تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : معينةُ الدَّمعِ



رشاد حلو
07-05-2014, 05:24 PM
معينةُ الدَّمعِ
رفعَت رَأسَها، تَنظرُ حالمَةً، راضيَةً بما قسمَهُ اللهُ لها، تُردِّدُ "لا حولَ ولا قوَّةَ إلّا بِالله"، تبدو كأنّها في يوبيلِها الثالِثِ، قمريَّةُ التّصويرِ، طلقَةُ المُحيّا.
تنظُرُ إلى صورةٍ أخيرَةٍ خلَّفَها الدمارُ لها.
التصقت المسبحَةُ تأبى مفارَقَةَ يدِها، وأناملُها تداعبُها، تجرّعَت من العِلمِ الكَثيرَ رغمَ أنّها في الثُلثِ الأوَلِ من مشوارِها التَّدريسيِّ.
الأَدَبُ حشوُ ملابِسِها، حِجابُها، عفَّتُها، وحسْنُ أخلاقِها يُشمَّرُ عنهم حينَ اللِّقاء.
دمعٌ معينٌ، يُمسَحُ من على وجنتَيها الوَرديَّتينِ، تارَةً بيدِها وتارةً بيد خالتِها أو عمَّتِها.
أنينٌ خفيفٌ يعلو المكانَ، تركَت هذا المكانَ واضعةً المسبحَةَ على منضَدَةٍ خشبيّةٍ يعلوها لوحٌ منَ الرُّخامِ، حين تلامَسَت الأحجارُ واللّوحِ صمتَ الأنينُ المُبهَمُ.
تلاحِقُها أعيُنُ الجالِسينَ، تمرُّ أمامَهُم ببطءٍ تمامًا مثلَ ذاكَ اليوم، ترتفِعُ المسبَحَةُ في يدي جدّتِها، يعودُ الأنينُ، ثم تختفي الفتاةُ عندَ نهايَة الرِّواقِ.
جَلسَت على سريرها، ولَم يَبقَ سوى يدِها لتَمسَحَ دمعَ عَينَيها.
أضاءَت شمعةً بينَ مسارب ذكرَياتِها عساها تُضيءُ لها أرشيفَ ما تَذكُرُهُ، تصفُّحٌ، تَقلُّبُ أوراقٍ، مَسحُ غبارِ الدَّمارِ المنطلقِ من كُلِّ صورَةٍ ماسيَّةٍ برّاقة.
دَمعٌ رقراقٌ ازدادَ عندَ مشهدٍ، عندَ سيمفونيَّةِ الكمانِ، تسمَعُ من خِلالِها صوتَ أبيها يَطلُبُ منها الخروجَ من الدّمارِ، فَتَخرُجُ لتحيا، ويدخُلُ للجنَّةِ إنْ شاءَ الله.
ذابَتِ الشَّمعَةُ وصوتُ السمفونيَّةِ ذاتُهُ.. بألَمٍ نامت، وتستيقِظُ على صوتِ "الله أكبَرُ، الله أكبَر". تخليلُ الماءِ بينَ أصابِعِها، صوتُ حزنٍ في مَضمَضَتِها، لِبسُها للحجابِ، واستقامَتُها، دعاءُ الأحبَّةِ للأحبّةِ في سجودِها، رقَّةٌ مُتناهيَةٌ في الإيمانِ.
شهمَةٌ كعادَتِها، خلقٌ لو مُزِجَ به البحرُ نفى ملوحتَهُ، يستحطُّ العصم بظَرفِهِا، عذبَةُ المساغ، أبَت الاعتِراضَ على قدَرِ اللهِ، ولم تَحزَن، "فإنَّ معَ العُسرِ يسرًا".
يا أيّتُها الرَّقيقَةُ، يا ابنةَ عروسِ البَحرِ، ارفعي رأسَكِ عاليًا يا مَن نَقرَأ في وَجهِها صحيفَةَ حُسنِ الشِّيمِ، وليَكُنِ اللهُ معَكِ.
فائضةُ الدَّمعِ هي، تمسَحُ دَمعَها بيدِها، و"الحمدُ للهِ" بنتُ شفَتِها، وعيناها معلّقتان على صورَةِ الحائِطِ من بعدِ الدَّمارِ.
إنَّ الله معكِ، فاصبِري وصابِري يا ابنةَ عكّا الصّامِدة...

