مشاهدة النسخة كاملة : هل لنا أن نتعلم كيف نتحاور ونختلف؟!!
مسعد حجازى
08-12-2004, 11:51 PM
هل لنا أن نتعلم كيف نتحاور ونختلف؟!!
بقلم : مسعد حجازى ـ كندا ـ تورونتو
كاتب وصحفى مصرى ـ كندى
حقيقة أنا فى دهشة إلى حد الذهول من ظاهرة الجدل السائد فى الصحافة العربية والإعلام العربى بصفة عامة وفى مواقع كثيرة على الإنترنت حول قضايا جدلية كثيرة أغلبها لا يمت للواقع العربى الحالى الأليم والمفجع بصلة ، ويدهشنى أكثر نبرة الحوار والخطاب الإعلامى خاصة فى كثير من البرامج التليفزيونية والذى هو أشبه ما يكون " بحوار الطرشان " ، وغالبا ما يتسم بالتشنج والإنفعال والتفكير العاطفى وخلط الأوراق والتعميم والتسرع فى إصدار الأحكام ، ويكاد يتوه فيه صوت العقل والحكمة والهدوء والتروى ، ونادرا جدا ما تقرأ أو تسمع أحد المتحاورين يقول للطرف الأخر ـ خاصة فى حوار حول قضايا خلافية سياسية أو دينية ـ "يبدو أن رأيى قد جانبه الصواب فلم أكن أعرف هذه المعلومة أو على بينه بتلك الحقائق والبراهين التى ذكرتها"
مع ان الإعتراف بالحق فضيلة كما يقول المثل الشائع... الكل يريد أن يتكلم كثيرا ويسمع قليلا أو يسمع فقط ما يريد أن يسمعه أو يقاطع من يتحدث بأسلوب إستفزازى.
وفى أغلب الأحيان يخرج الحوار عن القضية الأصلية ويتفرع الى قضايا فرعية أو منفصلة أو ينتقل من العام إلى الخاص فتحدث البلبلة والشوشرة ويتحول المتحاورون بقدرة قادر إلى أجهزة إرسال فقط دون إستقبال !!
لماذا تسود هذه الظاهرة فى مجتمعاتنا العربية أكثر من غيرها؟!
هل هو هروب لا شعورى من الواقع المر الأليم والمهين؟
هل هو نتيجة لتزايد مشاعر الإحباط واليأس من تغيير هذا الواقع؟
هل هو شعور الشخص بفقدان الهوية أم محاولة لتحقيق وإثبات الذات؟
هل هو شعور بالنقص أو الظلم أو هو حب الظهور على شاشة التليفزيون والسلام أم هو الرغبة والتطلع إلى زعامة ما من خلال ترديد شعارات جوفاء وعبارات رنانة طنانة كالببغاء قد مضى عهدها وثبت زيفها وأصبحت لا ترقى لمستوى الأحداث والقضايا المصيرية والأخطار الجسام التى تواجه أمتنا اليوم وغدا ؟!
كيف يتشدق البعض منا فى العالم العربى ـ أفرادا كانوا أو أحزاب وحكومات ـ بالحرية والديمقراطية بينما هم يحجرون ويصادرون الرأى الأخر وينكلون به ؟!
هل الخطأ أساسا يكمن فى أسلوب الحوار أم فى طريقة تفكير العقل العربى؟!
وإذا كان هذا كله يحدث بين شعوب وقوم يتحدثون لغة واحدة وبينهم الكثير من العادات والتقاليد المشتركة فماذا يفعلون وكيف يتحاورون مع شعوب أخرى أجنبية تتحدث لغات أجنبية غريبة ولها عادات وتقاليد وبيئات إجتماعية مختلفة؟!
كيف يستقيم حق حرية التعبير مع أسلوب القذف أو التشهير أو أسلوب الغمز واللمز والتنابز بالألقاب؟
ولماذا يتحاور بعضنا والكثيرون منا مع الأخر من منطلق أن هذا الآخر مدان إلى أن تثبت براءته لا العكس؟!
كيف يكون الحوار بناء إذا إستسهل الكثيرون منا اللجوء إلى التفسير التأمرى لكثير من الأحداث والقضايا الملحة التى تواجهنا عمال على بطال رغم إعترافى بأن عالم السياسة ملئ بالدسائس والمؤامرات؟! أو ليس فى هذا إعتراف منا بالعجز والقصور أو الكسل والتراخى عن البحث والتدقيق أو عن الفهم الصحيح ؟!!
إذن ما الجدوى من الحوار أصلا إذا ماتشبث كل طرف برأيه وموقفه رغم الخطأ الواضح أو النقص فى المعلومات؟!
حقيقة أنا لا أعرف الإجابة ولكنها كلها أسئلة أطرحها للجدل البناء والنقاش المفيد على الساحة العربية بأسرها.
وإذا كان لا بد من الخلاف ـ وهو أمر طبيعى يحدث بين البشر وحتى بين الأخ وأخيه ـ فلماذا لا نعرف أو حتى نحاول أن نتعلم كيف نختلف؟!
أتذكر أننى سمعت "تب أونيل" رئيس مجلس النواب الأمريكى المخضرم عن الحزب الديمقراطى يروى موقفا حدث بينه وبين الرئيس الأمريكى الجمهورى رونالد ريجان أثناء المناقشات الحامية فى الكونجرس حول صفقة بيع طائرات " الأواكس" الأمريكية للمملكة العربية السعودية ، وكان ريجان يتصل ببعض أعضاء الكونجرس الأمريكى المنقسم لإقناعهم بضرورة الموافقة على الصفقة ، وفى أحد الأيام إتصل الرئيس ريجان بـ " تب أونيل " الذى كان يعارض الموافقة على بيع طائرات الأواكس التى تحتوى على أدق وأحدث وأخطر الأسرار التكنولوجية الأمريكية لدولة أجنبية واحتد النقاش بينهما واستمر لأكثر من ساعة كاملة وكان ريجان رئيسا جديدا ولم يتفق الإثنان على موقف ، ويروى تب أونيل أنه إتصل تليفونيا بالرئيس رونالد ريجان فى السابعة والنصف من مساء نفس اليوم ليسأله عما إذا كان وقته يسمح لأن يدعوه إلى البيت الأبيض على فنجان قهوة أو أحد المشروبات (كلاهما من أصل أيرلندى) ويبدو أن ريجان كان لا يزال غاضبا
من بعض ما دار بينهما أثناء النقاش قبل ساعات قليلة ولم يستطع أن يخفى مشاعره فقال لـ تب أونيل : " تب إننى حقا فى دهشة وإستغراب من طلبك هذا بعد إحتد النقاش بيننا وأغضب كل منا الآخر ظهر اليوم فكيف تريد أن تأتى للحديث والتسامر؟!!
فرد عليه السياسى المخضرم تب أونيل قائلا: " سيدى الرئيس لقد حدث هذا قبل الساعة السادسة مساء وأثناء مواعيد العمل الرسمية ونحن الآن فى السابعة مساء".
قضايانا كبيرة وشائكة ومعقدة ومعظمها عادلة وتحتاج الى قوة كبيرة للدفاع عنها وإيجاد حلول جذرية لها وهذا فى رأيى لا يتحقق إلا بإعمال العقل والتفكير والإيمان القوى المستنير واتحادنا وتماسكنا لا بمزيد من الفرقة والإنقسام فنحن جميعا فى سفينة واحدة فى وسط محيط هذا العالم وأري الأمواج العالية والأعاصير تتلاطم على السفينة من كل جانب ، ورياح الخطر تهب على المنطقة بأسرها فى وقت أرى الكثيرين منا فى عالمنا العربى يخوضون معارك جدلية عقيمة لن تغير من واقعنا المأساوى الأليم أو تدرأ خطرا فمن أين لنا كل هذه الرفاهية؟!
منذ ما يقرب من أربعين عاما قال المفكر الكندى الكبير مارشال مكلوهان كلمته الشهيرة:
" إن أكثر ما يقلقنى ويشغل تفكيرى هو أن ندخل كشعوب القرن الحادى والعشرين ونحن لا زلنا نجر معنا قيود وأغلال القرن التاسع عشر".
مسعد حجازى
عمرو اسماعيل
08-12-2004, 11:58 PM
تحية لك يا أخي مسعد علي طرحك القيم لهذه القضية الحساسة وكم اتمني من الابنة لحظة صدق تثبيت هذا الموضوع
بارك الله في قلمك وفكرك
لحظة صدق
09-12-2004, 12:07 AM
حاضر يا استاذى الفاضل د عمر
وأسفه على قلة توجدى لانى هذه الايام أعانى من وعكة صحية
ابنتك مها
عمرو اسماعيل
09-12-2004, 03:00 AM
هل لنا أن نتعلم كيف نتحاور ونختلف؟!!
بقلم : مسعد حجازى ـ كندا ـ تورونتو
كاتب وصحفى مصرى ـ كندى
قضايانا كبيرة وشائكة ومعقدة ومعظمها عادلة وتحتاج الى قوة كبيرة للدفاع عنها وإيجاد حلول جذرية لها وهذا فى رأيى لا يتحقق إلا بإعمال العقل والتفكير والإيمان القوى المستنير واتحادنا وتماسكنا لا بمزيد من الفرقة والإنقسام فنحن جميعا فى سفينة واحدة فى وسط محيط هذا العالم وأري الأمواج العالية والأعاصير تتلاطم على السفينة من كل جانب ، ورياح الخطر تهب على المنطقة بأسرها فى وقت أرى الكثيرين منا فى عالمنا العربى يخوضون معارك جدلية عقيمة لن تغير من واقعنا المأساوى الأليم أو تدرأ خطرا فمن أين لنا كل هذه الرفاهية؟!
".
مسعد حجازى
اشكرك يا ابنتي مها الغالية علي تثبيت الموضوع وكم أتمني من كل قراء هذه الواحة الجميلة قراءة الكلمات السابقة للأستاذ الفاضل والكاتب الكبير مسعد حجازي فكم هي صادقة .. واتساءل معه من أين لنا كل هذه الرفاهية لاضاعة كل جهودنا في معارك جدلية تشتت جهودنا ..تحياتي لكما
شاكرين طبعا للأستاذ مسعد ذلك الطرح الجميل
و لا أخفى عليكم ان هذه المواضيع تكاد تكون شغلى الشاغل منذ حوالى اربع سنوات .. و مع بدء الحوار عبر الإنترنت .. فبعد كل مناقشة بيزنطية ابدأ فى سؤال نفسى .. هل وصلنا الى حل ؟ .. هل وصلنا الى ارضية مشتركة ؟ هل تحرك موقفى قليلا ؟ .. هل تحرك موقف محاورى قليلا ؟
و كانت الإجابات لا تسر .. مما جعلنى اطرح فكرة النقاش جانبا .. و ابدأ ما يشبه المنولوج أو الحوار الأحادى .. اتكلم مع نفسى .. و اترك القراء يحكمون .. مع ترك الحرية لهم للأقتناع من عدمه ..
اتمنى من كل قلبى الا يغضب احدا .. فسوف أنقد نقدا قاسيا .. العبد لله صريح .. و أرى أن الحق لا يتجزأ .. و أن الحق أحق أن يتبع ..
العيوب الحقيقة كثيرة جدا .. و هى فى رايى تنقسم الى قسمين ..
أولا .. التخلف الفكرى أساسا ..
لا شك و بدون جدال .. و أظن انه لن يعارضى كثيرون فى هذه الفكرة التالية .. نحن متهلفون عن ركب الحضارة تخلفا كبيرا .. علميا – زراعيا – صناعيا – تجاريا – عسكريا – رياضيا – سياسيا
نتذيل دول العالم تقريبا فى جميــــــــــــع .. و أكررها (جميع) تقارير منظمات العالم ..
حقوق انسان – شفافية – مشاركة الفرد فى صنع القرار – ديمقراطية – نزاهة
بالله عليك .. اعطنى سببا واحدا لأن نكون بعد كل مظاهر التخلف هذه .. أن نكون متقدمين فكريا .. !! مستحيل .. بل من رابع المستحيلات .. المادة انعكاس للفكر .. و تخلفنا المادى دليل واضح و أكيد على تخلفنا الفكرى ..
و بهذا .. فإنه .. و كحكم عام .. فإن مجموع الأفكار السائدة فى مجتمعاتنا .. و أكثرها رواجا .. انما هى افكار متخلفة..
شاملا ..
نظرية المؤامرة – ان العالم كله يكرهنا – العالم كله يتآمر علينا – لأن الإسلام دين عظيم .. فنحن بدورنا كمسلمين أناس عظماء – اننا أفضل من الآخرين – و اننا طيبين و فى حالنا .. و المصائب تسعى الينا – ان الأخرين كفار – و باعتبارهم كفار فإنهم يستحقون الإحتقار – و بالتالى دمائهم رخيصة أو شبه مباحة – تمجيد الديكتاتوريات – ضربة الكرباج الممسوك بيد أجنبية تؤلم أكثر من ضربة الكرباج الممسوكة بيد أجنبية – نظرية الشماعة
و هنا يقع لوم كبير على عموم الناس .. لأنى أرها تستسهل الحلول السهلة .. و لا يعمدون الى التفكير العميق الجدى المتجرد .. و لا يريدون الوصول الى الحقائق لأنها مؤلمة .. و لا يواجهون أنفسهم كما قلت معاليكم "وقفة مع النفس" .. و لا يعترف المريض بأنه مريض كما تفضلتم سعادتكم .. بل يظن نفسة أصح الأصحاء
لقد ظل الناس يركنون الى هذه الأساليب حتى صارت جزءا من تكوينهم .. عالم كبير من الأوهام و المغالطات .. حتى انى قلت لأحد المحاورين "نحن نعيش عالمين مختلفين .. و الحوار مقطوع" .. لا توجد أرضية مشتركة .. ولا مفاهيم متفق عليها .. و بالتالى يصبح الحوار كحوار الطرشان .. أو حوار اثنين احدهما يتكلم الصينية و الآخر يتكلم الأسبانية مثلا ..
التفكير السهل .. أصبح ادمانا .. و اصبحنا نتلذذ بدور الضحية .. و اصبحنا نتعامل بعدوانية مع كل من يريد ايقاظنا .. و لهذا يحصل الصدام من أول لحظة و من أول كلمة فى أى حوار ..
على الجانب الآخر .. هناك أناس شاء لهم قدرهم التعيس أن يروا- لسبب أو اخر - الوجه الآخر من العملة .. الوجه الآخر من الحقيقة .. و أن يدركوا حجم الضياع و التيه الذى نعانية .. و أن يبصروا نهاية الطريق الذى نسير فيه .. فكروا و امعنوا الفكر بتجرد وواجهوا الام الإعتراف بأخطائنا .. و حددوا طريق الحل .. فكأنه يعيشون عالما اخرا غير الذى يعيش فيه عموم الناس
الحل لمثل هذه المعضلة .. هو الوصول الى اراض مشتركة و أن يتم الإتفاق حول مفاهيم و تعريفات محددة .. غير هذا التفاهم و تبادل الأراء .. مستحيل ..
يتبع ..
مسعد حجازى
10-12-2004, 04:21 AM
اشكرك يا ابنتي مها الغالية علي تثبيت الموضوع وكم أتمني من كل قراء هذه الواحة الجميلة قراءة الكلمات السابقة للأستاذ الفاضل والكاتب الكبير مسعد حجازي فكم هي صادقة .. واتساءل معه من أين لنا كل هذه الرفاهية لاضاعة كل جهودنا في معارك جدلية تشتت جهودنا ..تحياتي لكما
أخى العزيز د.عمرو اسماعيل
أخى الفاضل : الحر
الأستاذة الفاضلة د. مها
أخى الفاضل د. سمير العمرى
الأستاذ د. جمال مرسى
أخى الفاضل د. محمد الشناوى
الأستاذ محمد شعبان الموجى
الأخ الفاضل د. سيد ريحان
الأخ الفاضل د.عبد الوهاب القطب
الأخ الفاضل د. سيد ريحان وكل أعضاء الواحة الكرام
تعجز كلماتى مهما قلت عن التعبير عن شكرى وتقدديرى وإعتزازى بأشخاصكم ومشاعركم الجميلة الصادقة
وعقولكم المتفتحة وأقلامكم المبدعة ، ولا أعتقد أننى أستحق منكم أو من غيركم من الأخوة المشاركين فى الواحة كل هذا الثناء سواء فى تعليقاتكم على هذا المقال أو المقالات لأخرى التى نشرت فلا أنا أستاذ ولا صحفى كبير ولا كاتب كبير وهذا والله ليس تواضعا منى وإنما هى الحقيقة والصورة التى أراها لنفسى : مجرد صحفى وكاتب بدأ حياته العملية فى مصر فى مهنة البحث عن المتاعب ولكن بعد الهجرة يبدو لى أن المتاعب هى التى بحثت عنى ووجدتنى فى شمال أمريكا .
أنا دائما أحاول البحث عن الحقيقة وأن أكون صادقا مع نفسى فيما أكتب من أراء أو موضوعات ولعل هذا هو السبب فى أنها تصل إلى كل قارئ صادق دون حواجز ، وهى أولا وأخيرا أراء قد تحتمل الخطأ أو الصواب لكنها فى النهاية محصلة وخلاصة تجارب سنوات طويلة قضيتها فى العيش والإقامة والترحال خارج بلدى الأصلى مصر ودون أن أفقد ولو للحظة واحده الإتصال والتواصل معها ومع قضاياها وهمومها وأحلامها وتطلعاتها وهى جميعها لاتختلف كثيرا عن قضايا وهموم وأحلام وتطلعات أمتها العربية والإسلامية الإ فى الخصوصية بحكم الموقع والمكانة والدور والتأثير ، ولا أظننى قادرعلى الإنفصال حتى لو أردت لأننى أرى نفسى أشبه بسيارة كندية لكن وقودها فى مصر أحصل عليه بالزيارة كلما سنحت الظروف لرؤية الأهل والأصدقاء وزملاء الدراسة أو المهنة فى الوسط الصحفى وقبل الهجرة والإغتراب وهو إغتراب المكان بالجسد فقط . مجرد صحفى يدرك المسئولية الخطيرة للكلمة المكتوبة فهى إما قد تبعث الأمل فى إنسان يائس أو تدفع به إلى التهلكة. لست إلا نتاج ثقافتين وعالمين مختلفين وأضع نصب عينى دائما أفضل ما فيهما وحتى أكون جسرا يعبر عليه القارئ .
بارك الله فيكم يا إخوانى الأعزاء ودمتم ذخرا لأمتكم .
مسعد حجازى
د. سمير العمري
11-12-2004, 02:32 AM
الأخ مسعد:
الأخوة الأفاضل:
أشكر لك بداية طرحك لهذا الأمر الذي بات معضلة أساسية تحتاج حلاً أو على الأقل تصوراً مقنعاً ومنطقياً إذ لا يستقيم أمر دون حوار مثمر بناء ودون استيعاب لتباين الأراء ودون تجرد وبحث عن الحق والحقيقة. وأوافقك أخي في تفشي ظاهرة الجدل غير المثمر لأسباب قد نعود لها بالتحليل لاحقاً.
ولعلي أبدأ بأن أشير إلى أن عدم القدرة على الحوار هو ما أودى بالأمة في مدارك الردى وأورثها الضعف والجهل والهوان. بل إنني أرى أن عدم القدرة على الحوار مع النفس ومع الآخر أضاع الدين والوطن والقيم.
الحوار قيمة إسلامية
لقد نصت آيات كثيرة في القرآن وأكد ذلك الكثير مما ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. يقول تعالى:
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)
وفي هذه الآية الكريمة يتحدد المنهج العام للحوار واستقصاء المعاني الكبيرة والقيمة التي تحملها حروف هذه الآية يحتاج الكثير ولكني أستعيض عن الاستفاضة بالتوضيح السريع لمعالم منهج الحوار وفق التصور الإسلامي بما يجعله أصدق وأعظم وأكرم حوار يجدر أن يتبع.
أولاً يجب أن تكون الدعوة إلى سبيل الله "ادع إلى سبيل الله" وسبيل الله أوسع وأشمل من فهم قاصر في أذهان البعض بأنه الصلاة والصوم فحسب أو الحج والجهاد فقط. إن سبيل الله هو سبيل الحق فالله هو الحق ذو القوة المتين وهو سبيل الحياة وسبيل الممات ومنهج الدنيا والآخرة. فالدعوة إلى سبيل الله تتناول كل مناحي الحياة بمفهوم أن الله ما خلق الكون عبثاً وأن الإنسان ما خلق للهو واللعب بل لعبادة الله الواحد الأحد بالقول والفعل ، والعبادة أيضاً يتسع مفهومها لأكثر من الشعائر فالعمل عبادة والتفكير عبادة والزواج عبادة والأكل عبادة والتبسم واللهو الحلال عبادة.
ثانياً يجب أن تكون الدعوة "بالحكمة" وهذا باب كبير يتناول الكثير والكثير. الحكمة ؛ كلمة واحدة تشمل التفكير والعلم والطب والفطنة والفراسة والدراية والقدرة على تقدير الأمور والظروف العقلية والنفسية للمتلقي. فالحكمة إذن ركن أساسي من أركان الحوار الراقي فلا يمكن لخائض أن يخوض في حديث لا علم له فيه ولا أن يتدخل في أمر لا يعنيه ولا يجد فيه له قولاً ولا رأياً. هذا الأمر هو واحد من أهم ما أودى بالحوار إلى الهاوية إذ ترى الكل يدعي تمام المعرفة فيتحدث من لا يعرف كيف يتوضأ في العقيدة والتفسير ويفتي بما شاء ، ثم يأتي من لا علم عنده ولا دراية في أمور الطب فيشخص الداء ويصف الدواء ، ويأتي من لا علم عنده في لغة أو أدب فيصدر نفسه ناقداً للشعر والنثر ومفسراً للغة. لا يعني ما أقول أن هذا الأمر حكر على أناس دون غيرهم ولكني أقول بأن من شروط الحوار الحكمة وهي كما أوضحنا أكبر حتى من مجرد العلم.
ثالثاً يجب أن يكون الحوار "بالموعظة الحسنة" وهذا شرط مهم في منهج الحوار يتناول حسن اختيار الحجة أو الدليل والتجرد من المصلحة بحثاً عن الحق والحقيقة وهذا لا يتحقق إلا لمنصف جاد لا يستعرض قدراته على الإقناع بالتضليل سواء أكان يعي ذلك أم لا يعي. الموعظة الحسنة هي ما تشعر من يتحاور معك بصدقك وحرصك ويدفعه للحوار بقلب مفتوح وعقل متفتح.
رابعاً أن يخضع الحوار لأدب الحوار كما ورد في الآية "وجادلهم بالتي هي أحسن" إنه ترسيخ لأسلوب المسلم في الحوار فهو حوار لا تطاول فيه ولا تنابز ، ولا فسوق فيه ولا تخالف. إنه الحوار بحسن الخلق والحرص على أن يكون الحوار في كل مرة بالتي هي أحسن أي أنه لا يكفي أن يكون حسناً بل يجب على المحاور أن يبحث عن الأحسن والأنسب في كل مرة.
خامساً ما أشار إليه الحق تعالى من أن على المرء الحوار وتقديم الدليل والحجة وأن يتعامل المرء بالظاهر الصادق فلا يؤول ما يقبل تأويلاً ولا يحرف قول محاوره عن إطاره إمعاناً في التضليل أو بحثاً عن التفوق إذ لا يحق للمرء أن يشق على قلوب العباد لأن هذا هو أمر الله وبهذا جاء قوله "إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين".
هذه هي الأركان الخمس للحوار وفق المنظور الإسلامي بما نصت عليه هذه الآية الكريمة والتي تحتاج كتاباً لتفسيرها بشكل مستفيض فيكون فيه المرجع لأفضل مناهج الحوار الإنساني.
أسلوب الحوار
يتلخص أسلوب الحوار في هذه المحاور الثلاثة:
أولاً اللين والود:
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159)
هنا يوجه الله الخطاب إلى الرسول الكريم فيأمره بالعفو والاستغفار والمشاورة ويذكره بلين الجانب والبعد عن الفظاظة وغلظة القلب. الله خالقنا وخالق كل شيء وهو الأعلم بنا يشير إلى إمكانية أن ينفض المؤمنون عن الرسول عليه السلام لو لم يكن معهم ليناً كريماً ودوداً يعفو عن مسيئهم ويستغفر له ويشاورهم في أمر الأمة بلين ورفق ، أليس أحرى بنا نحن أن نتعلم من هذا وندرك أن حسن الخلق ولين الجانب ووضع العذر حتى لمن أساء هو أهم أسس الأسلوب الناجع للحوار؟؟ إن العاقل ليتأمل فيدرك.
ثانياً: البصيرة:
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)
لا يكون أسلوب الحوار ناجعاً ومثمراً بلا بصيرة توجهه أو فكر يقوده. لا يمكن أن يكون الحوار بالعاطفة فحسب بل إن العقل والمنطق هو ما ينجح بالحوار. العاطفة لا تقوم إلا على الهتافات والشعارات تلك التي لطالما أوردتنا المهالك وأزرت بنا. إننا بحاجة إلى الحوار على بصيرة بمنطق سليم وفكر قويم وإلا فلا ضرورة له.
ثالثاً: ضرب الأمثلة لتقريب الصورة:
(إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) (البقرة:26)
وهذا منهج الله الذي أقره فلا يزال يضرب الأمثلة ليقربها إلى الأذهان. الجدير بالذكر في هذا المقام أن ضرب الأمثلة مع من لا يميز الخبيث من الطيب ولا يرى في الكون سواه لا يثمر خيراً فتجد المحاور بل لنقل المجادل يترك أصل الموضوع ليمسك في تفاصيل المثل ويخرج الحوار عن إطاره. هي إذن موهبة يجب على المرء أن يتعلم الممارسة عليها واختيار مضمونها وتوقيتها فهي تمثل تعبيراً عن التوجه والرؤية وتعلن عن المنبع الذي يستقي المحاور منه فكره ودعواه. ولعلي هنا أشير لأمثلة ضربها أخي الكريم مسعد ليوضح الصورة ولكنها كشفت هنا عن المنبع الذي يستقي منه فكره ولست هنا إلا أضرب المثل وإن كنت تمنيت لو ينتبه المسلمون إلى كنوز معرفتهم وعلومهم فيحيوها بدل أن يتركوا الجهلة يميتوها بجهلهم.
أدب الخلاف
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64)
هي الكلمة إذن التي بين المتحاورين. كلمة سواء لا باطل فيها ولا ضلال. إن الحوار هو السبيل الوحيد لنشر الفكر وتلقيحه وإحقاق الحق وإزهاق الباطل ولقد ضرب الله لنا المثل تلو المثل في القرآن وصرف للناس من كل مثل. فلنتذكر مثل ما فعل سيدنا إبراهيم يوم وقف أمام جبروت النمرود يحاجه حجة بحجة لا سباباً بسباب أو تسفيها بتسفيه حتى بهت الذي كفر وانتصر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً. قال تعالى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:258)
وإذا كان الله تعالى قد حاور الشيطان الرجيم فكيف لا أحاور أخواني من المسلمين وغيري من غيرهم؟ يقول تعالى:
(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (صّ: 76- 75)
إن الله تعالى يجسد لنا هنا المنهج في الحوار مع الجميع وإن كانوا أعداء بما يكون فيه نتيجة تنفع الأمة أو تحقق المصلحة للبشرية. ولعلنا نسوق مثلاً مما حدث في قصة البيعة تحت الشجرة عندما حاور الرسول عليه السلام المشركين الأعداء يومها واتفقوا على ما رأى فيه مصلحة الأمة وما رأوا فيه مصلحتهم. ونذكر كيف رفض عمر هذا الصلح وحاور النبي حتى أقنعه بالحجة.
هذا هو السبيل الحق الذي يدعو الله المسلمين للعمل به. وهذا هو سبيل الحوار الأمثل والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة على بصيرة لا بالهتافات والعواطف وردود الأفعال.
هذا والله أسأل أن يلهمنا ما فيه الخير والسداد.
وسأعود إلى رد أخي الكريم الحر مفنداً متى سمح وقتي بإذن الله.
تحياتي وتقديري
:os::os:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
شكرا لجميع التعليقات الكريمة .. و العبد لله مستعد للحوار ..
كنت قد قلت ان الموضوع له شقين .. فى الحقيقة لقد حعلتهم ثلاثة .. فدعونا نتتطرق لهم باختصار و دون ابطاء ..
ثانيا .. نوعيات المتحاورين ..
المفروض - من وجهة نظرى - ان الحوار الغرض منه الوصول للحقيقة .. و لكن للأسف ليست هذا هو الواقع دائما ..
فهناك ثلاث انماط واضحة وضوح الشمي تنتشر فى الحوار .. و هذه ليس هدفها الوصول الى الحقيقة .. و لكن هدفها - لسبب أو اخر - قيادة المحاور الى نتيجة معينة محددة سلفا ..
الأنواع الثلاثة التى نجدها فى العالم العربى ..
01 - فئة يختلط فيها الأصوليين بدرجاتهم ..
02 - فئة يختلط فيها اليساريون و الفكر الماركسى بدرجاته
03 - فئة منحازين للسلطة الحاكمة و أشهرهم الصحفيون
ثالثا .. ممارسات الحوار الخاطئة ..
الأخوة من الفئة الأول يستغلون العاطفى الدينية .. و غالبا ما يتحدثون بطريقة توحى بأنهم الوحيدون الغيورون على الإسلام ... و يمارسون ارهاب التكفير .. تصريحا أو تلميحا
الأخوة من الفئة الثانية يستغلون عاطفة الإنتماء للوطن و الجماعة و غالبا ما يتحدثون بطريقة توحى بأنهم الوحيدون الغيورون على الوطن و الجماعة ... و يمارسون ارهاب التخوين و ااطلاق تهم العمالة .. تصريحا أو تلميحا
النوع الثالث .. خليط من النوع الأول و الثانى مع توظيف الممارسات لصالح الحاكم ..
و مع هذا فهناك ممارسات و اخطاء عمومية كثيرة يقع فيها الكثيرون ..
منها ..
التعميم - اطلاق التهم دون بينة - اطلاق الكلام دون ادلة واضحة - انصاف الجمل - اللف و الدوران - تشعيب المواضيع - قراءة التاريه قراءة خاطئة - البعد عن المنطق - البعد عن الطرم العلمى ..
و الله أعلم
و تقبلوا فائق التحية
أخوكم المحب
الحر
د. محمد الشناوي
11-12-2004, 07:48 AM
أخي الحبيب الأستاذ مسعد حجازي
السلام عليكم
شرفت واحتنا يا أخي بانضمامك إلينا
وجزاك الله خيرا على طرح هذا الموضوع
وشكرا لكل من أدلى فيه بدلو أو ذَنوب
دمت في رضا الرحمن:0014:
مسعد حجازى
13-12-2004, 06:39 AM
الأخ مسعد:
الأخوة الأفاضل:
أشكر لك بداية طرحك لهذا الأمر الذي بات معضلة أساسية تحتاج حلاً أو على الأقل تصوراً مقنعاً ومنطقياً إذ لا يستقيم أمر دون حوار مثمر بناء ودون استيعاب لتباين الأراء ودون تجرد وبحث عن الحق والحقيقة. وأوافقك أخي في تفشي ظاهرة الجدل غير المثمر لأسباب قد نعود لها بالتحليل لاحقاً.
ولعلي أبدأ بأن أشير إلى أن عدم القدرة على الحوار هو ما أودى بالأمة في مدارك الردى وأورثها الضعف والجهل والهوان. بل إنني أرى أن عدم القدرة على الحوار مع النفس ومع الآخر أضاع الدين والوطن والقيم.
الحوار قيمة إسلامية
لقد نصت آيات كثيرة في القرآن وأكد ذلك الكثير مما ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. يقول تعالى:
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)
وفي هذه الآية الكريمة يتحدد المنهج العام للحوار واستقصاء المعاني الكبيرة والقيمة التي تحملها حروف هذه الآية يحتاج الكثير ولكني أستعيض عن الاستفاضة بالتوضيح السريع لمعالم منهج الحوار وفق التصور الإسلامي بما يجعله أصدق وأعظم وأكرم حوار يجدر أن يتبع.
أولاً يجب أن تكون الدعوة إلى سبيل الله "ادع إلى سبيل الله" وسبيل الله أوسع وأشمل من فهم قاصر في أذهان البعض بأنه الصلاة والصوم فحسب أو الحج والجهاد فقط. إن سبيل الله هو سبيل الحق فالله هو الحق ذو القوة المتين وهو سبيل الحياة وسبيل الممات ومنهج الدنيا والآخرة. فالدعوة إلى سبيل الله تتناول كل مناحي الحياة بمفهوم أن الله ما خلق الكون عبثاً وأن الإنسان ما خلق للهو واللعب بل لعبادة الله الواحد الأحد بالقول والفعل ، والعبادة أيضاً يتسع مفهومها لأكثر من الشعائر فالعمل عبادة والتفكير عبادة والزواج عبادة والأكل عبادة والتبسم واللهو الحلال عبادة.
ثانياً يجب أن تكون الدعوة "بالحكمة" وهذا باب كبير يتناول الكثير والكثير. الحكمة ؛ كلمة واحدة تشمل التفكير والعلم والطب والفطنة والفراسة والدراية والقدرة على تقدير الأمور والظروف العقلية والنفسية للمتلقي. فالحكمة إذن ركن أساسي من أركان الحوار الراقي فلا يمكن لخائض أن يخوض في حديث لا علم له فيه ولا أن يتدخل في أمر لا يعنيه ولا يجد فيه له قولاً ولا رأياً. هذا الأمر هو واحد من أهم ما أودى بالحوار إلى الهاوية إذ ترى الكل يدعي تمام المعرفة فيتحدث من لا يعرف كيف يتوضأ في العقيدة والتفسير ويفتي بما شاء ، ثم يأتي من لا علم عنده ولا دراية في أمور الطب فيشخص الداء ويصف الدواء ، ويأتي من لا علم عنده في لغة أو أدب فيصدر نفسه ناقداً للشعر والنثر ومفسراً للغة. لا يعني ما أقول أن هذا الأمر حكر على أناس دون غيرهم ولكني أقول بأن من شروط الحوار الحكمة وهي كما أوضحنا أكبر حتى من مجرد العلم.
