المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غصّة



محمد العياشي
25-09-2014, 01:56 AM
إن التحول الذي مررت به منذ بضع سنوات _ ستة أعوام_ لا يعدو إلا أن يكون تحولاً معرفياً , وإدراكاً لفائدة القراءات , والعائد الثقافي(الثمرة) الذي أجنيه من طول المطالعة للكتاب وإمعان النظر فيه , لإعادة صياغة العقلية التي تضفي بدورها علي تحسيناً سلوكيا , في شتى المناحي الحياتية الإجتماعية والنفسية وفن التعامل , بل هو إعادة إحياء للضمير الإنساني .
كلّ ذلك أصبح هو وغيره ما يدور في الوجدان والعقل , اللذان بدورهما يصنعان المفهوم والنظرية في نفسي , ولا شكّ أنني اكتشفت الحاجة عندما امتلكت الحد الأدنى من المعرفة للانتاج الأدبي والعودة لتلك المفاهيم التي شاعت وذاعت في الأوساط الثقافية , وتأدولت على الألسن في كلّ ناد , كانت الغاية هي الولوج إلى تلك المحاضن والمظان العلمية أهم التوجهات التي تملكتني باعتبارها مملكة الفكر والضمير الإنساني الذي تخلص من شوائبه وعلائقه , بوصفه خلاصة وصفوة المجتمع كيف لا وهم يتربعون على عروش المعرفة والثقافة والفلسفة , ولكني استدرك فأقول : أنها كانت الصدمة الحقيقية .
وأنا لا أبالغ إن قلت أن أغلب نوادي الأدب والعلم لاتحفل بجديدٍ يطرق فيها ولا تنظر إلى الآخرين المسجدين في مجالهم إلا بعين إقصائية إبعادية , تشبه نظرتهم نظرة الكبير للصغير المتعالية .
فضلاً على أنهم يقتاتون على العلم , ويرددون مصطلحات أكل الزمن عليها وشرب , لا جديد يذكر سوى القديم الذي استحدث أو استيراد النظريات والكتابات الغربية التي تترجم , بذلك وغيره كانت إخراجات الثقافة ضعيفة في الشكل والمضمون , مما خلق مسالك ومؤديات لا تحمد لها عاقبة , منها السواعد الفتية التي شاحت برؤوسها بعيداً عما تنتجه هذه الوسائل , المعدة راعيةً للثقافة في نشراتها ومجلاتها وصحافتها , التي تنهج نمطاً واحداً منذ الأزل , وهذا موافق لقول زهير :
ما أرانا نقول إلا معاراً أو معاداً من اللفظ مكروراً
هنا نضع حداً للتطور العلمي والمعرفي بوضعنا لتلك الخطوط المتوازية , التي لا تمكّن لأحد أن يستحدث أو يستكشف طرائق جديدة في فيما أخص العلوم النظرية المحضة أو التطبييقية البحتة .
وأنا حين أتحدث لا أقول أن الجميع بهذه الصفة , ولكنّهم نسبة تطغى وتلقي بضلالها على البقية المهمشة في المجال الثقافي , أيضاً الحرقة التي تسكنني كل هذه الأعوام منبعها , الإحصائيات التي وردت في كتاب (المعرفة قوة والحرية أيضاً) لـ د. فهد العرابي , الذي أطرد في كتابه أرقام حقيقية ولكنها أقرب للخيال , قائلاُ : أنّ الدول العربية مجتمعة تنفق 1.10 بالمائة على التعليم بينما إسرائيل الدخيلة تنفق ربع الناتج القومي على التعليم , وتُعنى بمخرجاته عناية بالغة ,مما يجعلني أجزم أنها القوة المعرفية والاقتصادية والعسكرية القادمة بقوة , هذا والكثير من الأرقام والحقائق عن عالمنا العربي وأقولها بكل أسف أنها (مخزية) وتجبرنا بعد ذلك أن ننكس رؤوسنا في عالم تسكنه الأشباح .
ثم إن الغرب لم يفرض ثقافته علينا ولكنّه سوق لها فلقيت عندنا أحضاناً مفرجة , وأبواباً مشرعة , وانجذاب عطشى لسراب بعيد , وأنا أدركت أننا نستطيع أن نحيي التراث القديم , ونكوّنه في صياغات جديدة بل ونزايد عليه بإضافات جوهرية تنعم بعقليات وعبقريات فذة في العالم العربي .
وحين اخترت هذا المحفل الثقافي للكتابة , لم يكن الاختيار إلا بفضل روية وطول تفكير , الذي يتميز بالانصهار في بوتقة العروبة , من كافة أصقاعها وامصارها .


قلم : محمد العياشي

محمد العياشي
27-09-2014, 10:02 AM
وغصّةٌ أُخرى ... سأوردُها لاحقاً .

خليل حلاوجي
07-11-2014, 01:43 PM
فرأت هنا : فكرًا نبيلًا يبشر بقدوم الفضيلة الممزوجة بحكمة المعرفة ...



نرحب بقلمك بين سطور الواقع المأزوم ..



بالغ تقديري.

بهجت عبدالغني
07-11-2014, 06:18 PM
سأقتبس من هذا المقال هذه النقاط المهمة .. جداً ..

ـ أغلب نوادي الأدب والعلم لا تحفل بجديدٍ يطرق فيها ولا تنظر إلى الآخرين المسجدين في مجالهم إلا بعين إقصائية إبعادية ، تشبه نظرتهم نظرة الكبير للصغير المتعالية .
ـ إن الدول العربية مجتمعة تنفق ( 1.10 ) بالمائة على التعليم بينما إسرائيل الدخيلة تنفق ( ربع الناتج القومي ) على التعليم ، وتُعنى بمخرجاته عناية بالغة .
ـ الغرب لم يفرض ثقافته علينا ولكنّه سوق لها فلقيت عندنا أحضاناً مفرجة ، وأبواباً مشرعة ، وانجذاب عطشى لسراب بعيد .

تحتاج إلى تأمل عميق وطويل !

تحياتي ومحبتي

محمد العياشي
11-11-2014, 10:42 PM
حييت أخي بهجت لك بالغ تقديري وعظيم امتناني


ولك أن تقتبس ما شئت


خالص تحياتي

ناديه محمد الجابي
24-06-2018, 10:00 AM
حرف راق وفكر حكيم استوقفني في طرح رائع
وسخرية مريرة من واقع أليم يترك في القلب غصة
وتعابير عميقة بلغة بليغة
تقديري الكبير.
:009::005::009:

خالد أبو اسماعيل
24-02-2024, 06:42 AM
سبب أننا نكرر ماقيل ولم ننتج معرفة جديدة :
١- يكاد يكون الجميع غافلا عن هذه الحقيقة :
القارئ هو الذي يصنع قيمة الكتاب وليس الكتاب هو الذي يصنع قيمته بما فيه .
هذا الكلام معناه أن المشكلة في طريقة القراءة إذ أن العلم منبهة ... المعلوم منه ينبه الى المجهول منه ونحن لانحاول أن نستخرج هذا المجهول بل نحاول أن نفهم المعلوم .
الشيخ عبدالقاهر الجرجاني قرأ سطرا لسيبويه في التقديم والتأخير فاستخرج منه ثلاث عشرة صفحة ........ صنع بطريقة قراءته قيمة سطر سيبويه هذا بينما هناك الكثير غيره قرؤوا هذا السطر ولم يستخرجوا منه شيء ... فهموه فقط .
٢- عدم الاطلاع على تجارب علماءنا وكيف كان اللاحق يقرأ كلام السابق لأن علماءنا هؤلاء هم الذين صنعوا ثقافتنا فينبغي إذا قرأنا كتبهم أن نقرأ حركة عقولهم ونفهمها فهما جيدا كما نفهم علمهم لكي نكون مثلهم .
٣- قراءة الكتب التي أسست المعرفة كقراءة الكتب التي لخصت والتي شرحت .
هذا هو رأي الدكتور محمد أبي موسى
والله أعلم