مشاهدة النسخة كاملة : بائع الخضروات
حارس كامل
09-05-2014, 07:28 PM
بائع الخضروات
==============
في المساء، دفع عربته أمامه بعد عناء نهار طويل باع فيه خضرواته حتى هده التعب. جر قدميه التي انبطحت على الأرض وأصبحت كخفي جمل. حاول أن يقهر خوفه، وزخات المطر التي تلاحقه بلا توقف. السماء ملبدة بغيوم سوداء، وتنذر بعاصفة رعدية شديدة. دندن بأغنية حزينة اعتاد أن ينشدها في الأوقات العصيبة.
بدت الشوارع أمامه خاوية من كل ما ينبض بحياة، والصمت خلف جدران البيوت كصمت القبور.
لم يبق سواها يسمع صوتها على استحياء: كلاب تنبح، وتحرك أذيالها، وسرعان ما تهرع خائفة لتختبئ من مجهول ليلة حالكة استولى فيها الظلام على كل شيء، وأعلن بسطته على كل امتداد.
تمشى في الشوارع التي امتدت وأصبحت بلا نهاية. فجأة رأى شيئا يبرق أمام عينيه، ويزداد لمعانا كلما اقترب منه.
حدثته نفسه بأن يواصل طريقه إلى بيته ليحتمي من خطر محدق يبشر به صوت الرعد المدوي في السماء، والذي لا ينقطع لحظة واحدة. بيد أن هاتفا همس في أذنيه جعله يتقدم نحوها. بدت له كلما اقترب منها كأنها كرة زجاجية تبهره بألوانها المتلألئة.
زرعت داخله شكا بأنها كنز، وقد تكون جوهرة نفيسة. تذكر أحاديث الناس عن الكنوز التي تخرج للمحظوظين. ترك عربته، واندفع نحوها بلا إرادة.
تراكضت الأفكار والأحلام في رأسه، وجد يحدث نفسه بفرح قائلا:
- غدا سأصبح من الأثرياء، وأنفض غبار الفقر عني!
وقف فوقها، ثم انحني والتقطها، وحملها بين يديه. لامسها بأصابعه، فانطفأت جذوة فرحته. لم تكن سوى خدعة كبرى زينتها أنوار البرق المتلاحقة.
قذفها بقوة، وغاص في بحر من الأحزان. شعر بأكوام الخيبة تثقل فوق كتفيه، حدث نفسه بصوت أقرب للبكاء:
- المتعوس متعوس!
وقبل أن يترك نفسه طويلا لأحزانه، تذكر عربته، فقال بنبرة قوية يشجع بها نفسه ويواسيها:
- ليس لي سوى عربتي!
عاد حيث تركها، لكنها لم يجدها في مكانها. تلفت يمينا ويسارا، ولا أثر لها. جن جنونه!
لا أحد سواه في الفضاء الواسع يصارع الأمطار والرعد. فأين ذهبت؟
قطع الشارع ذهابا وإيابا دون جدوى.
اختفت تماما وكأنها لم تكن.
جلس على الرصيف ووضع يديه فوق رأسه. رأي الدنيا تضيق حوله حتى كادت تطبق على جسده، وزخات المطر تواصل هطولها فوقه بلا هوادة.
حدق في السماء يبحث عن نجمة لامعة، عساها أن تبعث له أملا. لم ير غير السواد الممتد؛ فنظر إلى أديم الأرض الغارق بالماء بحسرة وألم.
عبد السلام دغمش
09-05-2014, 10:20 PM
يالهُ من مشهد مؤلم .. أملٌ سار إليه حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.
لكن الغيث يحمل بين دفقاته الخير .،ولو بعد حين.
من حقّ البائس على الأقل أن يحلم !
تقديري لكم وسلم اليراع.
