المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رائحة السماء\ مصطفى الصالح



مصطفى الصالح
09-06-2014, 10:58 PM
بحفاوة ملوكية يستقبلهم وبسخاء حاتمي ينثر تراحيب مغمسة بابتسامات فاخرة ، يُعيد ترتيب منضدته المرتبكة ، ينفض عن الكرسي بقايا وشوشات ويلمعه ببهلوانية ، يُجلسه برفق ويضع المريول على جسده بعناية ، يختار مقصا ويطقطقه بحرفية ، يمسك بالمشط ويدور حوله كراقص وهو يبخ منعش الهواء في الجو.. أنت محظوظ جدا؛ صيد ثمين.. جامعية ، مؤدبة.. سأحلق لك حلاقة خاصة مبتكرة ، دع الأمر لي ، ألف مبروك يا عريس ، يتحرك باستمرار ذات اليمين وذات الشمال ، يقص الشعر مرة من هنا ، وأخرى من هناك.. ينظر إلى المرآة معدلا رأسه كأنه يطالبه بالنظر أيضا.. عائلتها عريقة معروفة بالشهامة والنضال ، وميسورة أيضا ، اسألني أنا ، وفوق هذا كله وافرة الجمال.. ما شاء الله ، لن يجدوا أفضل منك ، فأنت زينة الشباب.. (هات شاي يا ولد لمرافق العريس وقرايبه).. يلتفت لهم باشاً: يا هلا بالشباب
ينضحون الكلام من نبع لا ينضب ، جودة ثرثرتهم تعتمد على جيب الزبون ، ينال العريس أعلاها مرتبة.. يعرف هذا فلا يلتفت إلى كثيرها أو قليلها.. يُعدل جلسته ، ينظر إلى عينيه في المرآة.. هل حقا سأتزوج هذه الليلة!.. آه كم تحبني تلك المعطاءة.. انتظرتْني سنتين حتى خرجتُ من الاعتقال الإداري ، وكأن نار الانتظار لا تحرق الوقت بل تشعل جبال الشوق ، رفضت فسخ الخطبة رغم الإغراءات ، منذ الصغر كانت تترك كل شيء لتلعب معي على أرجوحة الكينا.. أذهلت الجميع شجاعتها حين خاطرت معنا لقطف الزيتون وهي صبية!..
بين ثنايا هسيس ذكريات ناعمة راح يسبح في لوحة مرمرية الحواف مخملية الغيوم ، أوراقها لا تعرف الخريف ، ورودها تختال بجمالها وعطرها بين نسائم فجر مقيم..
يحاول تجاهل هواجس مستقبل تطل برأسها كلما حاور الآمال.. يهش عليها بعصا تفاؤل طالما كان غذاءه في محنته ، ووجنتيها التفاحيتين
ينتفض الجميع على صوت مكبر صوت جذبه من أعماق أحلامه.. اخرج إلينا ويديك خلف رأسك وإلا نسفناك..
ماذا! قال مضطربا.. من يخاطبون؟
يبدو أنه أحد المطلوبين لقوات جيش الدفاع.. رد الحلاق.. وقد وجدوه أخيرا بعدما قتل منهم الكثير.. سامحه الله أخبرته ألا..
من تقصد؟
رفيقك الذي فجر الحافلة..
آآآآه.. لقد وعدني أن يحضر عرسي ، وها هو محاصر بجنود الاحتلال.. كان يهمس لنفسه وهو يقترب من المكان..
- هذا مناضل كبير يجب أن نخرجه من هنا.. قال مخاطبا مُرافِقَهُ.. كيف عرفوا بوجوده!!
- كيف نخرجه وقد طَوَّقوا الحي؟!.. إن لم يخرج سينسفونه بالمبنى..
- في كلتا الحالتين سيقتلونه ، يا إلهي!.. انظر لأعدادهم وآلياتهم.. حتى الطيور ابتعدت لا تجرؤ..
- هناك فرصة ضئيلة؛ إن استفزينا ذلك المتمسمر خلف مدفع العربة المدرعة
- نعم رأيته.. أقل من نصف جسمه العلوي يظهر.. لكن لا بأس.. هل معك (مقلاع)؟
- نعم معي، وهل أَتْرُكُ سلاحي؟ لكن ماذا ستفعل؟
- كما أفعل دائما..
- أنت عريس.. لا نريد مشاكل قبل الفرح ، إن اعتقلوك فلن تخرج لسنين..
- لا تهتم ، لن يصلوا إلي.. حاول أن تعرف كيف علموا بوجوده هنا.. كأنهم كانوا ينتظرونه! المباني المجاورة كلها خالية!!.. احموا ظهري عند الحاجة..
كأن السماء اقتربت.. همس لنفسه وهو يجهز المقلاع.. لماذا هي بيضاء وليست زرقاء كالعادة، أين اختفت المباني.. هل هرب الجنود، أين ذهبوا؟.. لم يبق إلا ذلك الصهيوني على تلك المدرعة..
تناول برشاقة شهابا من سجيل ، وضعه بحنان في مقلاعه ، لَوَّح به حتى تأوهت الريح.. نظر إليه الجندي ، ضحك باستصغار.. خلع خوذته ليمسح عرق جبينه بذراعه ، وقبل أن يعيدها كان الدم يتفجر من رأسه في كل اتجاه..

