المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لبسوا القهر .. كوفية



حنان الزريعي
25-05-2014, 10:02 PM
لبسوا القهر .. كوفية



كتعويذة يتأرجح صوتها على جيد طمأنينة مزيفة .. أنهى اتصاله .. وكان صوتها الواهن .. آخر ما توضأت به روحه .
وقف حيث اجتمع بضع رجال ونساء .. وكلمات الغضب والاستياء تتقاذف فيما بينهم .. وعليه تلقف كرة حنقهم .. فالأعين صُوّبت نحوه كونه استطاع الاتصال بعائلته داخل المخيم الذي اقتحمه مسلحون منذ ستة أشهر .. أخبرهم بما قالته له زوجته .. وكم كان زهيداً ما عرفه منها .
اتكأ بجسده المنهك على حائط منزل .. امتلأ بآثار رصاص يُظهر حجم ما كان يحدث هنا .. في مخيم اليرموك .. تاهت نظراته بين سيارات إسعاف تابعة للهلال الأحمر وسيارات وكالة الغوث .. التي تنتظر بدء عملية إدخال المساعدات وإخراج الحالات الإنسانية ..
ما أطول الدقائق التي تفصل لحظات احتضانه لابنه الذي ولد بعيداً عنه .. ولا يملك من تلك السعادة سوى أنه أسماه عبر الهاتف باسم والده الذي أبى الخروج من المخيم حين قال له : " .. يكفيني لجوءاً .. اكتويت به ستون عاماً .. أتريد مني اللجوء ثانية بنيّ .. لا أرى أمامي سوى حيفا .. حيفا فقط " .. وها قد التهم مرض السكر أطرافه .. ليُشيع جثمان والده دون أن يودعه .
انهال الرصاص من رشاشات اختبأت خلف النوافذ .. على فضاء الانتظار .. وهلعٌ أصاب الجميع .. فمنهم من اختبأ خلف السيارات المكتظ بها المكان .. ومنهم .. لهول غدر لم يتوقعوه .. بقوا واقفين .. ولسان حالهم يقول .. " ألن تنتهي المأساة .. ؟ " .
ملأ الضجيج تلك الوجوه المترقّبة لنتيجة ما حدث .. فلقد كانت آمالهم كحمائم ترفرف أمام الثغور المخضّبة بشوق اللقاء .. والحرقة أكلت أفئدة تاقت لاحتضان من بقى من أحبتهم في المخيم .. ولم يستطع الخروج ..
أراد الصراخ بأعلى صوته .. فعائلته لا تبعد عنه سوى شارع .. ولا يمكنه الخطو نحوهم .. ولا هم بقادرين .. ليته لم يخرج من المخيم يومها ويذهب لعمله .
******
تكورت صغيرتها ذات الأربع سنوات بجوارها .. ورضيعها ذو الأربعة أشهر في حضنها .. يحتال على ثديها علّه يعطيه المزيد .
مسدّت بيدها شعر ابنتها .. وبنبرة هادئة قالت : " آية .. سنخرج من هنا .. سنخرج .. ونجتمع مع والدك مرة أخرى " ، رفعت عينيها إلى وجه والدتها .. ابتسمت .. أرادت أن تحدثها عن ما قاله لها والدها .. وما وعدها به .. لكنها متعبة .. متعبة جداً .. وجائعة .
تشظّى صمت الغرفة بصوت صراخ وعويل .. أصاب القلق قلبها .. وضعت ابنها بجوار أخته ونهضت مسرعة حيث النافذة .. ضاق صدرها عندما رأت نعشاً يحمله بضع رجال خرجوا من منزل أحد الجيران .. هربت من أمام النافذة مخافة أن تعتاد عينيها منظر الموت .. جلست بجوار ابنتها والتي نامت أخيراً .. فربما ينسيها النوم جوعها .. فلقد تحول طعامهم من رغيف خبز يابس مبلل بقليل من الماء .. إلى بضعة أعشاب تقتنصها يديها .. لحظة عتم .. من أمام منزلها .. لترميها في إبريق من الماء المغلي ليكون قوتهم .. كي يبقوا على قيد الحياة .
رمت بغطاء على جسد آية النائمة .. تذكرت صغيرها .. والذي نسيته لحظة هلع .. جلست بجواره .. لامست بإصبعها خده .. ذُهلت لبرودة وجهه وهو الراقد بجوار المدفأة .. حرّكته .. فكّت القماط الذي لفّ جسده .. وكان أشبه بدمية تتلقفها يد طفلة عابثة .
مزّق صوتها براءة المكان .. احتضنته .. أخرجت ثديها .. حاولت إرضاعه عنّوةً .. علّه يشتّم رائحة الأرض الذي منها نبت .. فيزهر من جديد .. لكنه التحف الجوع وغادر .. عالمهم .. ملاكاً .
تململ جسد آية من تحت غطاءها .. خافت أن تتعرف صغيرتها على الموت الذي بات قريباً منها .. خبّأت رضيعها في حضنها وقد غطته .. وأخذت دموعها تغني له كي ينام .. " يالله تنام .. يالله تنام .. لدبحلك طير الحمام .. روح يا حمام لا تصدق .. بضحك عالغالي تينام .. يالله تنام .. يالله تنام .. "

آمال المصري
26-05-2014, 07:53 PM
حالة من صور القهر الذي يعيشه من بالمخيمات وحياة مغموسة بالمرارة والوجع والجوع الذي يودي بحياة الكثير
برعت أديبتنا في ملك زمام النص سردا وبيانا وحبكة ونهاية مباغتة تثير الشجون
دمت بألق
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

حنان الزريعي
27-05-2014, 10:54 AM
حالة من صور القهر الذي يعيشه من بالمخيمات وحياة مغموسة بالمرارة والوجع والجوع الذي يودي بحياة الكثير
برعت أديبتنا في ملك زمام النص سردا وبيانا وحبكة ونهاية مباغتة تثير الشجون
دمت بألق
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي


الأديبة أمال المصري

نعم هي حال من كان المخيم موطنه ، هي حال من أصبح لعبة بيد المتاجرين بقضيته .

يشرفني مرورك هنا .. بين كلماتي

كاملة بدارنه
29-05-2014, 09:07 PM
ويتكرّر شريط القهر والذلّ بصوره القاتلة
قصّة مؤثّرة
بوركت
تقديري وتحيّتي

ربيحة الرفاعي
13-06-2014, 12:51 AM
مدهشة
مشهدان تتحدى بهما الكاتبة الضمير الإنساني الغافل وتلعن موات القلوب التي ارتضت مواصلة النبض أمام هذا الجنون يمارس على مسمع ومرأى الكون
سرد متمكن وبراعة في رسم المشهد حيّا نابضا وتمكن من الفكرة مكنها من الأخذ والردّ دون أن تفلت منها خيوط الحبكة

فرج الله كربة الأمة بناسها و أجناسها

تحاياي

خلود محمد جمعة
15-06-2014, 07:26 AM
قصة الوجع الفلسطيني ، السوري ،المصري أم العراقي..........
ويستمر شريط القهر والعنف والتشريد والحواجز
وتستمر فصول الرواية التي كتبت بالدماء
نزف حرفك قصة من الاف قصص لم نكتشفها بعد وربما لن يسمع بها سوى التراب
بورك النبض واليراع
مودتي وتقديري

مصطفى الصالح
15-06-2014, 01:32 PM
هي مأساتنا جميعا

من مخيم إلى آخر ومن لجوء إلى لجوء

ما ذاقه اللاجئون طوال ستين عام وما سيذوقونه هو جزء من قضيتهم وجزء من مؤامرة كبرى على هذه الأمة تم اختيار الشعب الفلسطيني وقودا لها

الآن لم يعد يكفيهم الشعب الفلسطيني فأشركوا الكل في حطب المؤامرة

تصوير ذكي أنيق وسرد موفق لأبعاد المأساة

أبدعت

كل التقدير

ناديه محمد الجابي
11-11-2022, 05:03 PM
عنف غير مسبوق، وقتل متعمد وأوضاع كارثية في مخيم اليرموك الذي يزداد عليه القصف
تعمد واضح لقصف الأسواق والمخابز ومخازن الغذاء لتصبح مقومات الحياة في المخيم معدومة
تنطلق صرخات أهالي المخيم من النساء والأطفال يطالبون بابسط حقوقهم..
الطعام والشراب والدواء والدفء .. حيث يموت الفلسطينيون جوعا وقهرا
يتألمون من أجل أطفالهم الذين لا يعرفون من الحياة سوى مرارتها.
كتبت فأبدعت ـــ حينما ينشر الموت رائحته تجف دموع الأقلام لهول المشاهد
نقلت الحدث بتصاعد درامي مؤثر ومميز ـ والسرد كان رائعا حتى الوصول لذروة الحدث.
فرج الله الكرب ونصر عباده المستضعفين.
تحياتي وودي.
:008::009::008: