخيلة محبيه ومن تأثروا به وكارهيه على السواء ، فالكل بدون استثناء معجب بهذه الشخصية المختلف عليها ، ويكفى أنه ترك بصمات وقضايا وصار مثار جدل وحديث الناس .
للحديث بقية ان شاء الله حول هذه الشخصية الثرية سيدتى الكريمة الفاضلة والمبدعة الكبيرة آمال المصرى
شكرا جزيلا وتقديرى واحترامى لشخصك النبيل وقلمك الراقى .

هشام النجار
29-04-2014, 01:37 PM
تحية طيبة أيها الأديب والأخ الفاضل/ هشام النجار
عندما قرات قصتك أول مرة أحسست إنك تصف رجل بعينه
رجل تحبه وتجله مبهور به وبشخصيته المليئة بالحياة الفريدة
فحاولت أن أمشي خطوة خطوة مع وصف حياة هذا الرجل..
هو كان يعشق عبد الناصر ـ قاد مظاهرات حزينة أثر موته
يمشي .. يتحدث عن القانون الذي لا يقرب الفاسدين بينما هو ضد الضعفاء
ويبدو كبطل شعبي يوم قبض عليه لإقتنائه سلاح غير مرخص
شعلة من النشاط والحركة، يشعل المظاهرات ويلعب أحيانا حارس
مرمى في مباريات الكرة وفي الساحات.
وفي عهد انفتاح السادات يبني شبكة مصالح ويضخ أمواله في صراعات سياسية
يلهو كطفل على شاطئ البحر ، ويبكي بحرقة وهو بين يدي ربه في خلوة.
محب للحياة .. طوال سنوات عمره حتى بعد وصل للسبعينات من عمره
يعيش حياته بكل عمق وديناميكية يحب ويكره يصلي ويبكي ولا يخطط لشئ
يتكلم بعفوية ويحلل وينتقد ويضحك ويضحك من حوله.
ولكن كل هذه الحياة المتدفقة فقدت يوم فقد القدرة على المشي ليربطه كرسي متحرك
لتظل في عينيه أحلام مذبوحة ، ورغبة مميتة في أن يكون كما كان .. وأن يمشي
ولكن سبحان من له الدوام ـ وسبحان الذي يغير ولا يتغير .
بقى لي سؤال واحد .. هل صاحبك هذا العزيز مازال حيا أم أنك فقدته منذ فترة قريبة ؟؟

سرد بديع تسربل بالعفوية فصدق الحس وتغلغل في النفس
فجاء نصك شائقا ألقا.

الشكر الجزيل وأروع التحايا وأرقاها للأستاذة الكبيرة والأديبة القديرة والناقدة البصيرة أستاذتنا نادية الجابى .
تحليلك راق نافذ ورؤيتك فى محلها تماماً ، وفوق الرؤية والتحليل كان احساسك النقدى الانسانى أكثر دقة وقدرة على قراءة أبعاد النص الانسانية وربطها بواقع الكاتب وما يحيط به من احداث .
وقد أجبتك بالفعل على سؤالك الأخير بدموعى .
الرجل الذى يمشى .. هو أبى رحمه الله الذى فارقنا جسده قبل أيام . والقصة أكثر من واقعية لكنها تبدو لى وأنا أحد المساهمين فيها واحد أبطالها بضخامة وتنوع أحداثها وشخصياتها ضرب من الخيال .
شكراً جزيلاً على هذا الاهتمام الفائق وتلك القراءة العميقة التى فاقت التصور رؤية ونقداً واحساساً .
تحياتى وتقديرى .

ناديه محمد الجابي
29-04-2014, 04:50 PM
هذا ما أردت قوله بالظبط .. لقد أحسست أنك تتكلم عن والدك رحمه الله
احسن الله عزائك ورحم والدك الفقيد الغالي
وانا لله وانا اليه راجعون .

د. سمير العمري
05-05-2014, 01:02 PM
نص سردي جميل وفيه مواضع توظيف ذكي للمفردات واستخدام موفق للسرد التاريخي والرأي السياسي كحاشية على هامش السرد الأصلي ، وهذا هو أحد أدق التوصيفات للنخب المصرية المثقفة على وجه الخصوص ، والذي أراه أحد أهم ما أوصل مصر لهذه الحال وأسهم في نشر الفساد والدمار.

هو نص قصصي مميز فلا فض فوك!

تقديري

ربيحة الرفاعي
07-05-2014, 01:35 AM
بعيدا عما حملت الردود مما استوقفني من معلومة، فقد وجدت النص ينفلت من يد الكاتب باتجاه أظنه غير ما أراد، فما عرفت أأراد كاتبنا إطراء الرجل أم أراد ذمه وهو ينتقل بالمشاهد بين ما يؤدي لهذا وما يوقع في ذاك

عتبة النص الأولى بعد العنوان هيأت القارئ لصفحة من حياة مناضل قويّ واثق الخطو مسيّس متمرس، ويأتي بعدها استعراض لبعض مواقفه التي تشهد له بثورية الروح ونضالية السلوك، سواء في نصرة الثائر المعتقل أمام جهل العوام وبطش العسكر، أو في تثويره المقهورين ، أو جلَدِه وتحدّيه بعدما تعرض له من خيانة
مشاهد لم يحرص فيها الكاتب على التوجه القصّي في بناء جمله بقدر ما حرص على توثيق صفحات من عمر الرجل، يوجز دلالتها بعدها بقوله

يشعل المظاهرة بالهتاف ضد الرجل الحديدى وفساده وينادى برخصة السلاح ليدافع عن نفسه ويسامر الضعفاء ويسهر فى جلسات علية القوم ، ويلعب فى مركز صانع الألعاب وأحياناً حارس المرمى فى مباريات الكرة ، وفى الساحات الواسعة كان الشباب يفرغون شحنات الغضب فى اللعب والمنافسة واحراز الأهداف .

ثم ينعطف بنا فجأة ليجلده
فهو غادر بصديقه حين يستدرجه لمقهى قريب حيث يوسعه ضربا ويتركه جريحا نازفا لمجرد أنه يدعم خصم رجله في الانتخابات
وهو ماكر بإيهامه الناس أن في جيبه سلاحا ليفلت من ردّهم على تعديه على صاحبه
وهو نفعيّ حين يخطب في المؤتمرات مستغلا الظرف السياسي ليبني شبكة من المصالح
وهو موضع اتهام في سلوكه بما يتحدث القوم عنه من مغامراته النسائية
وهو محتال حين يبيع أملاكا عامة لينتقم من عملية غش تعرض لها
ومستهتر حين يبيع كل ما لديه ليحظى بنزهة ولا يخطط لشئ
وهذا مما لا يتفق مع ما تقدم من تصوير لمواقف شرحت مناقب الرجل

نحن إذا في كنف نص بدفعة تناقضات سلوكية لا تخدم النص ولا الفكرة، وهي غير التناقضات الشعورية والصراعات الداخلية التي تثري النصوص وتعمق من طرحها، وكان يفي تعبيرا عنها هنا الإشارة لإقبال البطل على الحياة وعشقه لها ومشاهدة صغيره له يبكي بين يدي الله، ولا شك أنه شخص حقيقي، حبيب للقاص الذي لم يترك النص حاجه لإعلانه هذه الحقيقة، فهو يعدد مثالبه مغمضا عينيه عما فيها من طعن بالرجل لأنها لا تطعن به عنده وهو الحبيب لقلبه، غير أن الأصل أن النصوص تحمل ما نريد قوله في أمر ما، دافعين المتلقي بمحمول النص عنه أو باتجاهه، نغض الطرف عما يوجه انفعال القارئ لغير ما نريد، فإن كنا ولا بد ذاكرينه فبالتفاف يقلل من شأنه أو يواريه وراء ما نجعله يتوهج فيخفيه، وهذا لم يتحقق هنا في شيء، فقد خرجنا من القصة لا نعرف بأي اتجاه نتفاعل، ومن أية زاوية نقرأ الشخصية والأحداث، وبما لا يتعدى صور مبعثرة عن رجل عادي عاش متأرجحا بين الخير والشر، ورسالة وعظية تقول أن هذا الذي عشق الحياة وعاشها طولا وعرضا، بات أقصى أحلامه فيها أن يسير على قدميه، وهي رسالة كان يمكن بزعمي قولها في الثلث الأخير من النص دون ما تقدم من تفاصيل جلدت البطل ولم تقدم كبير خدمة للفكرة


فهمت فيما تلا من الردود أن النص كان ألبوم صور لوالدكم تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته وضاعف له في حسناته وتجاوز عن سيئاته بمنّه وكرمه
ولهذه الحقيقة تحديدا فقد ترددت كثيرا في التعليق
فاعذرني أديبنا إن كان في تصريحي ما يزعجك

دعائي للفقيد بالرحمة ولكم ببره ميتا فوق ما ببرتموه حيا

دمت بخير

تحاياي

نداء غريب صبري
05-07-2014, 05:42 PM
لا أعرف لماذا لاقت الشخصية رفضا من القراء
أنا رأيت في البطل شخصية قوية مؤمنة مثابرة ذات أثر فيما حولها
وشخصية تستحق الاحترام

والقصة جميلة ومؤثرة جدا

شكرا لك أخي

بوركت