وغص حلق السماء بأرتال تكبيرات الحجارة.. تبتلع حقد البنادق..
كان الرصاص يعزف أنشودة الزفاف الأخير ، وكانت زغاريد الزفاف تمسح الدماء عن وجه العريس ، عن شعره ، عن فرحة جاثية تنظر للمكان الذي وجد فيه بعد يومين جسد.. كان قد ذُبح بشفرة ، وقُصَّ لسانه بمقص غُرسَ في حلقه..

مصطفى الصالح

آمال المصري
12-06-2014, 02:28 AM
النصوص التي تدور حول القضية الفلسطينية لها ألق مختلف
وهنا بسرد قوي ولغة باذخة وحبكة متينة كانت تلك الجميلة التي تحاكي واحدة من القضايا الهامة وهي عرقلة النصر بقدم الخيانة
استوقفني النص بروعته وأدواته وكانت الخاتمة صادمة استدعت الدهشة فبوركت واليراع الفريدةأديبنا الفاضل
تقديري الكبير

مصطفى الصالح
14-06-2014, 10:13 PM
النصوص التي تدور حول القضية الفلسطينية لها ألق مختلف
وهنا بسرد قوي ولغة باذخة وحبكة متينة كانت تلك الجميلة التي تحاكي واحدة من القضايا الهامة وهي عرقلة النصر بقدم الخيانة
استوقفني النص بروعته وأدواته وكانت الخاتمة صادمة استدعت الدهشة فبوركت واليراع الفريدةأديبنا الفاضل
تقديري الكبير

سرني هذا الحضور الأنيق

هذه شهادة فاخرة أعلقها على صدر النص

كل الشكر والتقدير

سعاد محمود الامين
15-06-2014, 04:47 AM
(تناول برشاقة شهابا من سجيل ، وضعه بحنان في مقلاعه ، لَوَّح به حتى تأوهت الريح.. نظر إليه الجندي ، ضحك باستصغار.. خلع خوذته ليمسح عرق جبينه بذراعه ، وقبل أن يعيدها كان الدم يتفجر من رأسه في كل اتجاه..

وغص حلق السماء بأرتال تكبيرات الحجارة.. تبتلع حقد البنادق..
كان الرصاص يعزف أنشودة الزفاف الأخير ، وكانت زغاريد الزفاف تمسح الدماء عن وجه العريس ، عن شعره ، عن فرحة جاثية تنظر للمكان الذي وجد فيه بعد يومين جسد.. كان قد ذُبح بشفرة ، وقُصَّ لسانه بمقص غُرسَ في حلقه..:0014: )


سكت الكلام ...تخطى الروعة ..سلم القلم المائز

مصطفى الصالح
16-06-2014, 11:19 PM
(تناول برشاقة شهابا من سجيل ، وضعه بحنان في مقلاعه ، لَوَّح به حتى تأوهت الريح.. نظر إليه الجندي ، ضحك باستصغار.. خلع خوذته ليمسح عرق جبينه بذراعه ، وقبل أن يعيدها كان الدم يتفجر من رأسه في كل اتجاه..