ثالثاً يجب أن يكون الحوار "بالموعظة الحسنة" وهذا شرط مهم في منهج الحوار يتناول حسن اختيار الحجة أو الدليل والتجرد من المصلحة بحثاً عن الحق والحقيقة وهذا لا يتحقق إلا لمنصف جاد لا يستعرض قدراته على الإقناع بالتضليل سواء أكان يعي ذلك أم لا يعي. الموعظة الحسنة هي ما تشعر من يتحاور معك بصدقك وحرصك ويدفعه للحوار بقلب مفتوح وعقل متفتح.
رابعاً أن يخضع الحوار لأدب الحوار كما ورد في الآية "وجادلهم بالتي هي أحسن" إنه ترسيخ لأسلوب المسلم في الحوار فهو حوار لا تطاول فيه ولا تنابز ، ولا فسوق فيه ولا تخالف. إنه الحوار بحسن الخلق والحرص على أن يكون الحوار في كل مرة بالتي هي أحسن أي أنه لا يكفي أن يكون حسناً بل يجب على المحاور أن يبحث عن الأحسن والأنسب في كل مرة.
خامساً ما أشار إليه الحق تعالى من أن على المرء الحوار وتقديم الدليل والحجة وأن يتعامل المرء بالظاهر الصادق فلا يؤول ما يقبل تأويلاً ولا يحرف قول محاوره عن إطاره إمعاناً في التضليل أو بحثاً عن التفوق إذ لا يحق للمرء أن يشق على قلوب العباد لأن هذا هو أمر الله وبهذا جاء قوله "إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين".
هذه هي الأركان الخمس للحوار وفق المنظور الإسلامي بما نصت عليه هذه الآية الكريمة والتي تحتاج كتاباً لتفسيرها بشكل مستفيض فيكون فيه المرجع لأفضل مناهج الحوار الإنساني.
أسلوب الحوار
يتلخص أسلوب الحوار في هذه المحاور الثلاثة:
أولاً اللين والود:
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159)
هنا يوجه الله الخطاب إلى الرسول الكريم فيأمره بالعفو والاستغفار والمشاورة ويذكره بلين الجانب والبعد عن الفظاظة وغلظة القلب. الله خالقنا وخالق كل شيء وهو الأعلم بنا يشير إلى إمكانية أن ينفض المؤمنون عن الرسول عليه السلام لو لم يكن معهم ليناً كريماً ودوداً يعفو عن مسيئهم ويستغفر له ويشاورهم في أمر الأمة بلين ورفق ، أليس أحرى بنا نحن أن نتعلم من هذا وندرك أن حسن الخلق ولين الجانب ووضع العذر حتى لمن أساء هو أهم أسس الأسلوب الناجع للحوار؟؟ إن العاقل ليتأمل فيدرك.
ثانياً: البصيرة:
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)
لا يكون أسلوب الحوار ناجعاً ومثمراً بلا بصيرة توجهه أو فكر يقوده. لا يمكن أن يكون الحوار بالعاطفة فحسب بل إن العقل والمنطق هو ما ينجح بالحوار. العاطفة لا تقوم إلا على الهتافات والشعارات تلك التي لطالما أوردتنا المهالك وأزرت بنا. إننا بحاجة إلى الحوار على بصيرة بمنطق سليم وفكر قويم وإلا فلا ضرورة له.
ثالثاً: ضرب الأمثلة لتقريب الصورة:
(إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) (البقرة:26)
وهذا منهج الله الذي أقره فلا يزال يضرب الأمثلة ليقربها إلى الأذهان. الجدير بالذكر في هذا المقام أن ضرب الأمثلة مع من لا يميز الخبيث من الطيب ولا يرى في الكون سواه لا يثمر خيراً فتجد المحاور بل لنقل المجادل يترك أصل الموضوع ليمسك في تفاصيل المثل ويخرج الحوار عن إطاره. هي إذن موهبة يجب على المرء أن يتعلم الممارسة عليها واختيار مضمونها وتوقيتها فهي تمثل تعبيراً عن التوجه والرؤية وتعلن عن المنبع الذي يستقي المحاور منه فكره ودعواه. ولعلي هنا أشير لأمثلة ضربها أخي الكريم مسعد ليوضح الصورة ولكنها كشفت هنا عن المنبع الذي يستقي منه فكره ولست هنا إلا أضرب المثل وإن كنت تمنيت لو ينتبه المسلمون إلى كنوز معرفتهم وعلومهم فيحيوها بدل أن يتركوا الجهلة يميتوها بجهلهم.
أدب الخلاف
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64)
هي الكلمة إذن التي بين المتحاورين. كلمة سواء لا باطل فيها ولا ضلال. إن الحوار هو السبيل الوحيد لنشر الفكر وتلقيحه وإحقاق الحق وإزهاق الباطل ولقد ضرب الله لنا المثل تلو المثل في القرآن وصرف للناس من كل مثل. فلنتذكر مثل ما فعل سيدنا إبراهيم يوم وقف أمام جبروت النمرود يحاجه حجة بحجة لا سباباً بسباب أو تسفيها بتسفيه حتى بهت الذي كفر وانتصر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً. قال تعالى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:258)
وإذا كان الله تعالى قد حاور الشيطان الرجيم فكيف لا أحاور أخواني من المسلمين وغيري من غيرهم؟ يقول تعالى:
(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (صّ: 76- 75)
إن الله تعالى يجسد لنا هنا المنهج في الحوار مع الجميع وإن كانوا أعداء بما يكون فيه نتيجة تنفع الأمة أو تحقق المصلحة للبشرية. ولعلنا نسوق مثلاً مما حدث في قصة البيعة تحت الشجرة عندما حاور الرسول عليه السلام المشركين الأعداء يومها واتفقوا على ما رأى فيه مصلحة الأمة وما رأوا فيه مصلحتهم. ونذكر كيف رفض عمر هذا الصلح وحاور النبي حتى أقنعه بالحجة.
هذا هو السبيل الحق الذي يدعو الله المسلمين للعمل به. وهذا هو سبيل الحوار الأمثل والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة على بصيرة لا بالهتافات والعواطف وردود الأفعال.
هذا والله أسأل أن يلهمنا ما فيه الخير والسداد.
وسأعود إلى رد أخي الكريم الحر مفنداً متى سمح وقتي بإذن الله.
تحياتي وتقديري
:os::os:
إلى أخى الفاضل د. سمير العمري
أشكرك ياأخى الفاضل على تعليقك وطرحك الرائع على مقال " هل لنا أن نتعلم كيف نتحاور ونختلف ؟!!" وأرجو أن يتسع صدرك لكلمتى هذه بما عرفته عنك كرجل جامع لخصال الخير ومن رجاحة عقل وسعة أفق وإيمان راسخ بحرية التعبير وحتى نعطى المثل والقدوة على الحوارالمتعقل الهادئ والمتحضر ونحن أولا وأخيرا أخوة فى الدين والعقيدة والعروبة ولا ننشد إلا ما فيه الخير والصلاح للبلاد والعباد ورفعة شأن ديننا الحنيف ـ دين الفطرة والحكمة والموعظة الحسنة .
أخى الكريم أكاد أتفق معك فى كل ما ذكرت إلا فى جزئية واحدة سأتعرض لها لاحقا.
لقد قدمت ياأخى سمير طرحا جميلا فى ردك باستشهادك بالعديد من الأيات القرآنية والحجج الدينية ولكن أرجو أن تسمح لى بأن أسألك سؤالا:
ألا تتفق معي ياأخى أن غالبية المسلمين فى عالمنا العربى وعالمنا الإسلامى قد سمعت من قبل ولا زالت تسمع كل ما استشهدت به من أيات قرآنية سواء فى المساجد وخطب الجمعة وفى البرامج الدينية فى أجهزة الإعلام المختلفة وفى إذاعات القرآن الكريم ولا يكاد يخلو بيت الفرد المسلم من المصحف الشريف ومن كتب دينية وكتب التراث وعلى الرغم من ذلك كله تتفشى هذه الظاهرة المؤسفة فى الجدل والحوار خاصة فى عالمنا العربى والإسلامى؟!! إذن فالسؤال لا يزال مطروحا : لماذا تتفشى هذه الظاهرة رغم كل ما ذكرته فى طرحك الجميل ؟ لا بد أن هناك أسباب أخرى كثيرة فى إنتشار هذه الظاهرة وتفشيها وهذه هى النقطة الجوهرية المحورية فى موضوع المقال الذى طالبت بطرحه للنقاش والجدل الموضوعى المثمر فى عالمنا العربى بأسره عسانا أن نجد حلولا عملية لهذه المشكلة أو المعضلة.
لقد ذكرت ياأخى سمير فى ردك وتعليقك أن الحوار قيمة إسلامية ودللت على ذلك بالآية الكريمة : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)
وقدمت ياأخى شرحا رائعا لها ، وأنا أتفق معك تماما فى أن " الحوار قيمة إسلامية" غير أنى أود أن أضيف على هذه العبارة كلمة " وإنسانية"
لأن عوالم أخرى غير إسلامية تتحاور أيضا فيما بينها وأنا هنا لا أعتقد أن ثمة تعارض بين كلمة " إسلامية " وكلمة " إنسانية " ولعلك توافقنى ياأخى سمير على أن الإسلام هو فى جوهره دين الإنسانية ـ الإنسانية بالمعنى والمفهوم الواسع لهذ الكلمة .
أما النقطة الوحيدة التى أختلف معك فيها ياأخى سمير فهى قولك:
" ولعلي هنا أشير لأمثلة ضربها أخي الكريم مسعد ليوضح الصورة ولكنها كشفت هنا عن المنبع الذي يستقي منه فكره ولست هنا إلا أضرب المثل وإن كنت تمنيت لو ينتبه المسلمون إلى كنوز معرفتهم وعلومهم فيحيوها بدل أن يتركوا الجهلة يميتوها بجهلهم."
وأرجو أن تسمح لى يا أخى الفاضل سمير أن أختلف معك تماما وكلية فى الجزئية الخاصة بى والتى سببت لى أذى فى مشاعرى ودون أن تدرى وأعتبرها سقطة يعلم الله أننى ما كنت أتوقعها منك أو أرتضيها لأخ كريم فى الدين والعقيدة والعروبة مثلك ، وما كان بمقدورى أن أدعها تمر هكذا مرور الكرام ، كما أرجو أن تسمح لى سعة صدرك بأن أرد عليها بعقل هادئ ورؤية واضحة ودون أى قدر من الإنفعال حتى لو بدا ظاهريا أننى منفعل لتوضيح بعض النقاط ، وأستأذنك مسبقا فى أننى ربما أستطرد فى ردى عليك ليس لشخصك الكريم وإنما لبعض الأخوة هنا وحتى نتلاشى سوء فهم فى المستقبل إذا ما قدر لى أن أستمر هنا ودون أن يفسد ذلك روح الود والأخوة بيننا:
لقد قلت ياأخى فى ردك : " ولكنها كشفت هنا عن المنبع الذى يستقى منه فكره " ... ياإلهى المنبع والفكر مرة واحدة؟!! كيف توصلت ياأخى إلى هذه النتيجة وأنت لا تعرف عنى إلا أقل القليل فأنا لا زلت عضوا جديدا لم تمضى على عضويتى هنا أكثر من اسبوعين؟!
وهل فكر إنسان ـ أى إنسان يمكن أن يلخص أو يختصر فى مقال أو حتى كتاب؟
هل تعرف شيئا ياأخى عن ماهية دراستى الجامعية الأكاديمية وفى أى تخصص وأين حصلت عليها ؟ ألا ترى أن فى هذا إنتقال من القضية المطروحة للنقاش إلى الشخص ؟ أو ليس هذا ما نرفضه وننتقده أنا وأنت؟!
وهل نحن هنا نفتش عن فكر وعقل وقلب الإنسان أو الكاتب أم نناقش القضايا التى يطرحها بأسلوب علمى راق يتوخى الدقة فى التعبير وعدم البعد عن هدف البحث عن الحقيقة والحلول العملية للمشاكل والقضايا الكبيرة التى تواجهها أمتنا؟ أرجو ألا يكون الأمر كذلك وإلا أكون قد أخطأت العنوان فقد إنتهى عهد محاكم التفتيش منذ زمن طويل.
هل قلت ذلك ياأخى سمير لأنى ضربت مثلا لواقعة حصلت بين الرئيس ريجان ورئيس مجلس النواب الأمريكى ولم أضرب مثلا أو أمثلة من التراث العربى أو الإسلامى أو إستشهدت ببعض الآيات القرآنية ؟ ألم يخطر ببالك ياأخى الكريم أننى ربما تعمدت ذلك لأسباب وجيهة وموضوعية؟! أم هل ظننت أننى مفتون بكل ما فى الغرب الذى شاءت الأقدار أن أعيش فيه ؟!. حسنا لا بأس من التوضيح .
ياأخى العزيز سمير لقد استخدمت المثل الذى ضربته وسأستخدم كثيرا غيره كى أوضح للقارئ العربى والمسلم كيف يتحاور غير المسلمين ويختلفون ويجادلون فيما ببنهم وهم يفصلون بين العام والخاص ، وكان يحضرنى فى ذهنى عند الكتابة مقولة الإمام الجليل الشيخ محمد عبده بعد عودته إلى مصر من البعثة الدراسية فى باريس عندما سأله طلاب العلم فى الأزهر الشريف عما رأى فى بلاد الفرنجة فأجاب: " لقد رأيت إسلاما ولم أرى مسلمين أما هنا فأرى مسلمين ولا أرى إسلاما ".
أما لماذا لم أستشهد بكثير من الأيات القرآنية سواء فى هذا المقال أو فى مقالات أخرى أو لماذا لم أشترك فى حوار وجدل مع أحد هنا حول قضايا دينية وفقهية رغم قدرتى على ذلك لتخصصى فى دراسة الفلسفة دراسة أكاديمية والفلسفة الإسلامية على وجه الخصوص مع دراسات أخرى فى علم النفس وعلم الإجتماع والتاريخ فيرجع ذك إلى خمسة أسباب كلها شخصية:
أولها: أننى أومن إيمانا راسخا بأن قضية الإيمان والعقيدة هى فى المقام الأول قضية شخصية بينى وبين الله سبحانه وتعالى فهو بارئى وشاهدى وهو الوحيد الذى يحاسب ويجزى ويعاقب ويرحم ويغفر وهو أعلم بالسرائر ما ظهر منها وما خفى ولا أظن أنه يتعين على أن أقدم مسوغات وأوراق إعتماد إيمانى العميق بالله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم وباليوم الآخر لأى مخلوق مثلى
أيا كان موضعه .
ثانيا : أنا أفرق وأفصل بين الإسلام كديانة وعقيدة (الكتاب والسنه) وبين المسلمين والتاريخ الإسلامى بكل مزاياه وعيوبه وما اعتراه من شوائب وبدع ما أنزل الله بها من سلطان.
ثالثا: لماذا أستشهد بكثير أو ببعض الأيات القرأنية فى مقالى أو ردودى وأنا أعلم وأتوقع مسبقا أن كثيرين غيرى ومنهم أنت ياأخى سمير بما حباك الله من علم وعقل ومعرفة فلماذا التكرار؟
رابعا : أننى أربأ بنفسى أن أكون طرفا فى جدل ونقاش دينى فى قضايا فقهية ودينية أرى فيها قليل جدا من العلم والمعرفة الحقة بجوهر وصحيح الدين ومن المحكمات وكثير من الخطأ واللغط والمتشابهات وفوضى الفتاوى بغير علم. من يريد أن يتناقش فى هذه الأمور وما أكثرهم فهذا شأنهم وهم أحرار لكنى لن أكون طرفا فى الحوار أو الجدل وأرجو أن يحترم الجميع رغبتى هذه ولا داعى لتأويل كلامى الصريح هذا من أى أحد وتحميله بأكثر مما يحتمل وإخراجه عن الإطار والسياق فيقول أحد مثلا أو يظن أننى علمانى أو ملحد أو شيوعى أو يسارى أو يمينى أو من الليبراليين الجدد فلست والله بشئ من هذا وأرفض أن يخلع أحد على مثل هذه التصنيفات وأعتقد أن هذا من حقى.
خامسا وأخيرا : أننى أرى فى عالمنا العربى والإسلامى الكثير من رجال وعلماء الدين يختلفون فيما بينهم حتى فى أمور جوهرية واضحة وصريحة لا تقبل التأويل أو الإجتهاد فماذا عساى أن أجادل أو أضيف وأنا لست عالما فى الدين أو أحد الأئمة غير أن أطلب من الله العلى القدير أن يرحم عباده المخلصين ولا أسأله رد القضاء ولكنى أسأله اللطف فيه .
أخى الكريم سمير إن أكثر ما أذانى وآلمنى فى كلمتك التى أعلم تماما أنك لا تقصد منها إيذاء مشاعرى والتمس لك العذر لكثرة مشاغلك هو أن يستغلها من فى قلبه مرض ، وما أكثرهم هذه الأيام فيتهمنى ظلما وعدوانا وجزافا بما ليس فى بعد أن أصبح البعض منا يرمى تهم الخيانة والعمالة والكفر والزندقة على كل من يختلف معه دون دليل ، وهذه والله ليست من تعاليم ديننا السمح الحنيف ـ دين الحكمة والموعظة الحسنة الذى لا يستحق من أتباعه كل هذا ، فأعظم ما فيه ويميزه عن غيره من الأديان أنه دين التأمل والعقل والحكمة ، وما الفلسفة فى جوهرها ومعناها فى اللغة اليونانية إلا " محبة الحكمة " ، كما أننى لست فى حاجة لأن أستعرض ما فعلت وأفعل هنا فى كندا لتوضيح ونصرة هذا الدين بالحوار الهادئ المتعقل مع من لا يعرفونه من غيرالمسلمين وكى لا يضيع أجرى وثوابى عند الله . أخى سمير إن الفكر الإنسانى سلسلة متصلة الحلقات والفكر الإسلامى كما تعلم تأثر وأثر وأشع بنوره على العالم أجمع .
أخى الفاضل سمير كل إنسان منا يفعل ما يقدر عليه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وأؤكد لك أنه لا خلاف جوهرى بيننا الإ فى الأسلوب والرؤية لإختلاف المكان والمهنة فلا ضرر ولا ضرار ولكن لزم التنويه .
دمت خيرا وذخرا لأمتك يأأخى الكريم.
مسعد حجازى
تورونتو ـ كندا
د. سمير العمري
04-01-2005, 04:11 AM
أخي الكريم أستاذ مسعد:
أعتذر بداية عن تأخري في الرد على تساؤلاتك هنا لأني لم أحط علماً بردك هذا ولا أملك الوقت الكافي لتتبع كل المواضيع والردود. أرجو أن يكون عذري لديك مقبولاً.
وسأرد مختصراً على ردك المستفيض وتساؤلاتك في هذه النقاط الثلاث:
لماذا تتفشى الظاهرة رغم وجود هذا المنهج الذي أشرنا إليه اقتضاباً؟؟
أولاً لأن الأمر أوسد إلى غير أهله فغلب الجهل على الخطاب الدعوي في أحيان كثيرة. ثانياً لعدم الاهتمام الكافي بنشر خطاب دعوي صادق وواضح ذلك أنه لا يخدم مصالح أصحاب الكراسي والنفوذ. ثالثاً لادعاء كل فرد حفظ بعض آيات من كتاب الله أو نال شهادة جامعية بأحقيته في الدعوة وجزمه بأنه أهل لها.
الحل: أن نقيم الدولة الإسلامية على أسس المنهج الصحيح ونبتعد عن خطأ الحكم على الإسلام بالمسلمين.
هذا مما يجدر بنا أن نناقش مثلاً كمسلمين وأن نبحث في سبل الإصلاح والتمكين لدين الله لا الإنقاص منه والطعن فيه كما يفعل البعض أخي مسعد.
الحوار قيمة إسلامية. وأضفت وإنسانية أيضاً.
بالطبع. الإسلام دين الإنسانية وتشريعاته إنسانية بل وفيها حقوق الحيوان والحجر والشجر بل ويتناول عوالماً أخرى كالجن مثلا. أنا في مقولتي تلك لم أقصد التخصيص بل التعميم وكانت مقولتي رداً على مضمون ما فهمت من طرحك أخي ورد على اتهام الكثير للإسلام بأنه لا يرحب بالحوار سبب ذلك تصرفات البعض ممن لا يطيقون أن يخالفهم أحد في الرأي.
ردي الأخير على ردك المسهب بشأن مقولتي تلك ولعلي لا أقول إلآ أنني أردت التعميم بها وليس رداً على شخصك فقط. لقد كان الرد في وقت انهمرت فيه الردود في مواضيع شتى ممن يقولون بأنهم مسلمون ولم أجد في قولهم جميعاً ولو إشارة واحدة لما يعكس هذا. ثم إن في التاريخ الإسلامي منذ بداية عهده ما يملأ الكتب بخير مما ذكرت أخي مسعد فلم لم تشر إلى واحدة منها على سبيل الإنصاف على الأقل؟؟
صاحب الفكر لا يغضب لشخصه بل يغضب لمنهجه فيكون حينها ذا مصداقية وذا إنصاف وعليه فقد كنت أتمنى لو رأيت رداً مسهباً في الدفاع غيرة على الدين لا غضباً من قولة ما أردنا منها إلا خيراً. وأرجو هنا أن لا تظن بأنني أتهمك أنت بعدم المصداقية هنا فهذا من عموم القول يفرضه السياق كما فرض ما قلت مما أغضبك.
تحياتي وتقديري
:os::tree::os:
محمد سوالمة
05-03-2005, 06:44 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد العالمين
وبعد ،،،
عزيزي سمير :
إن الذي تبحث عنه أمر صعب في ظل ظرف كالذي نحياه وواقع كالذي نعايشه
إنها المصيبة التي ابتلي بها إبليس لعنه الله
" قال أنا خير منه خلقته من نار وخلقتني من طين " أهلك نفسه وكان من أهل النار
الكبر ،،،،
ثانيا : الأمر الذي تريد كان موجودا في ظل الإسلام عندما كان مجسدا عمليا على أرض الواقع
إنظر إلى عمر بن الخطاب حينما قال " أخطأ عمر وأصابت امرآة "
انظر إلى الشافعى عندما سئل عن أبي حنيفة قال " الناس عيال على فقه أبي حنيفة "
وغيره عندما سئل عن الشافعي فقال " كان كالشمس للدنيا "
في حين أنك لا تكاد تجد ما يتفقون عليه في الفقه
إلا أنلك لا تجد ما يختلفون عليه في العقيدة ...
كلهم أخوة في دين الله تبارك وتعالى
الكل يبحث عن النجاة يوم القيامة
الكل يبحث عن الصواب أينما كان
فهذا الشافعي رحمه الله يغير الكثير من أراءه عندما وجد ما هو أصوب منه
والأمثلة كثيرة ولا تكاد تحصى
تلك هي المشكلة إذا اختلفت المعتقدات والمقاييس والقناعات والتوجهات
فستجد أن كل منا يضع بينه وبين الآخر جدار من فولاذ حتى لا تتسرب أفكار الآخر
الهدامة ـ في وجهة نظره ـ إليه
فإذا توحدت القاعدة الفكرية
ينتج عنها توحد في المقاييس والقناعات والتوجهات
لانها من منبع القاعدة الأساسية ألا وهو الإسلام الذي هو من الله عز وجل
وهو للجميع ملزما
ولجميع الأزمان والأمكنة صالحا
قال تعالى " هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بينهم ولكن الله ألف بينهم "
قال النبي صلى الله عليه وسلم " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله وسنتي "
والحمد لله رب العالمين.
محمد حافظ
09-03-2005, 11:23 AM
عزيزي سمير :
إن الذي تبحث عنه أمر صعب في ظل ظرف كالذي نحياه وواقع كالذي نعايشه
إنها المصيبة التي ابتلي بها إبليس لعنه الله
" قال أنا خير منه خلقته من نار وخلقتني من طين " أهلك نفسه وكان من أهل النار
الكبر ،،،،
ثانيا : الأمر الذي تريد كان موجودا في ظل الإسلام عندما كان مجسدا عمليا على أرض الواقع
إنظر إلى عمر بن الخطاب حينما قال " أخطأ عمر وأصابت امرآة "
------
أخي محمد الفاتح ؛
أتفق معك بان ما تحدث عنه د. سمير صعب في هذه الايام , بل يكاد ينعدم أحيانا الا من رحم ربي , ذلك ان الحوار في احيان كثيرة يأخذ منحى حوار الطرشان ذلك ان المتحاورين ليس عندهما مسلمات يستندان ويتحاكمان اليها , أمر آخر اعتادت عليه كثير من الجماعات للمحافظة على اعضائها بان تعلمهم التعصب للرأي ولقول الزعيم ولاوامر القيادة ذلك ان هذه الجماعات لم تتبنى لعملها فكرا محددا ولم تبلور لنفسها هدفا , بل تدعوا الى شعارات عامة مطاطة وافكار عامة غير محددة فهي تدعوا للقومية والحرية والاشتراكية ولكن دون تحديد سقف لمطالب ولا حدود لاهداف ولا قاعدة للمجتمع الجديد او تدعوا للاسلام بشكل مفتوح دون تحديد الا بشعارات براقة وافكار مطاطة فتدعي ان سنة الرسول طريقنا فان بحثت وجدت ان مواقف معدودة من سيرة الرسول تلتزمها ثم ترتجل في كل يوم هدفا وطريقة فيوما توافق على المشاركة في الحكم ويوما تعتبره محرما وممنوعا وحاكم يحكم بالكفر نواليه هنا وحاكم آخر يحكم بنفس الكفر نحاربه هناك ... بل وصل الامر ببعضهم ان يستند الى اية " قل سيحوا في الارض اربعة أشهر " بانها دليل على الخروج في الدعوة منقطعا اربعة اشهر ونسي او تناسى تكملتها " واعلموا انكم غير معجزي الله " بانها عقوبة لبني اسرائيل .