أحمد الأستاذ
07-05-2014, 07:23 PM
الله!
نص أدبي رائق, بأسلوب متين, ولغة أخَّاذة..
فيه من القصة والتشويق والدراما ما يجعل صرخات الوجع تعلو وتعلو..
نثرت فأجدت؛ وأمتعت.
الأستاذ/ رشاد حلو
مبدع أنت
أهلا ومرحبا بك في واحتك أخي الكريم
دمت بخير

رشاد حلو
07-05-2014, 09:33 PM
الله!
نص أدبي رائق, بأسلوب متين, ولغة أخَّاذة..
فيه من القصة والتشويق والدراما ما يجعل صرخات الوجع تعلو وتعلو..
نثرت فأجدت؛ وأمتعت.
الأستاذ/ رشاد حلو
مبدع أنت
أهلا ومرحبا بك في واحتك أخي الكريم
دمت بخير

بارك الله فيك سيد أحمد وظلّكَ برحمته أخي
إنّ ما أنا عليه الآن يعود بفضلي كلِّه للمعلمة الفاضلة أطال الله بعمرها " كاملة بدارنة".
أرجو الله أن أكون عند حُسنِ ظنِّكُم جميعًا.
دمتُم خيرًا لهذه الأُمّة ووفقكم الله ورعاكم.

فاطمه عبد القادر
07-05-2014, 09:46 PM
يا أيّتُها الرَّقيقَةُ، يا ابنةَ عروسِ البَحرِ، إرفعي رأسَكِ عاليًا يا مَن نَقرَأ في وَجهِها صحيفَةَ حُسنِ الشِّيمِ، وليَكُنِ اللهُ معَكِ.
فلتَرفَعي رأسَكِ عاليًا يا ابنةَ الكرامِ ولتعلَمي أنَّ اللهَ معَكِ.


السلام عليكم
لم تنته حكايات النكبه ولن تنتهي أبدا ,
هذا نص جميل آخر يحدثنا عن عكا ,
ويلقي ضوءً آخر على صورة أخرى هناك ,
نص جميل ,لغة جميلة ,سبك جميل ,موضوع لا يموت .
شكرا لك أخي رشاد
وأهلا بك في واحتك
ماسة

ربيحة الرفاعي
07-05-2014, 10:03 PM
جميل يا رشاد
إطلالة مميزة وبطاقة تعريف رائعة أسعدتني
وقصة مكتوبة بعناية ومرسومة تفاصيلها ببراعة كاتب سيكون له شأنه في المشهد الأدبي .. أعدك بهذا إن وعدتني بالمثابرة لتصل ألى أرفع ما وصل إليه الكتاب

وددت الاعتناء قليلا بربط الجميل واستعمال علامات الترقيم للفصل بينها ، فنص كهذا يستحق أن يخرج للقارئ بأبهى حلّة

دمت بخير بنيّ


تحاياي

كاملة بدارنه
07-05-2014, 10:05 PM
أهلا بك طالبي النّجيب العزيز رشاد وبمشاركتك الأولى في واحتنا
وشكرا لك على كلماتك وذوقك الرّفيع
أتمنّى لك المزيد من الإبداعات والتّألّق
بوركت
تقديري وتحيّتي

رشاد حلو
07-05-2014, 10:10 PM
يا أيّتُها الرَّقيقَةُ، يا ابنةَ عروسِ البَحرِ، إرفعي رأسَكِ عاليًا يا مَن نَقرَأ في وَجهِها صحيفَةَ حُسنِ الشِّيمِ، وليَكُنِ اللهُ معَكِ.
فلتَرفَعي رأسَكِ عاليًا يا ابنةَ الكرامِ ولتعلَمي أنَّ اللهَ معَكِ.


السلام عليكم
لم تنته حكايات النكبه ولن تنتهي أبدا ,
هذا نص جميل آخر يحدثنا عن عكا ,
ويلقي ضوءً آخر على صورة أخرى هناك ,
نص جميل ,لغة جميلة ,سبك جميل ,موضوع لا يموت .
شكرا لك أخي رشاد
وأهلا بك في واحتك
ماسة


وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته
أبدأ بالحمد لله على كل شيء
وشكرًا لك أختي فاطمة واطال الله بعمرك لإبداعاتِكِ.

نداء غريب صبري
08-05-2014, 10:46 PM
الله الله
ما أجمل هذا أخي رشاد
نثر يكاد يكون قصة ولا يفقد جمال اللغة والتراكيب والصور

رائعة

شكرا لك أخي

بوركت

آمال المصري
10-05-2014, 08:49 PM
سرد أقرب للقصة نثرت فيه بأسلوب شائق راقٍ نبض من النكبة وماخلفته
شممت رائحة الرائعة الأخت القديرة كاملة قبل أن أقرأ اسمها في تعليقك فهنيئا لك بها أستاذة كبيرة وهنيئا لنا جمال حرفك
كانت بطاقة تعريف غنية فمرحبا بك في واحتك
تحاياي

رشاد حلو
10-05-2014, 10:09 PM
الله الله
ما أجمل هذا أخي رشاد
نثر يكاد يكون قصة ولا يفقد جمال اللغة والتراكيب والصور

رائعة

شكرا لك أخي

بوركت

دائمًا وأبدًا الحمدُ لله على نِعمَتِهِ .