وغص حلق السماء بأرتال تكبيرات الحجارة.. تبتلع حقد البنادق..
كان الرصاص يعزف أنشودة الزفاف الأخير ، وكانت زغاريد الزفاف تمسح الدماء عن وجه العريس ، عن شعره ، عن فرحة جاثية تنظر للمكان الذي وجد فيه بعد يومين جسد.. كان قد ذُبح بشفرة ، وقُصَّ لسانه بمقص غُرسَ في حلقه..:0014: )


سكت الكلام ...تخطى الروعة ..سلم القلم المائز

كل الكلام لا يكفي لإيفاء هذا المرور الأنيق حقه

جزيل الشكر

وكل التقدير

كاملة بدارنه
16-06-2014, 11:53 PM
سرد رائع أمسك بأنفاس القارئ حتّى النّهاية المدهشة
لابدّ من العقاب للخونة وبائعي الضّمير
بوركت
تقديري وتحيّتي
(همسة: أليست كلمة مريول عاميّة؟
ويداك (مبتدأ)
سينسفوه( جواب الشّرط ، وسين التّسويف غير عاملة
المبنى هو مكان النّسف وليس الأداة .. أليس الصّحيح في المبنى؟ )

مصطفى الصالح
22-06-2014, 02:37 PM
سرد رائع أمسك بأنفاس القارئ حتّى النّهاية المدهشة
لابدّ من العقاب للخونة وبائعي الضّمير
بوركت
تقديري وتحيّتي
(همسة: أليست كلمة مريول عاميّة؟ ، ويداك (مبتدأ) ، سينسفوه( جواب الشّرط ، وسين التّسويف غير عاملة، المبنى هو مكان النّسف وليس الأداة .. أليس الصّحيح في المبنى؟ )

سرني أن نصي المتواضع أعجبك وهذه شهادة أعتز بها من قديرة مثلك

فلك جزيل الشكر

أليست كلمة مريول عاميّة؟

نعم ربما معك حق، هل عندك بديل لها؟ هي معربة وليس لها أصل، ولكن، هل تعلمين أن كلمة أندراوير عربية الأصل؟ أندروير المستخدمة في الإنجليزية قال الدكتور يحيى عبابنة المدرس لعلوم اللغة العربية في الجامعات الأردنية أن هناك أصول لكلمات أجنبية في العربية وركز على هذه الكلمة حيث وردت في السيرة والتاريخ، وجاء بإثباتاتها

، ويداك (مبتدأ) ،

بل هي حال أستاذتي الفاضلة لذلك منصوبة

سينسفوه( جواب الشّرط ، وسين التّسويف غير عاملة، المبنى هو مكان النّسف وليس الأداة .. أليس الصّحيح في المبنى؟ )

أين محمد؟ بالبيت

من بالباب؟

الباء هنا للمعية وتعنى سينسفونه هو والمبنى، وسينسفون المبنى على رأسه

سرني حضورك وإضافاتك المفيدة واستفساراتك الوجيهة

كل التقدير

فاطمه عبد القادر
24-06-2014, 12:44 AM
وغص حلق السماء بأرتال تكبيرات الحجارة.. تبتلع حقد البنادق..
كان الرصاص يعزف أنشودة الزفاف الأخير ، وكانت زغاريد الزفاف تمسح الدماء عن وجه العريس ، عن شعره ، عن فرحة جاثية تنظر للمكان الذي وجد فيه بعد يومين جسد.. كان قد ذُبح بشفرة ، وقُصَّ لسانه بمقص غُرسَ في حلقه..


السلام عليكم
كانت القفلة مروعة كما الحال بالضبط ,
لكن النضال يتحدى دائما ,
لا أدري لماذا تتجمد كلماتي دائما أمام هؤلاء الأبطال !
طبعا ,,لا يوجد كلمة في أي لغة بالعالم تقدر على التعبير نيابة عنهم .
فهم أكبر بكثير ,,
قصة جميلة تشد القارىء حتى النهاية ,
شكرا لك أخي
ماسة

ربيحة الرفاعي
03-07-2014, 01:57 AM
في الشفرة والمقص الذين أجهز بهما على العميل إشارة للحلاق، لكن النص لم يقدم ما يشير إلى ما يتهمه بشئ
الوصف التفصيلي للمشهد في النص الأول من القّصة جاء جميلا شائقا، لكني بانتهاء النص بحثت عن دوره في خدمة الحبكة أو رسالة القصة فلم أفلح باكتشافها

ويبقى أنه جاء نصا بلغة قصّيّة جميلة وأسلوب طيب

دمت بخير

تحاياي

نداء غريب صبري
24-08-2014, 01:15 AM
جاءتني هذه القصة بعد أن كنت أقرا بعض التقارير عن إعدام عدد من العملاء في غزة الحرة
لماذا تبتلى أمتنا بهذا العليق بين ورودها!!
سؤال يؤلمني

قصة جميلة
شكرا لك أخي

بوركت

ناديه محمد الجابي
24-08-2014, 10:15 PM
ما أجمل ما قرأت هنا .. قصة من قصص المقاومة الفلسطينية مكتوبة
بلغة راقية تجمع بين التعبير والتصوير. السرد جميل وشائق والحبكة محكمة
والفكرة عميقة والتصاعد الدرامي جميل، والخاتمة مقنعة فهذا مصير كل خائن
بارك الله بقلمك المبدع.

خلود محمد جمعة
27-08-2014, 02:37 PM
العرس الفلسطيني متجدد وفي كل عرس قصة تملأنا فخرا
خيانة الوطن نهايتها وخيمة
بسرد مائز وأسلوب مشوق وحبكة محكمة رسمت الحرف بحنكة
قصة ملأت المآقي دمعا والنفس سرورا
أبدعت
دمت حرا
تقديري

لانا عبد الستار
05-11-2014, 09:28 PM
فلسطين أم القصص والبطولة الكتابة فيها تكتسب ألقا بموضوعها
وقصة جميلة لغتها أعجبتني
لكن خيوط الحبكة ضاعت في النصف الثاني من النص

أشكرك

اشرف الخريبي
07-11-2014, 06:39 PM
نص يكشف ببطىء وبسرد متماسك تفاصيل وجع الوطن ليس فقط في الحكاية ،ولكنه في التوصيف الدقيق للدراما وتصاعدها وتجسيدها بهذا الثراء
حين يقبض علي زمام الحكاية بنفس هذا النفس الطويل ويسرب إلي القراء حميمة الفعل القصصي والقضية والمصير
ما يهمني هو الفني الذي نقل الينا المشاهد ، تفاصيل ثرية تكشف واقع أليم
تحياتي لنصك المبدع

خالد يوسف أبو طماعه
07-01-2016, 09:46 AM
هذا نص من العيار الثقيل

تسليط الضوء على أهم أمر

يواجهه ويعاني منه شعبنا

الجواسيس الخونة

مهما قلت في هذا النحت فلن أعطيه حقه

ربما تكون لي عودة أخرى لهذه التحفة

لك النور وقوافل محبة

مصطفى الصالح
07-01-2016, 04:56 PM
وغص حلق السماء بأرتال تكبيرات الحجارة.. تبتلع حقد البنادق..
كان الرصاص يعزف أنشودة الزفاف الأخير ، وكانت زغاريد الزفاف تمسح الدماء عن وجه العريس ، عن شعره ، عن فرحة جاثية تنظر للمكان الذي وجد فيه بعد يومين جسد.. كان قد ذُبح بشفرة ، وقُصَّ لسانه بمقص غُرسَ في حلقه..


السلام عليكم
كانت القفلة مروعة كما الحال بالضبط ,
لكن النضال يتحدى دائما ,
لا أدري لماذا تتجمد كلماتي دائما أمام هؤلاء الأبطال !
طبعا ,,لا يوجد كلمة في أي لغة بالعالم تقدر على التعبير نيابة عنهم .
فهم أكبر بكثير ,,
قصة جميلة تشد القارىء حتى النهاية ,
شكرا لك أخي
ماسة


القاصة القديرة فاطمة عبد القادر
مرورك شرف وإعجابك فخر وكلماتك وسام على جبين النص
سرني أنك هنا

كل التقدير