تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : النادل



عدي بلال
11-10-2014, 06:27 PM
النـــادل






( يالله يا إمي هلا بتتاخر على شغلك ، صارت الدنيا مسا ، عملتلك قهوة ، وحطيتلك اياها جنبك ، انتا ناسي يا إمي إنك نادل محترف .. مش هيك بيحكي لك المدير تبعكم ؟ قوم يا إمي الله يرضى عليك )

يستل رأسه من تحت الوسادة في كسل ٍ ، ويسترق النظر في تثاقل ٍ إلى الساعة المعلقة على حائط غرفته ،ويبتسم في سخرية ٍ حين يتعثر بصره في حسرة ٍ ببرواز ٍ لشهادة هندسة ٍ ، تشير إلى أنه أنهى دراسته بتفوق ٍقبل سنواتٍ خمس .

يجلس على طرف السرير ، ويشعل سيجارته ، ويحك رأسه في فوضوية ٍ ، ويتمتم بعباراتٍ ساخطةٍ على الدنيا بأسرها .

الساعة تقترب من السادسة ، وحافلة الموظفين تنتظره منذ دقائق ٍ عشر ، فيقبل رأس أمه ، ودعواتها تلاحقه كعادتها كل مساء ..

يغلق باب الحافلة لحظة وصوله المطعم ، ويحث الخطا إلى الداخل – كعادته - في همة ٍ وعزيمة .

بيد أن يد ( عاصم ) – زميله في العمل – تخطّفته لحظة ولوجه المطعم ، واتخذا من جانب المطعم مكاناً قصيا ً ..

( كمان شوي راح يجي واحد مهم ، ومعه بنته ، هيك حكى المدير ، وبده اياك انتا تشرف عليهم ..الله يعينك، مهو الحق عليك ، يعني سرعتك ودقتك السبب .. خد على راسك )

يتجه إلى صالة المطعم ، ويعيد فحص ترتيبها بعينيه ، ويتأكد من نظافة المرايا المنتشرة بطريقة هندسية في زوايا الصالة ، ويعاجله المدير بابتسامة الثقة في خبرته بالتعامل مع الشخصيات الهامة .


رجل ٌ تتجسد فيه البرجوازية ، وبدلته الرمادية ورأسه الخالي من الشعر إلاّ قليلاً ، يتأبط فتاة عشرينية ، زادها فستانها الأرجواني وانسدال شعرها على كتفيها جمالا ً وأناقة ً ، يستقبلهما المدير بترحاب ٍ مبالغٍ فيه على الباب ، ويرمق ( حسان ) أن تقدم إلى هنا ، ففعل .

طاولة ٌ مستديرةٌ ، وشمعة قد توسطتها ، وعازفٌ للبيانو وقف وانحنى في لباقة ٍ لهما ، وبحركة ٍ تنم عن خبرة ٍ ، سحب ( حسان ) الكرسي للعشرينية ..
- تفضلي .
ليعيد الكرة نفسها مع البرجوازي ، ويقدم لهما قائمة المطعم ، ويرجع للخلف خطوات ٍ ثلاث .

النظر إلى عينيها يحتاج إلى شجاعة محارب ٍ خاض غمار حرب ٍ دونما استعداد ، وأحلام اليقظة التي ما انفكت والدته تعاتبه عليها ، تطفو إلى عينيه ووجهها الملائكي ..

يتهامسان ، يبتسمان ، يقهقهان ، ولا يدري عن الأمر سبباً ، ويتقدم إلى الطاولة مرة ً أخرى في لباقة ٍ وإنصات .

- عصير فريش – و أشار إليها بيده في تحبب ٍ – و بيرة باردة لي ، ومشاوي .. بسرعة لو سمحت .
- حاضر
ثم إنه تناول من يده قائمة الطعام ِ دون أن ينبسّ ببنت شفة ، واكتفى بابتسامته المعهودة ..

الوقوف في هذه الزاوية يتيح للنادلين مراقبة الجميع من خلال المرايا دون أن يلاحظهم أحد ، وهو لا يزال يراقب حركاتها من خلال هذه المرايا ، و ( عاصم ) منهمك ٌ في تحضير الطلبات ..

( شو رأيك تنسى اللي بتفكر فيه يا حسان ، ياعمي هدول ناس ما بيعرفوا بإن اللي زينا عايشين .. أصحى )

لم يبالِ بكلامه وتناول الطلب من يده ، وتقدم نحو الطاولة بهدوء ٍ ، ثم إنه وبحركاتٍ استعراضية ٍ ، فرش الطلبات على الطاولةِ ، فابتسمت لمهارته ، وبادلها الابتسامة ..
- شكرا ً
- عفواً ..

يرجع إلى زاويته ، ويجهل سر تعلقه بابتسامتها ، ويشعر للحظات ٍ بأنها تبحث بعينيها عنه ، أو هكذا خُيلَ إليه .

( يا عمي والله ما راح يصير شي ، صدقني .. بالكتير راح يعطيك أبوها بقشيش منيح )

يصر في نفسه أن يتجرأ للمرة الاولى في حياته ، ويراقب حركاتها من بعيدٍ في افتتانٍ جلي ، وعقارب الساعة تجري دون أن يجد طريقة ً لمحادثتها ..

يشير بيده لـ ( حسان ) ، فيومئ ُ برأسه ويضع الفاتورة في حافظة ٍ جلدية ٍ أنيقة ، ويتقدم نحوهما ، والأفكار في رأسه تتسابق ..

- تفضل يا سيدي
يتناول البرجوازي الحافظة ويدس بداخلها فئة نقودٍ ذات صفرين يسبقها خمسة .

- بدك شي تاني بابا ؟

تكتفي بابتسامة ٍ ، وترفع رأسها إلى النادل ِ ، وتطلب منه ورقة ً وقلم .
يتناول الحافظة ، ويسرع إلى ( عاصم ٍ )

- بدي ورقة وقلم بسرعة ، صدقني غير تعطيني رقمها ، متاكد شفت بعيونها حكي كتير .. بسرعة يا رجل

- امسك .. خليك بوهمك
- خليك بحالك انتا

ولمـّا همـّا بالإنصراف ، رافق مدير المطعم ِ هذا البرجوازي ، ينشد لديه الرضا عن المكان والطعام .. وبجوار الطاولة يقف ، ويمد له يدها بما طلبت ..

- تفضلي
- شكراً .. شو اسمك انتا ؟
- حسان

يبتعد عن الطاولة قليلاً ويتظاهر بالانشغال بأدوات الطاولة ، تاركاً إياها تدون ملاحظة ً أو رقما ً ، ليس يدري.

يشير لها والدها بيده ، فتحمل حقيبتها وتدس الورقة بداخلها ، وتضع القلم على الطاولة وتمضي ..ونظرات ( عاصم ) تراقبه في المرآة ِ في حسرة ٍ عليه ، وهو ينحسر ، ويرتب أدوات الطعام على الطاولة دونما تركيز .

تتأبط يد والدها ، وتُسر إلى والدها ببضع كلمات ٍ ، فيسبقها إلى الخارج ِ ، ويتركها تحادث مدير الصالة في ود ورضا ..

( يا حسان .. تعال لو سمحت ، الأنسة بدها اياك .. ) وينصرف المدير في أدب ..

يشعر بأن السماء استجابت لدعواته أخيراً ، ويتقدم نحوها في ابتسام ٍ ، وعيناه لا تفارق عينيها أبداً .

( المدير حكى لي عنك إنك ماشاء الله عليك ، احسن واحد هون )

تمد يدها في باطن حقيبتها ، وتخرج ورقة ً نقدية ، تشبه التي رآها في الحافظة الجلدية إلاّ صفراً ، وتدسها في يده .. وتغيب عن العيون في لحظات .



يقلب الورقة النقدية باطنها وظاهرها ، وينظر إلى ( عاصم ) من خلال المرآة ِ ، ويقفل راجعاً نحوه ، ويدسها في يده ، ويخلع إزار النادل في هدوء ٍ .. وينصرف حتى يبتلعه الظلام .

تمت ...

كاملة بدارنه
11-10-2014, 10:27 PM
مسكين أحلامه أكبر من الواقع فارتطمت بجدار الخيبة
سرد جميل وقفلة رائعة
تمنّيت التّقليل من العاميّة
بوركت
تقديري وتحيّتي

أحمد رامي
12-10-2014, 12:07 AM
رصد لحالة الكفاءات المشردة ,
و الأحلام التي لا تجد لها مسرحا خاصا ,

أوافق الأستاذة كاملة في أمر العامية , مع أن لها مدرسة تقول بأنه يقول الواقع حدثا ,
لكن يرد عليهم : إننا ندون أدبا يرصد الواقع , لا واقعا يرصد الأدب .


تقديري .

عبد السلام دغمش
12-10-2014, 04:35 PM
سرد مشوق أخي الاديب عدي .
احلامه لم تتجاوز أسوار الخيبة والواقع.مثلما ذكرت الاستاذة كاملة.
العبارة" يتأبط فتاة عشرينية" جعلتني اظن بداية أن الفتاة ليست ابنة البرجوازي..وانما هي مواراة..ربما.
تقديري لكم وسلم اليراع.

ناديه محمد الجابي
12-10-2014, 07:18 PM
في بلادنا .. البلاد النامية أصبحت البطالة مشكلة معقدة
تشكل خطرا كبيرا وشبحا مخيفا تؤرق أحلام الشباب وتهدد
مستقبلهم. أن الطموح والأمل شيء جميل ولكن بطلنا ضرب
بطموحه عرض الحائط نفس الحائط الذي علق عليه شهادة
تخرجه كمهندس ـ وبين الطموح الضائع وقناعة الإحباط
يعمل المهندس كنادل .. بل ويتفوق في عمله
ولكنه لم يستطيع أن يمنع نفسه أن يحلم ..
أعجبني هذا العمق ، واستمتعت بما اثرت من أفكار
قصة جميلة عميقة مدهشة فشكرا لك. :001:

هشام النجار
13-10-2014, 11:06 AM
رائع أخى الكريم الأديب الموهوب والمميز الأستاذ عدى بلال .. واسمح لى فى عرض دراستى عن هذا النص الرائع هنا .. شكرا جزيلا ولا حرمنا الله من قلمك وابداعاتك الراقية المدهشة

هشام النجار
13-10-2014, 03:10 PM
هنا اللعب بالأسماء وتوظيفها باحترافية للوصول الى ذهنية المتلقى بالرسالة الأساسية التى تدور فى عقل الأديب وهو يهندس قصته ويتمم بناءها طوبة طوبة حتى تكتمل رائعة التصميم مدهشة الملامح والتفاصيل ، غامضة النهايات والمصير .
القاص لم يعلن من بين أبطال القصة سوى عن اسمين اثنين فقط ، اسم البطل والشخصية الأولى والمحورية " حسان " واسم زميله النادل الآخر فى المطعم " عاصم " ؛ وهى رسالة أولى ضمن عدة رسائل نستطيع من خلالها نحن اقتراح وتصور أسماء لباقى أبطال القصة بناءاً على ما رسمه القاص أمامنا ببراعة من ملامح كل شخصية على حدة ودورها وسلوكها وسيرتها وأسلوبها فى الحياة ؛ وكان وصف " البرجوازى " ملفتاً ومشجعاً على الغوص فى فكرة التمرد والثورة على تلك الطبقة التى يمثلها ذلك البرجوازى بجشعها وتحكمها فى رأس المال وتسلطها على الطبقة الكادحة التى يراد لها العمل كالتروس فى آلات المصانع دون حقوق ولا طموح ولا أمل فى تغيير أوضاعهم ، وجاءت الخاتمة المفتوحة للقصة بخلع البطل ثوب النادل وانصرافه الى حيث لا يدرى أحد لتكثر التأويلات والتكهنات ، لكن الى أين يمضى هذا اليائس المجروح ، وما وصلت البرجوازية الى ما وصلت اليه الا بالتمرد على الأوضاع حيث كانت الفاعل الأهم فى الثورة الفرنسية الى أن وصلت اليوم الى رأسمالية متوحشة تحكم العالم وتوجهه لمصالحها وتدوس على المشاعر وتخدع العقول وتهين وتذل الشعوب الكادحة بما تمتلكه من أموال وامكانيات مادية وتقنية مهولة ، كأنه بتخصيص هذا الوصف " برجوازى " لهذا الرجل دون اسم يوجه الأنظار الى الثورة عليه والتمرد على تلك الأوضاع الظالمة ، وكأننا نقرأ خاتمة مبكرة للقصة قبل الوصول الى الخاتمة الأصلية ، وفى هذا الأسلوب المدهش براعة أيما براعة .
" حسان " كان مثالاً يَحْسُن أن نؤجله بعضَ الشئ لنتحدث عنه باسهاب فدوره مؤجل ونصيبه أيضاً من الدنيا مؤجل ، ولا ندرى متى وكيف يوفيه القدر حقه وهل سينال هذا الحق فى يوم من الأيام أم لا !
اننى أجد هنا رائحة نجيب محفوظ فى " أولاد حارتنا " فيما يخص فقط جزئية الايحاء بالأسماء والترميز بها عن المعانى ؛ فالاسم هنا وحده يقص حكاية البطل ويكشف ويرسم أبعاد شخصيته ؛ انه " يُحسن " كل شئ ويُتقنه ويتفانى فيه الى أبعد الحدود ، لكن بلا مقابل وبلا جزاء ، وبلا نتائج تُذكر على أرض الواقع ، وبدون حدث أو ضربة حظ أو صحْوة ضمير حكومية أو انتفاضة عاطفية أو لفتة انسانية تُرضى غرور الطموح ، وتلبى احتياجات انسان عالى الهمة شديد الحماس متوثب العاطفة ، نقى الروح .
انه " حسان " النابغ فى الدراسة والحاصل على الشهادة فى الهندسة بتفوق ، لكنه مجهود وعرق وتعب سنوات معلق على الجدار ، وحسان الذى أحسن وأتقن طوال دراسته أنكرته الدولة وجحدته وبعثرت جهوده وقوضت شخصيته وأعاقت مشاريعه ومزقت خرائطه وشوهت مستقبله ؛ فبدلاً من أن يصبح مهندساً يخطط ويدير وينظم ويشير بيده فينفذ من هم تحت يده من الموظفين والعمال أوامره وتعليماته ، صارَ نادلاَ يُخطط له ويُشير له الآخرون بأياديهم فينفذ هو !
أوضاع مقلوبة رفعت طبقات وهوت بأخرى ووضعت عقول ومواهب فى أماكن لا تليق بها ، وهذا هو ما يستدعى حسرته الدائمة وسُخطه الذى لا ينتهى كلما وقعت عيناه على شهادة الهندسة ولما تكتمل دورة صحوه من النوم بعد ، ليستيقظ ويصحو على واقعه البائس ويفتح عينيه كل يوم على وضعه المرير .
" حسان " لا يتوقف احسانه واتقان وموهبته الهندسية وعطاؤه رغم كل شئ ، ففى عمله الذى لا يليق بشخصه ولا مواهبه وامكانياته يتقدم وينبغ وتصبح له رؤيته الخاصة فى الادارة تقترب من حاسته الهندسية ، فكل شئ مرتب ومنظم ومتقن ومرسوم ومحدد بحركات وخطوات ثابتة معدودة ، وكل شئ فى مكانه بحسب توزيع هندسى محكم .
لا تزال فى حسان تلك النظرة المثالية ورواسب ذلك الطموح والقناعة البريئة الصافية العفيفة التى لم تتلوث بعد بالنفعية والميكيافيللية ؛ سيظن أن الدنيا تدخر مقابلاً لعطائه وأنها تنتظر الفرصة السانحة لتمنحه الكثير ، وبمجرد أن لاحت وتجسد أمامه الحلم فى ابنة " البرجوازى " التى بادلته نظرات الاعجاب ، طارت أحلامه على مستوى احسانه ، ولم تهبط للمستويات الدنيا ولم " تعتصم " بالحرص والحذر من جلافة الماديين وقسوتهم وجفاف مشاعرهم .
على الفور ندرك أهمية اختيار الاسم المقابل ؛ فربما لم يكن "عاصم " فى تفوق " حسان " ولا فى نبوغه ودقته وتفانيه فى العمل وربما لا يملك ما يملكه من شهادات جامعية ، لكنه " عصم " نفسه من الوقوع فى شَرَك النفعيين والماديين ، فلا يبذُل من مجهوده ولا من عطائه ولا من مشاعره الا بمقدار .
كان " عاصم " على حق تماماً عندما سبق " حسان " وتفوق عليه فى قراءة مشاعر الفتاة ، وهنا نكتشف عمق الاشكالية بالمقارنة بين سلوك وسيرة عاصم وحسان فى الحياة .
فأحدهما يُعطى بلا حدود وينتظر بلا حدود ، لا يدخر وسعاً ولا جهداً ولا طاقة فى انتظار الرد المثالى النموذجى والمقابل الانسانى الذى يليق بمشاعره واخلاصه ونبوغه وتفوقه واتقانه !
والآخر لا ينظر الى الأمور بهذه المثالية ، انما يرتدى ثياب الواقع ويتأقلم معه ويعايشه ويعطيه بقدر ما يأخذ منه ، ولا يُمنى نفسه بخَبَطات خيالية ووثبات تنتشله من واقع الى واقع آخر تماماً فى لمح البصر ، فمن نادل الى برجوازى ورأسمالى ورجل أعمال ، ومن شاب بسيط يطمح فى الارتباط بفتاة على قد حاله ، الى رجل يتوهم اعجاب فتاة برجوازية بخدمته لها ولأبيها فى المطعم أنها قد انشغلت به ووقعت فى غرامه .
فضلاً عن اعتصامه بمعرفة طبيعة تلك الطبقة التى لا تراعى مشاعر وأحاسيس الكادحين ولا تتعامل معهم من منطلق التعامل الانسانى الخاضع لكل متطلبات ونوازع ومشاعر وأهواء وعواطف هذا التعامل الحر الطلق بين انسان وانسان حيث من الوارد أن تعجب فتاة بفتى من النظرة الأولى وأن ترغب فيه وأن يرغب فيها ويسعيان سوياً للارتباط كقصص الانسانية فى مساحاتها الرحبة ، لكن هذه الطبقة حبست نفسها فى قصور المادة والجشع والاستعلاء ، وعندما تريد فتاة منهم أن تمنح شاباً اشارة اعجاب لا تمنحه مواعدة ولا رسالة عاطفية انما تمنحه جنيهاً أو جنيهين .
بعد أن تتهاوى الأحلام والرُؤى البعيدة المُحلقة فى الخيال على صخرة الواقع المادى والنفعى المرير ، يُجسد القاص المبدع هنا فى مشهد الختام مشهد عدم تأقلم حسان مع هذا الواقع ومفارقته له ببراعة ظاهرة ؛ فهو يخلع ازار النادل فى هدوء وينصرف حتى يبتلعه الظلام .
هل كنا نتوقع غير ذلك كما فى الأفلام ؟!
هل كنا ننتظر أن تقع الفتاة الثرية فى غرام الفتى الفقير البسيط الوسيم مفتول العضلات الماهر المخلص المثالى ، وأن يرضى عنه أبوها الثرى ويعينه على الفور مديراً لمصانعه أو شركاته ؟
لم تكن هذه بالطبع رسالة القصة ، فلسنا أمام فيلم سينمائى ينزع الجماهير عن واقعهم ويخرجهم من السياق ويقذف بهم حيارى هائمين فى دنيا الخيال والأوهام مع عزف رومانسى منفرد على الكمان .
القصة تقول تخففوا من المثالية واجتهدوا فى فهم الواقع وقراءته ، لا من خلال مرايا حسان التى كان يرقب فيها نظرات الفتاة وابتساماتها وانفعالاتها ، انما من خلال معرفة عاصم ونفوذه لأعماق هؤلاء القوم وقراءته لضمائرهم الميتة وقسوة وبرودة مشاعرهم .
وعند هذه النقطة يمكننا الخروج بالقصة من اطار التأويل الانسانى المحدود الى آفاق التأويلات السياسية والاقليمية والدولية الرحبة ، حول ما تظنه الدول الفقيرة بالدول الرأسمالية الكبرى من خير وتتواصل معها بطيبة وسذاجة زائدة عن الحد ، وما هى الا وحوش مصاصة للدماء والثروات قاتلة للمشاعر مدمرة للعلاقات الانسانية السوية .
القفلة ركزت على مشهد البطل وهو يفارق الواقع الذى لم يستطع التأقلم معه .
ولم تلتقط الكاميرا هنا مشهد " عاصم " وهو لا يزال متواصلاً مستمراً متأقلماً برداء النادل .
ربما تأففاً منه ومن واقعه الذى رضى به ويستسلم له ، فليظل نادلاً ذليلاً خادماً على الدوام .
وربما تكريماً لحسان الذى خرج من هذه الدنيا بقسوتها وماديتها ووضاعة وحقارة ساكنيها ... الى حيث لا ندرى .
لا ندرى بالفعل ، لكنا فى قلق عليه مع تلك الاشارة " يبتلعه الظلام " ، خاصة مع التلميحات السابقة المشار اليها بامكانية ذهابه الى أبعد مدى الحماسة والتهور .
وربما تكريساً للأمر الواقع ؛ فمن رضى به وعايشه ظل كما هو نادلاً ، ومن تمرد فنهايته مفتوحة ، وربما كان له لقاء آخر وشأن آخر مع الفتاة ووالدها .. اذا فكرنا بالحس السينمائى .

خلود محمد جمعة
14-10-2014, 09:58 AM
البطالة وتكميم الأحلام وتهبيط العزائم هو ما يعكس حالة التراجع الثقافي والأكاديمي
طرح موضوع لفئة تشكل عصب المجتمع بأسلوب مشوق وسرد هاديء وحبكة متقنة الى نهاية محبطة ترسم حال شباب اليوم
تحليل أ. هشام يناقش كل الجوانب الأخرى من القصة باحتراف
تقديري
دمت بخير

ربيحة الرفاعي
24-10-2014, 09:09 PM
تقانة سردية عالية تجلّت في أداء قصّي موفق رصد حالة اجتماعية مؤلمة نجح الكاتب في طرحها عبر صراع داخلي يعيشه البطل حصاد صراعه الخارجي مع واقع اجتماعي واقتصادي يورث الشباب مجموعة من الخيبات التي اعتمدها الكاتب خلفية للمشهد ، وجاء الاسترسال الوصفي والتتابع الحدثي رائعان دعمتهما لغة سلسل وأسلوب جميل

اختيار أسماء بعض الشخوص وتغييب بعضها كما جاء في قراءة الأستاذ هشام النجار للنص كان ذكيا وموظفا بمهارة
والقفلة تركت للقارئ فرصة الإسهام في تصور المسار التالي لحياة حسان

دمت بخير أديبنا الرائع
ولا حرمك البهاء

تحاياي

رويدة القحطاني
28-01-2015, 02:15 AM
قصة إنسانية مؤثرة عن حالة من حالات كثيرة لشباب يقتل الواقع طموحاتهم بوأد مهاراتهم وحصرها في مجالات ضيقة
مأساة قد تصنع لصا أو محتالا أو مجرما حاقدا

آمال المصري
14-06-2015, 12:03 PM
حالة من الواقع بقدر اتساع الحلم جاءت خيبة الرجاء
لغة طيعة وحبكة قوية وخاتمة موفقة تتناسب وعموم الصورة أتقنت نسجها وصياغتها أديبنا الفاضل
بوركت واليراع
تحاياي

نداء غريب صبري
09-09-2015, 04:06 PM
قصة جميلة تتحدث عن معاناة الشباب الذي يقتل الواقع احلامه وجهوده ويضيع أمله بمستقبله
أثرت بي وأحزنتني

شكرا لكم أخي
بوركت

عدي بلال
05-06-2016, 08:50 AM
مسكين أحلامه أكبر من الواقع فارتطمت بجدار الخيبة
سرد جميل وقفلة رائعة
تمنّيت التّقليل من العاميّة
بوركت
تقديري وتحيّتي

القديرة كاملة بدارنه

بعد الاعتذار الشديد عن التأخر في الرد، أود أن أشكركِ على وقتكِ وحسن القراءة لقصة ( النادل )، وهي حقيقةً من القصص التي أحبها.
أما بشأن ملاحظتكِ أيتها الكريمة، فهي على العين والرأس، وهي القصة الوحيدة لي التي كتبت جملها الحوارية بالعامية، ورأيتها أقرب إلى نفسي، بالرغم من كتابتي للجمل الحوارية للقصة ذاتها بالفصحى في إحدى المواقع.

شكراً لكِ قديرتنا

عدي بلال
05-06-2016, 08:51 AM
رصد لحالة الكفاءات المشردة ,
و الأحلام التي لا تجد لها مسرحا خاصا ,

أوافق الأستاذة كاملة في أمر العامية , مع أن لها مدرسة تقول بأنه يقول الواقع حدثا ,
لكن يرد عليهم : إننا ندون أدبا يرصد الواقع , لا واقعا يرصد الأدب .


تقديري .


القدير أحمد رامي
بعد الاعتذار الشديد عن التأخر في الرد، أود أن أشكرك على وقتك وحسن القراءة لهذا النص.
ملاحظتك أيها الكريم على العين والرأس، ورأيي المتواضع بشأن الحوار بالعامية هو ..
إن كان النص يعتمد على الحوارية بشكل رئيسي، أي أن الجمل الحوارية تحتل مساحة كبيرة من النص، فالأجدر كتابته بالفصحى، وإن كانت مساحتها - الجمل الحوارية – مساندة للشخصيات لتكون قريبة من الواقع، فإنني أميل إليها حينها. وتبقى وجهة نظر شخصية.
علماً بأنني كتبت هذا النص بالفصحى أيضاً، لكنني أحببته هكذا ..

سعدت كثيراً بتواجدك ورأيك الكريم
تقديري وامتناني

عدي بلال
05-06-2016, 08:52 AM
سرد مشوق أخي الاديب عدي .
احلامه لم تتجاوز أسوار الخيبة والواقع.مثلما ذكرت الاستاذة كاملة.
العبارة" يتأبط فتاة عشرينية" جعلتني اظن بداية أن الفتاة ليست ابنة البرجوازي..وانما هي مواراة..ربما.
تقديري لكم وسلم اليراع.


القدير والأخ العزيز عبد السلام دغمش

النص يحكي مأساة شبابنا، الذين تتبخر أحلامهم على عتبات الحصول على وظيفة تناسب مؤهلاتهم، وجهدهم طوال سنوات الدراسة.
و( حسان ) كان متفوقاً في دراسته، فلماذا امتلأت كراسته بالعلامات الحمراء..؟!
هو ( حسان ) يتقن ما يعمل، حتى وإن أصبح نادلاً رغماً عنه.

البرجوازي والفتاة العشرينية، تعمدت أن أوحي للقارىء بأنها قد تكون زوجته، أو عشيقته، أريده أن يسرح بخياله، وأن يرى أشياء لن يقولها النص هنا، لكن القارىء سيدرك وجودها في عالم الواقع.
واخترت أن تكون ابنته حتى أصعد الحبكة مع عنصر الزمن ( التواجد في المطعم ) مع ما يدور في عقل ( حسان )، تمهيداً للصفعة التي ستوقظه في الخاتمة، أردتها أن تكون قوية.

الحديث يطول هنا .. أعتذر عن الإطالة أخي عبد السلام .

شكراً لك على كل شيء .

عدي بلال
05-06-2016, 08:54 AM
في بلادنا .. البلاد النامية أصبحت البطالة مشكلة معقدة
تشكل خطرا كبيرا وشبحا مخيفا تؤرق أحلام الشباب وتهدد
مستقبلهم. أن الطموح والأمل شيء جميل ولكن بطلنا ضرب
بطموحه عرض الحائط نفس الحائط الذي علق عليه شهادة
تخرجه كمهندس ـ وبين الطموح الضائع وقناعة الإحباط
يعمل المهندس كنادل .. بل ويتفوق في عمله
ولكنه لم يستطيع أن يمنع نفسه أن يحلم ..
أعجبني هذا العمق ، واستمتعت بما اثرت من أفكار
قصة جميلة عميقة مدهشة فشكرا لك. :001:


القديرة نادية الجابي

بعد الاعتذار الشديد عنالتأخر في الرد، أود أن أشكركِ على تفاعلك مع النص وشخوصه، ولقد أدركتِ ما يعتمل في ذهن هذه الشريحة، وإلى أين تدفع البطالة عقولهم، والظلم الذي يحصدونه بعد تفوقهم في الدراسة.

شكراً لكِ

عدي بلال
05-06-2016, 08:56 AM
هنا اللعب بالأسماء وتوظيفها باحترافية للوصول الى ذهنية المتلقى بالرسالة الأساسية التى تدور فى عقل الأديب وهو يهندس قصته ويتمم بناءها طوبة طوبة حتى تكتمل رائعة التصميم مدهشة الملامح والتفاصيل ، غامضة النهايات والمصير .
القاص لم يعلن من بين أبطال القصة سوى عن اسمين اثنين فقط ، اسم البطل والشخصية الأولى والمحورية " حسان " واسم زميله النادل الآخر فى المطعم " عاصم " ؛ وهى رسالة أولى ضمن عدة رسائل نستطيع من خلالها نحن اقتراح وتصور أسماء لباقى أبطال القصة بناءاً على ما رسمه القاص أمامنا ببراعة من ملامح كل شخصية على حدة ودورها وسلوكها وسيرتها وأسلوبها فى الحياة ؛ وكان وصف " البرجوازى " ملفتاً ومشجعاً على الغوص فى فكرة التمرد والثورة على تلك الطبقة التى يمثلها ذلك البرجوازى بجشعها وتحكمها فى رأس المال وتسلطها على الطبقة الكادحة التى يراد لها العمل كالتروس فى آلات المصانع دون حقوق ولا طموح ولا أمل فى تغيير أوضاعهم ، وجاءت الخاتمة المفتوحة للقصة بخلع البطل ثوب النادل وانصرافه الى حيث لا يدرى أحد لتكثر التأويلات والتكهنات ، لكن الى أين يمضى هذا اليائس المجروح ، وما وصلت البرجوازية الى ما وصلت اليه الا بالتمرد على الأوضاع حيث كانت الفاعل الأهم فى الثورة الفرنسية الى أن وصلت اليوم الى رأسمالية متوحشة تحكم العالم وتوجهه لمصالحها وتدوس على المشاعر وتخدع العقول وتهين وتذل الشعوب الكادحة بما تمتلكه من أموال وامكانيات مادية وتقنية مهولة ، كأنه بتخصيص هذا الوصف " برجوازى " لهذا الرجل دون اسم يوجه الأنظار الى الثورة عليه والتمرد على تلك الأوضاع الظالمة ، وكأننا نقرأ خاتمة مبكرة للقصة قبل الوصول الى الخاتمة الأصلية ، وفى هذا الأسلوب المدهش براعة أيما براعة .
" حسان " كان مثالاً يَحْسُن أن نؤجله بعضَ الشئ لنتحدث عنه باسهاب فدوره مؤجل ونصيبه أيضاً من الدنيا مؤجل ، ولا ندرى متى وكيف يوفيه القدر حقه وهل سينال هذا الحق فى يوم من الأيام أم لا !
اننى أجد هنا رائحة نجيب محفوظ فى " أولاد حارتنا " فيما يخص فقط جزئية الايحاء بالأسماء والترميز بها عن المعانى ؛ فالاسم هنا وحده يقص حكاية البطل ويكشف ويرسم أبعاد شخصيته ؛ انه " يُحسن " كل شئ ويُتقنه ويتفانى فيه الى أبعد الحدود ، لكن بلا مقابل وبلا جزاء ، وبلا نتائج تُذكر على أرض الواقع ، وبدون حدث أو ضربة حظ أو صحْوة ضمير حكومية أو انتفاضة عاطفية أو لفتة انسانية تُرضى غرور الطموح ، وتلبى احتياجات انسان عالى الهمة شديد الحماس متوثب العاطفة ، نقى الروح .
انه " حسان " النابغ فى الدراسة والحاصل على الشهادة فى الهندسة بتفوق ، لكنه مجهود وعرق وتعب سنوات معلق على الجدار ، وحسان الذى أحسن وأتقن طوال دراسته أنكرته الدولة وجحدته وبعثرت جهوده وقوضت شخصيته وأعاقت مشاريعه ومزقت خرائطه وشوهت مستقبله ؛ فبدلاً من أن يصبح مهندساً يخطط ويدير وينظم ويشير بيده فينفذ من هم تحت يده من الموظفين والعمال أوامره وتعليماته ، صارَ نادلاَ يُخطط له ويُشير له الآخرون بأياديهم فينفذ هو !
أوضاع مقلوبة رفعت طبقات وهوت بأخرى ووضعت عقول ومواهب فى أماكن لا تليق بها ، وهذا هو ما يستدعى حسرته الدائمة وسُخطه الذى لا ينتهى كلما وقعت عيناه على شهادة الهندسة ولما تكتمل دورة صحوه من النوم بعد ، ليستيقظ ويصحو على واقعه البائس ويفتح عينيه كل يوم على وضعه المرير .
" حسان " لا يتوقف احسانه واتقان وموهبته الهندسية وعطاؤه رغم كل شئ ، ففى عمله الذى لا يليق بشخصه ولا مواهبه وامكانياته يتقدم وينبغ وتصبح له رؤيته الخاصة فى الادارة تقترب من حاسته الهندسية ، فكل شئ مرتب ومنظم ومتقن ومرسوم ومحدد بحركات وخطوات ثابتة معدودة ، وكل شئ فى مكانه بحسب توزيع هندسى محكم .
لا تزال فى حسان تلك النظرة المثالية ورواسب ذلك الطموح والقناعة البريئة الصافية العفيفة التى لم تتلوث بعد بالنفعية والميكيافيللية ؛ سيظن أن الدنيا تدخر مقابلاً لعطائه وأنها تنتظر الفرصة السانحة لتمنحه الكثير ، وبمجرد أن لاحت وتجسد أمامه الحلم فى ابنة " البرجوازى " التى بادلته نظرات الاعجاب ، طارت أحلامه على مستوى احسانه ، ولم تهبط للمستويات الدنيا ولم " تعتصم " بالحرص والحذر من جلافة الماديين وقسوتهم وجفاف مشاعرهم .
على الفور ندرك أهمية اختيار الاسم المقابل ؛ فربما لم يكن "عاصم " فى تفوق " حسان " ولا فى نبوغه ودقته وتفانيه فى العمل وربما لا يملك ما يملكه من شهادات جامعية ، لكنه " عصم " نفسه من الوقوع فى شَرَك النفعيين والماديين ، فلا يبذُل من مجهوده ولا من عطائه ولا من مشاعره الا بمقدار .
كان " عاصم " على حق تماماً عندما سبق " حسان " وتفوق عليه فى قراءة مشاعر الفتاة ، وهنا نكتشف عمق الاشكالية بالمقارنة بين سلوك وسيرة عاصم وحسان فى الحياة .
فأحدهما يُعطى بلا حدود وينتظر بلا حدود ، لا يدخر وسعاً ولا جهداً ولا طاقة فى انتظار الرد المثالى النموذجى والمقابل الانسانى الذى يليق بمشاعره واخلاصه ونبوغه وتفوقه واتقانه !
والآخر لا ينظر الى الأمور بهذه المثالية ، انما يرتدى ثياب الواقع ويتأقلم معه ويعايشه ويعطيه بقدر ما يأخذ منه ، ولا يُمنى نفسه بخَبَطات خيالية ووثبات تنتشله من واقع الى واقع آخر تماماً فى لمح البصر ، فمن نادل الى برجوازى ورأسمالى ورجل أعمال ، ومن شاب بسيط يطمح فى الارتباط بفتاة على قد حاله ، الى رجل يتوهم اعجاب فتاة برجوازية بخدمته لها ولأبيها فى المطعم أنها قد انشغلت به ووقعت فى غرامه .
فضلاً عن اعتصامه بمعرفة طبيعة تلك الطبقة التى لا تراعى مشاعر وأحاسيس الكادحين ولا تتعامل معهم من منطلق التعامل الانسانى الخاضع لكل متطلبات ونوازع ومشاعر وأهواء وعواطف هذا التعامل الحر الطلق بين انسان وانسان حيث من الوارد أن تعجب فتاة بفتى من النظرة الأولى وأن ترغب فيه وأن يرغب فيها ويسعيان سوياً للارتباط كقصص الانسانية فى مساحاتها الرحبة ، لكن هذه الطبقة حبست نفسها فى قصور المادة والجشع والاستعلاء ، وعندما تريد فتاة منهم أن تمنح شاباً اشارة اعجاب لا تمنحه مواعدة ولا رسالة عاطفية انما تمنحه جنيهاً أو جنيهين .
بعد أن تتهاوى الأحلام والرُؤى البعيدة المُحلقة فى الخيال على صخرة الواقع المادى والنفعى المرير ، يُجسد القاص المبدع هنا فى مشهد الختام مشهد عدم تأقلم حسان مع هذا الواقع ومفارقته له ببراعة ظاهرة ؛ فهو يخلع ازار النادل فى هدوء وينصرف حتى يبتلعه الظلام .
هل كنا نتوقع غير ذلك كما فى الأفلام ؟!
هل كنا ننتظر أن تقع الفتاة الثرية فى غرام الفتى الفقير البسيط الوسيم مفتول العضلات الماهر المخلص المثالى ، وأن يرضى عنه أبوها الثرى ويعينه على الفور مديراً لمصانعه أو شركاته ؟
لم تكن هذه بالطبع رسالة القصة ، فلسنا أمام فيلم سينمائى ينزع الجماهير عن واقعهم ويخرجهم من السياق ويقذف بهم حيارى هائمين فى دنيا الخيال والأوهام مع عزف رومانسى منفرد على الكمان .
القصة تقول تخففوا من المثالية واجتهدوا فى فهم الواقع وقراءته ، لا من خلال مرايا حسان التى كان يرقب فيها نظرات الفتاة وابتساماتها وانفعالاتها ، انما من خلال معرفة عاصم ونفوذه لأعماق هؤلاء القوم وقراءته لضمائرهم الميتة وقسوة وبرودة مشاعرهم .
وعند هذه النقطة يمكننا الخروج بالقصة من اطار التأويل الانسانى المحدود الى آفاق التأويلات السياسية والاقليمية والدولية الرحبة ، حول ما تظنه الدول الفقيرة بالدول الرأسمالية الكبرى من خير وتتواصل معها بطيبة وسذاجة زائدة عن الحد ، وما هى الا وحوش مصاصة للدماء والثروات قاتلة للمشاعر مدمرة للعلاقات الانسانية السوية .
القفلة ركزت على مشهد البطل وهو يفارق الواقع الذى لم يستطع التأقلم معه .
ولم تلتقط الكاميرا هنا مشهد " عاصم " وهو لا يزال متواصلاً مستمراً متأقلماً برداء النادل .
ربما تأففاً منه ومن واقعه الذى رضى به ويستسلم له ، فليظل نادلاً ذليلاً خادماً على الدوام .
وربما تكريماً لحسان الذى خرج من هذه الدنيا بقسوتها وماديتها ووضاعة وحقارة ساكنيها ... الى حيث لا ندرى .
لا ندرى بالفعل ، لكنا فى قلق عليه مع تلك الاشارة " يبتلعه الظلام " ، خاصة مع التلميحات السابقة المشار اليها بامكانية ذهابه الى أبعد مدى الحماسة والتهور .
وربما تكريساً للأمر الواقع ؛ فمن رضى به وعايشه ظل كما هو نادلاً ، ومن تمرد فنهايته مفتوحة ، وربما كان له لقاء آخر وشأن آخر مع الفتاة ووالدها .. اذا فكرنا بالحس السينمائى .



القدير والأخ العزيز هشام النجار

أوحشتني يا رجل والله ..
واستمتعت كثيراً بتحليلك الرائع، ولعمري ما قرأني أحد بقدر ما قرأتني أنت أيها الكريم أصله.

من القلب شكراً ألفاً يا أ. هشام

عدي بلال
05-06-2016, 08:58 AM
البطالة وتكميم الأحلام وتهبيط العزائم هو ما يعكس حالة التراجع الثقافي والأكاديمي
طرح موضوع لفئة تشكل عصب المجتمع بأسلوب مشوق وسرد هاديء وحبكة متقنة الى نهاية محبطة ترسم حال شباب اليوم
تحليل أ. هشام يناقش كل الجوانب الأخرى من القصة باحتراف
تقديري
دمت بخير


القديرة خلود جمعة

بعد الاعتذار الشديد عن التأخر في الرد، أود أن أشكركِ على هذه القراءة العميقة للنص، وكلماتكِ الطيبة.
وبالفعل .. فإن القدير هشام مبدع في قراءة النصوص، وقد أكرمني بتحليله لهذا النص.

من القلب شكراً أ. خلود

عدي بلال
05-06-2016, 08:59 AM
تقانة سردية عالية تجلّت في أداء قصّي موفق رصد حالة اجتماعية مؤلمة نجح الكاتب في طرحها عبر صراع داخلي يعيشه البطل حصاد صراعه الخارجي مع واقع اجتماعي واقتصادي يورث الشباب مجموعة من الخيبات التي اعتمدها الكاتب خلفية للمشهد ، وجاء الاسترسال الوصفي والتتابع الحدثي رائعان دعمتهما لغة سلسل وأسلوب جميل

اختيار أسماء بعض الشخوص وتغييب بعضها كما جاء في قراءة الأستاذ هشام النجار للنص كان ذكيا وموظفا بمهارة
والقفلة تركت للقارئ فرصة الإسهام في تصور المسار التالي لحياة حسان

دمت بخير أديبنا الرائع
ولا حرمك البهاء

تحاياي


القديرة ربيحة الرفاعي

بعد الاعتذار الشديد عن التأخر في الرد، أود أن أشكركِ على الغوص في مكامن النص، واستخراج ما كان يدور في ذهن القاص، وممتنٌ لرأيك في ما كتبت.
والعزيز أ. هشام قارىء لا يستهان بأدواته أبداً، وجزاه الله ألف خير على جهده هنا .

امتناني قديرتنا

عدي بلال
05-06-2016, 09:00 AM
قصة إنسانية مؤثرة عن حالة من حالات كثيرة لشباب يقتل الواقع طموحاتهم بوأد مهاراتهم وحصرها في مجالات ضيقة
مأساة قد تصنع لصا أو محتالا أو مجرما حاقدا


القديرة رويدة القحطاني

بعد الاعتذار الشديد عن التأخر في الرد، أود أن أشكركِ على تفاعلكِ مع النص، وأعجبت كثيراً بجملتكِ ( مأساة قد تصنع من المهندس/ الطبيب/ الأستاذ / ... لصاً أو محتالاً أو مجرماً حاقداً )
قراءة سليمة وواعية منكِ أيتها القديرة ..

شكراً لكِ ..

عدي بلال
05-06-2016, 09:01 AM
حالة من الواقع بقدر اتساع الحلم جاءت خيبة الرجاء
لغة طيعة وحبكة قوية وخاتمة موفقة تتناسب وعموم الصورة أتقنت نسجها وصياغتها أديبنا الفاضل
بوركت واليراع
تحاياي


القديرة آمال المصري

بعد الاعتذار الشديد عن التاخر في الرد، أود ان أشكركِ على حسن القراءة، وكلماتكِ الطيبة ورأيكِ الذي يهمني كثيراً .

شكراً لكِ قديرتنا ..

عدي بلال
05-06-2016, 09:02 AM
قصة جميلة تتحدث عن معاناة الشباب الذي يقتل الواقع احلامه وجهوده ويضيع أمله بمستقبله
أثرت بي وأحزنتني

شكرا لكم أخي
بوركت


القديرة نداء صبري

بعد الاعتذار الشديد عن التأخر في الرد، أود أن أشكركِ على تفاعلكِ مع النص، وهو ما أشرتِ إليه أيتها القديرة من معاناة الشباب ووأد احلامهم .

شكراً لكِ