بارَكَ الله فيكي أخت نِداء ووفقك الله لكلِّ خير.

بورِكتِ ودمتِ بخير

رشاد حلو
10-05-2014, 10:25 PM
سرد أقرب للقصة نثرت فيه بأسلوب شائق راقٍ نبض من النكبة وماخلفته
شممت رائحة الرائعة الأخت القديرة كاملة قبل أن أقرأ اسمها في تعليقك فهنيئا لك بها أستاذة كبيرة وهنيئا لنا جمال حرفك
كانت بطاقة تعريف غنية فمرحبا بك في واحتك
تحاياي


شكرًا لكريمِ مرورِكِ ولِكلامٍ مُستساغٍ

سأدخُلُ للجملَةِ الثانِيَةِ وأخرُجُ بصمتٍ، فلا ولَم أجد الكَلم الذي يقالُ بِأُستاذَةٍ عريقةٍ كالتي أحظى بها اليَومَ.

تَقديري وتَحيّاتِي

رشاد حلو
11-05-2014, 11:44 AM
جميل يا رشاد
إطلالة مميزة وبطاقة تعريف رائعة أسعدتني
وقصة مكتوبة بعناية ومرسومة تفاصيلها ببراعة كاتب سيكون له شأنه في المشهد الأدبي .. أعدك بهذا إن وعدتني بالمثابرة لتصل ألى أرفع ما وصل إليه الكتاب

وددت الاعتناء قليلا بربط الجميل واستعمال علامات الترقيم للفصل بينها ، فنص كهذا يستحق أن يخرج للقارئ بأبهى حلّة

دمت بخير بنيّ


تحاياي


أسعَدَكِ اللهُ يا مَن نرى في كتاباتِكِ جميلَ العِبَرِ، أعدُكِ بذلك أختي !

بارَكَ الله فيكِ ودمتِ بخير .

رشاد حلو
11-05-2014, 11:49 AM
أهلا بك طالبي النّجيب العزيز رشاد وبمشاركتك الأولى في واحتنا
وشكرا لك على كلماتك وذوقك الرّفيع
أتمنّى لك المزيد من الإبداعات والتّألّق
بوركت
تقديري وتحيّتي



بارَك الله فيكِ معلِّمَتي، وتَعلَمي أنّ مشاركاتي اولًا بفضلِ الله، وثانيًا بكرمِكِ علينا،
ثمَرَةُ تَعبِكِ نحن، وأنتِ لنا فخرُ.


تحاياي لكِ ودمتِ، ودامَ حرفُكِ لنا بخير.

د. سمير العمري
06-07-2014, 05:36 PM
جميل جميل!


من تكون الأديبة الكبيرة كاملة بدارنة أستاذته فلا بد أن يكون هذا مستواه.

هو نص مميز جدا لغة وطرحا ولا يخلو من شاعرية ، ولكني رأيته مصا قصصيا قد استوفى مقومات القص وأرى أن أنقله لقسم القصة حيث يجب أن يكون.

ودام هذا الألق الواعد يا بني وأنتظر منك المزيد من هذه النصوص الرائعة!

تقديري

لانا عبد الستار
01-09-2014, 11:24 PM
قصة جميلة ولغة رائعة
وهذا متوقع ومنتظر من تلميذ للأستاذة كاملة بدارنة
فكلنا نقرأ لها ونتعلم على يديها

أشكرك

خلود محمد جمعة
03-09-2014, 09:00 AM
بداية مضيئة
جمال في الصور والسرد ورهافة في الحس
من تتلمذ على يد استاذة عظيمة لابد أن يكون مبدعا
جهد ومثابرة مع طموح وإرادة ستحقق النجاح الباهر انشاء الله
دمت بخير
دعواتي

ناديه محمد الجابي
01-12-2023, 05:26 PM
نص جميل ومائز بسرديته الرائعة ولغته السامقة
قصة معبرة ومؤثرة ومؤلمة
نص ملفت بحسن أدائه وتمكن كاتبه من أدواته
السر كان موفقا والفكرة عميقة.
تحياتي وتقديري.
:001::001: