تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : جثث لذيذة



هشام النجار
18-06-2014, 02:35 AM
ينجح فى تحضير فنجان قهوة برغوة كثيفة بعد تكرار التجربة لأكثر من عشر مرات ، يرتشف ويبتسم مرتبكاً ، ويتمشى ممسكاً بالفنجان بردهة الشقة ، يتردد على المطبخ ، يطل عليه اطلالة سريعة ليذهب كهارب من شبح يطارده الى أجزاء الشقة الأخرى .
يستقر بفنجانه الفارغ وسيجارته المنهكة فى الشرفة الأنيقة بكراسيها الجريد ، يصفر لجارته فى الشرفة المجاورة ، يقتربان بعد اظلام الشرفتين .
هل نجحت الفكرة التى أسديتها لك أول أمس ؟
نعم نعم نجحت نجاحاً مذهلاً ، شكراً لك سيدى الرائع ، ليست الخطة فقط هى الرائعة ، لكن الأروع أننى وجدت الانسان الوفى المثقف الذى يشجعنى ويطلعنى على هذه الفلسفة العميقة التى كانت غائبة عنى ، والتى لولاها ما كنت مطمئنة هذا الاطمئنان ومرتاحة هذه الراحة بعد أن ...
شششش أخفضى صوتك قليلاً ولا تتحدثى كثيراً فيما مضى ، انسِ ما حدث مع زوجك ، هو الآن فى نعمة كبيرة وعيشة هانئة ، فكرى فى نفسك وحياتك ومستقبلك .
سيدى هل ذكرت لى أن هذه التجربة نجحت مع زوجتك المرحومة ؟
نعم بالتأكيد وكان شيئاً مذهلاً وكانت مرتاحة جداً وراضية ، مع العلم بأننى كنت حريصاً ألا تشعر بأى ألم .
لكن هل لديك مسدس ، هل تمتلك سلاحاً نارياً ؟
نعم لدى مسدس رائع ، انه فخم وجميل ، كما أنه باهظ الثمن ، اشتريته بعد خروجى على المعاش ، وبجزء آخر من مكافأة نهاية الخدمة اشتريت هذه الشقة فى هذا الحى الجديد بالاضافة للسيارة التى ترينها بالأسفل .
تكتم ضحكتها .. سيتبقى لك فقط السيارة والمسدس .
تبكى بمرارة وترتعش يداها ويتهدج صوتها عندما تهم بمسح دموعها .
نعم يكفيان للقيام بالمهمة .
سأكون معك كما ألمحت لى وفهمت من كلامك سابقاً لننتقم .
نعم سأضع الخطة وأخبرك بها لاحقاً ، والآن التزمى الصمت ولا تتحدثى مع الجيران .
يغلق ستارة الشرفة ، يتناول عشاءه وهو يشاهد التلفاز ، يتباطأ فى تناول الطعام وهو يتابع تجمهراً انتخابياً لسياسى مشهور ، تذيع القناة الاخبارية بعض مقاطع من خطابه ووعوده لأهل الحى الشعبى وتتجول الكاميرا بين وجوه الناس ، وبعضهم يهتف والآخر واجم وبعض كبار السن زائغ العينين ذاهل تعلو ملامحه الحيرة ، فيمَ خلا السرادق تماماً من الشباب .
يبدل القناة ويستمع لمعارض طالما يراه على الشاشات فى برنامج حوارى .. طالما ناضلنا من أجل الوطن وحاربنا الفساد والجريمة وخداع البسطاء .
يغمض عينيه ويستحضر روح زوجته المرحومة أمامه .
طارت من الفرحة عندما قسم أمامها مكافأة نهاية الخدمة الى ثلاث ، ولم تسعهما الفرحة عندما وجدا شقة بهذا السعر الخيالى فى حى جديد تنتشلهما من معاناة حى المخدرات والبلطجية والسفالة .
هذا للشقة الحلم ، وهذا للسيارة الحلم ، وهذا للمسدس ليحمينا ، الله أعلم بما ينتظرنا فى الحى الجديد .
صدمتها الأنباء فقد وقع أهل الحى الجديد ضحية عملية نصب واسعة محكمة .
لا يمتلكون الآن الشقق على الحقيقة وذهبت أموالهم هباءاً ولا شئ يلمسونه وينظرون اليه ويجالسونه سوى الوهم .
يطل على المطبخ اطلالة سريعة ويعود الى الردهة ينظر الى صورة زفافهما على الحائط .
أقتلنى برفق وأرحنى من الجنون .
شكراً لك حبيبى أنك اختصرت حياتى معك .
يعود للتلفاز مكملاً عشاءه ، هذا هو مشهده المفضل ، جثث متراكمة وقتلى بالجملة فى مواجهات ومذابح واشتباكات وتفجيرات بالعراق وسوريا ومصر .. الخ .
سنرمى اسرائيل فى البحر .
سندك تل ابيب .
للقدس رايحين شهداء بالملايين .
تُوارى الجثث مجهولة الهوية فى تراب الوطن ، ما أجمل حشر الجثث فى الشاحنات لكل منها قصة انتهت فى وقت متزامن ، لا شك أن للقتل الجماعى لذة أخرى .
وتذاع الجنائز العسكرية لشهداء الجيش والشرطة على الهواء مباشرة .
كانت تنتظره فى الموعد المحدد أسفل العمارة بجوار السيارة فى الحى الصامت المخيف.
استحضرت صورة زوجها المرحوم وملامح خوفها وهى تحاول تهدئة هواجسه .
نحن بمفردنا فى هذا المكان ، نحن انتقلنا من خوف الى خوف .
الحى جديد حبيبى وحتماً سيأتى سكان جدد .
أشعر بأننى لست بخير .
أنت طيب ولم تقترف شراً طوال حياتك ومستحيل أن تنتهى حياتك بشكل سيئ وليس أمامنا سوى انتظار الفرج .
أتى الجار الجديد بزوجته الخمسينية ، تصادقا ، وتلقوا جميعاً صدمة الخديعة .
هذه المرة الأولى التى يكونان فيها بمفردهما ، ليست أجمل من زوجته المرحومة لكنها تبدو أصغر قليلاً وأكثر حيوية .
أنت ستقودين ، وستشعرين بالرضا عندما ننهى هذه الحفلة ببعض الجثث .
كانت كراتين الاعانات عليها صورة المرشح وشعاره الانتخابى توزع على فقراء الحى من كبار السن ، وكان يخطب فى مؤتمر حاشد .
هذه تجربة جديدة علينا وستكون ألذ من سابقتها كما أتوقع .
أثق تماماً فيك وليس لدى شيئاً أخسره .
انتهت الحفلة .. ماذا كان يقول هذا المغفل السفيه .
تكتم ضحكتها .. كان يقول أعدكم أعدكم وهم أمامه ذاهلون .
تبكى بمرارة وترتعش يداها ويتهدج صوتها وهى تمسح دموعها .
ترمقه باعجاب وتشعر بروح الشباب تسرى بجسدها المترهل .
تردد كلماته الأولى لها عندما أخبرته بما أصاب زوجها من جنون عقب سريان الخديعة فى كيانهما المحبط .. اذا فقدت القوة ستصاب بالجنون .
لا تخبرى أحداً بما حدث ولا تشعرى بالذنب فقد ارتاحوا من جنون الخديعة .
ما حدث قد حدث ، وما ألذ جثث هؤلاء فقد كانوا ينتظرون شروق شمس لا تأتى ، ونجحنا فى الاجهاز على غفلتهم .
تنظيم ارهابى مسلح يتبع تنظيم القاعدة يرتكب مجزرة شنيعة لمرتادى أحد المؤتمرات الانتخابية من كبار السن .
يرتشف قهوته التى نجح فى صنعها برغوة كثيفة من المحاولة الأولى وهو يستمع بنشوة عارمة لنشرة الأخبار .
يظلم الشرفة ، يصفر لجارته .

مصطفى حمزة
21-06-2014, 01:32 PM
أخي الأكرم ، الأستاذ هشام
أسعد الله أوقاتك
قرأتُ هنا قصّة قصيرة ممتازة ، ممتعة ... مؤلمة !
بدت لي للوهلة الأولى وقد أفلت حبل السرد من كاتبها ، ووقع في استطرادات أجهزت على الحدث الرئيسي أو كادت
لكن في القراءة الثانية وضح لي كم كان الكاتب مبدعاً حين نجح في إدخالنا إلى عقل ونفس مواطن من بلد معروف
فجسنا في هواجسه المشروعة ، المولودة من أحداث غرائبية عجائبية في بلد لم يعش أهله مثلها من قبل !
تحياتي وتقديري

هشام النجار
21-06-2014, 02:05 PM
أخي الأكرم ، الأستاذ هشام
أسعد الله أوقاتك
قرأتُ هنا قصّة قصيرة ممتازة ، ممتعة ... مؤلمة !
بدت لي للوهلة الأولى وقد أفلت حبل السرد من كاتبها ، ووقع في استطرادات أجهزت على الحدث الرئيسي أو كادت
لكن في القراءة الثانية وضح لي كم كان الكاتب مبدعاً حين نجح في إدخالنا إلى عقل ونفس مواطن من بلد معروف
فجسنا في هواجسه المشروعة ، المولودة من أحداث غرائبية عجائبية في بلد لم يعش أهله مثلها من قبل !
تحياتي وتقديري

نعم سيدى الكريم وحتى ان انفلت السرد فمن حقه ينفلت فى مناخ الانفلات العام ليناله من الانفلات جانب فما الذى لم ينفلت فى بلادنا ليبقى السرد وحيداً يتيماً غير منفلت ، وغرائبية الأحداث من غرائبية الواقع الذى يسير نحو الانتحار والانهيار ، وهناك من يدفع الى ذلك دفعاً ويهيئ المناخ للدم والقتل والعنف .
هناك جانب غير مئى من قضية الارهاب بعيداً عن الرواية الاعلامية والرسمية ، وقد اطلعت على قصص اناس ليس لهم فى القاعدة ولا يعرفون معنى التكفير ولم ينتموا يوما لتنظيم لكن لديهم مشكلة كبيرة جدا مع الحكومة والمسئولين ولديهم ثأر مع البيروقراطية والفساد ؛ فهؤلاء قد يشكلون تنظيماً انتحارياً بعد صدمة الجنون والهوس التى انتابت افراده الذين كانوا للتو اناسا صالحين سعداء هانئين ، ليحولهم المجتمع والفساد والنصب والاحتيال الى مشاريع شهادة وقنابل على استعداد للانفجار فى وجه الجميع .
تحياتى وتقديرى لهذا القلم الراقى ولمرورك العطر الذى أسعدنا .

ربيحة الرفاعي
03-07-2014, 01:26 AM
ببراعة قصّيّة وتمكن من الفكرة نجح الكاتب في تعرية المشهد مفككا مفاصل الأكذوبة ومحللا عواملها معلنا الحقيقة عبر سرد تفصيلي غاص عميقا في ما ورائيات نفس المهووس

الأسلوب شائق والأداء ملفت
ليتها تحظى بقراءة الجميع ليعي الحقيقة من لا يعيها

دمت بخير

تحاياي

خلود محمد جمعة
05-07-2014, 12:23 AM
بأسلوب ذكي وطرح عميق كشفت اللثام عن حقيقة مضببة بسرد دقيق عن ما يحدث أمامنا ونراه ولا نحلله
دمت جاد الفكر عميق الحرف وجميل الروح
تقديري

سعاد محمود الامين
05-07-2014, 08:29 AM
نص كالفلم ما أجمله !
سرد راقي وفكرة حديثة
بوركت وسلم القلم

كاملة بدارنه
07-07-2014, 06:22 PM
الغرائبيّة جاءت بدءا من العنوان: جثث لذيدة
تعرية لواقع غريب بسرد ملفت وأسلوب شائق
بوركت
تقديري وتحيّتي

د. سمير العمري
19-07-2014, 01:16 AM
قصة راصدة للحال التي باتت تحيط بالأمة من كل مكان ، ودور الإعلام المغرض والمحرض فيها ، ومحاولة الساسة الفاسدين الهروب للأمام تنصر من مسؤوليتهم عن بث حالة من الحقد والتناحر والإرهاب في المجتمع والتهم جاهزة ومعلبة وقد اختلط الحابل بالنابل.

كل ما أحب أن أنبه إليه هو أننا إذ نرصد دور فساد الحاكم وأثره في إفساد المجتمع أن لا نسهم في تبرير الفساد أيا كان مصدره وسببه.

تقديري

هشام النجار
21-07-2014, 11:31 AM
ببراعة قصّيّة وتمكن من الفكرة نجح الكاتب في تعرية المشهد مفككا مفاصل الأكذوبة ومحللا عواملها معلنا الحقيقة عبر سرد تفصيلي غاص عميقا في ما ورائيات نفس المهووس

الأسلوب شائق والأداء ملفت
ليتها تحظى بقراءة الجميع ليعي الحقيقة من لا يعيها

دمت بخير

تحاياي

أستاذتنا القديرة ربيحة الرفاعى .. حضور ابداعى وفكرى متميز على كل المستويات ، أسأل الله أن يمدك بمدد من عندك ويبارك فى عمرك لخدمة هذا الفكر ولتلك الغايات السامقة
تقديرى واحترامى

هشام النجار
21-07-2014, 11:39 AM
بأسلوب ذكي وطرح عميق كشفت اللثام عن حقيقة مضببة بسرد دقيق عن ما يحدث أمامنا ونراه ولا نحلله
دمت جاد الفكر عميق الحرف وجميل الروح
تقديري

أستاذتنا خلود ، دام لنا عطاؤك وحضورك الراقى وابداعك المميز ، كل عام وحضرتك بخير
خالص امتنانى وأطيب أمنياتى

هشام النجار
21-07-2014, 11:42 AM
نص كالفلم ما أجمله !
سرد راقي وفكرة حديثة
بوركت وسلم القلم

هى بالفعل طريقة سردية مختلفة بعض الشئ ألجأ اليها من أجل التغيير واضفاء الحيوية وجو الدهشة على النص ، خاصة اذا كانت الأحداث تلائم هذا الأسلوب السردى من حيث غرابتها وصدمتها للمتلقى .
شكراً جزيلاً استاذتنا المبدعة القديرة سعاد الأمين
ممتن لتوقيعك وحضورك الثرى

هشام النجار
21-07-2014, 11:47 AM
الغرائبيّة جاءت بدءا من العنوان: جثث لذيدة
تعرية لواقع غريب بسرد ملفت وأسلوب شائق
بوركت
تقديري وتحيّتي

نعم سيدتى الكريمة أديبتنا القديرة كاملة بدارنة ، هى جثث ودماء لذيذة فى واقع قوم عشقوا هذا اللون من الحياة على حساب دمار وخراب وموت وسفك دماء اللآخرين والدائرة تدور
تحياتى الخالصة ودعواتى الصادقة

هشام النجار
21-07-2014, 11:53 AM
قصة راصدة للحال التي باتت تحيط بالأمة من كل مكان ، ودور الإعلام المغرض والمحرض فيها ، ومحاولة الساسة الفاسدين الهروب للأمام تنصر من مسؤوليتهم عن بث حالة من الحقد والتناحر والإرهاب في المجتمع والتهم جاهزة ومعلبة وقد اختلط الحابل بالنابل.

كل ما أحب أن أنبه إليه هو أننا إذ نرصد دور فساد الحاكم وأثره في إفساد المجتمع أن لا نسهم في تبرير الفساد أيا كان مصدره وسببه.

تقديري

كالعادة حضور راق يليق بمقام قيمة وقامة أدبية وفكرية رفيعة .
تعجز الكلمات عن التعبير عن الشكر والامتنان
بارك الله فيك أستاذنا القدير وأمدك بمدد من عنده
تحياتى وتقديرى وكل عام وأنتم بخير

نداء غريب صبري
17-09-2014, 09:44 PM
أسلوب قصصي رائع وتحليل للمصيبة التي تعيشها أمتنا وكشف لخبايا اللعبة السياسية التي جعلتنا جميعا ضحايا منتظرين لعملية ذبح
العنوان قوي وموجه

شكرا لك أخي

بوركت

د.حسين جاسم
11-08-2015, 12:10 PM
أسلوب مختلف في تصوير المشهد، كأني أتابعه على الشاشة، ولغة رائعة في التعبير عن الفكر والمشاعر المجنون في رأسيهما

تقديري

هشام النجار
30-04-2016, 04:05 PM
أسلوب قصصي رائع وتحليل للمصيبة التي تعيشها أمتنا وكشف لخبايا اللعبة السياسية التي جعلتنا جميعا ضحايا منتظرين لعملية ذبح
العنوان قوي وموجه

شكرا لك أخي

بوركت

بوركتى سيدتى الأديبة والمبدعة الراقية نداء غريب صبرى .. لك الشكر الجزيل على مرورك وتوقيعك الثرى .. تقبلى منى خالص التحية وعظيم الإمتنان والتقدير .
:001:

آمال المصري
26-09-2016, 10:49 PM
قراءة واحدة لاتكفي لتلك الرائعة التي تستحوذ على المتلقي وتجعله يعيش معها
لي عودة متكررة لاستمتع بالقراءة هنا
تحية وتقدير