تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وردة من أجل ماريّا



دينا نبيل
26-08-2014, 11:02 AM
وردة من أجل ماريّا


مستلقية هي على الفراش، تعاند استراق عينيها لحظات نوم خاطفة ..
إنها العاشرة صباحاً .. الغرفة مظلمة، لا تزال .. مترنحة تنهض لتزيح الستائر المخملية.
تقتحم آشعة أغسطس اللافحة غرفةً باذخة الأثاث، ورغم ذلك لا يمنع وجود ملابس متسخة هنا وهناك..
تبادر أناملها الوردية لسحب قميص عشوائي من عشرات ملقاة فوق السرير.. تستر جسدها العاجي المسروق من إحدى بنات أفروديت.
تتمطى .. تطلق تنهيدة تجتر معها ذكرى ليلة حالمة بين أحضان وليفها.

على المنضدة لفائف ورق نقدية فئة مائتي جنيه موضوعة بعناية وإلى جانبها ورقة مكتوب عليها بخط منمّق:
"ماريّا.. صباح الخير.
كل هذه النقود لكِ.. اشتري ما تشائين.
شكراً لكِ على الليلة الجميلة."

.. تقبض على اللفائف النقدية.
تعلم أن هذه النقود وعدٌ لها بليلة أخرى مدفوعة الثمن مقدّماً فلا يجب أن ترحل دون علمه.
منتشية .. أخذت تلملم ما بعثرته أياديهم العابثة ليلة أمس.. ترتب الغرفة ولا بأس من تنظيف البيت بأكلمله، فما تحمله من نزق يدفعها كريشة للتحليق في فضاء شقته غير مبالية لما تفعل من أجله.
في رغوة كوب النسكافيه تنظر إلى نقطة اللاشئ..
تقلبها..
تفور وسريعاً تنفقئ.
رجل فريد.. أجل!
شخصية كاريزمية بامتياز بما في ذلك تقلباته وتناقضاته التي جمعها في شخصه الواحد.
رقتّه.. ربما كرمه بلا حدود.. وحنوّه كوالد فقدته.
حتى في غضبه وعتابه يتحول إلى طفل يركن وديعاً إلى حضنها.
مشاعر لم تخالج صدرها من قبل حتى صارت تحسب أن إيقاع قلبها يتناغم مع مدّه وجزره؛ يرفعها أنّى يشاء ويهوي بها لتغرق في موجاته، تاركاً زبده عالقاً بقدميها.
ربما لم يكن وقتاً كافياً مذ تعرفت إليه؛ فهذه هي المرة الثالثة التي يطلبها فيها.. أطول مدة تقضيها إحداهن معه.. ومع ذلك لم يشعرها إلا بأنها أنثاه الوحيدة المتوسدة عرش فؤاده .. وليست مجرد امرأة عابرة التقطها من إحدى طرقه الشتّى.
التقطت النقود وكوّمتها داخل حافظة نقودها.. لا شك ستتدخرها لشراء معطف جديد للشتاء القادم أو حذاء برقبة طويلة يقيها ابتلال جواربها بماء المطر.

متأهبة للخروج ..
تتجه إلى "الكازينو" تنتظر مجيئه على الغداء .. تتعلق عيناها بالمدخل .. تتجولان وسط الحضور.. تتوجس نظراتهم نحوها .. تشعل سيجارة وتنفث دخانها في أفعوانيات .. تختطف نظرة إلى ساعتها كل خمس دقائق.. تدق بكعب حذائها مع دقات الثواني.
بتلقائية تبحث عن هاتفها المحمول داخل حقيبتها، ليس معها رقم هاتفه فما كان ليعطيها إياه لأنه ببساطة ليس لديه واحد .. يكره صنوف التكنولوجيا والتواصل الافتراضي معيداً تقليد الأربعينات في زمن مفقود ..
تتململ..
ربما يكون قد عاد إلى الشقة.. موعد غدائه لا يتأخر عليه.. هل تغدّى بالعمل؟.
تلوح فكرة أن يكون قد سبقها إلى شقته، تلتقط نثار عقلها المبعثر من التطواف..

ترجع إلى الشقة مسرعة.
على المرآة.. بأحمر الشفاة تموجات بخط درامي التنسيق:
"أنتظرك حيث أول مرة التقينا، وهذه الوردة القرمزية كي تتذكري!"
اشتمت أريجها الطازج، وشبكتها في شعرها الذهبي.. دمعت عيناها حينما تذكرت تلك الرائحة الزكية منبعثة من خلفها أول مرة عندما كانت تجلس وحيدة على شاطئ "ستانلي" ..
في "كادر" عبثي الالتقاط تنتصب متجذّرة قدماها في الرمال.. قدماها متيبسة ضاربة بجذورها.. راشقة في باطن الأرض.. لا تتحرك.
ترسل نظراتها على مدى الأفق تترقب طلّته..
صار الجميع يشبهونه.. أطياف غائمة تحمل شبح ابتسامة مواربة.. تتلاشى عند محاذاتهم إياها.

من أين تواتيه تلكم القدرة على المخاتلة العبثية؟.. أ لأنه صاحب الأمر؟.. هل سيغير حياتها بعد آخر لقاء بينهما كما يقول مَن في وسَطِها؟!
..
ظلمة مفاجئة وصوت قبلة على مؤخرة رأسها: "آسف، تأخرت عليكِ!"..
يرفع كفيّه عن عينيها ويضمها غير عابئ بشعيراته الفضية المطلة من ناصيته.. تتلصص متوهجة عندما تتعامد عليها آشعة الشمس.
في خفة ورشاقة ينطلق بها نحو البحر يجذبها بكلتا يديه..
تتحول إلى عجينة لينة لا تمتلك طاقة للتمنع.. كمن عُقد على رأسها العزائم، غدت لا ترى شيئاً سوى عينيه بلون الماء يدعوانها إلى اللحاق به.. بينما هو يركب إحدى الموجات ويمشي فوق سطح الماء.
متشبثة بذراعه تسير، ينبض الماء من بين أصابعها ويلفُّ كاحليها.. يرفعها، فترى حوريّات هيلينية آسرة تتقافزن من ورائه.
مأخوذة بغنائهن.. مسحورة من غرائبية ما ترى، راحت تتمايل مترنحة كمن سلب السُّكرُ لبَّها.
أفلت يده من أصابعها وتركها ترقص.
يبتعد شيئاً فشيئاً حتى تلاشى وسط رذاذ الماء، وعندما انتبهت لاختفائه.. سقطت ..
تصارع الأمواج التي تكاثرت عليها.. معاندة الماء باستراق أنفاسها الأخيرة.. عبثاً تصرخ!
عندها .. كانت وردتها عائمة وحيدة.

دينا نبيل
26/8/2014

ناديه محمد الجابي
26-08-2014, 01:57 PM
السعادة والفرح قد يكون مخبأ بينهما الحزن والألم
قصة كتبت بلغة تصويرية تعبيرية رفيعة جمعت بين
البساطة والقوة وحسن السرد الشاعري ودقة الوصف
تزهلني براعتك كقاصة متمكنة من أدواتها ـ تتقن صياغة
الحرف وتجعلنا نهيم معها، ونلتهم النص باستمتاع.
رغم هذا كله فأنا لا أوافق على مضمون الفكرة ، وغرائبية نهايتها.
تحياتي وتقديري لقلم أحب أن أقرأ له.

خلود محمد جمعة
29-08-2014, 02:16 PM
لحظات السعادة تحلق بنا فوق غيوم الفرح وتتركنا خلف السحاب مهاجرة لتكمل سيرها القاسي الذي لا يتوقف الا لرشة مطر تنعش الروح وترحل لتوهم أرواح أخرى بهطول زائف
قصة تروي حكاية الفرح المبتور
سرد ماتع بأسلوب مشوق ونهاية ضبابية
دمت بخير
تقديري

ربيحة الرفاعي
02-09-2014, 06:43 PM
وضعني نصك على محك الفصل الاضطراري بين مضمون القصة من جهة وأدبياتها من جهة، فقد حلق السرد عاليا بتأثيث للمشهد وتصاعد للحدث ملفتين بلغة تصويرية بديعة وتفصيل متألق وحبكة أفقية ممنطقة رائقة، بينما هام الموضوع في بيئة مستهجنة، وحدثية لم تحمل قيمة إنسانية إيجابية .. ولم أهتد لغاية للنص هنا عدا الأدب للأدب.

ويبقى لأدائك القصّي تميزة ولحرفك ألقه وتفوقه
والنص للتثبيت لحرفية أدائه

تحاياي

د.حسين جاسم
17-09-2014, 03:08 PM
اعتمدت الكاتبة فكرة وأشخاصا يشكلون مرضا اجتماعيا لطرح حزن إنساني ، لكن السرد الجميل والتشويق القصي واجه تشوه البيئة والشخصية فأضعفته
أرى أننا لم نعدم القوالب الصالحة لطرح الأفكار الجيدة والمعاني النافعة
أحييك

نداء غريب صبري
03-10-2014, 11:17 PM
الأسلوب الأدبي واللغة فيقصتك جميلين
لكن الموضوع لم يقدم شيئا

وأنا مع رأي الدكتور حسين جاسم

شكرا لك أختي

بوركت

عدنان الشبول
22-10-2014, 02:55 AM
من تقدم نفسها رخيصة تباع رخيصة هكذا وصلتني الفكرة !!





شكرا لكم

وليد مجاهد
31-10-2014, 11:31 PM
قرأت القصة وعدت لقراءتها لأبحث عن شئ فلم أجد
صحيح أن اللغة جميلة جدا لكن هذا لا يعفيها من فراغ الموضوع

تحيتي

د. سمير العمري
30-11-2020, 06:18 AM
أنت قاصة صاحبة أسلوب مميز لا ريب وحتى لغتك وتراكيبك مميزة إلى حد كبير رغم بعض الهنات القليلة ، والقصة تجذب القارئ تنتهي بنهاية مثيرة ولكنها ارتكزت على بيئة غير عربية وأخلاق غير حميدة وبذا افتقدت كثيرا من الاهتمام بها والتأثير على المتلقى.


دمت متألقة ، وأنصح باختيار مضامين مهمة ومواضيع مؤثرة!


تقديري