المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخروج من الشرنقة...



ريمة الخاني
16-11-2014, 07:55 AM
الخروج من الشرنقة...
أحكمت خناقها على جسده المنهك... بدأ تنفسه يتصاعد ويقصر مداه...يشعر أنه سيموت بعد قليل...
مازال يدفعها بكلتا يديه.. لا يريد الاستسلام أبدا, يحاول تمزيقها بقوة لهفته لاستمرار حياته...نعم من المؤسف أن يموت الان.
لقد ضاقت عليه تلك الشرنقة مؤخرا ...يخشى أن تخور قواه فجأة ...يراوح بين قدميه ويتكئ على الأخرى ويعيد المحاولة من جديد...
يحاول الاستراحة بين الفينة والفينة لئلا ينتهي الأوكسجين فيها.. فقد باتت رائحة الهواء فيها مقززة.
مازالت تستعصي عليه , ويزداد جدارها صلابة...إنه يقرضها بأسنانه.. يجب أن يعيش, نعم يجب أن يعيش.
يبحث عن نقاط ضعف في جدارها ليقضم أكثر...فينفد للخارج...
هل كل الشرانق هكذا؟, كيف صار فيها أصلا؟!!!,سؤال لا جواب له, لقد تأخر في اتخاذ قرار الهجوم والخروج...
انفرج ثقب فيها فجأة من غير توقع...أصابه الذهول.. هل حقا سأرى السماء والشمس من جديد؟...
عندما انفرجت عنه قليلا وهومازال يتمتم بأدعية حفظها منذ صغره....يسجد ويتمتم...يكرر ويعيد ما كان في الذاكرة.. ينبش فيها عله يجد تعويذة أقوى مفعولا...
تنفرج أكثر...يسجد.. يتضرع بحسنات أعماله...يعيد الكرة.. يسقط من رباعيته سناّ!! , يصرخ ألما...
يمسكه بكلتا يديه حزينا.. يضعه في جيبه..
-سوف يعيد سنه لمكانه عندما تتحسن الظروف...يحاول تكسير جدارها بأظافره.. يتكسر شيئا منها...
يرفس بقدميه ما تبقى من عزم له حتى تنفرج الفرجة أكثر.. يتذكر والده عندما هجر الناس قائلا:

-كلنا غرباء في هذا المكان...لكننا سنعيش.. سنعيش بطريقة ما...
لقد خربوا مكان معيشتهم و ما عرفوا كيف يبنون البلاد كما يجب , عاشوا على ما تبقى لهم من خيرات ونسوا كيف كانوا يرفعون منتوجها قديما ...لقد كان طرأ عيب في تفكيرهم ما استطاعوا إصلاحه أبدا...لقد تراجعوا حتى باتوا يتهمون العالم في ذلك.
إن المكابرة على العيوب كمن تأقلم على الظمأ طويلا...هل سيطيب له العيش وهل سيعيش سويا؟, وهل سيعمل دماغه بجدوى؟.
أي مكان هذا الذي كان يذكره والدي؟.. مؤكد ليست تلك الشرنقة ,فقد كان عالمه أوسع وأجمل.. كيف أفاق فجأة ليجد نفسه هنا؟.
يجلس متربعا يبكي حزينا لما آل إليه أمره, يخشى أن تكون قواه قد خارت...يتساءل محتارا:
-كيف وصلت لهذه لمرحلة الحرجة ؟, من نسج شرنقتي؟, من وضعني فيها؟, كيف حصل وأنا حي؟...
كف حصل وعيناي مفتحتان؟.
تخونه الذاكرة فهو لا يتذكر فعلا كيف حصل ...تقفز لذاكرته عبارة والده:
-كل ذنب يذنبه ابن آدم ويقترفه ينسج خيطا في مشنقته...
هل هذه هي المشنقة إذن؟.. هي لا تحاصر رقبتي؟!!..هي تحاصرني جميعا..

ينهض من جديد...تزداد الفرجة اتساعا ...يحاول الخروج...ومرارا.. وتكرارا...ينجح رويدا رويدا ..
لكنها تشد على خاصرته قليلا ...يدفع جسده بكلتا يديه فينقذف خارجا ويرتمي على الأرض...ينظر خلفه فيراها مكسرة ممزقة.
-أين أنا؟
جميل أن ينقذ المرء نفسه بنفسه...فرب منقذ هو في واقع الأمر غير منقذ...
يشتم رائحة حريق بائت...خطوات ترج الأرض تحت وطأتها وتهتز...ينظر حوله فلا يرى آدميين...
يفاجئه رأس مقطوع يمشي وحده.. يبتسم له ويمضي...
يتلفت فزعا.. ما هذا؟.
.فيراه يمضي دون أن يلتفت...أيادي تمشي وحدها...بعينين مزورتين...تنظر إليه ضاحكة وتمضي...
وقلوب تنزف دما على قارعة الطريق...قد تحررت الأعضاء منها...وطريق يغوص فيه ما به من قرار...
فيحاول المرور فيه بحذر...
يركض فزعا عندما تبدأ الرؤوس بلحاقه...تصرخ تنادي:
-مازال حيا...
يركض نحو اللا شيء...مازالت الجبال قائمة على أصولها...يركض نحوها...يتسلق صخورها بعيدا عن هجوم الرؤوس المقطوعة...تلحقها الأطراف صارخة:
-مازال حيا...
يقع مرات وتقرضه أسنانها....يحاول الفرار بنفسه.. متسائلا:
-ما هذا الذي أراه؟, هل هذه بلادي فعلا؟.
يرددون:
-مازال حيا...
يبكي.. يكاد ينهار...تمنى لو رأى ظل أحد يعرفه من قريب.. فيضمه كما كان.. يشكو له حاله, يقول له كلمة رفق واحد...
يدخل كهفا وقد أدمته كثرة الهجوم...يهدأ عندما يضع صخرة في فوهة الكهف...فيسده.
يتذكر كلمة والده:
-السكون موت...
ينظر حوله فزعا.. لا يرى شيئا سوى كائنات ميتة...في الأرض...
إلى من يلجأ؟, أليس الله هو الله؟...ينظر إلى الأعلى...يتدلى فوق رأسه العنكبوت...
يحاول النوم... فهو منهك حتى الثمالة , فلا يستطيع ,تتشكل خيوط رقيقة حول رقبته...يدفعها بعيدا عنه.. لكنها تتشكل رغما عنه.. كغزل البنات الطفولي , بلا لون و لا رائحة .. لا بل كخيوط عنكبوتي تريد إعدامه.
يشعر بالجوع يحرق معدته...تصطدم بصخرة الكهف أصوات هوجاء...ترجه , تنادي..
-مازال حيا...
يخرج القرآن من جوفه مرتلا...كان قد حفظه صغيرا...
أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ..
يتخذها تعويذة...يكررها...يشعر بالراحة...ينام...ليستفيق على صوت نقر تقوم بها يداه ليخرج من شرنقته من جديد...
ريمه الخاني 29-5-2014
نشرت لأول مرة في موقع ديفيان آرت الغربي مترجمة ومجلة فكر الخليجية.

مصطفى حمزة
16-11-2014, 08:26 AM
أختي الكريمة ، الأستاذة ريمة
أسعد الله أوقاتكِ
ربما هم بمئاتِ الآلاف - عبر عدة عقود - اولئك الذين يُكدّسون في زنازين الظالم المستبد ، ولعلهمم بالملايين من كدّسهم خارج الزنازين
في البلد الكبير الصغير .. وكلها ( شرانق ) ، وكلهم أحياء أموات ! وفي نهاية الأمل ثقب يصل ما تبقى منهم بالله سبحانه .. خيطٌ لم يستطع
أن يقطعه أعتى الطغاة !
نصٌ سردي اعتمد - فضلاً عن السرد - الغرائبيّة والعجائبيّة ، اللتين لا يُشبههما إلا واقع ما تحدث عنه الرمز . لغة معبرة موحية .. تلوّن
الصورة بالأسود والرمادي .. وبعض البياض .
ممتع ومثير ، ومؤثر ما قرأتُ هنا
تحياتي

كاملة بدارنه
17-11-2014, 01:48 PM
يركض نحو اللا شيء...مازالت الجبال قائمة على أصولها...يركض نحوها...يتسلق صخورها بعيدا عن هجوم الرؤوس المقطوعة...تلحقها الأطراف صارخة:
-مازال حيا...
يقع مرات وتقرضه أسنانها....يحاول الفرار بنفسه.. متسائلا:
-ما هذا الذي أراه؟, هل هذه بلادي فعلا؟.
تغيب الملامح وتتغيّر البلاد لكثرة ما تتعرّض له من عوامل تعرية قهريّة لها ولأهلها!
قصّة رمزيّة بسرد غريب وجاذب
جميل أنّها نتهت بالإيمان والقرب من الله مشعلة شعلة الأمل
بوركت عزيزتي
تقديري وتحيّتي

ربيحة الرفاعي
06-12-2014, 03:37 PM
سرد قصّي طيب برمزية سوّغت عجائبية الفكرة وفتحت الأبواب للتأويل بدلالات الواقع

رائق عميق الإسقاط موفق المحمول

دمت بخير

تحاياي

خلود محمد جمعة
08-12-2014, 11:29 AM
نبني الشرنقة حول ذاتنا من حيث لا ندري حتى نختنق بها
وتلتف شرانقهم عنوة حول حرياتنا
وتتشرنق بلادنا لتخرج بملامح مهترئة
ويبقى الايمان والارادة يدا قوية تمزق شرنقة الخوف
قصة جميلة بأبعادها
كل التقدير

مازن لبابيدي
08-12-2014, 04:16 PM
كم من المتعة في هذه القصة الرائعة أختي الأديبة ريمة الخاني .
حقا قرأتها صورا لا كلمات وانفعالا لا سماعا .
الفانتازيا كانت حاضرة بقوة ومنسجمة مع الحدث والرمز بأسلوب متقن .

قصة تستحق الإعجاب وأديبة تستحق كل تقدير وتحية

آمال المصري
10-12-2014, 09:35 PM
يعيش الكثير داخل الوطن كأنه في شرنقة تكاد تخنقه .. معلق بين الحياة والموت حتى يتحرر من قيودها بوميض أمل يمزق خيوطها ويصل به إلى مالا يقدر به أن يطاله بطش مرة أخرى
جميلة بفكرتها ورمزيتها بلغة أنيقة وسرد جميل
بوركت واليراع شاعرتنا الفاضلة
تحاياي

ريمة الخاني
21-02-2015, 03:06 PM
أختي الكريمة ، الأستاذة ريمة
أسعد الله أوقاتكِ
ربما هم بمئاتِ الآلاف - عبر عدة عقود - اولئك الذين يُكدّسون في زنازين الظالم المستبد ، ولعلهمم بالملايين من كدّسهم خارج الزنازين
في البلد الكبير الصغير .. وكلها ( شرانق ) ، وكلهم أحياء أموات ! وفي نهاية الأمل ثقب يصل ما تبقى منهم بالله سبحانه .. خيطٌ لم يستطع
أن يقطعه أعتى الطغاة !
نصٌ سردي اعتمد - فضلاً عن السرد - الغرائبيّة والعجائبيّة ، اللتين لا يُشبههما إلا واقع ما تحدث عنه الرمز . لغة معبرة موحية .. تلوّن
الصورة بالأسود والرمادي .. وبعض البياض .
ممتع ومثير ، ومؤثر ما قرأتُ هنا
تحياتي

تماما أستاذ مصطفى,فترانا تشرذمنا من الداخل,لك تحيتي وتقديري الذي لامزيد عليه.

ريمة الخاني
21-02-2015, 03:07 PM
تغيب الملامح وتتغيّر البلاد لكثرة ما تتعرّض له من عوامل تعرية قهريّة لها ولأهلها!
قصّة رمزيّة بسرد غريب وجاذب
جميل أنّها نتهت بالإيمان والقرب من الله مشعلة شعلة الأمل
بوركت عزيزتي
تقديري وتحيّتي

شكرا لك جدا وتخيلوا ان القصة التي نشرت في الموقع الغربي عرفت بمصائب سوريا التي لم يقدمها اعلامهم الغربي بشكل واضح!!
تحيتي دوما.

ريمة الخاني
21-02-2015, 03:10 PM
سرد قصّي طيب برمزية سوّغت عجائبية الفكرة وفتحت الأبواب للتأويل بدلالات الواقع

رائق عميق الإسقاط موفق المحمول

دمت بخير

تحاياي

دمت بخير اخيتي ولك محبتي.

ريمة الخاني
21-02-2015, 03:11 PM
نبني الشرنقة حول ذاتنا من حيث لا ندري حتى نختنق بها
وتلتف شرانقهم عنوة حول حرياتنا
وتتشرنق بلادنا لتخرج بملامح مهترئة
ويبقى الايمان والارادة يدا قوية تمزق شرنقة الخوف
قصة جميلة بأبعادها
كل التقدير

نعم صدقت ولك محبتي دوما ايتها الرائعة.

ريمة الخاني
21-02-2015, 03:12 PM
كم من المتعة في هذه القصة الرائعة أختي الأديبة ريمة الخاني .
حقا قرأتها صورا لا كلمات وانفعالا لا سماعا .
الفانتازيا كانت حاضرة بقوة ومنسجمة مع الحدث والرمز بأسلوب متقن .

قصة تستحق الإعجاب وأديبة تستحق كل تقدير وتحية
شكرا لانها اعجبتك فلك احترامي وتقديري.

ريمة الخاني
21-02-2015, 03:13 PM
يعيش الكثير داخل الوطن كأنه في شرنقة تكاد تخنقه .. معلق بين الحياة والموت حتى يتحرر من قيودها بوميض أمل يمزق خيوطها ويصل به إلى مالا يقدر به أن يطاله بطش مرة أخرى
جميلة بفكرتها ورمزيتها بلغة أنيقة وسرد جميل
بوركت واليراع شاعرتنا الفاضلة
تحاياي

نعم تماما كم أنت متغلغلة في نصوصي أيتها الرائعة.
محبتي دوما.

د. سمير العمري
21-03-2015, 04:36 PM
قصة جميلة ومميزة بعمق الطرح فيها والإسقاطات وتوظيف الموروث من دين ومن حكمة حياة تجسدت بمقولات الوالد ، ومن حيث المعنى كان يحمل المعاني المؤلمة التي جسدها القول أهذه بلادي؟ لتجسيد حالة الانكفاء والانحباس في قيود شرنقة الألم والدماء والعجز عن الاختراق للحواجز النفسية والسياسة المحيظة. ومن حيث المبنى والأسلوب فد جاء بنقلة نوعية عما اعتدت منك فكان الأداء راقيا ومميزا وإن كنت أرى أنها بحاجة لبعض تكثيف وبعض ضبط لغوي بسيط.

أشكر لك هذه القصة وأدعو الله أن يحفظك وسوريا الغالية من كل سوء!

تقديري

ريمة الخاني
29-03-2015, 02:31 PM
شكرا دكتور سمير لحضورك الكريم هنا,بارك الله بك ورعاك وسدد خطاك.

نداء غريب صبري
23-06-2015, 02:07 AM
أكتفي باقتباس رد أخي الأديب مصطفى حمزة


أختي الكريمة ، الأستاذة ريمة
أسعد الله أوقاتكِ
ربما هم بمئاتِ الآلاف - عبر عدة عقود - اولئك الذين يُكدّسون في زنازين الظالم المستبد ، ولعلهمم بالملايين من كدّسهم خارج الزنازين
في البلد الكبير الصغير .. وكلها ( شرانق ) ، وكلهم أحياء أموات ! وفي نهاية الأمل ثقب يصل ما تبقى منهم بالله سبحانه .. خيطٌ لم يستطع
أن يقطعه أعتى الطغاة !
نصٌ سردي اعتمد - فضلاً عن السرد - الغرائبيّة والعجائبيّة ، اللتين لا يُشبههما إلا واقع ما تحدث عنه الرمز . لغة معبرة موحية .. تلوّن
الصورة بالأسود والرمادي .. وبعض البياض .
ممتع ومثير ، ومؤثر ما قرأتُ هنا
تحياتي

شكرا لكما
بوركتما

ريمة الخاني
24-07-2015, 08:04 AM
اهلا بك اخت نداء وفقك لله ورعاك.

ناديه محمد الجابي
19-05-2019, 01:14 PM
لن أستطيع أن أضيف عمن سبقني من عمالقة الواحة شيئا
فقد قالوا كل ما كنت أود قوله..
فقط أحب أن أسجل أن لك أسلوبا مميزا، والقدرة على إيصال
الفكرة ( رغم الإطار الغرائبي) بحرفية وجمال وبراعة
في إستخدام الإسقاط الرمزي.
قاصة موهوبة ريمة ـ أحب إحساسك المميز، وحرفك المبدع
دمت بكل خير ـ ولك تحياتي وودي.
:0014::pr::010:

قصي المحمود
19-05-2019, 11:02 PM
نص صيغ بسردية رمزية عالية الجودة ,فكرته تدور حول الوطن والطغاة وسبيل النجاة
تحياتي وتقديري

ريمة الخاني
10-06-2019, 07:22 AM
لن أستطيع أن أضيف عمن سبقني من عمالقة الواحة شيئا
فقد قالوا كل ما كنت أود قوله..
فقط أحب أن أسجل أن لك أسلوبا مميزا، والقدرة على إيصال
الفكرة ( رغم الإطار الغرائبي) بحرفية وجمال وبراعة
في إستخدام الإسقاط الرمزي.
قاصة موهوبة ريمة ـ أحب إحساسك المميز، وحرفك المبدع
دمت بكل خير ـ ولك تحياتي وودي.
:0014::pr::010:

حضورك الكريم، أضاف جديدا للنص
وإنارة محبة أيتها الرائعة أرجو أن أكون كما ذكرتِ، ولك التجلة والاحترام.

ريمة الخاني
10-06-2019, 07:24 AM
نص صيغ بسردية رمزية عالية الجودة ,فكرته تدور حول الوطن والطغاة وسبيل النجاة
تحياتي وتقديري

النص مفتوح على عدة تأويلات، توافق فكر القارئ كما أفضل، حضورك أسعدني ولك التقدير.