تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بائعُ الأحلام



أحمد حسن
06-11-2014, 10:36 AM
بائعُ الأحلامْ

اِشْتَعَلَتْ القَاعَةُ بِتَصْفيقٍ حَاد فِيمَا و قَفَ هو رافعاً ذرَاعَهُ اليُمْنَى يُحَيِّ بها الجُمْهُور الذي اِكْتَظْت به مُدَرَّجَاتُ القَاعةِ و أرْوِقَتِها , اِرْتَسَمَتْ على وجْهه ابتسامة ثقة اعْطتْ مع مَلَامِحِهِ البَارِزَة و خُطُوط الشَّيْب على جَانِبيْ رأسه إيحاءً بالرَّصانة و القوة , مَضى مع مُضِيفِيهِ نحو بابٍ جانبي صَغِير مُتَفَادِياً مُواجهةَ الحُضُور الَّلذين هَرَعُوا إليه حاملين نُسخاً من رواياته املاً في الحصول على تَوْقِيعه عَليها , شق طريقه بين رجال الامن لِيَدْلِف عَبْرَ البابِ الصغيرِ إلى سَاحةٍ واسِعة تَتَوَسَّطُها مَوائد عَامِرة بأَصْناف الطَّعام و الشَّراب فيما تَنَاثر حَوْلَها رِجَالٌ و نِسَاء مَا لَبِثُوا أنْ تَحَلقوا حَوْلَه , صَافَحَهُم بحرارة , رَغِبَ البعضُ في الحصولِ على توقيعه على نسخٍ من رواياتهِ بَيْنَمَا مَكَثَ البَعْضُ الآخر يتجاذبُ معهُ أطْرَاف الحديث بَادَرَهُ رَجلٌ يَقفُ بِجِوارِه:

-ندوة رائعة جدا يا دكتور وليد , تهانينا.
-شكري الجزيل لك معالي المدير و لمنسوبي الجامعة على حُسْن الاستضافة و التنظيم.
-نتشرف دوماً بالاحتفاء بأمثالك يا دكتور , يبدوا أننا في حاجة إلى قاعةٍ أكبر في المرة القادمة.
-المرة القادمة!
-نعمْ ؛ إلا إذا كنت لا ترغب في إنهاءِ الجزءِ الأخيرِ من ثُلَاثِّيَتِك.
-آه ؛ لا بالطَّبع , إنِّي أبذلُ قُصَارى جُهْدِي لإنْهَائِه و لكنْ يَبْدو أَني بِحَاجَة إلى مَزيدٍ من الوقت.

ابتسمتْ امرأة تَقفُ أمَامَهُ قائلةً:

-لا أعتقد أنَّ جُمْهُورَكَ يُطِيقُ الانْتِظَارَ يا دُكْتور " وليد ", جُلُ الأسئلةِ كانتْ عنْ هذا الجُزء الأخير.
-لا بأس سا......
-ماذا سَتُطْلِقُ على العُنوان؟
-لم أقرر ذلك بعد ,عادةً أفكِّرُ في العُنوَان بعْدَ الانتهاء منْ الرواية التي أكتُبها.

قاطَعَتْهُمَا شَابَّة في مُقتبلِ الُعُمْر :

-لقد جَذَبَتني بِشِدَّة عَناوينُ الأجْزَاء السَّابقة "أَحْلَامُ العَتَمَة " و " أَنِينُ الصَّمْت " ؛ و أنا على يقين أن العنوان الأخِير سَيرُوقني أكْثر.

رَدَّ عَليْها بِبَسْمَته الوَاثِقة:

-آمل ذلك

اسْتَأْنَفَ الحَدِيثَ كَهْلٌ وقُور يَضَعُ عَلَى رَأْسِهِ كُوفِيَّةً مِنَ الصُّوف ويُمْسِك بيَمِينِهِ كُوبٌ مِنَ الشَّاي:

-أَعترفُ لك يا دكتور بأني لا أشْعُرُ بِجاذبية تِجاهَ أغلبِ الرواياتِ الصَّادِرَة مؤخراً و لكنَّ رِوَاياتِك أَسَرَتْني مُنذُ اللحظةِ الأُولى ,كَأنها وحيٌ قَديم يَنْتَقِل عَبْرَ عَيْنَيْك إلى كُلِ إِحْسَاسٍ فِيك ,أَشْعُر كأنَّ البَطَلَ فيها يُنَاشِدُنِي بِأَنْ أَغُوصَ في عَالمِهِ لِأَتَذَوَّقَ طَعْمَ الحَيَاةِ فِيه , المُعَانَاةُ فِيها عَمِيقَةً و وَاقِعِية جداً لِدَرَجةِ الحَقِيقَة ,التَّضْحِيَةُ فِيها صَادِقَة , يلازمُها خَوْفٌ أَزَلِي , فِيها أَحْلامٌ خَافِتَة تَتَحَدَّى الصَمْتْ و العَتَمَة ,تَتَشَبَّثُ بِصَهْوَةِ الأَمَلْ لِتَجْتَازَ إلى النُّور .... إنها رواياتٌ فَرِيدَة حقاً تَسْتَحِقُ مَا أُثِيرَ حوْلها من ذُهُولٍ و إِعْجَابْ......أُهَنِّئُكَ يا دُكتُور على خَيَالِك الذي تَجَاوزَ حُدُودَ الإبْداع و إنْ كُنْتُ أَظُنْ في نَفْسي أنَّ خيالاً مِثْلَ هَذا لا يُولَدُ إلا مِنْ رَحِمِ الآلام .

-بلْ أنا الذي أهنئُ نَفْسِي بِشَهَادَةِ رِوَائيٍ كبيرٍ مِثْلِكْ يا أُسْتَاذ " نَصِيفْ "
-أنْتَظِرُ الجزء الأخِير بِشوْقْ.
-أشْكُرُك


خَتَمَ عِبارتهُ الأخيرة بابتسامةٍ مُصْطنَعة سُرْعَانَ ما تَلاشتْ عندما لامَسَتْ سَمْعَهُ نَغَمَةً بَارِزة وحِيدة من هَاتِفهِ المَحْمُول، تَفَقَّدَ هَاتِفَهُ، أَشرقتْ على مُحَيَّاه اِبتسامةُ سَعَادَة , استأذن مِمَنْ حَوْلَهُ من الحُضُور في المُغَادَرَة لِظَرْفٍ طَارِئ , أسْرَعَ نَحْوَ سَيَّارتهِ , انطلقَ بها يَشُقُّ طَرِيقَهُ إلى خارجِ أطرافِ المدينة.


كانَ الوقتُ َ مُنتصفِ الليل عندمَا توَقَّفَ بِسيَّارتِه في خلاءٍ مُظْلِمْ أمَامَ مِئاتِ الخيامَّ المُتَراصةِ بجانبِ بَعْضِها البعْض على هَيْئةِ صُفُوفٍ أُفقية يُحِيطُ بها سُورٌ مَعْدِنيٌ شَائك , سَطَعَتْ أمَام أضْواءِ مَصَابيحِ السَّيارة لوحةٌ مَعْدِنِية زَرْقاءُ اللونِ كُتب عَليْها بخطٍ أبيضْ "مُخَيَّمُ اللاجئين رقم 8 " , نزلَ من سيَّارتهِ و اتكأ بِجِذعِهِ على مُقدمتها , أيقَظتْ الجَلَبة التي أحدَثَتها السَّيارَة بعض سُكان الخِيام القريبة , خَرَج بَعضُهم ينظر إليهِ بفُضُول , لم يَكترثْ لَهُمْ حتى رأى شبَحُ أحَدِهم في الظَّلامِ مُقْبِلاً عَليهِ , اِعتدلَ واقفاً يَتَبَيَّنُ القادمَ , عادت اِبتسامةُ الثقة على وجْهِه من جَدِيد عِندما تَعرَّفَ على القاَدِم , شابٌ هزيلُ الجِسمْ رثَّ الثِّياب يحملُ بيَدِهِ اليُسرى والوحيدة كيس نايلون أسود اللون فيما أخذ كُمُ قَمِيصِهِ الأَيْمَنْ يُرَفْرِفُ في الهواءِ , تَوَقَّفَ الشَّابْ على بُعْدِ أمْتارٍ قَلِيلةٍ مِنْهُ , أَمْعَنَ النَظَرَ فيه قبْلَ أنْ يَسْتأنِفَ مَسِيرَهُ إِلَيْه ,قطعَ الدكتور وليد أجواءَ الصمتْ :

-لقد تأخَّرْتَ عليَّ كثيراً هذه المرَّة يا مازن.

رَمقهُ الشاب بِنظرةِ إِمْتِعَاض قبل أن يَمُدَّ يَدَهُ اليُسرى ليُناولهُ الكِيس , فتحَ الدكتور وليد الكيس ليُخْرِجَ منه رُزْمَةً أوراقٍ صَفْرَاء رُبِطتْ بخُيطٍ من الكُتَّانِ , عاينها قليلاً ثمَّ رجعَ إلى داخلِ السيارة, أخرجّ مظروفاً بُنيُ اللونِ و ناولهُ الشَّاب الذي اِلْتَقَفَهُ بِيُسْراهْ ثمَ قَفِلَ راجَعاً إلى المُخَيمِ عَبرَ الظلام, أضاءَ الدكتور وليد مصابيحَ السيارةِ الدَّاخِلية و حلَّ خيطَ الكتان عن الأوراقْ و أخذ يتأملُ الورقة الأولى و قد بدت على مُحياهُ ابتسامةُ النَّصْر :

بائِعُ الأحلامْ – رواية
مازن محمد أحمد


تمت بحمد الله

ناديه محمد الجابي
06-11-2014, 01:54 PM
ترى ما هو شعور من يسرق أفكار غيره الأدبية والفكرية حين يرى أسمه
منشور إلى جوار أعمال لم يكتبها .. هل ينتابه شعور بالضآلة والدونية لأنه
يختبئ خلف جدران شيدها غيره ـ أم يصدق كذبته ويتوهم بأنه صاحب تلك
الأعمال ومبتدعها.
هذا هو قمة الإنحطاط الفكري والثقافي والبلطجة الفكريةـ مستغلا ضغوط الحاجة
المادية لمبدع حقيقي فقير مغمور يضطر لبيع نتاج فكره ليستعين بالمادة على
شظف العيش.
في قصة جميلة رسمت المشهد فتكاملت العناصر من فكرة وصياغة وحبكة
وسرد وحوار وصياغة وخاتمة صادمة مباغتةـ فشكرا لك ولقلمك البارع. :001:

عبد السلام دغمش
06-11-2014, 11:41 PM
نص قصصي جميل .. اجدت فيه اديبنا الفاضل في رسم المشهد وما أضفاه الحوار من حيوية .
الخاتمة كانت مفاجئة وكانت نهاة قوية للحبكة القصصية .
تقديري و مودتي .

" يمسك بيمينه كوباً من الشاي"

آمال المصري
08-11-2014, 04:56 PM
هناك قضايا السرقات الأدبية .. وهنا كان ابتياعها بمقابل مادي لشدة الفقر وعوز صاحبها الذي يسكن المخيم ويفقد يمناه ولم يجد طريقة يقتات غير ما ينتجه عقله ويخطه متنه الوحيدة
أي دونية تلك التي اتصف بها هذا الكبير علما ومكانة ؟
جعلتني أمتعض وأشتاط غضبا من البطل وهي نقطة تحسب للنص بلغته الشائقة وحبكته وسرده الجميل وخاتمته المباغتة
يُحَيِّي - أعْطتْ - الذين - أملًا - الأمن - يبدو
مرحبا بك في واحتك
تحاياي

أحمد حسن
09-11-2014, 09:41 AM
ترى ما هو شعور من يسرق أفكار غيره الأدبية والفكرية حين يرى أسمه
منشور إلى جوار أعمال لم يكتبها .. هل ينتابه شعور بالضآلة والدونية لأنه
يختبئ خلف جدران شيدها غيره ـ أم يصدق كذبته ويتوهم بأنه صاحب تلك
الأعمال ومبتدعها.
هذا هو قمة الإنحطاط الفكري والثقافي والبلطجة الفكريةـ مستغلا ضغوط الحاجة
المادية لمبدع حقيقي فقير مغمور يضطر لبيع نتاج فكره ليستعين بالمادة على
شظف العيش.
في قصة جميلة رسمت المشهد فتكاملت العناصر من فكرة وصياغة وحبكة
وسرد وحوار وصياغة وخاتمة صادمة مباغتةـ فشكرا لك ولقلمك البارع. :001:

الأستاذة الفاضلة نادية محمد الجابي

أشكرك على التعليق الجميل
دمت بخير

أحمد حسن
10-11-2014, 05:38 AM
نص قصصي جميل .. اجدت فيه اديبنا الفاضل في رسم المشهد وما أضفاه الحوار من حيوية .
الخاتمة كانت مفاجئة وكانت نهاة قوية للحبكة القصصية .
تقديري و مودتي .

" يمسك بيمينه كوباً من الشاي"

الأستاذ الكريم عبد السلام دغمش

أشكر لك مرورك الجميل و ملاحظتك القيمة
دمت بصحة و عافية

أحمد حسن
10-11-2014, 05:40 AM
هناك قضايا السرقات الأدبية .. وهنا كان ابتياعها بمقابل مادي لشدة الفقر وعوز صاحبها الذي يسكن المخيم ويفقد يمناه ولم يجد طريقة يقتات غير ما ينتجه عقله ويخطه متنه الوحيدة
أي دونية تلك التي اتصف بها هذا الكبير علما ومكانة ؟
جعلتني أمتعض وأشتاط غضبا من البطل وهي نقطة تحسب للنص بلغته الشائقة وحبكته وسرده الجميل وخاتمته المباغتة
يُحَيِّي - أعْطتْ - الذين - أملًا - الأمن - يبدو
مرحبا بك في واحتك
تحاياي

السيدة الفاضلة آمال المصري

شكرا على مروركم الكريم و ملاحظاتك النيرة
دمت بخير

كاملة بدارنه
12-11-2014, 03:44 PM
رائعة الفكرة ... والسّرد جاء بأسلوب شائق وبقفلة مباغتة رائعة أيضا
بوركت
تقديري وتحيّتي
( حبّذا الانتباه لبعض الأخطاء اللّغويّة)

ربيحة الرفاعي
16-11-2014, 01:17 AM
لعل من المؤلم بحق الإقرار بواقعية هذا النص القصّي الموفق المعالجة
لم يكن التنبؤ بالخاتمة صعبا حتى قال للشاب الهزيل حامل كيس النايلون " تأخرت عليّ هذه المرة يا مازن" وهذه براعة في أداء القاص الذي تصاعد الحدث على مدارج سرده بهدوء وتؤدة ليصل بالقارئ إلى حيث الصاعقة
الحوارية التي تخللت النص زادت الأداء جمالية والحرف تشويقا
وأظنني اتهمت النص بالإطالة قبل بلوغي القفلة التي شهدت بقيمة وضرورة ما سبقها

تحاياي

أحمد حسن
17-11-2014, 01:45 PM
رائعة الفكرة ... والسّرد جاء بأسلوب شائق وبقفلة مباغتة رائعة أيضا
بوركت
تقديري وتحيّتي
( حبّذا الانتباه لبعض الأخطاء اللّغويّة)

الأستاذة الفاضلة كاملة

شكرً على إطراءك الجميل و تنبيهك القيِّم

أحمد حسن
17-11-2014, 01:47 PM
لعل من المؤلم بحق الإقرار بواقعية هذا النص القصّي الموفق المعالجة
لم يكن التنبؤ بالخاتمة صعبا حتى قال للشاب الهزيل حامل كيس النايلون " تأخرت عليّ هذه المرة يا مازن" وهذه براعة في أداء القاص الذي تصاعد الحدث على مدارج سرده بهدوء وتؤدة ليصل بالقارئ إلى حيث الصاعقة
الحوارية التي تخللت النص زادت الأداء جمالية والحرف تشويقا
وأظنني اتهمت النص بالإطالة قبل بلوغي القفلة التي شهدت بقيمة وضرورة ما سبقها

تحاياي

الأستاذة الفاضلة ربيحة الرفاعي
أفتخر بشهادتك القيمة على النص و أقدر لك مرورك القيِّم
دمت بخير

خلود محمد جمعة
20-11-2014, 07:20 AM
مع توقعي للنهاية منذ رسمت ملامح الدكتور وليد الا انني كنت اتمنى أن لاتكون كذلك فكم من المؤلم المتاجرة بالحرف
باع حرفا واشترى خبزا
وباع ضميره ودفع احترامه لذاته ويوما ما كل شهرة العالم لن تسد جوعه الى الراحة والأمان
قصة مؤلمة بطرح طيب وسرد ماتع وأسلوب مشوق
كل التقدير وتحيتي

نداء غريب صبري
15-12-2014, 09:20 PM
يقولون أن بعض الأدباء الشباب يتلقون عروضا لشراء ما يكتبون ،
وأن من الذين يتلقون العروض من يوافق ويبيع أدبه ليعيش
هذه حقيقة مؤلمة اتمنى أن لا تكون حقيقة
وقصتك جميلة جدت

شكرا لك أخي

بوركت

أحمد حسن
04-01-2015, 07:11 AM
مع توقعي للنهاية منذ رسمت ملامح الدكتور وليد الا انني كنت اتمنى أن لاتكون كذلك فكم من المؤلم المتاجرة بالحرف
باع حرفا واشترى خبزا
وباع ضميره ودفع احترامه لذاته ويوما ما كل شهرة العالم لن تسد جوعه الى الراحة والأمان
قصة مؤلمة بطرح طيب وسرد ماتع وأسلوب مشوق
كل التقدير وتحيتي

الأستاذة خلود شكرا لمرورك العطر ... لك مني كل التقدير

أحمد حسن
06-01-2015, 05:50 AM
الفاضلة نداء صبري

أسعدني مرورك الكريم

دمت بود