بهجت عبدالغني
03-09-2014, 05:21 PM
الخشوع في الصلاة .. رأي ..
كلنا نحب أن نحقق الخشوع في الصلاة ، وقد تكلم العلماء في ذلك قديماً وحديثاً .. لكن تركيزهم كان في الغالب على إحداث الخشوع أثناء الصلاة .. النظر إلى موضع السجود ، وفهم الآيات ومحاولة الاطمئنان ... الخ .. وكل ذلك لا شك من دواعي الخشوع وأسبابه ..
قرأت مرةً في أحد الكتب التي تتحدث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ، ربطاً بين التركيز ( حصر الفكر في قضية معينة والانتباه لها ) ومسألة الخشوع في الصلاة ، وأن ممارسة التركيز في شيء ما يجعلك قادراً على التركيز في أمورك الأخرى ..
ولكن .. هل الخشوع في الصلاة هو التركيز فقط ؟
أرى أن الخشوع أكبر من مسألة تركيز لدقائق معينة ، فهو وإن كان التركيز نتيجة من نتائجه بطبيعة الحال ، فهو أشمل منه وأعمق دلالة ..
الخشوع هو الخضوع والتذلّل والاستسلام ، إنه نمط حياة ، وليس لحظاتٍ من البكاء وعصر الذهن وإغماض العين وشدّ الأعصاب .. إنه نمط حياة .. خضوع لله تعالى والاستسلام له في جميع الأحوال ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
بمعنى آخر .. فإن الخشوع في الصلاة هو نتيجة خشوعك في أمورك جميعاً ، خضوعك فيها لأوامر الله تعالى ، الخشوع لا يبدأ من الداخل ، وإنما يبلغ أطوريه في الصلاة ، مع دموعك وتركيزك ورغبتك ورهبتك ..
وإلا فكيف تريد خشوعاً في صلاتك وحالتك خارجها بخلافه ؟
هل تتصور أن يؤثر فيك ( الله أكبر ) في الصلاة ، وزوجك وأولادك وتجارتك أكبر من كل شيء خارجها ؟ كيف تتفاعل مع اسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة وأنت تمارس خلافه خارجها ؟
وهذا ما أفهمه من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في انتظار الصلاة : ( أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ : إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ) . رواه مسلم .
وانتظار الصلاة بعد الصلاة لا يعني الجلوس على الأريكة والتدخين ومشاهدة الأفلام وقتل الوقت ، بانتظار صوت المؤذن .. بل يعني برمجة الحياة ما بين الصلاتين بقيم الصلاة نفسها ومقاصدها ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر ) .. ولهذا نرى أن القرآن الكريم يربط بين الإدلاء بالشهادة والصلاة ( تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا ) ، لأن الصلاة حينها أعطت ثمارها وحققت مقاصدها ..
يعني أن تعمل بالآيات التي ستقرؤها ، أن تحقق الخلافة التي أوكلها الله لك لتحقيقها ، والإعمار الذي طلبه منك .. كل ذلك في فترة الانتظار .. وبذلك ستنفتح لك آفاق الخشوع عند الصلاة ، وحينها ستذوق حلاوتها ، وستكون قرة عينيك ..
وماذا عن ( فذلكم الرّباط ) ؟
الرباط هو مُرابطة العدو وملازمة الثغر ، وهو يفيدنا أيضاً في فهم معنى انتظار الصلاة بعد الصلاة ، فالمرابط المجاهد يكون حاله اليقظة والانتباه ، وليس الغفلة والذهول ، فهو في مواجهة العدو أبداً ، فأية غفلة وإهمال منه لواجبه سيودي به وبأصحابه ، ويشكل خطراً على أمته ..
وكذلك يجب أن يكون حال المصلي وهو ينتظر الصلاة بعد الصلاة .. عليه أن يكون يقظاً منتبهاً ، يحذر العدو .. الشيطان والنفس الأمارة بالسوء .. خاشعاً قائماً على أمر الله في كل شيء ، حتى إذا حضرت الصلاة دخلها وقد امتلأت جوانحه خشية ورهبة ورغبة .. فيسكن ويطمئن ويحقق الخشوع ( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) .. ويُقبل على الله إقبال المخبتين ..
ويؤكد طلب الخشوع بين الصلوات أيضاً ، أن الإنسان ما دام ينتظر الصلاة فهو في صلاة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ ) ..
فما دام الإنسان في جميع أحواله في صلاة .. فلا بدّ أن يكون خاشعاً في جميع تلك الأحوال ..
والله تعالى أعلم
كلنا نحب أن نحقق الخشوع في الصلاة ، وقد تكلم العلماء في ذلك قديماً وحديثاً .. لكن تركيزهم كان في الغالب على إحداث الخشوع أثناء الصلاة .. النظر إلى موضع السجود ، وفهم الآيات ومحاولة الاطمئنان ... الخ .. وكل ذلك لا شك من دواعي الخشوع وأسبابه ..
قرأت مرةً في أحد الكتب التي تتحدث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ، ربطاً بين التركيز ( حصر الفكر في قضية معينة والانتباه لها ) ومسألة الخشوع في الصلاة ، وأن ممارسة التركيز في شيء ما يجعلك قادراً على التركيز في أمورك الأخرى ..
ولكن .. هل الخشوع في الصلاة هو التركيز فقط ؟
أرى أن الخشوع أكبر من مسألة تركيز لدقائق معينة ، فهو وإن كان التركيز نتيجة من نتائجه بطبيعة الحال ، فهو أشمل منه وأعمق دلالة ..
الخشوع هو الخضوع والتذلّل والاستسلام ، إنه نمط حياة ، وليس لحظاتٍ من البكاء وعصر الذهن وإغماض العين وشدّ الأعصاب .. إنه نمط حياة .. خضوع لله تعالى والاستسلام له في جميع الأحوال ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
بمعنى آخر .. فإن الخشوع في الصلاة هو نتيجة خشوعك في أمورك جميعاً ، خضوعك فيها لأوامر الله تعالى ، الخشوع لا يبدأ من الداخل ، وإنما يبلغ أطوريه في الصلاة ، مع دموعك وتركيزك ورغبتك ورهبتك ..
وإلا فكيف تريد خشوعاً في صلاتك وحالتك خارجها بخلافه ؟
هل تتصور أن يؤثر فيك ( الله أكبر ) في الصلاة ، وزوجك وأولادك وتجارتك أكبر من كل شيء خارجها ؟ كيف تتفاعل مع اسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة وأنت تمارس خلافه خارجها ؟
وهذا ما أفهمه من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في انتظار الصلاة : ( أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ : إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ) . رواه مسلم .
وانتظار الصلاة بعد الصلاة لا يعني الجلوس على الأريكة والتدخين ومشاهدة الأفلام وقتل الوقت ، بانتظار صوت المؤذن .. بل يعني برمجة الحياة ما بين الصلاتين بقيم الصلاة نفسها ومقاصدها ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر ) .. ولهذا نرى أن القرآن الكريم يربط بين الإدلاء بالشهادة والصلاة ( تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا ) ، لأن الصلاة حينها أعطت ثمارها وحققت مقاصدها ..
يعني أن تعمل بالآيات التي ستقرؤها ، أن تحقق الخلافة التي أوكلها الله لك لتحقيقها ، والإعمار الذي طلبه منك .. كل ذلك في فترة الانتظار .. وبذلك ستنفتح لك آفاق الخشوع عند الصلاة ، وحينها ستذوق حلاوتها ، وستكون قرة عينيك ..
وماذا عن ( فذلكم الرّباط ) ؟
الرباط هو مُرابطة العدو وملازمة الثغر ، وهو يفيدنا أيضاً في فهم معنى انتظار الصلاة بعد الصلاة ، فالمرابط المجاهد يكون حاله اليقظة والانتباه ، وليس الغفلة والذهول ، فهو في مواجهة العدو أبداً ، فأية غفلة وإهمال منه لواجبه سيودي به وبأصحابه ، ويشكل خطراً على أمته ..
وكذلك يجب أن يكون حال المصلي وهو ينتظر الصلاة بعد الصلاة .. عليه أن يكون يقظاً منتبهاً ، يحذر العدو .. الشيطان والنفس الأمارة بالسوء .. خاشعاً قائماً على أمر الله في كل شيء ، حتى إذا حضرت الصلاة دخلها وقد امتلأت جوانحه خشية ورهبة ورغبة .. فيسكن ويطمئن ويحقق الخشوع ( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) .. ويُقبل على الله إقبال المخبتين ..
ويؤكد طلب الخشوع بين الصلوات أيضاً ، أن الإنسان ما دام ينتظر الصلاة فهو في صلاة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ ) ..
فما دام الإنسان في جميع أحواله في صلاة .. فلا بدّ أن يكون خاشعاً في جميع تلك الأحوال ..
والله تعالى أعلم