المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غصةٌ لا تُبارحُ الفؤادَ!



فوزي الشلبي
30-06-2014, 10:22 AM
غصةٌ لا تُبارحُ الفؤادَ!



جلستْ إلى جوارهِ في سيّارتهِ الفارهةِ ليطوفَ بها خارجَ بيتِهِ. سألها عدةَ أسئلةٍ فأجابتْ عدةََ أجوبةٍ. لكنّ السؤالَ الّذي جعلَهُ يوقفُ السَّيارةَ جانبَ الطَّريقِ، فأمعنَ النَّظرَ فيها مليّاً، وفكَّرَ أن يدفعَها بقدمهِ خارجَ السّيارةِ لولا بعضُ النّاسِ الغادينَ الرائحينَ.

توفّى زوجُها عن ابنةٍ ولها من العُمرِ خمسُ سنينَ. وإذْ ورثتْ عن زوجِها ثروةً محترمةً، فآثرتْ أن تعزفَ عنِ الزَّواجِ لتقومَ على ابنتِها. ولمّا كبرتْ البنتُ تزوجتْ لترحلَ من بلدتِها في جنينَ إلى مكانِ عملِ زوجِها في عمّانَ. وكانَ على هذهِ الأرملةِ أن تزورَ ابنتَها وأحفادَها مرّتينِ كلَّ عامٍ، وممّا يقومُ عليهِ الودُّ ببعضِ مالٍ أو بعضِ هدايا تدقعُها إليهمْ.

واستكمالاً للفرحةِ التي أُقيمتْ في الفندقِ الفاخر في عمَّان، احتفالا بزواج ابنهِ الأولِ..وصلَ "طافشُ" إلى بلدتِهِ القريبةِ من الحدودِ الأماميَّةِ.وإذ أُقيمَ الحفلُ ذاتَ مساءٍ ثانيةً على مستوى شعبيِّ من الأقاربِ والأصدقاءِ الذِّينَ لم يحضروا حفلَ عمّانَ. وإذْ أغمضتِ الشَّمسُ عينَ الغروبِ فأقبلَ اللَّيلُ، فاستعدَّتْ جميلةُ لتُريَ أخاها ما تصنعُ من فرحةٍ، وما تنشىءُ من أهازيجِ شعرٍ؛ أَوَ ليستْ هيَ أختَهُ الكُبرى؟!. أوَ ليسَ هوَ أخاها الوحيدَ في عديدِ أخواتٍ؟! وها هيَ الطبلّةُ يُحمى جلدُها وتُقلَّبُ على زفيرِ نارٍ.
وقد كانَ في بيتِ أبيهِ الكبيرِ ساحةٌ وديوانٌ. أما السَّاحة فهي سماويَّةٌ، أحاطتها على أضلاعِ مربعٍ صالةُ معيشةٍ وغرفُ نومٍ. وأمّا الدِّيوانُ فهوصالةٌ كبيرةٌ ارتقى عن مستوى أرضِ السّاحةِ أربعُ درجاتٍ، فكانَ لاستقبالِ الضُّيوفِ منَ الرِّجالِ؛ وهو اليومَ للمُهنِّئينَ منهمْ؛ ففريقانِ عن يمينٍ وشمالٍ. أمّا الَّذينَ عن يمينٍ فجلسوا على الكراسي في ثلاثِ جهاتٍ لمربَّعٍ؛ وهمُ الشَّبابُ. وتوسّطتْ منضدةٌ مستطيلةٌ اعتلتها مزهريَّةٌ كبيرةٌ، فازدانتْ بالزُّهورِ . وأمّا الذينَ عن شمالٍ؛ فهم كبارُ الرِّجالِ والشُّيوخُ؛ فجلسوا على فراشٍ وثيرٍ، لفّتهُ المساندُ المستطيلةُ إلى الحائطِ؛ قشٌ مشدودٌ بخيوطِ الكتّانِ في حشوِ خيشٍ، فاحتوى قماشُ المُخملِ ما يزينُ الظّاهرَ من ملمسٍ ولونٍ. وفصلتْ بين الجالسينَ متكآتُ متعامدةٌ. و أمّا السَّاحةُ السَّماويَّةُ فعمرَتها النِّساءُ، وحيثُ كان الضوءُ خافتاً،وشرعتْ الطبلةُ في نقرٍ ثمَّ ضربٍ ثمَّ قصفٍ، فاشتدّتِ الأيدي صفقاً كفّاً بكفِّ، واهتززنَ يرقصنَ ويُغنِّينَ. وتوسّطتْ جميلةُ حلبةَ الرَّقصِ، واشتدَّتْ حماسةً في حركتِها وهزِّها ورقصِها وانطلقتْ الزَّغاريد وتناوبتُْ على خطوطِ فرحِها ووصلِها، وحتّى لكأنّها تقولُ في صدرِها "بِدّي أرقصْ واغنّي..تا يْضيعِ العقلْ منّي". ولمّا تغشّاها عرقٌ كثيفٌ واحمرَّ وجهُها وكلَّ متنُها، وظنَّتْ أنَّ كلَّ النّاسِ قد شهدوا فِعلَها و جمالّ صنيعِها، فتوقَّفتْ وتولَّتْ أُختٌ لها مقامَها، وتمنَّتْ لو جاءَ أخوها فاحتضنَها وقبّلَ جبينَها.

وقد كان كثيراً على مرورِ الأيامِ يوبِّخُ اختَه على فرطِ ذاتِ يدِها، إذ كانَ يبرِّرُ كلَّ ذلكَ حرصَهُ على مصلحتِها وخوفاً عليها من تقلُّبِ الأيامِ. وحتّى إذا سألَ السؤالَ الأخيرَ، فأجابتْ الإجابةَ الأخيرةَ، ما جعلَ السّيارةَ تتوقّفَ. وكانَ قدْ سألها يوماً: لمن ستتركينَ هذهِ الأموالَ؛ ألبني زوجِكِ؟!

وإذِ انضمَّتْ إلى حلقةِ المُغنِّياتِ والمُزغرداتِ، وحتّى إذا بردَ عرقُها وظنّتْ أنَّها لم تقمْ بواجبهِا كما يجبُ فآنستْ أخاها من بعيدٍ، حيثُ الضوءُ السّاطعُ الخارجُ من بابِ الدِّيوانِ، وكانَ يشيعُ أحدَ المهنِئينَ بالزَّواجِ- ومُتفكراً في الخمسةِ آلافِ منَ الدّنانيرِ التي دفعها للفندقِ- فانفتلتْ من بين النِّسوةِ إلى أخيها مسرعةً، منتظرةً جُنُباً في خَبْءِ العتمةِ ذهابَ الضَّيفِ، حتّى إذا انصرفَ الضَّيفُ امتدّتْ إلى حيثُ رآها أخوها ووقفتْ أمامَهُ، فخطا إلى الخارجِ مُقترباً ثلاثَ خطواتٍ حتى واجهها تماماً..وأخذتْ "تهاهي" أي تهزجُ مقاطعَ شعريةٍ شعبيةٍ، تتبعها زغرودةٌ واحدةٌ أو أكثرُ من نسوةٍ أُخرياتٍ من المشاركاتِ في الفرحِ؛ تقولُها النِّساءُ المُقرّباتُ عادةً لصاحبِ الفرحِ ابتهاجاً ومشاركةً فاعلةً!...فما أن انتهتْ من وصْلَتِها...حتى قالَ لها أخوها بصوتٍ لم يسمعه أحدٌ إلاها " طب..انقلبي.. انقلبي "...ثمَّ انفتلَ عائداً إلى الدِّيوانِ. فأفلتتْ الدُّموعُ من عقالِها..وانزوت إلى ركنٍ خالٍ غيرِ مسموعٍ،تجهشُ وتئنُّ حتّى إذا نفثتْ بركانَ صدرِها حمماً، كفكفتْ الدُّموعَ، وجفّفتِ اللُّعابَ النازفَ من فمِها بأردانِ ثوبها. وشدّتْ وجهَها وخدَّيْها بباطنِ كفَّيها..وتصنَّعتْ فابتسمتْ، ثم ضحِكتْ...وسارعتْ إلى النِّسوةِ، تُغنّي لكنَّ جسمَها الّذي باتَ فاتراً لمْ يقوَ على الرّقصِ من جديدٍ!

خلود محمد جمعة
03-07-2014, 01:37 AM
جرح الفؤاد وكسر الخاطر ممن نحب يبقى كرؤوس الإبر كلما هاجت الذكرى نخزنا بقوة
سرد سلس وإن طال
فكرة عميقة كادت أن تفلت بين الصور
دمت بخير
تقديري

عدنان الشبول
03-07-2014, 03:31 AM
كسر الخواطر وما أدراك ما كسر الخواطر


طبع في البشر !





لكم تحياتي

ربيحة الرفاعي
13-08-2014, 01:20 AM
كابرت حين جرح قلبها كما كابرت دائما كي لا يرى الناس ما بها
هذا ما وصلني من القصة التي أخشى أن خيوط حبكتها لم ترتبط بما يكفي لتمكين القارئ منها فباتت قيد انفلات منه

أظنني سأعاود القراءة طمعا بفهم للنص أعمق

دمت مبدعنا بخير وألق

تحاياي

فوزي الشلبي
15-08-2014, 10:41 AM
جرح الفؤاد وكسر الخاطر ممن نحب يبقى كرؤوس الإبر كلما هاجت الذكرى نخزنا بقوة
سرد سلس وإن طال
فكرة عميقة كادت أن تفلت بين الصور
دمت بخير
تقديري


الأديبة النبيلة خلود
تحية إكبارٍ وإعزازٍ وود..شاكرا لكم مروركم البهي وما اشرقت به شموسكَ على النص!
مرورُ كريم! وتعليقُ نبيل.. تقديري الكبير وخالص دعائي!
أخوكم

فوزي الشلبي
15-08-2014, 10:43 AM
كسر الخواطر وما أدراك ما كسر الخواطر


طبع في البشر !





لكم تحياتي


الأخ الشاعر النبيل عدنان
تحية إكبارٍ وإعزازٍ وود..شاكرا لكم مروركم البهي وما اشرقت به شموسكَ على النص!
مرورُ كريم! وتعليقُ نبيل.. تقديري الكبير وخالص دعائي!
أخوكم

آمال المصري
16-08-2014, 07:24 PM
تمتلك شاعرنا الفاضل مقدرة فائقة على السرد الماتع واختيار الفكرة التي تنسج حولها مادة النص وإن طال السرد وحاولت الفكرة أن تفر بين السطور وتدعونا دائما للقبض عليها
شكرا لك
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

ناديه محمد الجابي
16-08-2014, 08:59 PM
هو لا يريد منها ان ترقص وتغني وتزغرد في فرح إبنه
هو يطمع أن تمده بالمال الذي يساعد في نفقات الفرح
هذا ما جعله يكسر بخاطرها .. وجعلها تجهش وتئن
ثم تسارع إلى النسوة بعد أن تصنعت الإبتسام والضحك
ولكن الغصة لا تبارح الفؤاد.
نص معبر بلغة شيقة وواقعية بسيطة وكأننا نشاهده
وسرد قصي اعتمد على الوصف لتوصيل المشهد
وتسربل بالعفوية .
دمت ودام أدبك الناضج.

كاملة بدارنه
18-08-2014, 04:00 PM
ظالم وقاسٍ وأنانيّ!
وصف مسهب لتعرية البطل وكشف حقيقته
بوركت أخي
تقديري وتحيّتي

محمد حمود الحميري
18-08-2014, 08:38 PM
نص ماتع ومعبر
بأسلوب شيق وجذاب .
دمت مبدعا .

فوزي الشلبي
28-11-2014, 05:38 AM
تمتلك شاعرنا الفاضل مقدرة فائقة على السرد الماتع واختيار الفكرة التي تنسج حولها مادة النص وإن طال السرد وحاولت الفكرة أن تفر بين السطور وتدعونا دائما للقبض عليها
شكرا لك
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي


الأديبة النبيلة آمال:
تحية إكبارٍ وإعزازٍ وود..
أشكر لك مرورك البهي، وما سطع بيانك من تقدير للنص، ما جعله اكثر إشراقاً وروعة..ثقة غالية وتقدير ثمين!
أخوكم

فوزي الشلبي
28-11-2014, 05:44 AM
هو لا يريد منها ان ترقص وتغني وتزغرد في فرح إبنه
هو يطمع أن تمده بالمال الذي يساعد في نفقات الفرح
هذا ما جعله يكسر بخاطرها .. وجعلها تجهش وتئن
ثم تسارع إلى النسوة بعد أن تصنعت الإبتسام والضحك
ولكن الغصة لا تبارح الفؤاد.
نص معبر بلغة شيقة وواقعية بسيطة وكأننا نشاهده
وسرد قصي اعتمد على الوصف لتوصيل المشهد
وتسربل بالعفوية .
دمت ودام أدبك الناضج.


الأديبة النبيلة نادية:
تحية إكبارٍ وإعزازٍ وود..وما أشرقت به على النص فزاده رونقا وروعة.. وما سطع بيانك من تقدير للنص، ما جعله اكثر إشراقاً وروعة..ثقة غالية وتقدير ثمين!
.. تقديري الكبير وخالص دعائي!
أخوكم

فوزي الشلبي
28-11-2014, 05:47 AM
ظالم وقاسٍ وأنانيّ!
وصف مسهب لتعرية البطل وكشف حقيقته
بوركت أخي
تقديري وتحيّتي


الأديبة النبيلة كاملة:
تحية إكبارٍ وإعزازٍ وود..شاكرا لكم مروركم البهي ..هكذا قسوة الأخوة عندما تكون الأنانية عنوان أخوة!
تقديري الكبير وخالص دعائي!
أخوكم

فوزي الشلبي
28-11-2014, 05:49 AM
نص ماتع ومعبر
بأسلوب شيق وجذاب .
دمت مبدعا .


الأخ الشاعر النبيل محمد:
تحية إكبارٍ وإعزازٍ وود..شاكرا لكم مروركم البهي
.. تقديري الكبير وخالص دعائي!
أخوكم

مازن لبابيدي
04-12-2014, 04:00 PM
أخي المبدع المتألق الشاعر الأديب فوزي الشلبي

قصدة ماتعة جدا بسردها ووصفها ومحتواها الثقافي الذي ألقى الضوء على جوانب اجتماعية شعبية وتقاليد متأصلة .

الملمح العام للقصة هو التضحية والحب اللذان يقابلان بالجحود وفتور العاطفة ولؤم الطباع .

الفقرة الأولى تركتني في حيرة ، حيث لم أجد جوابا للحرف الناسخ في جملة " لكن السؤال .... " ! فهل كان الجواب هو ما جاء بعد ذلك من الأحداث في استرجاع لها ؟!

ظهر الأخ في القصة دون مقدمة ، فحملته على أنه صاحب تلك السيارة في بدايتها وكأنه كان يلوم اخته على ما فعلته في أثناء الحفل ، وهو في الحقيقة يحمل في نفسه شيئا من الحسد لما آتاها الله من يسر الحال وكثرة المال ، بينما هو بخلافه .
لا أراها إلا ذهبت إليه أثناء الحفل لتعرض عليه المساعدة في مصاريف العرس ، فصدها ذلك الصد الموجع .

تقديري وتحيتي .

فوزي الشلبي
23-06-2015, 06:21 PM
أخي المبدع المتألق الشاعر الأديب فوزي الشلبي

قصدة ماتعة جدا بسردها ووصفها ومحتواها الثقافي الذي ألقى الضوء على جوانب اجتماعية شعبية وتقاليد متأصلة .

الملمح العام للقصة هو التضحية والحب اللذان يقابلان بالجحود وفتور العاطفة ولؤم الطباع .

الفقرة الأولى تركتني في حيرة ، حيث لم أجد جوابا للحرف الناسخ في جملة " لكن السؤال .... " ! فهل كان الجواب هو ما جاء بعد ذلك من الأحداث في استرجاع لها ؟!

ظهر الأخ في القصة دون مقدمة ، فحملته على أنه صاحب تلك السيارة في بدايتها وكأنه كان يلوم اخته على ما فعلته في أثناء الحفل ، وهو في الحقيقة يحمل في نفسه شيئا من الحسد لما آتاها الله من يسر الحال وكثرة المال ، بينما هو بخلافه .
لا أراها إلا ذهبت إليه أثناء الحفل لتعرض عليه المساعدة في مصاريف العرس ، فصدها ذلك الصد الموجع .

تقديري وتحيتي .


أخي الأديب مازن:

لكن السؤال...هو ما أراد أن يوافق هوى نفسه من أجوبة..فهم بدفعها غضبا...

وهو كشأن فرعون..لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد...فلا يقدر لأخته رأيا...وأما..قسوته على أخته في حفلة العرس..فهذا شأنه معها دائما..ولو أضاءت له أصابعها العشرة..وحيد بين أخوات..أفسده الدلال..

أشكر لك مرورك البهي وتقديرك النبيل.

أخوكم