المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : على جسور النسيان



تبارك
05-09-2014, 11:20 PM
هاجرتْ بنا الطرق .. تلوت بصمت مبتعدة بنا عنا، وتبعناها دون أن ندري! واليوم أقرؤك فلا أدري أعرفتك حقا أم لا، ولا أدري إن كنتَ عرفتني؟! تبسمْ؛ فحبيبنا المطر يقرع زجاج نافذتي ، والرعد يستدعيني نبضا تلو آخر، وتبسم؛ فكلما كدت أنسى يذكرني كل شيء.. حتى قصاصات الورق التي يلهو بها النسيم، وتبسم؛ فكلي شوق لارتشاف عبير ابتسامتك.

وشكوتُكَ له -ليس اليوم فقد أشحت عني ولم يعد ثمة ما أشكوه أو أرجوه- منذ زمن بعيد شكوتك له فلم يصمت لحظة ، لم يتردد ، كأنما كان ينتظر أن أتمتم بالكلمة الأولى: ارحلي .. إن لم يبذل المستحيل لتبقي فهو ليس جديرا ببقائك.
وصمتَ تماما بعدها، وأنا صمتُ طويلا وترددت طويلا، ثم عدتُ بهدوء أتلمس دفء روحك.. لأجفوها بعد ذلك بزمن وأرحل ببطء محاولة أن أنساك، لكنني فشلت!
يسعدني أنك نسيتني، ونسيت قهوة الصباح التي كانت من حكايانا. يسعدني أنك تحيا!

تعرفني جيدا، أو لعلي أتوهم أنك تستطيع التقاط أدق الذبذبات حتى المنبعثة من وراء أضلاعي!! لكنك على أي حال تعرف كم أشتهي ارتشاف كلماتك، وتعلم أنها تظمؤني أكثر من أن ترويني؛ فتقبل علي حتى أدع الدنيا من بين يدي وأهفو إلى ريك، حينها فقط تدبر عني وتجفوني وتتركني ظمأى! صرت أخشى أنك تريدني تبعا لك دوما، وظلا لقلبك أبدا. صرت أخشاك مع حبيك، فمن أنت لي؟ ومن أنا؟
هلا أجبتني ثم هجرتني الدهر كله؟!
تكفيني يا بحر دوامات الحياة

أخيرا عدتُ إلى دمشق، طفلة أكثر مما كنت، ضعيفة أكثر مما كنت، هشة أكثر مما كنت، حالمة أكثر مما كنت. وعدت إلى دمشق، أكثر شوقا إليك مما كنت، وما كنت أتخيل أن أعود إليها دونك وحدي! عدت لأجدها وكأنها هي! يفزعني ما صرتُ إليه وما صارت إليه دمشقي!
تفزعني الأحلام التي أغرقتني وهي تعود متدافعة إلى قلبي كأنها المد يبلل رمل الشاطئ الذي جف فرسم شقوقا غائرة كهلة على وجنة الأرض، أحلام لم أتوقع أنها لا تزال ترقد في عتمة زوايا مهجورة في ذاكرتي، كنوز بريئة تافهة! تافهة ككنوز الأطفال السذج.. تافهة كأحلامهم المغرقة في الخيال.. تافهة كأحزانهم الصغيرة التي سرعان ما ينسونها! لكنني لست سرعان ما أنسى وإلا لكان طاب لي نسيانك!

أتعلم كم أخشى هذا المكان الواسع الذي أمنحكه في قلبي وروحي! كم أخشى هذه المحبة والأمومة التي أدخرها لأجلك، والتي عجزت عن منحها لسواك! كم أخشى قدرتي الغريبة على الغفران رغم كل شيء، رغم الطعان الغائرة التي تركتها بهدوء في قلبي قبل أن ترحل وقبل أن ترسل منذ قرابة السنتين، وبعد غياب قرابة ثلاث سنين.. فتعنون رسالتك بـ (على جسور النسيان)! أكنت تخبرني أنك نسيت من قبل أن ترحل؟ أم كنت تسألني هل استطعت أنا النسيان؟!
يالله!!
آلمتني الكلمة حينها لأني خلتها موجهة إلي، لكنها تؤلمني الآن أكثر حين يخيل إلي أن فيها سؤالا! كنت أؤمن أنك تعرفني، والآن أتساءل فيما إذا كنت عرفتني حقا، أو أنا عرفتك!! كم يؤلمني أنني هنا، حالي كحال العُجَّزِ.. أواسيني بالذكرى، وأتلهى بالأحلام وخيوط النور المنسلة إلى قلبي من كوة عتيقة يكاد يدفنها غبار النسيان! وأنني كلما كدت أنسى أعود فأجدد الذكرى وكأنني آبى التحرر من بقايا طيف رحل دون أن ينوي العودة أو يترك لها باباً. ولعلي فحسب أحب خيالا أنا من رسمه، ولعلي أعلم أنه خيال.. فأتلهى بالأمل فيه ريثما أجد اليأس منه!!!

عبد السلام دغمش
06-09-2014, 11:31 AM
نصّ جميل بلغة مخملية ..
مفعم بالعواطف .. نجحت الكاتبة في التنقل ما بين الذكرى الماضية والحاضر .. وكان أسلوب الحوار عاطفياًّ رقيقا يشد الافئدة قبل العيون .
تقديري وتحيتي .

ناديه محمد الجابي
06-09-2014, 12:15 PM
تهدهد الجفون الأحلام ، تنقلنا على جنح من الذكرى وعلى جسر من الدموع
لنكتشف بأننا لا نعرف حرفة النسيان، فنعود أكثر شوقا تواسينا الذكرى
ونتلهى بالأحلام متعلقين بالأمل.
واحة نضرة من جمال الحرف ـ برغم الوجع المطل فقد رأيت قلب أنثى
ملئ بالحب والشوق والحنان.
لغة قوية وتعابير جميلة وصور أدبية رائعة
دام حرفك راقيا.

تبارك
07-09-2014, 09:10 PM
الفاضل عبد السلام...

سعيدة بأنه شد منكم الفؤاد والعين
واستمطر هذا المرور الموشى بكلماتك الرائقة
شكرا لك

تبارك
07-09-2014, 09:14 PM
لنكتشف بأننا لا نعرف حرفة النسيان، فنعود أكثر شوقا تواسينا الذكرى
ونتلهى بالأحلام متعلقين بالأمل.


أجل يا أخية...
نحاول النسيان فيستعر الشوق،
ولربما لو لم نحاول لكنا نأمل أننا لو أردنا يمكننا أن ننسى!
لكننا يئسنا حتى من هذه اللو.. وليت في الحلم والأمل ملهاة عن الشوق حين يصبح ألما دون أمل

دمت بألق يا غالية

وليد عارف الرشيد
07-09-2014, 09:55 PM
للمرة الثانية أقرأ لك خلال أيام وأعتقد أن هذا كان من حسن حظي
بوح تلقائي منساب جميل آسر ولغة مقتدرة ومشاعر نافذة
بوركت مبدعةً متألقة
همسة : تظمئني

تبارك
07-09-2014, 11:06 PM
بل من حسن حظي أيها الفاضل.
شكرا لك، ذات ماض كنت أجيد الهمزات، لكن الذاكرة تتفلت وكذلك إحساسي بها.
جزيت خيرا ودمت بخير.

خلود محمد جمعة
09-09-2014, 10:11 AM
أحزان على سفوح الذاكرة أوقدت الحرف فاشتعل جمالا
نثرية مفعمة بالإحساس المرهف
تقديري

تبارك
10-09-2014, 09:54 PM
ومرور أرق من النسائم المعطرة بعبير الربيع

شكرا لك خلود

فاطمه عبد القادر
11-09-2014, 01:22 AM
أخيرا عدتُ إلى دمشق، طفلة أكثر مما كنت، ضعيفة أكثر مما كنت، هشة أكثر مما كنت، حالمة أكثر مما كنت. وعدت إلى دمشق، أكثر شوقا إليك مما كنت، وما كنت أتخيل أن أعود إليها دونك وحدي! عدت لأجدها وكأنها هي! يفزعني ما صرتُ إليه وما صارت إليه دمشقي!

السلام عليكم
في الأوقات الي يكون فيها الجزر أقوى ,تنهال الذكريات كما الصفعات القاسية ,
بوح كان انسيابيا رائقا, عاطفيا ظامئا ,يؤثر بعمق .
شكرا لك تبارك .
ماسة

ربيحة الرفاعي
18-09-2014, 02:52 PM
أن يعرف السبع كيف يغرز مخالبه في لحم الظبي ليس انتصارا وإن خاله كذلك، فهما في دورة الطبيعة يسيران بما لهما، لكن ظبيا يفلت من بين تلك المخالب والأنياب ملوم إن عاد وهو قد عاش وجعها، ويرى عن بعد إن نظر ما يعيش من تبعه من فرائس سبعه، ويعرف جيدا أنه لن يحظى بخير مما فرّ منه وما يذوق من لم يفر

تلقائية في الحرف وصدق في التعبير أطلقا لأخيلة التلقي العنان وارتسما بهاء في نص مترع بالجمال

أقرؤك - تظمؤني!
تجمع حكاية على حكايات لا عل حكايا

دمت بخير أيتها الرائعة
وأهلا بعودتك الغالية لأفياء واحتك

تحاياي

نداء غريب صبري
12-10-2014, 06:43 PM
أتعلم كم أخشى هذا المكان الواسع الذي أمنحكه في قلبي وروحي! كم أخشى هذه المحبة والأمومة التي أدخرها لأجلك، والتي عجزت عن منحها لسواك! كم أخشى قدرتي الغريبة على الغفران رغم كل شيء، رغم الطعان الغائرة التي تركتها بهدوء في قلبي قبل أن ترحل وقبل أن ترسل منذ قرابة السنتين، وبعد غياب قرابة ثلاث سنين.. فتعنون رسالتك بـ (على جسور النسيان)! أكنت تخبرني أنك نسيت من قبل أن ترحل؟ أم كنت تسألني هل استطعت أنا النسيان؟!
يالله!!


العجيب أننا نشترك بهذه المشاعر، وأن بوحنا يؤكد على أن الخيبة واحدة، والغادر واحد، والتجربة واحدة
لكن كلا منا يقسم انه يعيش تجربة مختلفة لا يشبهه فيها أحد

نقرأ أنفسنا في سطور الرائعين

شكرا لك أختي

بوركت

كاملة بدارنه
13-10-2014, 02:41 PM
نثر جميل وبوح آسر زانته السّلاسة وبساطة التّعبير عن المشاعر الصّادقة
بوركت
تقديري وتحيّتي

آمال المصري
19-10-2014, 01:19 AM
منذ زمن بعيد شكوتك له فلم يصمت لحظة ، لم يتردد ، كأنما كان ينتظر أن أتمتم بالكلمة الأولى: ارحلي .. إن لم يبذل المستحيل لتبقي فهو ليس جديرا ببقائك.
وصمتَ تماما بعدها، وأنا صمتُ طويلا وترددت طويلا، ثم عدتُ بهدوء أتلمس دفء روحك.. لأجفوها بعد ذلك بزمن وأرحل ببطء محاولة أن أنساك، لكنني فشلت!

مد وجزر مابين ذكريات تأبى إلا أن تراود صاحبها وأمنية البقاء بكبرياء
نص ماتع سلس اللغة انسابت نبضاته متسللة لتدخل القلوب عنوة
شكرا لك تبارك على تلك المساحة الشفيفة البديعة
تحاياي

لانا عبد الستار
05-11-2014, 09:40 PM
نثر عفوي مشحون بالمشاعر
طابت لي قراءته
أشكرك

تبارك
09-12-2014, 08:42 PM
العزيزة فاطمة،
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته
والشكر لك موصول ... تحياتي وكل التقدير



العزيزة ربيحة،
للأسف، كثيرا ما نعاود أخطاءنا! دائما ما تحيرني هذه الحقيقة التي أراها كثيرا في الحياة!
شكرا لك على الإفادة :)
كل التحية والتقدير



الكريمة نداء،
أوافقك، تختلف التفاصيل، لكن الجوهر والسياق متفقين، والروعة رغم الخيبة تكمن في اختلاف أساليبنا لرواية الحكاية ذاتها كل مرة بأسلوب لا يشبه الآخر ولا يكاد يختلف عنه!
شكرا لك، تحياتي




الفاضلة كاملة،
وفيك بارك الله
كل الشكر والتحية




العزيزة آمال،
وشكرا لك على المرور اللطيف الشفاف
كل التحية



العزيزة لانا،
ولك كل الشكر والتحية






:0014:

د. سمير العمري
24-06-2015, 05:25 PM
الله الله!

أنت أديبة فارهة الحرف ذات أداء مخملي فاخر ، وهذا نص نثري كطرب يضاهي أجمل القصائد فلله درك!

بتنا نفتقد بشدة لمثل هذا الحرف النثري في زمن الفيس والواتس.

تقديري

تبارك
28-07-2015, 11:03 PM
لكم أتمنى لو أن النص يرقى فيليق بوصفك له، إنما هو احتفاء الحرف الفاره الرائق بحرف متردد متلعثم.

جل النصوص فيما رأيت في عالم الانترنت صارت أشبه بالكبسولات، صرنا نريد غاية النص في سطرين، ولم يعد الحال وفتيل الصبر يسعف في كثير من الأحيان لتصفح مطول كما كان الحال في زمن ماض. رغم أنني أحب تلك العبارات الموجزة التي تلخص حديثا طويلا،، لكن تقلب العواطف في النص المترف ، وتسلسل الأفكار على مهل مع استشهاداتها، شيء لا غنى عنه لقارئ نهم!

كل التقدير والمحبة