آمال المصري
11-05-2014, 09:35 AM
أصبح حتى الحلم شحيحا ليس من حق البائس .. بل يأخذ قليله ويرحل به
لقطة مؤثرة تحاكي حال المعدومين بلغة جميلة وسرد ماتع
لكنه لم يجدها
شكرا لك أديبنا الفاضل
تحاياي
خلود محمد جمعة
13-05-2014, 11:37 PM
قصة مؤلمة لمن يلهثون وراء الحلم فلا يدركونه
وحاضرهم لا يمنحهم الا التعاسة
احدى صور الحاضر الملونة بالأبيض والاسود فقط التقطتها عين فنان
دمت بكل الخير
مودتي وتقديري
سامية الحربي
14-05-2014, 04:46 PM
ليس هناك أصعب من الفقر أكثر من أن يحرم الإنسان الأحلام. قصة جميلة بأسلوبها و وصفها. تحياتي وتقديري.
حارس كامل
24-05-2014, 11:16 AM
يالهُ من مشهد مؤلم .. أملٌ سار إليه حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.
لكن الغيث يحمل بين دفقاته الخير .،ولو بعد حين.
من حقّ البائس على الأقل أن يحلم !
تقديري لكم وسلم اليراع.
الشاعر الرائع عبد السلام دغمش
نعم هو السراب
شكرًا لقراءتك الرائعة
تحيتي
حارس كامل
24-05-2014, 11:18 AM
أصبح حتى الحلم شحيحا ليس من حق البائس .. بل يأخذ قليله ويرحل به
لقطة مؤثرة تحاكي حال المعدومين بلغة جميلة وسرد ماتع
لكنه لم يجدها
شكرا لك أديبنا الفاضل
تحاياي
الأديبة الكبيرة
آمال المصري
الحلم بات صعبا للفقراء وطريقهم بات مزروعا بالأشواك
تحيتي
حارس كامل
24-05-2014, 01:31 PM
قصة مؤلمة لمن يلهثون وراء الحلم فلا يدركونه
وحاضرهم لا يمنحهم الا التعاسة
احدى صور الحاضر الملونة بالأبيض والاسود فقط التقطتها عين فنان
دمت بكل الخير
مودتي وتقديري
القديرة خلود محمد جمعه
أشكرك على مرورك وتشجيعك الرائع
تحيتي
عدنان الشبول
25-05-2014, 01:45 AM
يعجبني في قسم القصص أن معضمها هو نقل للواقع وهذه واحدة منهن
بائع الخضروات صاحبنا ، مثله الكثيرون ، يجرون خلف أحلامهم المشروعة ولتعاستهم يخسروا حتى ما يملكونه مما قل .
لكن يبقى الأمل ... عساه بعد ليلة حالكة وماطرة يأتيه الفرج من حيث لا يدري
أسلوب قصصي ممتع
دمتم مبدعين
عبدالإله الزّاكي
26-05-2014, 01:53 PM
بائع الخضروات
==============
وقبل أن يترك نفسه طويلا لأحزانه، تذكر عربته، فقال بنبرة قوية يشجع بها نفسه ويواسيها:
- ليس لي سوى عربتي!
عاد حيث تركها، لكنها لم يجدها في مكانها. تلفت يمينا ويسارا، ولا أثر لها. جن جنونه!
لا أحد سواه في الفضاء الواسع يصارع الأمطار والرعد. فأين ذهبت؟
.
غالبا لا ينتبه الإنسان للخير الذي بين يديه و ينظر دائما إلى ما عند الآخر أو ما لديه.
قصة معبرة و هادفة حيكت بحرفية عالية.
تحاياي أديبنا المتألق حارس كامل و تقديري
الفرحان بوعزة
27-05-2014, 12:12 AM
بائع الخضروات
==============
في المساء، دفع عربته أمامه بعد عناء نهار طويل باع فيه خضرواته حتى هده التعب. جر قدميه التي انبطحت على الأرض وأصبحت كخفي جمل. حاول أن يقهر خوفه، وزخات المطر التي تلاحقه بلا توقف. السماء ملبدة بغيوم سوداء، وتنذر بعاصفة رعدية شديدة. دندن بأغنية حزينة اعتاد أن ينشدها في الأوقات العصيبة.
بدت الشوارع أمامه خاوية من كل ما ينبض بحياة، والصمت خلف جدران البيوت كصمت القبور.
لم يبق سواها يسمع صوتها على استحياء: كلاب تنبح، وتحرك أذيالها، وسرعان ما تهرع خائفة لتختبئ من مجهول ليلة حالكة استولى فيها الظلام على كل شيء، وأعلن بسطته على كل امتداد.
تمشى في الشوارع التي امتدت وأصبحت بلا نهاية. فجأة رأى شيئا يبرق أمام عينيه، ويزداد لمعانا كلما اقترب منه.
حدثته نفسه بأن يواصل طريقه إلى بيته ليحتمي من خطر محدق يبشر به صوت الرعد المدوي في السماء، والذي لا ينقطع لحظة واحدة. بيد أن هاتفا همس في أذنيه جعله يتقدم نحوها. بدت له كلما اقترب منها كأنها كرة زجاجية تبهره بألوانها المتلألئة.
زرعت داخله شكا بأنها كنز، وقد تكون جوهرة نفيسة. تذكر أحاديث الناس عن الكنوز التي تخرج للمحظوظين. ترك عربته، واندفع نحوها بلا إرادة.
تراكضت الأفكار والأحلام في رأسه، وجد يحدث نفسه بفرح قائلا:
- غدا سأصبح من الأثرياء، وأنفض غبار الفقر عني!
وقف فوقها، ثم انحني والتقطها، وحملها بين يديه. لامسها بأصابعه، فانطفأت جذوة فرحته. لم تكن سوى خدعة كبرى زينتها أنوار البرق المتلاحقة.
قذفها بقوة، وغاص في بحر من الأحزان. شعر بأكوام الخيبة تثقل فوق كتفيه، حدث نفسه بصوت أقرب للبكاء:
- المتعوس متعوس!
وقبل أن يترك نفسه طويلا لأحزانه، تذكر عربته، فقال بنبرة قوية يشجع بها نفسه ويواسيها:
- ليس لي سوى عربتي!
عاد حيث تركها، لكنها لم يجدها في مكانها. تلفت يمينا ويسارا، ولا أثر لها. جن جنونه!
لا أحد سواه في الفضاء الواسع يصارع الأمطار والرعد. فأين ذهبت؟
قطع الشارع ذهابا وإيابا دون جدوى.
اختفت تماما وكأنها لم تكن.
جلس على الرصيف ووضع يديه فوق رأسه. رأي الدنيا تضيق حوله حتى كادت تطبق على جسده، وزخات المطر تواصل هطولها فوقه بلا هوادة.
حدق في السماء يبحث عن نجمة لامعة، عساها أن تبعث له أملا. لم ير غير السواد الممتد؛ فنظر إلى أديم الأرض الغارق بالماء بحسرة وألم.
خضار متجول يكد في الحصول على لقمة عيشه ، لكنه مل هذه المهنة التي تكلفه جهداً كبيراً ، يحس أن حياته سوف تسير على وتيرة واحدة طول حياته .. فهو يعاني من قسوة العيش وقسوة الطبيعة عليه .. / متعوس/ وما غناؤه إلا وسيلة لتبديد مخاوفه وأحزانه ..
لتكسير خطية السرد عمد السارد إلى تغيير مسار خطاطته السردية بمفاجأة يعزز بها تماسك النص / رؤية ذلك الشيء اللامع / وهو حدث خارجي جاء كمنبه إلى حدوث تغيير في حياة الخضار ،بحيث نقله السارد من وضعية متأزمة إلى وضعية تتسم بالأمل والانفراج القريب .. ولكنه أصيب بانتكاسة كبيرة لما تبين أنه خاب في تحقيق حلمه وأمنيته ..
ليس لي سوى عربتي / عودة إلى الواقع مرة أخرى ،فأصبح مقتنعاً بمهنته ..كأنه عاد إلى المنطق السليم والممكن ..
لقد أعطى السارد للبطل فرصة للتحليق والابتعاد عن الواقع .. وضعية نسختها وضعية أخرى لما اكتشف أن عربته قد سرقت ..
نص أدبي تميز بسرد هادئ ، ولغة جميلة بعيدة عن الإيحاءات المغرقة في الرمزية ، مع تنحية الاستطراد في الكلام ..
جميل أن ينزل المبدع إلى الواقع المعيش ، ينبش ويدقق فيه ، يعيش محنة البسطاء والفقراء ،
نص أدبي يحفر في النفوس ، ويكشف ما تحت اللباس عن طريق الرؤية البصرية والحسية .. وذلك من أجل إنتاج أدبي إنساني ،وليس بالضرورة أن يكتب المبدع عن أصحاب القصور الفخمة ، والأحياء الراقية ، بل عليه أن ينزل بأدبه ويتعالى برؤيته دون أن يسقط في النقل المباشر ، وقد نجح نجيب محفوظ ويوسف إدريس ، وحنا مينة وغيرهم في رصد النفوس البشرية البسيطة فتركوا بصماتهم الإنسانية والأدبية .. ودون شك أن هذا النص الجميل قد ترك بصمته في نفوس القراء ..
جميل ما كتبت وأبدعت أخي حارس كامل ..
محبتي وتقديري .. الفرحان بوعزة ..
حارس كامل
28-05-2014, 10:24 PM
ليس هناك أصعب من الفقر أكثر من أن يحرم الإنسان الأحلام. قصة جميلة بأسلوبها و وصفها. تحياتي وتقديري.
الأستاذة غصن الحربي
أشكرك مرورك وثنائك لنصي المتواضع
تحيتي
حارس كامل
31-05-2014, 08:31 PM
يعجبني في قسم القصص أن معضمها هو نقل للواقع وهذه واحدة منهن
بائع الخضروات صاحبنا ، مثله الكثيرون ، يجرون خلف أحلامهم المشروعة ولتعاستهم يخسروا حتى ما يملكونه مما قل .
لكن يبقى الأمل ... عساه بعد ليلة حالكة وماطرة يأتيه الفرج من حيث لا يدري
أسلوب قصصي ممتع
دمتم مبدعين
الاستاذ عدنان
تحية معطرة لحضورك الوارف
في رأي أن الأدب الناجح هو الذي يخاطب الواقع
تحيتي
ربيحة الرفاعي
15-06-2014, 12:24 AM
لقطة بالغة الصدق بالغة العمق من قلب الواقع المعاش في تصوير قصّيّ موفق
دمت بخير
تحاياي
مصطفى الصالح
15-06-2014, 02:30 PM
سرقة كد وتعب المساكين أصبح ديدنا في بلادنا
فاللصوص أنواع.. وأكبر لص هي الحكومات والمافيات التي لا تشبع من عرق الفقراء
أما الغلو في الأحلام والركض خلف ربح سريع فهو أمر زائف سرعان ما تنكشف عورته
كعادتك متميز سردا وفكرة وأسلوبا
أبدعت
كل التقدير
نداء غريب صبري
09-08-2014, 04:15 PM
هناك مثل يقول عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة وهذا البائع لم يقنع بما في يده ولم يخطط لطموحه فلم يجد ما حلم به وفقد ما كان بيده وحينها فقط أدرك قيمته
قصة معبرة وتحمل الحكمة أخي فشكرا لك
بوركت
رويدة القحطاني
04-06-2015, 12:09 AM
يستحق هذه الخسارة من يتركون ما لديهم ليتبعوا أحلامهم
سردت بأسلوب مشوق قصة الخاسرين
وليد مجاهد
23-08-2015, 02:08 AM
العبرة التي في القصة غلبت جمال سردها وجعلتنا نعيش معها ونتأثر بها بقوة
لك تقديري
ناديه محمد الجابي
21-11-2016, 08:17 PM
لا أحد يستطيع منع الفقير من أن يحلم ..فهى متنفسه لتغيير عالمه إلى الأفضل
ولكن هل يستطيع الفقير ان يحقق أحلامه، أم إنها تبقى مجرد هلوسات.
رسمت بتميز لوحة المعاناة في سرد شائق لنص إنساني واقعي مؤلم
أحي قلمك المبدع. :001:
ناديه محمد الجابي
26-11-2023, 06:59 PM
قد كان حلم يقظة لكنه آفاق منه ليجده قد تبدد
آخذا معه الخيط الذي كان يربطه بالحياة.
قصة مؤلمة ومشهد موجع لقاص مبدع بارع
سلمت ودامت أحرفك.
:004::004:
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir