تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العشرون من نيسان



سامية الحربي
18-04-2014, 10:22 AM
_ " الجرافات في طريقها لقصر الشيخ خزعل !!"

صرخ علي في وجه زملائه في الصف. قفز خليل من مكانه ليضع يده على فم علي و بالفارسية وجه له الكلام: " اصمت! اصمت ماذا بيدنا؟ "
أبعد يد خليل عنه ورد مستنكرا بالعربية : ماذا بيدنا ؟ لا شيء!! نجلس على هذه المقاعد المهترئة ، نستمع لأكاذيب تأريخ ليس تأريخنا ، ندرس لغة محتلنا ، نحني جباهنا و نلتقط قمامتهم ، و المحظوظ فينا من يتكرمون عليه بمقعد في جامعتهم ليعود عميل أو جاسوس على أهلنا !!
حدقت أزواج من الأعين فيه. كانت تدرك هذا الكلام ... يختلج في صدورها... يعمل فيهم عمل الهواء في أرواحهم لكن النطق به جهرا ضرب من الإنتحار.
وقف علي في منتصف الصف وقال : من سيذهب معي لوقف هذه الجرافات ؟؟
كان الجواب أفواه فاغرة و نظرات مستنكرة ، لكن علي لا يرَ غير قصر الشيخ خزعل و الأقدام التي تستحث الخطى لمحوه عن الوجود .
قال خليل بتردد : لن أذهب. لست مستعدا لحبل المشنقة بعد. إن سجنتَ، فإن لدى أهلك ما يكفي لدفع غرامة خروجك.
تجاهل علي الرد عليه، و غير نغمة حديثه لتكون للتوسل أقرب: هل تعلمون ماذا يعني أن يهدموا قصر الشيخ خزعل ؟ يعني 89 سنة من الإحتلال توجت بهذا الهدم. لن يبقَ من يتذكر أننا كنا يوما دولة ذات سيادة ، ذات كيان مستقل!!
نظر إلى تلك الوجوه الشاحبة تأملها للحظات و أمّل، لكن أحدا لم يقف بل أعين تتجنب النظر إليه و تهوي إلى الأرض. زم شفتيه بغضب سحب حقيبته ثم قفز من النافذة.
ركض بأسرع ما يمكنه .اختبأ خلف كومة قش بجانب نخلة عطشى . تربض الجرافات في ساحة القصر كتنين يكتم لهبه. لم يشرعوا في الهدم بعد . سأل نفسه:هل أتيت لأشاهد بنفسي كيف يهدمون القصر؟
"ماذا بيدنا" تذكر اعتراض خليل.
شعر بيد تمسك كتفه. جاهد ليلتفت. كان حاتم، و رضوان ، وعاشور يصطفون منحنين خلف النخلة العطشى و ابتسامة وجلة على وجوههم تطمئنه.
قال عاشور بصوت خفيض وهو ينظر إلى عينيه : لم نستطع أن نقول شيئا في الصف أنت تعرف ... أشعر بأنه لا فائدة من أي شيء قد نفعله لكن ... قلنا ماذا نفعل ؟
- لابد أن نعطل عمل الجرافات ، نحتاج إلى مسامير، قطع حديد ، إطارات ، و بنزين. سيظنون أن المهدي غاضب عليهم !!
كتموا ضحكاتهم. انبرى عاشور وحسن لذهاب لإحضار ما يحتاجونه. و لما جن الليل تسلل علي و ملأ باحة القصر وعتباته بالمسامير و غرس بعض قطع من الحديد بين عتلات وشفرات الجرافات.

*************
"بقي على الإنتفاضة النيسانية يومان فقط أليس كذلك؟" قال علي لأخيه الأكبر حسن.
حسن في الخامسة و الثلاثين من عمره. كل ما يعرفه الناس عنه أنه حصل على أعلى الدرجات، و تخرج من جامعة مرموقة في عاصمة المحتل ، لكنه فشل في الحصول على وظيفة فرجع للمحمرة ليساعد والده في مزرعته.
-لماذا تسأل يا علي؟
اتكأ علي على كوعه وهو مستلقي و قال -هل تذكر الشهيد ريسان ؟
- ومن ينساه ! قال حسن وهو يحدق في النجوم المتلألئة في السماء بوضوح.
- لا أعرف لماذا اليوم استيقظت على صورته وهو يقبل حبل المشنقة ؟! هل الشنق مؤلم يا حسن؟
- "لا أعلم, و لا أريد أن أعلم" رد وهو يفرك سبابته بإبهامه بعصبيه حاول أن يخفيها.
- كنتَ صديق للشاعر هاشم شعباني، أليس كذلك؟
- لا ! أقصد الشهيد هاشم كان يؤمن بأن النضال السلمي سيؤدي نتيجة مع العدو و مع هذا أعدموه .
- و أنت؟
- ماذا؟
- أريد أن التحق إليكم.
- أنت وعدت بأن تلزم الصمت و ها أنت تنقض وعدك.
- أنا لم أنقضه فقط أريد أن أكون معكم. لم أعد أحتمل.
- عليك أن تبقى مع والدي إن حصل لي شيء.
- أسمع يا حسن! إن لم ألتحق بكم ستسمع بخبر شنقي في القريب العاجل. لا أريد أن أموت على مشانقهم.
- ماذا تقول؟
- لقد تحدثت في الصف عن هدم قصر الشيخ خزعل وقمت مع أصدقائي بتعطيل الجرافات وحرق أحدها.
- هل جننت؟
- نعم جننت لذا لابد أن أنضم إليكم.

**************************

العشرون من نيسان
الشوارع تمتلئ بالهتافات المنددة بالإحتلال , و الإعتقالات على قدم وساق. مشهد يحفر أخاديده بعمق في سجن كبير كان في أحد الأيام فردوسًا يستلقي بكبرياء على سواحل الخليج العربي و تطلق السفن البريطانية و البرتغالية المدافع تحية له إجلالاً ترجو بها الإذن بالعبور .
تقف رافعة من شركة هونداي اليابانية مطأطئة الرأس رغم أن قائدها يرفع الجثة المعلقة في طرفها لتوازي أشعة الشمس المتدفقة من كبد السماء و صوت أحد الضباط في الأسفل يأمره بأن يرفعها أكثر، فينتشي كلاهما.
يقف علي وعاشور على منصة ارتفاعها متران معصوبي الأعين تلتف حول الأعناق حبل المشنقة، و محاطان بكتلة بشرية ، و التكبير يضج المكان.
- قال لي أنه سيأتي. يهمس علي بالعربية لعاشور.
لكن عاشور أعد حمامة روحه وكفنها, و أخذ يسرح بعيدًا عن حبل المشنقة الذي يلتف حوله كالأفعى، و بعيدا عن علي و وعوده ، و عن الأصوات الهادرة من حوله، عن أمه التي تقف أمامه و التي ألجمها مرآه، وعن الغد الذي لم ينتظره أبدًا .
_ هذا جزاء من يحارب الله ورسوله !! يصرخ الضابط بالفارسية مرارا في الجموع العربية الحاشدة الغاضبة. بعضهم ارتدى الزي العربي يتوارى خلف نقمته.
يبتلع علي ريقه بصعوبة. يتمنى فقط لو تزاح عن عينيه هذه العصابة لثوانٍ. والتفكير في حسن و وعده يرفعه و يخفضه. الجموع تقترب أكثر و أكثر من المنصة وصوت حسن يزداد وضوحًا يمسح على قلب علي.

مصطفى حمزة
21-04-2014, 06:39 AM
أختي الفاضلة ، الأديبة الفذّة النبيلة غصن
أسعد الله أوقاتك
قصّة قصيرة / طويلة .. مؤثّرة جداً عن مأساة الأحواز العربية السنّيّة .. القضيّة المهملة من ذاكرة ( العرب ) المهترئة !!
العدو نفسه والمجرم عينه والضحية ذاتها .. والساكتون هم هم .. !!
كنتِ قديرة باستخدام تقنيات القصّة القصيرة المتعددة : السرد والحوار والوصف ، بعاطفة مشبوبة مصاحبة لكل كلمة ..
كنت أتمنى ألا يشوبها ما شابها من أخطاء في اللغة كثيرة ..
تحياتي وتقديري

خلود محمد جمعة
23-04-2014, 10:00 AM
لا تنتهي قصص الوطن والشعب المحكوم عليه بالحرب قبل ان يولد
ولن يقفل سجل المقاومة
قصة مفعمة بالإحساس بسرد سلس واسلوب مائز
دمت بخير
مودتي و تقديري

ربيحة الرفاعي
13-05-2014, 01:24 AM
ذهبت لطهران في العام 1991 في رحلة عمل كلّف باستقبالي فيها موظف من الدرجة الثانية في الشركة التي كنت في زيارة إليها، وكان يحمل يافطة مكتب عليها اسمي كما هي العادة في استقبال ضيوف لا يعرف المستقبل صورهم، لكنه حال خروجي في بوابة القادمين نظر في وجهي قائلا بالعربية : السيدة رفاعي
وعندما سألته كيف عرفني قال بثقة ما زالت تزلزلني كلما تذكرتها : "وَلَوْ ... عرُبِي يعَرِف عرُبِية"
لقد كان من الأحواز ولم أكن أعرف عن الأحواز وأهلها ما يكفي وقتها فجعلني أستعلم واهتم لأعرف

أثارت قصتك شجنا وذكريات أيتها الرائعة

دمت والأمة بخير

تحاياي

رياض شلال المحمدي
13-05-2014, 10:01 AM
**(( وماذا عمّن يفعل ما لا تفعله الحيوانات ؟ وحين تسأله لماذا ؟ يقول
كي يعجّل الله بظهور " المهدي " ، بل هم كالأنعام بل أضلّ سبيلا ، ويا ليتها
كانت الأحواز وحدها ! ، فاليوم شرقنا العربي كله على شفا أن يكون كله أحوازًا
فأين العربُ والأعرابُ والأعاريب والأعارب ، بل أين المسلمون ؟؟ ، لك المجد والألق ، والسؤدد لليراع الجميل ، ورحم الله شهداء الأحواز العربية والأمة جميعًا ))**

عبد السلام دغمش
13-05-2014, 02:39 PM
نص جميل أعاد الى أذهاننا مأساة غابت طويلا أو غيبتها المصالح وبقي أهلها المستضعفون يقاسون ظلم من يزعم أنه نصير المستضعفين في الأرض.
بوركتم أديبتنا الفاضلة وسلم اليراع.
تقديري.

سامية الحربي
14-05-2014, 04:24 PM
أختي الفاضلة ، الأديبة الفذّة النبيلة غصن
أسعد الله أوقاتك
قصّة قصيرة / طويلة .. مؤثّرة جداً عن مأساة الأحواز العربية السنّيّة .. القضيّة المهملة من ذاكرة ( العرب ) المهترئة !!
العدو نفسه والمجرم عينه والضحية ذاتها .. والساكتون هم هم .. !!
كنتِ قديرة باستخدام تقنيات القصّة القصيرة المتعددة : السرد والحوار والوصف ، بعاطفة مشبوبة مصاحبة لكل كلمة ..
كنت أتمنى ألا يشوبها ما شابها من أخطاء في اللغة كثيرة ..
تحياتي وتقديري

و أسعد الله أوقاتك بكل خير أستاذي القدير مصطفى حمزة ممتنة للتعقيب الثري و التسديد.فكل الشكر و أطيب المنى و التحايا.

سامية الحربي
14-05-2014, 04:26 PM
لا تنتهي قصص الوطن والشعب المحكوم عليه بالحرب قبل ان يولد
ولن يقفل سجل المقاومة
قصة مفعمة بالإحساس بسرد سلس واسلوب مائز
دمت بخير
مودتي و تقديري

و دمتِ بخير الأديبة الكريمة خلود جمعة. بوركتِ. تحية مودة.

سامية الحربي
14-05-2014, 04:29 PM
ذهبت لطهران في العام 1991 في رحلة عمل كلّف باستقبالي فيها موظف من الدرجة الثانية في الشركة التي كنت في زيارة إليها، وكان يحمل يافطة مكتب عليها اسمي كما هي العادة في استقبال ضيوف لا يعرف المستقبل صورهم، لكنه حال خروجي في بوابة القادمين نظر في وجهي قائلا بالعربية : السيدة رفاعي
وعندما سألته كيف عرفني قال بثقة ما زالت تزلزلني كلما تذكرتها : "وَلَوْ ... عرُبِي يعَرِف عرُبِية"
لقد كان من الأحواز ولم أكن أعرف عن الأحواز وأهلها ما يكفي وقتها فجعلني أستعلم واهتم لأعرف

أثارت قصتك شجنا وذكريات أيتها الرائعة

دمت والأمة بخير

تحاياي

نعم . الأحوازيون من أكثر العرب إعتزازا و ولاءًا للعروبة نتيجة لسياسة التفريس ضدهم. و إن كنت ضد المناداة بالقومية لكن أتفهم ذلك من جانبهم.مرورك زادني تشريفًا الشاعرة و الأديبة القديرة ربيحة الرفاعي. تحية و تقدير وشكر.

سامية الحربي
17-05-2014, 07:30 PM
**(( وماذا عمّن يفعل ما لا تفعله الحيوانات ؟ وحين تسأله لماذا ؟ يقول
كي يعجّل الله بظهور " المهدي " ، بل هم كالأنعام بل أضلّ سبيلا ، ويا ليتها
كانت الأحواز وحدها ! ، فاليوم شرقنا العربي كله على شفا أن يكون كله أحوازًا
فأين العربُ والأعرابُ والأعاريب والأعارب ، بل أين المسلمون ؟؟ ، لك المجد والألق ، والسؤدد لليراع الجميل ، ورحم الله شهداء الأحواز العربية والأمة جميعًا ))**

الأمة تُباع أرضا أرضا لكسرى و ابنه المهدي المنتظر وكل يوم أحواز في طي النسيان. وكما ذكرت شاعرنا القدير هذا مذكور في تلمودهم لا يقوم قائمهم حتى ....
ولا العرب ولا المستعربون ولا الأعاريب تلوح لهم بادرة فقط أصمت و انتظر الفناء .تقديري لوعيك العميق الشاعر الفاضل رياض شلال المحمدي. تحياتي.

سامية الحربي
05-06-2014, 05:29 PM
نص جميل أعاد الى أذهاننا مأساة غابت طويلا أو غيبتها المصالح وبقي أهلها المستضعفون يقاسون ظلم من يزعم أنه نصير المستضعفين في الأرض.
بوركتم أديبتنا الفاضلة وسلم اليراع.
تقديري.

أصبت كبد الحقيقة الأحواز ورقة التوت التي تسقط دجل من يزعمون أنهم حماة المستضعفين. بوركت و سلمت الشاعر القدير عبدالسلام دغمش. تحياتي.

علاء سعد حسن
05-06-2014, 08:15 PM
هو مشهد من قصة حمراء في أرض خضيبة
كتبت وقائعها على جدر مضرّجة رهيبة
قد شادها الطغيان أكفانا لعزتنا السليبة
مشت الكتيبة تنشر الأهوال في إثر الكتيبة
والناس في صمت وقد لجمت لسانهم المصيبة

حتى صدى الهمسات غشاه الوهن
لا تنطقوا إن الجدار له أُذن
وتخاذلوا والمجرمون نعالهم فوق الجباه
كسياط جزار وهل تستنكر الذبح الشياه ؟!
الشاعر هاشم الرفاعي



ويمضي التاريخ وتتكرر القصة .. وتتعدد البلدان.. ويتغير أبطال الرواية على المسرح.. ويتبدل الجمهور أيضا.. لكن العرض ما زال هو هو ..

شكرا جزيلا اختاه..


وتظل المراجعة اللغوية مهمة جدا للنص

مصطفى الصالح
05-06-2014, 08:56 PM
هو مشهد من قصة حمراء في أرض خضيبة
كتبت وقائعها على جدر مضرّجة رهيبة
قد شادها الطغيان أكفانا لعزتنا السليبة
مشت الكتيبة تنشر الأهوال في إثر الكتيبة
والناس في صمت وقد لجمت لسانهم المصيبة

حتى صدى الهمسات غشاه الوهن
لا تنطقوا إن الجدار له أُذن
وتخاذلوا والمجرمون نعالهم فوق الجباه
كسياط جزار وهل تستنكر الذبح الشياه ؟!
الشاعر هاشم الرفاعي



ويمضي التاريخ وتتكرر القصة .. وتتعدد البلدان.. ويتغير أبطال الرواية على المسرح.. ويتبدل الجمهور أيضا.. لكن العرض ما زال هو هو ..

شكرا جزيلا اختاه..


وتظل المراجعة اللغوية مهمة جدا للنص


والناس في صمت وقد لجمت لسانهم المصيبة

والناس في صمت وقد عقدت لسانهم المصيبة

رائع أنت

تقديري

مصطفى الصالح
05-06-2014, 08:59 PM
هكذا تكون الفكرة النبيلة السامية

قص جميل بكامل التقنيات وأسلوب رائع

الأحواز العربية تئن تحت جبروت الفرس

العرب يئنون تحت جبروت حكامهم

الغرب منتش، أمريكا وروسيا والصين مستوردون أقوياء لاستهلاكنا..

هناك بعض سهوات يرجى تداركها

أبدعت

كل التقدير

لانا عبد الستار
20-08-2014, 01:14 AM
العرب يعيشون في الأحواز مواطنين كغيرهم وليس هناك تمييز مذهبي كما يشاع
القصة عموما جيدة الأسلوب والطرح

أشكرك

ناديه محمد الجابي
05-05-2022, 10:24 AM
سرد جميل لقضية الأحواز العربية السنية بتضصوير معبر وأسلوب رصين
وعرض واضح بجمال في الوصف وروعة الإحساس ولمسة الصدق فيه
رحم الله شهداء الأحواز العربية
وشكرا لك على روعة حرفك الهادف.
:009::004::002: