مشاهدة النسخة كاملة : المتسولة
سعيد أبو حجر
26-05-2014, 05:38 AM
تربعت على قارعة الطريق، أخذت طفلها في حجرها، مدت يدها في صمت، المارة يتواردون عليها، منهم من يُسقط قطعة نقدية، ومنهم من ينظر متذمرًا، وآخر ساخرًا، الشمس تنذر بإسدال الستار على ما تبقى من النهار، بعثرت دريهماتها في كفها، لا تكفي أن تخدّر الجوع المتمرد في أحشائه، قرصت فخذها كي تمنع دمعة تغالب جفنها، نهضت متكاسلة لعل مارًّا يتمّها، لكن ... لا أمل، فالسوق قد سحبت غطاءها معلنة نومها، وقفت سيارة أمامها، نظرت إلى سائقها فرأت في عينيه دعوة إلى الصعود والخطيئة، أسقطت عينها على طفلها الذي أعياه الصراخ فصار يئن في استسلام، لم تفكر، قفزت إلى الكرسي الأمامي، وابتلعتهم الطريق، هل تسمح لي يا سيدي أن نعرج على أول صيدلية كي نشتري علبة حليب، غاب قليلاً وعاد محملاً بعلب الحليب وأشياء أخرى، دخلوا شقته، كانت أنيقة تشبه ملابسه، دخلت المطبخ مسرعة لتخرج بزجاجة الحليب وعينين تملؤهما سعادة الأمومة، ألقمت طفلها الزجاجة التي لم يجد القوة ليمسك بها، إلى أن شربه النوم، قامت لتدفع الثمن، تعطرت، تزينت، واستلقت على ظهرها، وعصرت جفتيها على دمعة تريد أن تفور، نظر إليها متسائلاً، إنها المرة الأولى، جوع طفلي وبرد الشتاء أقوى من كل القيم، رمى إليها بغطاء كان على طرف السرير، وأدار ظهره، وأجهش بالبكاء، هل آلمتك يا سيدي؟، إنها أقدارنا ترسم خطواتنا ونحن لا نملك منها فرارًا، خلٍّ عنك، سأحاول أن أستعيد الأنثى في داخلي كي أعوضك ما سكبت علي وعلى طفلي، أجابها بنبرة متزنة، خذي طفلك وما تشائين، وارحلي، فنحن مازلنا في أبجدية الليل، لقد تذكرت أمي عندما كنا صغارًا، عندما كانت تخرج بعدما يتغوّل الجوع داخلنا لتعود إلينا آخر النهار بتعويذة الشبع، وكثير من الحب.
كاملة بدارنه
26-05-2014, 09:32 AM
قصّة مؤثّرة وعرض لقضيّة اجتماعيّة مؤلمة بسرد جاذب وقفلة رائعة
"لو كان الفقر رجلا لقتلته"
قد يتنازل المرء عن أقدس القيم مقابل سدّ الرّمق وبالتّالي تصبح الرّذيلة سيّدة المواقف، ولكن...
بوركت
تقديري وتحيّتي
خلود محمد جمعة
27-05-2014, 07:21 AM
عريت حقيقة اجتماعية بأسلوب سلس وسرد رائع لتختمها بعبارة تخترق الأعماق وتختنق العبرات
رائعة حد الألم
اسجل اعجابي
لحرفك ألق
دمت عطرا
ربيحة الرفاعي
14-06-2014, 12:32 AM
صحيح أن الفقر يجر في أذيالة الرذيلة كما يقولون، غير أن سلفنا أورثنا ما هو خير من ذلك
" تجوع الحرّة ولا تأكل بثديها"
ولم يكن التسول يوما وسيلة كسب شريف لذي نفس عفيفة مهما دافع عن ظرف السائل أهل الخير، لكنها أنفس تختار الأسهل
أما عن أدبيات النص فالأداء القصّي متقن، والحبكة قوية والسرد شائق
دمت بخير أيها الرائع
تحاياي
نداء غريب صبري
07-08-2014, 06:03 PM
الفقر يذل النفوس وأصاب الأمة من حكم هؤلاء الطغاة الفاسدين
أسلوبك مميز شدني للقراءة بقوة فشكرا لك
بوركت
ناديه محمد الجابي
07-08-2014, 10:58 PM
نص جميل الأسلوب رائع اللغة والسرد
لغة سامقة ومضمون هادف وسرد مشوق
تمتلك قلما رائعا وفكرا خصبا
أشكرك على هذا العمل الرائع الذي أمتعني.
د.حسين جاسم
19-08-2014, 12:40 AM
الذين يبتذلون أنفسهم ابتغاء مطمع دنيوي كثر، يختلفون بتفاوت درجات الابتذال والمسافة التي يذهب اليها فيهم الواحد منهم
ودفاع الأخيار عنهم كحالة لا يبررها ولا يعفيهم من الوصف الصحيح لحالهم
قصة بحبكة وسرد متقنين، وفكرة واقعية في لا واقعيتها
لانا عبد الستار
13-07-2015, 02:01 AM
تعليقي سيكون اولا على الردود التي اتهمت المرأة وطعنت بالاضطرار، فالقيم تقوم وتعتبر بعد توفر الحاجات الإنسانية الأولى، والجوع قد يؤدي بالمرء لتنازل عن أدناها فما يليه، ومن القسوة أن نحكم على من يضطره ظرف لم نعشه لأمر لا نرضاه
أما القصة فقوية الفكرة والحبكة وسردها مشوق
أشكرك
آمال المصري
01-12-2015, 03:06 AM
وكأنك تضرب عرض الحائط بجميلتك تلك المثل القائل " الحرة لاتأكل بثديها " لتهدر كل القيم وتجعل الرزيلة هي البطل الحقيقي هنا والمنقذ من الجوع والموت
لولا الخاتمة الرائعة التي قارنت بين أبجدية الليل والنهار
نص اجتماعي مؤثر مؤثث بالوجع شاعرنا الفاضل
بوركت واليراع
تقديري الكبير
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir