تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الغرفة 303



هشام النجار
22-04-2014, 01:48 PM
صوت طرق الحديد ودخان يتصاعد أمام شباك الغرفة والسيارات المتراصة أشعلت الأرض حول البنايات المرتفعة بالألوان ، والجسد ممدد والغرفة باردة والأعين شاردة والأنفاس محبوسة والمجهول مرسوم على ملامح الجميع والسرير يئن من قسوة الألم .
فى الطابق الثالث من المستشفى تطل الغرفة على مساحة واسعة من أرض فضاء تربض على فراغاتها بقايا متناثرة لمنزل قديم يشبه القصر يقترب تصميمه من الطراز الانجليزى ، وتقف المستشفى بجوار الأرض الفضاء التى تفصلها عن الطريق الرئيسى كعلامة استفهام فى نهاية سؤال حائر حول الزمان والمكان والتضاريس وحول التاريخ والمستقبل والمصير .
فى الأرض الفضاء تدخل سيارات وتخرج ويجد أناس غرباء بغيتهم فى المنفعة العابرة ، رجل يأوى بسيارته الفارهة وآخر بالكارو وسيدة من الريف تستريح وعلى رأسها سبت أصفر فاقع مغطى بجلابية متهالكة ، ويدخل خلق كثيرون الى المستشفى ويخرجون على كل الأشكال والألوان ، والسؤال عالق فى الأفق يشتكى ضمن شكاواه تقصير المارة العابرين على هامش الأحداث فى ربط تاريخ الانسان ومصيره بتاريخ ومصير المكان .
السيارات التى تعاركت منذ برهة على أسبقية المرور فى الشارع الضيق المحازى للمستشفى من الجهة اليمنى تتصالح فى المساحة الواسعة بالأرض الفضاء ، وينقل الميكانيكى نشاط ورشته فى اصلاح سيارة أو سيارتين بجانب طلل باق من القصر العتيق والحداد حجز زاوية لفرنه أمام ورشته مباشرة ، ونشط صبيانه فى تجهيز الأعواد للطرق بالحرق وتليين الصلب بالنار .
اشتعل رأس الحداد شيباً وانحنى ظهره لكنه يحتفظ بقوته ونشاطه بثياب سوداء قديمة يبدو أنه لم يبدلها منذ سنين مضت ، بوجه صغير فى حجم قبضة اليد يضج بالمتناقضات بالقوة والضعف والطيبة والقسوة والوضوح والمكر والتسامح والعناد كحال المدينة الكالحة التى تتزين بالبهجة وداخلها مطلى بالسواد .
المستشفى تشاهد وتتابع بقامتها المرتفعة وتبتلع بشراً وتضخ آخرين ، وهو فوق سريره الحديدى الأبيض فى غرفته الباردة يبتلع الدواء فى صمت ويتقبل ما يصنعونه به فى استسلام أسطورى غامض ، ولا حديث عن معركته وحربه التى يخوضها ، انما تتحدث الصورة والحركات والنظرات والصمت الطويل .
الصمت يلعب دور البطولة فى ادارة الحوار الانسانى ، وقد تجمعوا حول بطلهم يتلمسون همسه ، يخرجون ويدخلون ، يشترون ويأكلون ويقصون الحكايات ، ينشطون حول السرير الحديدى الأبيض وينامون خلفه ، لا روائح محاليل ولا دم ولا دواء رغم وفرتها فى الغرفة على زاوية السرير اليسرى وفوق الكوميدينو الصغير الأبيض ، وحركة لا تمل ولا تهدأ للأطباء والممرضات ، وتطغى روائح الدعاء والذكر والتسابيح ويرتفع صوت الشيخ عبد الباسط مرتلاً من موبايل حديث وترتفع فى وهن يدا صاحب السرير الى السماء ، والصخب يطغى على الشارع وأصوات الباعة تتداخل وقد ضعفت ونحفت يد الحداد العجوز لكنها لا تزال قادرة على الصعود بالمطرقة والنزول بها ساحقة على رأس الأسياخ المحترقة .
ملتفون حوله يفتنه الصمت ويغويه ، لا يشاركهم الحديث والضحك ، مرسوم وجهه على لوحة الألم فى مجد لا تحظى به لوحات المشاهير متقمصين هول اللحظة وعظمة الحدث ، يتجاوب مع ملكوت خارج فضاء الغرفة الباردة الضيق ، فيما هم غارقون فى ملكوتهم ، يتحينون رؤية ابتسامته ويمنحها خلسة على غير موعد للأطفال .
راض عما يصنعونه ويدعو لهم فى وهن ويطلب رؤيتهم واحداً واحداً ، ويراوحون الوقوف أمامه ، يتبادل معهم الأمنيات ويشيح بوجهه وتسقط دموعه بسلاسة عند الحديث عن الذكريات أو ورود أفكار عن شكل المستقبل والمصير .
يحملونه بحذر وثبات وتصرخ أركان السرير فور تركه وحيداً وتستسلم الغرفة لمشاعر الغربة مع زائرين جدد ، وفى المسافة بين الغرفة والمصعد يعود ببصره الى الخلف من بين الأيدى المتشابكة ويردد بلسانه رقم الغرفة .
يسرعون به الى مكان السيارة ، ويحتوى تضاريس المكان بعينين خبيرتين ويحتفل بالأصوات والألوان ويتفكر ويميل برأسه وبصره يميناً وشمالاً والى أعلى ويشبك أصابع يديه ، ويدرس فى صمت وتأمل جغرافيا المنطقة ويبدى دهشته لواقع الأرض الفضاء .
يستقر فى سيارته ممدداً ويطلب التوقف أمام ورشة الحداد .
يسأل الحداد العجوز عن صاحب الأرض الفضاء .
كان صديقى وهو من تبرع بأرض المستشفى فى مرض موته .. يجيبه بعد نظرة تأمل سريعة وتنهيدة مكتومة .
ولماذا هذه الأرض هكذا بدون تعمير فى هذا الموقع النادر ؟
بين أبنائه خلافات .
أين هم ؟
لم أرهم منذ آخر مرة ، كانوا ملتفين حوله صامتاً فى غرفة واسعة كانت تطل على شارع المستشفى من غرف القصر .
أشار بيده شاكراً ومضت السيارة ، وسمعهم يتحدثون عن برنامج اليوم والأحداث ، فيمَ كان يردد بلسانه دون صوت رقم الغرفة .

كاملة بدارنه
27-04-2014, 04:56 PM
ولماذا هذه الأرض هكذا بدون تعمير فى هذا الموقع النادر ؟
بين أبنائه خلافات .
أين هم ؟
لم أرهم منذ آخر مرة ، كانوا ملتفين حوله صامتاً فى غرفة واسعة كانت تطل على شارع المستشفى من غرف القصر .
أشار بيده شاكراً ومضت السيارة ، وسمعهم يتحدثون عن برنامج اليوم والأحداث ، فيمَ كان يردد بلسانه دون صوت رقم الغرفة .

مؤسف أن يصل الجشع إلى هذا الحدّ
لابدّ أنّه خاف من المصير نفسه ... تتوالى الأيّام بأحداثها المتشابهة
قصّ لعب فيه الوصف دورا كبيرا وجاء موازيا لحالة الصّمت التي عاشها البطل
قصّة اجتماعيّة هادفة
بوركت
تقديري وتحيّتي

ربيحة الرفاعي
14-05-2014, 01:09 AM
موجع أن يسمع عجوز يعد متاعه للسفر النهائي ما آل إليه حال أبناء من أنطلق فيه من صحبه
وأن يستولي عليه من ذلك الخوف أن يكون لأبنائه ذات المصير

سرد امسك بخيوط الحبكة بدقة، ونفس ومهارات وصف روائية رسمت المكان في صورة حيّة بدرجة ملفتة
النص كان مؤثرا وفكرته عميقة


دمت بخير أيها لافاضل

تحاياي

مازن لبابيدي
14-05-2014, 06:25 AM
قصة عميقة التأثير جميلة السرد والوصف .

الحبكة قوية وتفتح مع الخاتمة بابا للتأويل

أتراه كان أحد أولائك الأبناء الذين تركوا أباهم صاحب القصر ، وما دلالة رقم الغرفة ، أهذا كل ما بقي لهم ، غرفة في مستشفى يطل على أرض خالية ؟!

كان صاحب القصر غنيا كريما أعطى بسخاء ولكن أبناءه تخلوا عنه ، ربما أفسدهم المال والسعة والنفوذ ، فآل الملك إلى غيرهم . وهاهو أحدهم في مرضه الشديد يغادر المستشفى ويتخلى عن العلاج والدواء ويجأر هو وذويه إلى الله وحده طالبا منه الشفاء لتبقى غرفة المستشفى التي أقام بها مضطرا مجرد رقم لزمن ولى ولن يعود .

أخي الأديب الحبيب هشام النجار ، ربما أخذتني قصتك ، أو أخذتها ، إلى أبعد مما ينبغي ، لكنها ولدت في نفسي هذه المعاني .

أحييك ولك وافر التقدير

أ

هشام النجار
14-05-2014, 11:05 AM
ولماذا هذه الأرض هكذا بدون تعمير فى هذا الموقع النادر ؟
بين أبنائه خلافات .
أين هم ؟
لم أرهم منذ آخر مرة ، كانوا ملتفين حوله صامتاً فى غرفة واسعة كانت تطل على شارع المستشفى من غرف القصر .
أشار بيده شاكراً ومضت السيارة ، وسمعهم يتحدثون عن برنامج اليوم والأحداث ، فيمَ كان يردد بلسانه دون صوت رقم الغرفة .
مؤسف أن يصل الجشع إلى هذا الحدّ
لابدّ أنّه خاف من المصير نفسه ... تتوالى الأيّام بأحداثها المتشابهة
قصّ لعب فيه الوصف دورا كبيرا وجاء موازيا لحالة الصّمت التي عاشها البطل
قصّة اجتماعيّة هادفة
بوركت
تقديري وتحيّتي

راقنى جداً حضورك وتوقيعك الثرى على هذا النص سيدتى الفاضلة .. وبالفعل الأيام متشابهة والأحداث سلسلة متصلة زماناً ومكاناً وأشخاصاً ، ولذلك تعلق برقم الغرفة ومكاننها ، فربما - بل يقيناً - يسكنها بعده من له قصة شبيهة أو صاحب اشكالية وقضية وحدوتة تمثل حلقة جديدة من سلسلة الأحداث الانسانية المفعمة بالأوجاع والملتهبة بالصراعات .
شكراً جزيلاً لهذا الحضور الذى يشرفنى ويسعدنى دائماً لأديبة كبيرة وقلم متميز .
تحياتى وتقديرى .

هشام النجار
14-05-2014, 11:09 AM
موجع أن يسمع عجوز يعد متاعه للسفر النهائي ما آل إليه حال أبناء من أنطلق فيه من صحبه
وأن يستولي عليه من ذلك الخوف أن يكون لأبنائه ذات المصير

سرد امسك بخيوط الحبكة بدقة، ونفس ومهارات وصف روائية رسمت المكان في صورة حيّة بدرجة ملفتة
النص كان مؤثرا وفكرته عميقة


دمت بخير أيها لافاضل

تحاياي

عظيم التقدير وفائق التحايا لأستاذتنا الكبيرة الأديبة القديرة ربيحة الرفاعى .
أزداد فخراً وتيهاً عندما تقع عيناى على حرفك معالجاً نصاً من نصوصى ، يكفى هذا للنص اكراماً وتكريماً .
بوركت سيدتى الكريمة وأمدك الله تعالى بمدد من عنده لتسمعى الدنيا اللاهية صوت الابداع الراقى والفكر المستنير .
تحياتى وتقديرى .

هشام النجار
14-05-2014, 11:14 AM
قصة عميقة التأثير جميلة السرد والوصف .

الحبكة قوية وتفتح مع الخاتمة بابا للتأويل

أتراه كان أحد أولائك الأبناء الذين تركوا أباهم صاحب القصر ، وما دلالة رقم الغرفة ، أهذا كل ما بقي لهم ، غرفة في مستشفى يطل على أرض خالية ؟!

كان صاحب القصر غنيا كريما أعطى بسخاء ولكن أبناءه تخلوا عنه ، ربما أفسدهم المال والسعة والنفوذ ، فآل الملك إلى غيرهم . وهاهو أحدهم في مرضه الشديد يغادر المستشفى ويتخلى عن العلاج والدواء ويجأر هو وذويه إلى الله وحده طالبا منه الشفاء لتبقى غرفة المستشفى التي أقام بها مضطرا مجرد رقم لزمن ولى ولن يعود .

أخي الأديب الحبيب هشام النجار ، ربما أخذتني قصتك ، أو أخذتها ، إلى أبعد مما ينبغي ، لكنها ولدت في نفسي هذه المعاني .

أحييك ولك وافر التقدير

أ

أما أنت سيدى الكريم أستاذنا المبدع والأديب القدير مازن لبابيدى فأنا عاجز عن شكرك بالفعل ، فقراءتك لامست حقيقة النص وروحه وكشفت غاياته ووصلت الى عمق أعماقه بعبارات سهلة واضحة كاشفة وباختصار غير مخل .
لا تعليق لدى على ما تفضلت به سعادتكم ، فما قلته أنت هنا هو بالضبط ما أدت قوله فى النص .
شكراً جزيلاً على هذا الحضور الذى شرفنى وأسعدنى وعلى هذه القراءة الدقيقة والمميزة .
تقديرى وخالص دعواتى .

خلود محمد جمعة
05-06-2014, 09:34 AM
هل كانت حلقة الوصل بين الذكريات والمستقبل الذي بدأت تظهر ملامحه هي رقم الغرفة
وصف دقيق وتصوير الحس المتلازم بالمكان والزمان بيراع يجيد الرسم حد الابداع
تبدأ العزف بسلاسة الى ان نعيش اللحن بكل تفاصيله
دام التميز
مودتي وتقديري

هشام النجار
05-06-2014, 11:12 PM
هل كانت حلقة الوصل بين الذكريات والمستقبل الذي بدأت تظهر ملامحه هي رقم الغرفة
وصف دقيق وتصوير الحس المتلازم بالمكان والزمان بيراع يجيد الرسم حد الابداع
تبدأ العزف بسلاسة الى ان نعيش اللحن بكل تفاصيله
دام التميز
مودتي وتقديري

بالفعل استمتع بهذا اللون من الفن وانا أؤديه سيدتى الكريمة المبدعة الكبيرة خلود
ويسعدنى أكثر هذا التجاوب الراقى من ذوى ذائقة فنية وادبية وفكرية عالية مثلك
شكرا جزيلا .. تحياتى وتقديرى

لانا عبد الستار
31-07-2014, 01:02 AM
الأسلوب جميل والحبكة قويّة
والقصة بفكرة مؤثرة ومميزة

أشكرك

ناديه محمد الجابي
31-07-2014, 08:28 PM
في نص بديع وسرد وصفي بقلم قدير رسمت لنا المشهد
بمهارة وحرفية وتصوير واقعي لنعايش الحدث من داخله
لنشارك بطل قصتنا صمته ودعاؤه ، ونري ملامح الألم
المرتسمة على وجهه ، ودموعه المتساقطة عند الحديث عن الذكريات.
أميل كثيرا لرأي د. مازن وتحليله ، فهو التبرير المنطقي لأحداث القصة.
شكرا لك على وجبة دسمة وقصة جميلة عميقة الفكرة مدهشة، وأسلوب
متمكن... ولا عجب فأنت قدير يطيعك القلم وترضخ لك الحروف
تحية لك بحجم روعة قلمك.

هشام النجار
02-10-2014, 07:45 AM
الأسلوب جميل والحبكة قويّة
والقصة بفكرة مؤثرة ومميزة

أشكرك

شكراً جزيلاً أستاذة لانا بارك الله فيك وسدد خطاك
كل عام وانتم بخير وصحة وسعادة وابداع وتقدم
خالص تحياتى وأطيب أمنياتى

نداء غريب صبري
29-12-2014, 09:01 PM
قصة مؤثرة كتبتها أخي بأسلوب جميل شدنا بقوة كما شدتنا الفكرة
أثرت بي وأمتعتني قراءتها

شكرا لك

بوركت

هشام النجار
10-02-2015, 08:09 AM
في نص بديع وسرد وصفي بقلم قدير رسمت لنا المشهد
بمهارة وحرفية وتصوير واقعي لنعايش الحدث من داخله
لنشارك بطل قصتنا صمته ودعاؤه ، ونري ملامح الألم
المرتسمة على وجهه ، ودموعه المتساقطة عند الحديث عن الذكريات.
أميل كثيرا لرأي د. مازن وتحليله ، فهو التبرير المنطقي لأحداث القصة.
شكرا لك على وجبة دسمة وقصة جميلة عميقة الفكرة مدهشة، وأسلوب
متمكن... ولا عجب فأنت قدير يطيعك القلم وترضخ لك الحروف
تحية لك بحجم روعة قلمك.

الشكر الجزيل وعظيم الامتنان والتحيات والتقدير لسيدة القلم المبدعة الراقية نادية الجابى
خالص التحية
واطيب الامنيات يا صاحبة الفكر والابداع الراقى