المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كف تركي \ مصطفى الصالح



مصطفى الصالح
31-05-2014, 08:06 PM
كف تركي
قصة قصيرة
كالأشجار مزروعون بلا فراغات على أرض فوق عجلات تدور، تمسك أغصاننا المنهكة بمشانق منتشرة على قضبانٍ تسير مع السقف الظالم أينما دار، أليس عندك رحمة؟ لماذا لا تكون شفافاً لنستمتع بزرقة سماء تغتال كآبتنا بدل النظر إلى هذا الوجوم؟ أو نلهو بخيوط شمس تلاعبنا، تغمزنا من هنا وهناك، فنطرد السكون الملتصق بنا التصاق الذباب بالحلوى، ما هذا؟.. يا إلهي.. أطراف ورؤوس ترمقني، كل العيون تريد أن تخترق جسدي لتلهو بمشاعري وتفتش فيها عما يسرها، أشعر أن بعضها عَرَّاني من ألبستي، ينظر إلي بسرور، تقهقه عيون بعضهم في داخلي، أشعر بنظراتهم تسير مع الدم في شراييني، يحملق أحدهم عارضاً استبدال بعضا من تعاسته بشيء من تعب جسدي..
وما زال الصندوق يهزنا، فترانا كهواةٍ يتعلمون رقص الباليه على موسيقى ناشزة، العازف الوحيد فيها السائق وآلته الوحيدة المحرك، يتلذذان بإيذائنا، ومع كل انطلاقة تتغلغل أجسادنا في بعضها، فندعوا ربنا ألا نخرج من الجهة الأخرى، يدلق أحدهم مشاعره الرديئة على جسدي، فاغراً عينيه نحو ما قد يظهر من زينتي فأزدريه بنظرة ترجعه، وتبقى هلوساته تلوث روحي، تلك السيدة تعرض وجومها بسخاء لمن يشتري، وتلك الفتاة تستمتع بوخز شهوة الصعاليك المتجمعين حولها كالقطط في آذار، كم هو وقح مهماز أُنوثتها!! وذاك العجوز لا يستبدل سكونه بكل متع الدنيا، الكل يبحث عن شيء يسعده أو يمتعه ولو إلى حين، مقابل نقل شيء من تعاسته إليه، وإن اجتمع الكل على واحد أكلوا أفراحه وصفاءه وتركوه جثة هامدة..
أنظر إلى الداخل منعاً لتسرب سهم أحدهم من خلال عيوني، والشارع الخبيث المتلوي كالأفعى ينصب أفخاخاً لنا ولصندوقنا، فكلما أصابه الملل أوقعنا في حفرة تبقى فيها بعض أحلامنا، أو قوّس ظهره فتقفز أفراحنا منا وتطير، فنلتقط بدلاً منها تعبا يدمي أقدامنا..
لم أصل بعد لكن معظم الأشجار تكسرت جذوعها في الطريق فألقاها السائق حطباً للأيام بلا هوادة ولا أسف، متى وصلتُ المنزل سأنفض عني كل ما علق بي، سأزيل كل العيون التي ما زالت تعبث بداخلي، سأغسل كل الأوهام التي اندلقت على جسدي، سأقبض على روحي ونفسي وأعصر منهما كل التلوثات..
ارتعدت فرائصي لتوقف الحافلة بشكل جنوني ولمّا نصل بعد، انطلق السائق كالعُقاب على فريسته القابعة في آخر الحافلة، شاب لاك من الوقت حتى شبع وأتخمه الضجر واشتعل حنينه إلى لفافة تبغ يواسي بها نفسه، فكان ينفث دخانها على استحياء من أحد الفراغات، لكن السائق ذا العيون العُقابية لمحه وألقى عليه بكف تركي جعله يتبعثر ويبحث عن بقايا نفسه على أرض الحافلة، وقبل أن يعثر عليها ألحقه بركلةٍ قذفته كالرصاصة خارج الحافلة يتلوى من الألم، وقبل أن يغلق الباب قذفت بنفسي كالشهاب الغاضب إلى الخارج، إذا بقيت أكثر لن أستطيع الحراك من كثرة الأحمال، من آثامهم وآلامهم وأحزانهم وغضبهم، علي أن أغسل كل هذا، علي أن أزيل كل ذلك.
‫#‏مصطفى_الصالح‬
من مجموعتي القصصية عزف على الماء

حارس كامل
31-05-2014, 08:20 PM
الله عليك صديقي مصطفى
أسلوب رائع وسرد يقتلع القلب من الصدر
حقاً إنه الإبداع
اهلًا بك صديقي
ودمت بصحة ونقاء
تحيتي