ان اساس اي حوار هو ان توجد القواعد والاسس التي يتحاكم اليها الطرفان من افكار ومفاهيم ومقاييس وقناعات ثم يمكن ان يحصل الحوار المنتج ان تأمنت النية بعد ذلك في الوصول للحق والحقيقة .....
ان الخلاف في الفكر والفهم وارد وطبيعي... وبالتالي فطرح الفكر ونقاشه له ضوابط وله احوال مختلفة ... فابو بكر مع شدة حلمه قد ضرب الشاعر حين قال " الا كل ما خلا الله باطل –وكل نعيم لا محالة زائل ... وأمسك بلحية عمر يشدها ويعنفه حين اقترح عليه جمع القرآن ... فلكل اختلاف ضوابط , فلا تطلب مني ان اتعامل مع كافر ابتداءا في تحاوري معه كما اتعامل مع مسلم يتبنى فكرا كافرا ويريد ان يهدم به المجتمع فاتهم بانني لا افقه ادب الحوار حين ارد على هذا بخلاف ذاك , فمطلوب مني ان احترم رأي المرتدالهادم بحجة حرية الرأي والتعبير ...
ان دخول شخص ما الى بيتك سيقابل بالترحيب او المجاملة كزائر للبيت وضيف ولكن دخوله ليسرقك او شاهرا سلاحه في وجهك لا يجعله يستحق المجاملة او الترحيب بل ستكون قلة مرؤة السكوت عليه وعدم طرده او ايذائه فلا تعميم في الحوار وطرقه كما لا تعميم في استقبال الداخل لبيتك ...
د. سمير العمري
09-03-2005, 01:49 PM
الأخ الحبيب محمد الفاتح:
الأخ الحبيب محمد حافظ:
لا يقاس الأمر بصعوبة الأمر أو سهولته بل بصوابه أو خطئه. ولعل من ناموس الحياة صعوبة كل عظيم وكل أمر قويم وسهولة ما عداه. تشييد المنزل يحتاج شهوراً وما يرافق ذلك من جهد بدني وتكلفة مالية وقلق ومتابعة في حين لا يستغرق تدميره سوى ثوان معدودة. البناء خير يحتاج إلى جلد وصبر وتضحية صعب المنال لكنه حلو المذاق ، والهدم شر لا أيسر من تحقيقه ولكنه مر المذاق ممجوج.
إن ما قدمنا لا يغدو أكثر من إضاءات على بعض أسس ومنهج الحوار الإسلامي بما قرره الحق تبارك وتعالى ولا رأي فيه قط ولا اجتهاد إلا في النزر اليسير. والعاقل يعلم أي صعوبة في تحقيق منهج الحق تعالى في هذه الأيام على أمور أقل من هذه فهذا الزمان زمان الجهاد بالسيف وبالكلمة أيضاً. هنا في الواحة نجاهد بالكلمة الصادقة والصائبة ونتبع الحق مهما صعب أو استصعب ونوضح السبيل بما أفاض الله به علينا فيتبع أهل العزم وأهل الهمة ويترك ما سواهم وما كان الداعية يوماً إلا مجاهداً مبتلى.
وأراني مدين بالشكر لأخي محمد حافظ على أسلوبه النير في التناول والذي يحوز على أعجابي دائماً ، ثم أراني وقد وافقته في كثير مما ساق أوضح بأن الشدة لها وقتها ولعل ما سقنا هو المرتكز الأول الذي يستند إليه المسلم في الحوار فإن تمادى المحاور في غيه وجب حينها أن يؤخذ على يده ويرد عليه بحزم.
ولعل هذا الأمر مما ظننا بأنه يفهم من السياق ولكني هنا أسوق الدليل الفقهي على ما نقول مما قد سقنا في ردنا الأول لنكمل إلى المرحلة الثانية من الحوار.
يقول تعالى:
(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (صّ: 76- 75)
هنا يحدد الحق منهج الحوار مع المخالف وينصفه من نفسه فلو تاب لتاب الله عليه وقبله ولكنه استطال وأصر واستكبر ولم يستجب للحوار فماذا كان رد الله سبحانه وتعالى عليه؟:
(قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) (صّ:77-78)
هنا فقط كان الرد الحازم بالطرد من رحمة الله واللعنة إلى يوم الدين. لم يكن هذا إلا بعد حوار وتداول ولم يكن طرد الله له مباشراً هكذا بدون استتابة.
ولعل من رأى كيف حاورنا البعض فأخذناهم باللين وتركنا لهم حرية الطرح بما أرادوا ثم رددنا عليهم بالحجة وصبرنا عليهم حتى إذا بان استكبارهم على الحق وتصعر خدهم للحوار كان ردنا قاسياً حازما.
إن أسلوب الدعوة يجب أن يتحرى المنهج الحق وأن يعمل به ويدعو إليه مهما صعب أو استحال ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة.
دمتما من أهل الخير والرشاد ودام أخي مسعد حجازي من أهل العقل والصلاح فهو صاحب هذه الصفحة الطيبة.
تحياتي وتقديري
:os::tree::os:
محمد حافظ
10-03-2005, 09:32 AM
يقول سيد قطب :
عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيراً كثيراً قد لا تراه العيون أول وهلة!...
لقد جربت ذلك. جربته مع الكثيرين.. حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور...
شيء من العطف على أخطائهم، وحماقاتهم، شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية ـ غير المتصنعة ـ باهتماماتهم وهمومهم.... ثم ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم، حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم، في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص, إن الشر ليس عميقاً في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحياناً. إنه في تلك القشرة الصلبة التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء... فإذا أمِنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية... هذه الثمرة الحلوة، إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن من جانبه، بالثقة في مودته، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم، وعلى أخطائهم وعلى حماقاتهم كذلك... وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله، أقرب مما يتوقع الكثيرون... لقد جربت ذلك، جربته بنفسي. فلست أطلقها مجرد كلمات مجنحة وليدة أحلام وأوهام....
عندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير نعفي أنفسنا من أعباء ومشقات كثيرة. إننا لن نكون في حاجة إلى أن نتملق الآخرين؛ لأننا سنكون يومئذ صادقين مخلصين إذ نزجي إليهم الثناء. إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير وسنجد لهم مزايا طيبة نثني عليها حين نثني ونحن صادقون؛ ولن يعدم إنسان ناحية خيّرة أو مزية حسنة تؤهله لكلمة طيبة... ولكننا لا نطلع عليها ولا نراها إلا حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب!...
كذلك لن نكون في حاجة لأن نحمّل أنفسنا مؤونة التضايق منهم ولا حتى مؤونة الصبر على أخطائهم وحماقاتهم؛ لأننا سنعطف على مواضع الضعف والنقص ولن نفتش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة العطف! وبطبيعة الحال لن نجشم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء الحذر منهم فإنما نحقد على الآخرين لأن بذرة الخير لم تنم في نفوسنا نمواً كافياً، ونتخوف منهم لأن عنصر الثقة في الخير ينقصنا!
كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير!.
(6)
حين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحاً، أو أطيب منهم قلباً، أو أرحب منهم نفساً، أو أذكى منهم عقلاً، لا نكون قد صنعنا شيئاً كبيراً... لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبل وأقلها مؤونة!
إن العظمة الحقيقية: أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم، وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع!
حوراء آل بورنو
10-03-2005, 11:07 AM
أتابع هذه الصفحة دوما ، و بحق أشعر بسعادة لكل كلمة تغرس فيها ، فغراسها ستثمر حتما الخير على واحتنا ، و يتظلل بإفياء دوحها كل ذوي النهى .
بارك الله بكم جميعا .
معاذ الديري
25-09-2005, 02:06 AM
للرفع ..
لعل قومي يعلمون ..
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir