بهجت عبدالغني
07-09-2014, 07:07 PM
عندما تغدو النظرية ديناً !
قلت مرةً أن الداروينية عند بعض معتنقيها ديانة ، يتسمّون بها ويجعلون منها سنداً وحجةً على إلحادهم وحربهم على الأديان .. إنك لن تجد من يتسمّى بـ ( أنشتايني ) أو ( نيوتني ) مثلاً ، لكنك ستسمع كثيراً بـ ( الداروني ) ..
إنها ديانة جديدة ، وليست نظرية علمية قابلة للقبول أو الرفض .. يقول ريتشارد دوكنز زعيم الملاحدة المعاصرين : ( إذا قابلت شخصاً لا يؤمن بالتطور فلا شك أنك أمام إنسان جاهل غبي أو مجنون لا يعي ما يقول ولا أريد أن أقول شرير مؤذ ) .. ويقول : ( لا ينبغي أن نشكك في التطور إطلاقاً ) ..
لماذا ؟ ألم يشكك العلماء بالنظريات العلمية الأكثر ثباتاً ورسوخاً من نظرية التطور المتهافت ؟
فلماذا إذن هذا الهجوم الشرس على كل من يقترب من الداروينية ناقداً ومشكّكاً ؟
يجيب عن هذا التساؤل مايكل روس ( فيلسوف تطوري منصف ) بقوله : ( يكمن الصراع في محاولة استغلال الكثيرين لنظرية التطور لنفى وجود الإله لقد صار التطور بالنسبة لأنصاره ديانة لا إلهية ) ..
ويقول فيلسوف العلوم الأكبر كارل بوبر: ( حتى النظريات العلمية يمكن أن تصبح موضة يمكن أن تحل محل الدين يمكن أن تصبح مُسَلمة غير قابلة للنقاش وهذا ما حدث مع التطور ) .
بينما يرى واتسون أستاذ علم البيولوجيا أنه ( تمّ قبول التطور ليس لقوة الأدلة علية ولكن لأن البديل الاخر ـ وهو الإله الخالق ـ بديل غير مقبول بتاتاً عند العلماء ) .
أي أن نفي التطور عند هؤلاء يعتبر اعترافاً بوجود إله خالق ، وذلك لا يمكن التفكير فيه ولا حصوله بأي ثمن .. يقول سير آرثر كيث : ( إنّ نظرية النشوء والارتقاء غير ثابتة علمياً ، ولا سبيل إلى إثباتها بالبرهان ، ونحن لا نؤمن بها إلا أن الخيار الوحيد بعد ذلك هو الإيمان بالخلق الخاص المباشر، وهذا لا يمكن حتى التفكير فيه ) .
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ من الاعتقاد ، بل تعدى إلى عمليات تزوير خطيرة ، أساءت إلى سمعة العلم الذي ينبغي أن يكون محايداً ، عمليات تزوير تاريخية قام بها الدراونة لا لشيء إلا ليثبتوا بها ديانتهم المزعومة ..
وإليك طائفة من عمليات التزوير تلك :
1 ـ قام أحد الباحثين في مجال التطور باصطياد رجل أفريقي اسمه أوتا بينغا Ota Benga سنة 1904 في الكونغو ، وجلبوه إلى أمريكا ، وأوتا بينغا متزوج ولديه طفلين ، وبعد أن تم تدمير قريته وقتل زوجته وولديه ، قام علماء التطور بعرضه على الجمهور في معرض سينت لويس العالمي إلى جانب أنواع أخرى من القردة ، وقدموه بوصفه أقرب حلقة انتقالية للإنسان ، وبعد عامين نقلوه إلى حديقة حيوان برونْكس في نيويورك وعرضوه تحت مسمى السلف القديم للإنسان مع بضع أفراد من قردة الشمبانزي وبعض الغوريلاّت ، وقام الدكتور التطوري ويليام هورناداي ، مدير الحديقة ، بإلقاء خطب طويلة عن مدى فخره بوجود هذا الشكل الانتقالي الفريد في حديقته وعامل أوتا بينغا المحبوس في القفص وكأنه حيوان عادي .
فماذا فعل هذا الرجل الأفريقي المسالم أوتا بينغا ؟
لقد انتحر ..
ورغم أن اسمه يعني في لغته ( الصديق ) ، فإن هؤلاء الوحوش لم يعاملوه إلا بكل وضاعة وخساسة ، فقط ليبرهنوا صحة نظرية دارون !
2 ـ اعلن تشارلز داوسون عام 1912 الحلقة المفقودة في سلسلة التطور بعثوره على جزء من جمجمة وعظمة فك داخل حفرة في بيلتداون بإنكلترا فسماه إنسان بِلتْداون Piltdown Man ، وعرضت العينة في المتحف البريطاني بزعم أن عمرها خمسمائة ألف سنة ، وكُتب عنهما ما لا يقل عن خمسمائة رسالة دكتوراه ، ولم تكتشف الخدعة إلا عام 1949 عندما اختبر المتحف عمرها بطريقة الفلورين فتبين أن الجمجمة عمرها نحو خمسمائة سنة والفك حديث العهد يرجع لقرد والأدوات الحجرية الموضوعة معهما مقلَّدة ، فأعلنت الفضيحة عام 1953 على الجمهور ، عندما نشرت مجلة التايم دليلاً تمّ جمعه مسبقاً من قبل كينيث بيج أواكلي ويلدفريد لي غروس كلارك وجوزيف وين تثبت أن إنسان بلتداون كان مجرد تزوير علمي !
3 ـ في عام 1922 أعلن مدير المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي عن عثوره على ضرس متحجرة في نبراسكا يحمل صفات مشتركة بين الإنسان والقرد ، فسماه البعض إنسان نبراسكا كما أُعطي له في الحال اسماً معقداً صعب النطق حتى يضفي عليه نوعاً من العلمية هو هسبيروبايثيكوس هارولدكوكي Hesperopithecus Haroldcooki ، واستناداً إلى الضرس الأوحد رُسمت الرأس وأعيد بناء الجسد تخميناً ، بل تمّ رسمه مع زوجته أيضاً !
وقد وضعت كل هذه السيناريوهات من ضرس واحد فقط ! وأجازت الأوساط التطورية هذا الإنسان الشبح لدرجة أنه عندما قام باحث يدعى ويأتيام بريان بالاعتراض على هذه القرارات المتحيزة القائمة على ضرس أوحد تعرض لانتقاد شديد!
وفي سنة 1927 عُثر على أجزاء أخرى من الهيكل العظمي لإنسان نبراسكا. ووفقاً لهذه الأجزاء المكتشفة حديثاً ، لم يكن الضرس يخص لا إنساناً ولا قرداً . وأدرك الجميع أنه يخص نوعاً منقرضاً من الخنازير الأمريكية البرية يسمى (prosthennops)، وأطلق ويليام غريغوري على مقاله المنشور في مجلة العلوم (Science)، حيث أعلن عن هذا الخطأ، العنوان الآتي : الهسبيروبايثيكوس: يظهر أنه ليس قرداً ولا إنساناً. وبعد ذلك ، تم على عجل إزالة كل رسوم الهسبيروبايثيكوس هارولدكوكي وعائلته من أدبيات التطور !
4 ـ قرب بحيرة توركانا في كينيا في أفريقيا عُثر على عينة ، ونُسبت زوراً للإنسان ( منتصب القامة ) ، ثمّ تبين لاحقاً أنها لغلام في الثانية عشر من عمره لذا سميت متحجرة غلام توركانا Turkana Boy .
5 ـ صور الأجنة : وهي من أحد أبرز وأشهر الأمثلة على التلاعب لإثبات نظرية التطور ، حيث قام أرنست هيغل برسم مراحل الجنين البشري ، إذ ادّعى هيغل أن هذه المراحل تشبه مراحل سلفه المفترض من الحيوانات ، وأطلقت عليها نظرية التلخيص ( Recapitution Theory ) ، وملخصها أن التشابه الظاهري الموجود في المراحل الجنينية لبعض الحيوانات تشير إلى كون هذه الحيوانات متطورة من أصل واحد، وأن هذه المراحل الجنينية تلخص التاريخ التطوري للأحياء ومن ضمنهم الإنسان .
لكن الدكتور ( بر اس ) اكتشف هذا التزوير ، وكتب مقالة في إحدى الجرائد متحديًا أرنست هيجل وداعيًا له للاعتراف بما قام به من تزوير .
وانتظرت الأوساط العلمية جواب العالم المتهم بالتزوير. وبعد تردد قارب الشهر كتب هيجل بتاريخ 14/12/ 1908م مقالة تحت عنوان ( تزوير صور الأجنة ) اعترف فيها بعملية التزوير التي قام بها ، وقال بعد هذا الاعتراف المذهل :
( إنني أعترف رسميًّا - حسمًا للجدال في هذه المسألة - أن عددًا قليلاً من صور الأجنة نحو ستة في المائة أو ثمانية موضوع أو مزور... ) ... إلى أن قال : ( بعد هذا الاعتراف يجب أن أحسب نفسي مقضيًّا عليّ وهالكًا، ولكن ما يعزيني هو أن أرى بجانبي في كرسي الاتهام مئات من شركائي في الجريمة، وبينهم عدد كبير من الفلاسفة المعول عليهم في التجارب العلمية وغيرهم من علماء الأحياء ـ البيولوجيا ، فإن كثيرًا من الصور التي توضح علم بنية الأحياء وعلم التشريح وعلم الأنسجة وعلم الأجنة المنتشرة المُعَوَّل عليها مزور مثل تزويري تمامًا لا يختلف عنه في شيء ! ) .
6 ـ إنسان جاوة : اكتشفه الطبيب الهولندي يوجين ديبوا ـ وهو طبيب في الجيش الملكي الهولندي ، تيسر له السفر إلى جاوا ـ وهناك في قرية تقع على نهر " سولو " عثر على قطعة من فك سفلي وسن واحدة في الحفريات التي كان يجريها هناك سنة 1890م ، ثم عثر سنة 1891م على قطعة من قحف جمجمة مفلطحة ومنخفضة وفيها بروز فوق العينين ، وبروز في الخلف . وكان واضحًا أنها لا تعود إلى إنسان عادي، فقد كان حجم الدماغ صغيراً .
في السنة التالية عثر في نفس تلك المنطقة ـ ولكن على بعد 40 م تقريبًا ـ على عظمة فخذ . وكان واضحًا أنها تعود لإنسان .
ولكي يصبح " ديبوا " بطلاً ومكتشف ( الحلقة المفقودة ) وينال هذه الشهرة الكبيرة في دنيا العلم، فقد أعلن أن جميع ما اكتشفه من عظام يعود إلى مخلوق واحد ، وهو الحلقة المفقودة بين القرد والإنسان.
وقد تصدى العالم المشهور الدكتور " فيرشاو " في مؤتمر الأنثروبولوجيا ( الذي عقد سنة 1895م وحضره "ديبوا" ) لهذا الزعم ، وقال : إن الجمجمة هي لقرد ، وإن عظمة الفخذ هي لإنسان . وطلب من "ديبوا" تقديم أي دليل علمي مقنع لزعمه فلم يستطع . وعندما سأله الدكتور "فيرشاو" كيف يفسر أن هذه العظام كانت متباعدة عن بعضها ؟ اخترع " ديبوا " قصة خيالية فقال : ( إن من المحتمل أن هذا الإنسان القردي قد قتلته الحمم البركانية، ثم اكتسحته الأمطار إلى النهر، وهناك افترسته التماسيح وبعثرت عظامه في تلك المنطقة ) .
لكن " ديبوا " اعترف قبل وفاته بسنوات بأن ما وجده وأطلق عليه اسم " إنسان جاوا " لم يكن إلا جمجمة قرد كبير .
وكتب عالم الأحياء الأستاذ ف. مارش F.Marsh في كتابه (التطور أم الخلق الخاص ) ما يأتي : ( هناك مثال آخر على تزوير الأدلة هو قضية "ديبوا" الذي بعد سنوات من إعلانه الذي أحدث ضجة كبيرة ، والذي قال فيه : إنه اكتشف بقايا من إنسان جاوا اعترف بأنه في الوقت نفسه وفي المكان نفسه وجد عظامًا تعود بلا شك إلى الإنسان الحالي .
هكذا .. كان يعثرون على بعض العظام ، ثم يستعينون بخيال الرسامين ليرسموا لهم إنساناً بشكل ما حسب أهوائهم ، ثم يقولون هذه هي السلسلة المفقودة التي تحدث عنها دارون !
6 ـ صناعة الحياة في زجاجة : في 1953 تمّ الإعلان عن نجاح العالمين ستانلي ميلر وهارولد أوري في خلق " كتل بناء الحياة " في قارورة . وقد قاما بمحاكاة ما كان يعتقد أنها الظروف الطبيعية للغلاف الجوي للأرض قديماً ، ثم أرسلا شرارة كهربائية خلالها . قام ميلر وأوري بتشكيل أحماض أمينية بسيطة . وبما أن الأحماض الأمينية هي " لبنات البناء " للكائنات الحية ، فقد كان يعتقد أن تمكن العلماء أنفسهم من خلق كائنات حية هي مجرد مسألة وقت.
في ذلك الوقت ، كان ذلك يبدو تأكيداً مثيراً لنظرية التطور . الحياة لم تكن " معجزة " ، ولم تكن عامل خارجي أو ذكاء إلهي ضرورياً . ضع الغازات الصحيحة معاً ، ثم أضف الكهرباء ، ولا بد للحياة أن تحدث ، إنه حدث عادي .
لأجل ذلك استطاع كارل ساغان أن يتوقع خلال برنامج تلفزيوني أن بلايين الكواكب التي تدور حول بلايين النجوم لا بد أنها تعج بالحياة .
ثم جاءت الضربة الموجعة لتجربة ميلر وأوري سنة 1970 حينما استنتج العلماء أن الغلاف الجوي للأرض لم يكن يشبه أبداً خليط الغازات التي استخدمها ميلر وأوري . بدلاً من أن تكون ما يسميه العلماء (reducing) أو بيئة غنية بالهيدروجين فإن الغلاف الجوي للأرض في وقت مبكر ربما تألف من غازات منبعثة عن البراكين . اليوم هناك شبه إجماع بين خبراء " الكيمياء الجيولوجية" Geochemists بشأن هذه النقطة .
وإذا وضعت تلك الغازات البركانية في جهاز ميلر أوري ، فإن التجربة لا تنجح ، وبعبارة أخرى لا تتكون " لبنات بناء الحياة " ..
قد يبدو هذا المثال الأخير بعيداً عن التزييف المتعمد ، فقد تصور العالمان ظروفاً للأرض ، ثم ثبت خلاف ذلك ، ولكن المشكلة في الملحدين أمثال كارل ساغان الذين استغلوا مثل هذه التجارب التي ثبت خطؤها في دعوتهم إلى الإلحاد ..
فانظر إلى هؤلاء كيف يتعاطون التزييف من أجل إثبات عقيدتهم ( التطور ) ، وكيف أنهم تجاوزوا حدود العلم في قبول ورفض النظريات إلى أن جعلوا من التطور العشوائي والصدفة آلهة تُعبد من دون الله تعالى !
وأخيراً .. فلا نحمّل العلم جريرة هذا التزوير ، لأن هؤلاء الذين اقترفوه تخلّوا عن منهجهم العلمي وأمانتهم ، واتبعوا أهواءهم ومصالحهم ، ويبقى تزويرهم قليلاً جداً أمام الكشوفات العلمية الرصينة ، وأمام الجهود الجبّارة من قبل العلماء المثابرين الصادقين الذين يثرون العالم بإبداعاتهم ..
...............................
مصادر المقالة :
ـ خرافة الالحاد ، د. عمرو شريف ، مكتبة الشروق الدولية ، مصر ، ط1 ، 2014 .
ـ التقدير في خلق الإنسان ، د. محمد بن إبراهيم دودح ، موسوعة البحوث والمقالات العلمية ، الموسوعة الشاملة ، 2006 .
ـ نظرية التطور ... مسلسل من التزييف ، أورخان محمد علي ، موقع أون إسلام .
ـ الموسوعة الحرة ( ويكيبيديا ) .
قلت مرةً أن الداروينية عند بعض معتنقيها ديانة ، يتسمّون بها ويجعلون منها سنداً وحجةً على إلحادهم وحربهم على الأديان .. إنك لن تجد من يتسمّى بـ ( أنشتايني ) أو ( نيوتني ) مثلاً ، لكنك ستسمع كثيراً بـ ( الداروني ) ..
إنها ديانة جديدة ، وليست نظرية علمية قابلة للقبول أو الرفض .. يقول ريتشارد دوكنز زعيم الملاحدة المعاصرين : ( إذا قابلت شخصاً لا يؤمن بالتطور فلا شك أنك أمام إنسان جاهل غبي أو مجنون لا يعي ما يقول ولا أريد أن أقول شرير مؤذ ) .. ويقول : ( لا ينبغي أن نشكك في التطور إطلاقاً ) ..
لماذا ؟ ألم يشكك العلماء بالنظريات العلمية الأكثر ثباتاً ورسوخاً من نظرية التطور المتهافت ؟
فلماذا إذن هذا الهجوم الشرس على كل من يقترب من الداروينية ناقداً ومشكّكاً ؟
يجيب عن هذا التساؤل مايكل روس ( فيلسوف تطوري منصف ) بقوله : ( يكمن الصراع في محاولة استغلال الكثيرين لنظرية التطور لنفى وجود الإله لقد صار التطور بالنسبة لأنصاره ديانة لا إلهية ) ..
ويقول فيلسوف العلوم الأكبر كارل بوبر: ( حتى النظريات العلمية يمكن أن تصبح موضة يمكن أن تحل محل الدين يمكن أن تصبح مُسَلمة غير قابلة للنقاش وهذا ما حدث مع التطور ) .
بينما يرى واتسون أستاذ علم البيولوجيا أنه ( تمّ قبول التطور ليس لقوة الأدلة علية ولكن لأن البديل الاخر ـ وهو الإله الخالق ـ بديل غير مقبول بتاتاً عند العلماء ) .
أي أن نفي التطور عند هؤلاء يعتبر اعترافاً بوجود إله خالق ، وذلك لا يمكن التفكير فيه ولا حصوله بأي ثمن .. يقول سير آرثر كيث : ( إنّ نظرية النشوء والارتقاء غير ثابتة علمياً ، ولا سبيل إلى إثباتها بالبرهان ، ونحن لا نؤمن بها إلا أن الخيار الوحيد بعد ذلك هو الإيمان بالخلق الخاص المباشر، وهذا لا يمكن حتى التفكير فيه ) .
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ من الاعتقاد ، بل تعدى إلى عمليات تزوير خطيرة ، أساءت إلى سمعة العلم الذي ينبغي أن يكون محايداً ، عمليات تزوير تاريخية قام بها الدراونة لا لشيء إلا ليثبتوا بها ديانتهم المزعومة ..
وإليك طائفة من عمليات التزوير تلك :
1 ـ قام أحد الباحثين في مجال التطور باصطياد رجل أفريقي اسمه أوتا بينغا Ota Benga سنة 1904 في الكونغو ، وجلبوه إلى أمريكا ، وأوتا بينغا متزوج ولديه طفلين ، وبعد أن تم تدمير قريته وقتل زوجته وولديه ، قام علماء التطور بعرضه على الجمهور في معرض سينت لويس العالمي إلى جانب أنواع أخرى من القردة ، وقدموه بوصفه أقرب حلقة انتقالية للإنسان ، وبعد عامين نقلوه إلى حديقة حيوان برونْكس في نيويورك وعرضوه تحت مسمى السلف القديم للإنسان مع بضع أفراد من قردة الشمبانزي وبعض الغوريلاّت ، وقام الدكتور التطوري ويليام هورناداي ، مدير الحديقة ، بإلقاء خطب طويلة عن مدى فخره بوجود هذا الشكل الانتقالي الفريد في حديقته وعامل أوتا بينغا المحبوس في القفص وكأنه حيوان عادي .
فماذا فعل هذا الرجل الأفريقي المسالم أوتا بينغا ؟
لقد انتحر ..
ورغم أن اسمه يعني في لغته ( الصديق ) ، فإن هؤلاء الوحوش لم يعاملوه إلا بكل وضاعة وخساسة ، فقط ليبرهنوا صحة نظرية دارون !
2 ـ اعلن تشارلز داوسون عام 1912 الحلقة المفقودة في سلسلة التطور بعثوره على جزء من جمجمة وعظمة فك داخل حفرة في بيلتداون بإنكلترا فسماه إنسان بِلتْداون Piltdown Man ، وعرضت العينة في المتحف البريطاني بزعم أن عمرها خمسمائة ألف سنة ، وكُتب عنهما ما لا يقل عن خمسمائة رسالة دكتوراه ، ولم تكتشف الخدعة إلا عام 1949 عندما اختبر المتحف عمرها بطريقة الفلورين فتبين أن الجمجمة عمرها نحو خمسمائة سنة والفك حديث العهد يرجع لقرد والأدوات الحجرية الموضوعة معهما مقلَّدة ، فأعلنت الفضيحة عام 1953 على الجمهور ، عندما نشرت مجلة التايم دليلاً تمّ جمعه مسبقاً من قبل كينيث بيج أواكلي ويلدفريد لي غروس كلارك وجوزيف وين تثبت أن إنسان بلتداون كان مجرد تزوير علمي !
3 ـ في عام 1922 أعلن مدير المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي عن عثوره على ضرس متحجرة في نبراسكا يحمل صفات مشتركة بين الإنسان والقرد ، فسماه البعض إنسان نبراسكا كما أُعطي له في الحال اسماً معقداً صعب النطق حتى يضفي عليه نوعاً من العلمية هو هسبيروبايثيكوس هارولدكوكي Hesperopithecus Haroldcooki ، واستناداً إلى الضرس الأوحد رُسمت الرأس وأعيد بناء الجسد تخميناً ، بل تمّ رسمه مع زوجته أيضاً !
وقد وضعت كل هذه السيناريوهات من ضرس واحد فقط ! وأجازت الأوساط التطورية هذا الإنسان الشبح لدرجة أنه عندما قام باحث يدعى ويأتيام بريان بالاعتراض على هذه القرارات المتحيزة القائمة على ضرس أوحد تعرض لانتقاد شديد!
وفي سنة 1927 عُثر على أجزاء أخرى من الهيكل العظمي لإنسان نبراسكا. ووفقاً لهذه الأجزاء المكتشفة حديثاً ، لم يكن الضرس يخص لا إنساناً ولا قرداً . وأدرك الجميع أنه يخص نوعاً منقرضاً من الخنازير الأمريكية البرية يسمى (prosthennops)، وأطلق ويليام غريغوري على مقاله المنشور في مجلة العلوم (Science)، حيث أعلن عن هذا الخطأ، العنوان الآتي : الهسبيروبايثيكوس: يظهر أنه ليس قرداً ولا إنساناً. وبعد ذلك ، تم على عجل إزالة كل رسوم الهسبيروبايثيكوس هارولدكوكي وعائلته من أدبيات التطور !
4 ـ قرب بحيرة توركانا في كينيا في أفريقيا عُثر على عينة ، ونُسبت زوراً للإنسان ( منتصب القامة ) ، ثمّ تبين لاحقاً أنها لغلام في الثانية عشر من عمره لذا سميت متحجرة غلام توركانا Turkana Boy .
5 ـ صور الأجنة : وهي من أحد أبرز وأشهر الأمثلة على التلاعب لإثبات نظرية التطور ، حيث قام أرنست هيغل برسم مراحل الجنين البشري ، إذ ادّعى هيغل أن هذه المراحل تشبه مراحل سلفه المفترض من الحيوانات ، وأطلقت عليها نظرية التلخيص ( Recapitution Theory ) ، وملخصها أن التشابه الظاهري الموجود في المراحل الجنينية لبعض الحيوانات تشير إلى كون هذه الحيوانات متطورة من أصل واحد، وأن هذه المراحل الجنينية تلخص التاريخ التطوري للأحياء ومن ضمنهم الإنسان .
لكن الدكتور ( بر اس ) اكتشف هذا التزوير ، وكتب مقالة في إحدى الجرائد متحديًا أرنست هيجل وداعيًا له للاعتراف بما قام به من تزوير .
وانتظرت الأوساط العلمية جواب العالم المتهم بالتزوير. وبعد تردد قارب الشهر كتب هيجل بتاريخ 14/12/ 1908م مقالة تحت عنوان ( تزوير صور الأجنة ) اعترف فيها بعملية التزوير التي قام بها ، وقال بعد هذا الاعتراف المذهل :
( إنني أعترف رسميًّا - حسمًا للجدال في هذه المسألة - أن عددًا قليلاً من صور الأجنة نحو ستة في المائة أو ثمانية موضوع أو مزور... ) ... إلى أن قال : ( بعد هذا الاعتراف يجب أن أحسب نفسي مقضيًّا عليّ وهالكًا، ولكن ما يعزيني هو أن أرى بجانبي في كرسي الاتهام مئات من شركائي في الجريمة، وبينهم عدد كبير من الفلاسفة المعول عليهم في التجارب العلمية وغيرهم من علماء الأحياء ـ البيولوجيا ، فإن كثيرًا من الصور التي توضح علم بنية الأحياء وعلم التشريح وعلم الأنسجة وعلم الأجنة المنتشرة المُعَوَّل عليها مزور مثل تزويري تمامًا لا يختلف عنه في شيء ! ) .
6 ـ إنسان جاوة : اكتشفه الطبيب الهولندي يوجين ديبوا ـ وهو طبيب في الجيش الملكي الهولندي ، تيسر له السفر إلى جاوا ـ وهناك في قرية تقع على نهر " سولو " عثر على قطعة من فك سفلي وسن واحدة في الحفريات التي كان يجريها هناك سنة 1890م ، ثم عثر سنة 1891م على قطعة من قحف جمجمة مفلطحة ومنخفضة وفيها بروز فوق العينين ، وبروز في الخلف . وكان واضحًا أنها لا تعود إلى إنسان عادي، فقد كان حجم الدماغ صغيراً .
في السنة التالية عثر في نفس تلك المنطقة ـ ولكن على بعد 40 م تقريبًا ـ على عظمة فخذ . وكان واضحًا أنها تعود لإنسان .
ولكي يصبح " ديبوا " بطلاً ومكتشف ( الحلقة المفقودة ) وينال هذه الشهرة الكبيرة في دنيا العلم، فقد أعلن أن جميع ما اكتشفه من عظام يعود إلى مخلوق واحد ، وهو الحلقة المفقودة بين القرد والإنسان.
وقد تصدى العالم المشهور الدكتور " فيرشاو " في مؤتمر الأنثروبولوجيا ( الذي عقد سنة 1895م وحضره "ديبوا" ) لهذا الزعم ، وقال : إن الجمجمة هي لقرد ، وإن عظمة الفخذ هي لإنسان . وطلب من "ديبوا" تقديم أي دليل علمي مقنع لزعمه فلم يستطع . وعندما سأله الدكتور "فيرشاو" كيف يفسر أن هذه العظام كانت متباعدة عن بعضها ؟ اخترع " ديبوا " قصة خيالية فقال : ( إن من المحتمل أن هذا الإنسان القردي قد قتلته الحمم البركانية، ثم اكتسحته الأمطار إلى النهر، وهناك افترسته التماسيح وبعثرت عظامه في تلك المنطقة ) .
لكن " ديبوا " اعترف قبل وفاته بسنوات بأن ما وجده وأطلق عليه اسم " إنسان جاوا " لم يكن إلا جمجمة قرد كبير .
وكتب عالم الأحياء الأستاذ ف. مارش F.Marsh في كتابه (التطور أم الخلق الخاص ) ما يأتي : ( هناك مثال آخر على تزوير الأدلة هو قضية "ديبوا" الذي بعد سنوات من إعلانه الذي أحدث ضجة كبيرة ، والذي قال فيه : إنه اكتشف بقايا من إنسان جاوا اعترف بأنه في الوقت نفسه وفي المكان نفسه وجد عظامًا تعود بلا شك إلى الإنسان الحالي .
هكذا .. كان يعثرون على بعض العظام ، ثم يستعينون بخيال الرسامين ليرسموا لهم إنساناً بشكل ما حسب أهوائهم ، ثم يقولون هذه هي السلسلة المفقودة التي تحدث عنها دارون !
6 ـ صناعة الحياة في زجاجة : في 1953 تمّ الإعلان عن نجاح العالمين ستانلي ميلر وهارولد أوري في خلق " كتل بناء الحياة " في قارورة . وقد قاما بمحاكاة ما كان يعتقد أنها الظروف الطبيعية للغلاف الجوي للأرض قديماً ، ثم أرسلا شرارة كهربائية خلالها . قام ميلر وأوري بتشكيل أحماض أمينية بسيطة . وبما أن الأحماض الأمينية هي " لبنات البناء " للكائنات الحية ، فقد كان يعتقد أن تمكن العلماء أنفسهم من خلق كائنات حية هي مجرد مسألة وقت.
في ذلك الوقت ، كان ذلك يبدو تأكيداً مثيراً لنظرية التطور . الحياة لم تكن " معجزة " ، ولم تكن عامل خارجي أو ذكاء إلهي ضرورياً . ضع الغازات الصحيحة معاً ، ثم أضف الكهرباء ، ولا بد للحياة أن تحدث ، إنه حدث عادي .
لأجل ذلك استطاع كارل ساغان أن يتوقع خلال برنامج تلفزيوني أن بلايين الكواكب التي تدور حول بلايين النجوم لا بد أنها تعج بالحياة .
ثم جاءت الضربة الموجعة لتجربة ميلر وأوري سنة 1970 حينما استنتج العلماء أن الغلاف الجوي للأرض لم يكن يشبه أبداً خليط الغازات التي استخدمها ميلر وأوري . بدلاً من أن تكون ما يسميه العلماء (reducing) أو بيئة غنية بالهيدروجين فإن الغلاف الجوي للأرض في وقت مبكر ربما تألف من غازات منبعثة عن البراكين . اليوم هناك شبه إجماع بين خبراء " الكيمياء الجيولوجية" Geochemists بشأن هذه النقطة .
وإذا وضعت تلك الغازات البركانية في جهاز ميلر أوري ، فإن التجربة لا تنجح ، وبعبارة أخرى لا تتكون " لبنات بناء الحياة " ..
قد يبدو هذا المثال الأخير بعيداً عن التزييف المتعمد ، فقد تصور العالمان ظروفاً للأرض ، ثم ثبت خلاف ذلك ، ولكن المشكلة في الملحدين أمثال كارل ساغان الذين استغلوا مثل هذه التجارب التي ثبت خطؤها في دعوتهم إلى الإلحاد ..
فانظر إلى هؤلاء كيف يتعاطون التزييف من أجل إثبات عقيدتهم ( التطور ) ، وكيف أنهم تجاوزوا حدود العلم في قبول ورفض النظريات إلى أن جعلوا من التطور العشوائي والصدفة آلهة تُعبد من دون الله تعالى !
وأخيراً .. فلا نحمّل العلم جريرة هذا التزوير ، لأن هؤلاء الذين اقترفوه تخلّوا عن منهجهم العلمي وأمانتهم ، واتبعوا أهواءهم ومصالحهم ، ويبقى تزويرهم قليلاً جداً أمام الكشوفات العلمية الرصينة ، وأمام الجهود الجبّارة من قبل العلماء المثابرين الصادقين الذين يثرون العالم بإبداعاتهم ..
...............................
مصادر المقالة :
ـ خرافة الالحاد ، د. عمرو شريف ، مكتبة الشروق الدولية ، مصر ، ط1 ، 2014 .
ـ التقدير في خلق الإنسان ، د. محمد بن إبراهيم دودح ، موسوعة البحوث والمقالات العلمية ، الموسوعة الشاملة ، 2006 .
ـ نظرية التطور ... مسلسل من التزييف ، أورخان محمد علي ، موقع أون إسلام .
ـ الموسوعة الحرة ( ويكيبيديا ) .