خلود محمد جمعة
01-06-2014, 10:00 AM
رحلتك القصيرة الطويلة تحدثت بصوت مرتفع
رسمت التفاعلات النفسية بصور متقنة الابعاد
تجسيد للحدث بحرفية وصياغة للحرف بمهارة
اسجل اعجابي
دمت بخير

مصطفى الصالح
01-06-2014, 07:43 PM
الله عليك صديقي مصطفى
أسلوب رائع وسرد يقتلع القلب من الصدر
حقاً إنه الإبداع
اهلًا بك صديقي
ودمت بصحة ونقاء
تحيتي

أهلا وسهلا بك أخي العزيز حارس

أسعدني انك هنا

وكم سرني أن ينال النص إعجابك

شهادة فخر أعلقها وساما

شكرا للحضور البهيج

كل التقدير

آمال المصري
02-06-2014, 05:17 AM
كانت الحافلة كالحياة تضم من كل الفئات وتحوي صنوف السلوكيات التي تلمستها البطلة عن قرب حتى ضاقت بها نفسا
براعة في التصوير والوصف للحظة .. ورسم الانفعال والمشاعر بريشة قاص متمرس
جاء السرد محكما والحبكة قوية واللغة ألقة أديبنا الفاضل
سررت بالقراءة لك
تحاياي

مصطفى الصالح
04-06-2014, 09:07 PM
رحلتك القصيرة الطويلة تحدثت بصوت مرتفع
رسمت التفاعلات النفسية بصور متقنة الابعاد
تجسيد للحدث بحرفية وصياغة للحرف بمهارة
اسجل اعجابي
دمت بخير

هي ليست رحلتي بل رحلة امرأة أستاذتي الفاضلة

سرني حضورك الأنيق وإعجابك بالنص البسيط

الحياة كلها تفاعلات متشابكة معقدة


كل الشكر والتقدير

عبد السلام دغمش
05-06-2014, 09:31 AM
سرد جميل ونصّ ثريّ بتعبيراته وصوره ..
الوصف معبر .. بدءاً من وصف الرحلة بالحافلة ، ثم تفاعلات المشهد وهذه الفتاة التي يلاحقها الناس بأنظارهم ..
نقلت لنا صورة من المجتمع بأسلوب مميز .. فسلم اليراع.
مودتي .

مصطفى الصالح
05-06-2014, 11:15 PM
كانت الحافلة كالحياة تضم من كل الفئات وتحوي صنوف السلوكيات التي تلمستها البطلة عن قرب حتى ضاقت بها نفسا
براعة في التصوير والوصف للحظة .. ورسم الانفعال والمشاعر بريشة قاص متمرس
جاء السرد محكما والحبكة قوية واللغة ألقة أديبنا الفاضل
سررت بالقراءة لك
تحاياي

هكذا هي الحياة فيها كل شي ومن كل شيء شيئا

الفاضلة الأديبة آمال

سرني حضورك الأنيق وإعجابك بنصي المتواضع

شكرا للبهاء

كل التقدير

سعاد محمود الامين
06-06-2014, 04:53 PM
نص رائع الحرف والسرد...الله أعجبني..
امرأة الحافلة التقطت كل شئ..
والحافلة جمعت فحوت..
شكرا لك بوركت

عبدالإله الزّاكي
06-06-2014, 11:45 PM
كف تركي
قصة قصيرة
كالأشجار مزروعون بلا فراغات على أرض فوق عجلات تدور، تمسك أغصاننا المنهكة بمشانق منتشرة على قضبانٍ تسير مع السقف الظالم أينما دار، أليس عندك رحمة؟
.......
......
لكن معظم الأشجار تكسرت جذوعها في الطريق فألقاها السائق حطباً للأيام بلا هوادة ولا أسف، متى وصلتُ المنزل سأنفض عني كل ما علق بي، سأزيل كل العيون التي ما زالت تعبث بداخلي، سأغسل كل الأوهام التي اندلقت على جسدي، سأقبض على روحي ونفسي وأعصر منهما كل التلوثات..

‫#‏مصطفى_الصالح‬
من مجموعتي القصصية عزف على الماء

يقول مارتن هايدغر : " من يفكر بعمق أكبر، عليه أن يتيه أكثر "

و أراك أديبنا الكبير مصطفى الصالح كثير التيهان:sm:

شكرا على هذا النصّ الباذخ و على ما تقدّمه لنا.

تحاياي و تقديري و خالص مودتي:noc:

مصطفى الصالح
08-06-2014, 08:45 PM
سرد جميل ونصّ ثريّ بتعبيراته وصوره ..
الوصف معبر .. بدءاً من وصف الرحلة بالحافلة ، ثم تفاعلات المشهد وهذه الفتاة التي يلاحقها الناس بأنظارهم ..
نقلت لنا صورة من المجتمع بأسلوب مميز .. فسلم اليراع.
مودتي .

ربي يسلمك ويحفظك أخي القدير عبدالسلام

شكرا لحضورك الأنيق وقراءتك الموفقة جدا

سرني هذا الألق

كل التقدير

ربيحة الرفاعي
22-06-2014, 01:44 AM
مهارة سرديّة عالية وأداء قصّي متقن رسمت عبره اللوحات الحدثية بمهارة وأسلوب حذق في نسج معالم الصراع البراني والجواني
ماتع كان ما قرأت هنا

دمت بألق

تحاياي

نداء غريب صبري
16-08-2014, 12:02 AM
أسلوبك مميز وقصتك جميلة وفكرتها جاءت من الحياة والدنيا الواسعة لتختصرها في الحافلة

أمتعتني قراءتها

شكرا لك أخي

بوركت

ناديه محمد الجابي
10-09-2014, 09:59 PM
لمست هنا إجادة كبيرة في الوصف لمشهد يتوارى خلف ضباب الكلمات
وتتضافر عبارات الوصف مع جمل السرد في براعة تضاف إلى الشكل والمضمون
رحلة إمرأة يومية في الحافلة بأسلوب كتابة لم يبتعد عن البساطة ولكنه صار عميقا
بصوره وتأثيره. نحن أمام كاتب معني بالحركات العميقة للنفس الإنسانية من خلال
إيقاع سردي تميز بالإيجاز الشديد، والخبرة المميزة في اختيار المفردة.
وقد حفل النص بأفكار عميقة نمت عن عقل نير وتدبر كبير واكتنزت أفكارا فلسفية.
استمتعت كثيرا بهذه الؤى الإبداعية
فشكرا لك ولقلمك المتمكن.

كاملة بدارنه
11-09-2014, 05:51 PM
لن أستطيع الحراك من كثرة الأحمال، من آثامهم وآلامهم وأحزانهم وغضبهم، علي أن أغسل كل هذا، علي أن أزيل كل ذلك.
‫#‏مصطفى_الصالح‬
فعلا عليها أن تتطهّر من درن فعالهم
اقتناص رائع وعرض بأسلوب سلس جاذب، وقفلة تعجب
بوركت
تقديري وتحيّتي
( أليست ندعو هي الأصحّ ... استخدام بعض .. وباء الاستبدال تدخل على ما يترك ( خطأ يقع معظمنا فيه ولا ننتبه له)

مصطفى الصالح
23-01-2016, 07:26 PM
نص رائع الحرف والسرد...الله أعجبني..
امرأة الحافلة التقطت كل شئ..
والحافلة جمعت فحوت..
شكرا لك بوركت

سرني إعجابك بنصي المتواضع
الأستاذة القديرة سعاد
قراءة موجزة لكنها كاملة
شكرا لأنك هنا

كل التقدير

مصطفى الصالح
22-07-2017, 04:36 PM
يقول مارتن هايدغر : " من يفكر بعمق أكبر، عليه أن يتيه أكثر "

و أراك أديبنا الكبير مصطفى الصالح كثير التيهان:sm:

شكرا على هذا النصّ الباذخ و على ما تقدّمه لنا.

تحاياي و تقديري و خالص مودتي:noc:

هذا من لطفك وذوقك الراقي أخي الأديب عبد الإله
زاكي أنت بكل المقاييس
اختصرت كل الكلام بجملة واحدة
سرني إعجابك بالنص وثناؤك

دام حضور الثر

أعطر التحايا

علاء سعد حسن
22-07-2017, 08:42 PM
أجمل وصف ممكن لحافلة في بلادنا..

مصطفى الصالح
25-07-2017, 04:40 PM
مهارة سرديّة عالية وأداء قصّي متقن رسمت عبره اللوحات الحدثية بمهارة وأسلوب حذق في نسج معالم الصراع البراني والجواني
ماتع كان ما قرأت هنا

دمت بألق

تحاياي

دام هذا الحضور البهي أديبتنا القديرة ربيحة
سرني إعجابك بنصي المتواضع
شكرا لأنك هنا

أعطر التحايا