المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقاش في قصة - البنفسجة الطموح - جبران



ربيحة الرفاعي
18-11-2014, 03:16 PM
هي فكرة نطمح من خلالها لمزيد من التفاعل الجاد،
نتشارك فيها قراءة قصة مختارة، والنقاش حولها من كافة الجوانب، بما يحقق متعة القراءة والحوار، وتطويرا لآليات النقد

فهلموا أهل الإبداع نغرف معا من شهد البحث والاستزادة



البنفسجة الطموح

كانت في حديقة منفردة بنفسجة جميلة الثنايا ، طيبة العرف ، تعيش قانعة بين أترابها وتتمايل فرحة بين قامات الأعشاب .
ففي صباح , وقد تكلّلت بقطر الندى ، رفعت رأسها ونظرت حواليها فرأت وردة تتطاول نحو العلاء بقامة هيفاء ورأس يتسامى متشامخاً كأنه شعلة من النار فوق مسرجة من الزمرّد.

ففتحت البنفسجة ثغرها الأزرق وقالت متنهدة: ما أقلّ حظي بين الرياحين ، وما أوضع مقامي بين الأزهار ! فقد ابتدعتني الطبيعة صغيرة ، حقيرة ، أعيش ملتصقة بأديم الأرض ولا أستطيع أن أرفع قامتي نحو ازرقاق السماء أو أحوّل وجهي نحو الشمس مثلما تفعل الورود.

وسمعت الوردة ما قالته جارتها البنفسجة فاهتزّت ضاحكة ثمّ قالت : ما أغباك بين الأزهار ! فأنت في نعمة تجهلين قيمتها. فقد وهبتك الطبيعة من الطيب والظرف والجمال ما لم تهبه لكثير من الرياحين . فخلّي عنك هذه الميول العوجاء والأماني الشريرة وكوني قنوعاً بما قسم لك واعلمي أن من خفض جناحه رفع قدره ، وأنّ من طلب المزيد وقع في النقصان.

فأجابت البنفسجة قائلة : أنت تعزينني أيتها الوردة لأنك حاصلة على ما أتمناه ، وتغمرين حقارتي بالحكم ، لأنك عظيمة . وما أمرّ مواعظ السعداء في قلوب التاعسين وما أقسى القوي إذا وقف خطيباً بين الضعفاء!

وسمعت الطبيعة ما دار بين الوردة و البنفسجة فاهتزت مستغربة ثمّ رفعت صوتها قائلة: ماذا جرى لك يا ابنتي البنفسجة ؟ فقد عرفتك لطيفة بتواضعك عذبة بصغرك شريفة بمسكنتك ، فهل استهوتك المطامع القبيحة أم سلبت عقلك العظمة الفارغة ؟

فأجابت البنفسجة بصوت ملؤه التوسل والاستعطاف :
أيتها الأم العظيمة بجبروتها ، الهائلة بحنانها، أضرع إليك بكل ما في قلبي من التوّسل ،وما في روحي من الرجاء ، أن تجيبي طلبي وتجعليني وردة ولو يوماً واحداً.

فقالت الطبيعة : أنت لا تدرين ما تطلبين ولا تعلمين ما وراء العظمة الظاهرة في البلايا الخفية ، فإذا رفعت قامتك وبدلت صورتك وجعلتك وردة تندمين حيث لا ينفع الندم .

فقالت البنفسجة : حوّلي كياني البنفسجي إلى وردة مديدة القامة مرفوعة الرأس... ومهما يحل بي بعد ذلك يكون صنع رغائبي ومطامعي .

فقالت الطبيعة لقد أجبت طلبك أيتها البنفسجة الجاهلة المتمردة ، ولكن إذا دهمتك المصائب والمصاعب لتكن شكواك من نفسك.
ومدّت الطبيعة أصابعها الخفية السحرية ولمست عروق البنفسجة فحوّلتها بلحظة إلى وردة زاهية متعالية فوق الأزهار والرياحين.

ولما جاء عصر ذلك النهار تلبّد الفضاء بغيوم سوداء مبطنة بالإعصار ثمّ هاجت سواكن الوجود فأبرقت ورعدت وأخذت تحارب تلك الحدائق والبساتين بجيش عرمرم من الأمطار والأهوية . فكسرت الأغصان ولوت الأنصاب واقتلعت الأزهار المتشامخة ولم تبق إلاّ على الرياحين الصغيرة التي تلتصق بالأرض أو تختبئ بين الصخور.

أمّا تلك الحديقة المنفردة فقد قاست من هياج العناصر ما لم تقاسه حديقة أخرى .
فلم تمر العاصفة وتنقشع الغيوم حتى أصبحت أزهارها هباء منثوراً ولم يسلم منها بعد تلك المعمعة الهوجاء سوى طائفة البنفسج المختبئة بجدار الحديقة .

ورفعت إحدى صبايا البنفسج رأسها فرأت ما حلّ بأزهار الحديقة وأشجارها فابتسمت فرحاً ثمّ نادت رفيقاتها قائلة : ألا فانظرن ما فعلته العاصفة بالرياحين المتشامخة تيهاً وعجباً .
وقالت بنفسجة أخرى نحن نلتصق بالتراب ، ولكننّا نسلم من غضب العواصف والأنواء .
وقالت بنفسجة ثالثة : نحن حقيرات الأجسام غير أن الزوابع لا تستطيع التغّلب علينا.

ونظرت إذ ذاك مليكة طائفة البنفسج فرأت على مقربة منها الوردة التي كانت بالأمس بنفسجة وقد اقتلعتها العاصفة وبعثرت أوراقها الرياح وألقتها على الأعشاب المبللة فبانت كقتيل أرداه العدو بسهم.

فرفعت مليكة طائفة البنفسج قامتها ومدّت أوراقها ونادت رفيقاتها قائلة : تأمّلن وانظرن يا بناتي . انظرن إلى البنفسجة التي غرّتها المطامع فتحوّلت إلى وردة لتشامخ ساعة ثمّ هبطت إلى الحضيض. ليكن هذا المشهد أمثولة لكنّ.

عندئذ ارتعشت الوردة المحتضرة واستجمعت قواها الخائرة وبصوت متقطع قالت:

ألا فاسمعن أيتها الجاهلات القانعات ، الخائفات من العواصف والأعاصير . لقد كنت بالأمس مثلكن أجلس بين أوراقي الخضراء مكتفية بما قسم لي ، وقد كان الاكتفاء حاجزاً منيعاً يفصلني عن زوابع الحياة وأهويتها ويجعل كياني محدوداً بما فيه من السلامة ، متناهياً بما يساوره من الراحة والطمأنينة. ولقد كان بإمكاني أن أعيش نظيركن ملتصقة بالتراب حتى يغمرني الشتاء بثلوجه وأذهب كمن يذهب قبلي إلى سكينة الموت والعدم قبل أن أعرف من أسرار الوجود ومخبآته غير ما عرفته طائفة البنفسج منذ وجد البنفسج على سطح الأرض لقد كان بإمكاني الانصراف عن المطامع والزهد في الأمور التي تعلو بطبيعتها عن طبيعتي . ولكني أصغيت إلى سكينة الليل فسمعت العالم الأعلى يقول لهذا العالم :
(( إنّما القصد من الوجود الطموح إلى ما وراء الوجود)) .

فتمرّدت نفسي على نفسي وهام وجداني بمقام يعلو عن وجداني ، وما زلت أتمرّد على ذاتي وأتشوّق إلى ما ليس لي حتى انقلب تمرّدي إلى قوّة فعّالة واستحال شوقي إلى إرادة مبدعة فطلبت إلى الطبيعة – وما الطبيعة سوى مظاهر خارجية لأحلامنا الخفية– أن تحولني إلى وردة ففعلت ، وطالما غيرت الطبيعة صورها ورسومها بأصابع الميل والتشويق .

وسكتت الوردة هنيهة ثمّ زادت بلهجة مفعمة بالفخر والتفوّق:
لقد عشت ساعة كملكة . لقد نظرت إلى الكون من وراء عيون الورود، وسمعت همس الأثير بآذان الورود ، ولمست ثنايا النور بأوراق الورود . فهل بينكن من تستطيع أن تدّعي شرفي؟

ثمّ لوت عنقها، وبصوت يكاد يكون لهاثاُ قالت:
أنا أموت الآن . أموت وفي نفسي ما لم تكنه نفس بنفسجة من قبلي . أموت وأنا عالمة بما وراء المحيط المحدود الذي ولدت فيه ، وهذا هو القصد من الحياة . هذا هو الجوهر الكائن وراء عرضيات الأيام والليالي.

وأطبقت الوردة أوراقها وارتعشت قليلاً ثمّ ماتت وعلى وجهها ابتسامة علويّة – ابتسامة من حققت الحياة أمانيه – ابتسامة النصر والتغلّب – ابتسامة الله.

بهجت عبدالغني
18-11-2014, 03:51 PM
هذا من حلمي الذي تحقق
أن تكون لنا صفحات نتعلم فيها النقد الأدبي على أصوله
:v1:
طبعاً .. بإذن الله تعالى .. لي عودة إلى هنا ..

تحياتي ودعواتي

رويدة القحطاني
19-11-2014, 10:44 PM
الفكرة مميزة وأراها تسهم في تحسين مستوى الردود إذا استفاد منها الأعضاء وتعاونوا فيها كما يجب

سأبدأ أنا بالعنوان -البنفسجة الطموح- فإن للعنوان دلالات تتداعى على الذهن في اللحظة الأولى لقراءته.
الطموح تطلع للأمام وللأعلى وعزيمة للسير نحو القمة والنور وهذا محور صراع البنفسجة الداخلي الذي أدى لأحداث النص، والبنفسج من رموز الجمال والحزن، وهما صفتان كانتا ضروريتان في البنفسجة بطلة النص، فهي كانت قادرة على الرضى بحالها والاكتفاء بجمالها والحفاظ على حياتها، لكن طموحها منعها من ذلك، وهي أيضا بالتصاق صفة الحزن بجنسها تناسب مدخل الكاتب للحكاية، أن تحزن لعدم قدرتها على مطاولة الورود والصعود نحو النور والفضاء البعيد عن الأرض

لقد نجح الكتب إذا في اختيار العنوان الذي يعبر عن القصة ولا يكشفها

كريمة سعيد
20-11-2014, 03:53 PM
من خلال القراءة الأولى أسجل ما يلي:

إن القصة تدخل في إطار الأدب التربوي الذي يروم إبلاغ رسالة/موعظة....
توفرت فيها جميع مكونات القصة/ الحكاية - عنوان يعكس مضمون القصة - أحداث متسلسلة عن السعي نحو المراد - ونهاية مؤلمة.....

جميل أن يكون الإنسان طموحا، يضع هدفا ويسعى إلى تحقيقه، ولكن يجب ألا يتحول هذا الطموح إلى طمع، بل لا بد من إحداث توازن بين الإمكانيات الفردية وبين الغاية المأمولة، أي أن تفكير الإنسان يجب أن يلتزم بالوسطية ( لا إفراط ولا تفريط) وما دامت الحياة متطورة وغير جامدة.. فعلى الإنسان أن يساهم في مسارها وديناميتها وألا يركن إلى الكسل بدعوى الخطر المحدق بخطواته إن حاول التغيير..
إن الحياة كفاح واغتنام للفرص الممكنة واجتهاد من أجل بلوغ الأفضل، وللعلم فإن كل خطوة جديدة في الحياة تحتمل النجاح أو الفشل، لذلك يعتمد التخطيط لتفادي الأخطاء أو تقليلها.
ومن خلال قصة هذه البنفسة يبعث الكاتب عبرة للقارئ مفادها الالتزام بالشجاعة والاعتزاز بالهوية، بحيث نتشبث بأحلامنا ونكافح لتحقيقها ولكن بدون الانسلاخ عن جذورنا، لأننا بهذا الانسلاخ نقضي -بأنانية-على أنفسنا ولا يعود ذلك بالنفع على أحد. إن موت البنفسة الطموحة ليس لمحاولتها الطموحة استكشاف العالم وإنما لكونها تخلت عن هويتها وتقمصت هوية غيرها.

أرى أن لغة القصة مع ما تحمله من مفردات جميلة تراصت بشكل معبر جميل إلا أنها لا تتناسب والغرض التربوي المراد، فقد كان بالإمكان تبسيط اللغة لتحقيق الهدف الأسمى والوصول إلى أكبر شريحة من القراء ولا سيما الأطفال، كما أن الوصف في بعض الفقرات اتسم بالطول نوعا ما وجعل القصة مباشرة أكثر مما ينبغي..
هذا مجرد رأي لا ينقص من أهمية القصة في سياقها، وكذا الأسلوب المتين الذي صيغت به.

شكرا للرائعة ربيحة الرفاعي على فتح هذه النافذة للنقاش الجاد والحوار الهادئ
تقديري ومحبتي

ربيحة الرفاعي
20-11-2014, 10:08 PM
هذا من حلمي الذي تحقق
أن تكون لنا صفحات نتعلم فيها النقد الأدبي على أصوله
معا نستطيع أن نجعل من هذا الموضوع ميدانا نتبادل فيه المعلومة ونكتسب مهارة القراءة النقدية
فلنجتهد في تحقيق ذلك بالمشاركة الفاعلة


الفكرة مميزة وأراها تسهم في تحسين مستوى الردود إذا استفاد منها الأعضاء وتعاونوا فيها كما يجب
سأبدأ أنا بالعنوان -البنفسجة الطموح- فإن للعنوان دلالات تتداعى على الذهن في اللحظة الأولى لقراءته.
الطموح تطلع للأمام وللأعلى وعزيمة للسير نحو القمة والنور وهذا محور صراع البنفسجة الداخلي الذي أدى لأحداث النص، والبنفسج من رموز الجمال والحزن، وهما صفتان كانتا ضروريتان في البنفسجة بطلة النص، فهي كانت قادرة على الرضى بحالها والاكتفاء بجمالها والحفاظ على حياتها، لكن طموحها منعها من ذلك، وهي أيضا بالتصاق صفة الحزن بجنسها تناسب مدخل الكاتب للحكاية، أن تحزن لعدم قدرتها على مطاولة الورود والصعود نحو النور والفضاء البعيد عن الأرض
لقد نجح الكتب إذا في اختيار العنوان الذي يعبر عن القصة ولا يكشفها
جميل
خطوة أولى في قراءة النص بتحليل للعنوان بدلالاته وتوظيفه
ليتنا نواصل بهذه الطريقة



من خلال القراءة الأولى أسجل ما يلي:
إن القصة تدخل في إطار الأدب التربوي الذي يروم إبلاغ رسالة/موعظة....
توفرت فيها جميع مكونات القصة/ الحكاية - عنوان يعكس مضمون القصة - أحداث متسلسلة عن السعي نحو المراد - ونهاية مؤلمة.....

جميل أن يكون الإنسان طموحا، يضع هدفا ويسعى إلى تحقيقه، ولكن يجب ألا يتحول هذا الطموح إلى طمع، بل لا بد من إحداث توازن بين الإمكانيات الفردية وبين الغاية المأمولة، أي أن تفكير الإنسان يجب أن يلتزم بالوسطية ( لا إفراط ولا تفريط) وما دامت الحياة متطورة وغير جامدة.. فعلى الإنسان أن يساهم في مسارها وديناميتها وألا يركن إلى الكسل بدعوى الخطر المحدق بخطواته إن حاول التغيير..
إن الحياة كفاح واغتنام للفرص الممكنة واجتهاد من أجل بلوغ الأفضل، وللعلم فإن كل خطوة جديدة في الحياة تحتمل النجاح أو الفشل، لذلك يعتمد التخطيط لتفادي الأخطاء أو تقليلها.
ومن خلال قصة هذه البنفسة يبعث الكاتب عبرة للقارئ مفادها الالتزام بالشجاعة والاعتزاز بالهوية، بحيث نتشبث بأحلامنا ونكافح لتحقيقها ولكن بدون الانسلاخ عن جذورنا، لأننا بهذا الانسلاخ نقضي -بأنانية-على أنفسنا ولا يعود ذلك بالنفع على أحد. إن موت البنفسة الطموحة ليس لمحاولتها الطموحة استكشاف العالم وإنما لكونها تخلت عن هويتها وتقمصت هوية غيرها.

أرى أن لغة القصة مع ما تحمله من مفردات جميلة تراصت بشكل معبر جميل إلا أنها لا تتناسب والغرض التربوي المراد، فقد كان بالإمكان تبسيط اللغة لتحقيق الهدف الأسمى والوصول إلى أكبر شريحة من القراء ولا سيما الأطفال، كما أن الوصف في بعض الفقرات اتسم بالطول نوعا ما وجعل القصة مباشرة أكثر مما ينبغي..
هذا مجرد رأي لا ينقص من أهمية القصة في سياقها، وكذا الأسلوب المتين الذي صيغت به.
غوص في غائية النص بمهارة وعمق في الرؤية
وتحليل حكيم للرسالة ومد نجاح النص بأدواته في خدمتها


شكرا لكريم تجاوبكم وجاد تفاعلكم الذي يبعث على الأمل بنجاح الموضوع

تحاياي

ربيحة الرفاعي
20-11-2014, 10:27 PM
ماذا لدينا أيضا ؟
- البحث في الأساليب الفنية المستخدمة في النص .. تشبيه ‘ إستعارة، رمزية، حوار ....
- البحث في تطور شخصية البنفسجة / نمو الشخصية.
- استعراض شخصيات القصة الرئيسية والمسطحة.
- رؤية في السرد.
- رؤية الخاتمة ومد اتفاقها مع ما قال النص.

والباب مفتوح لما ترون

تحاياي

أحمد عيسى
21-11-2014, 10:27 PM
فكرة رائعة وجادة أشجعها وأثني عليها ، وأقترح أن ننتهي منها بفكرة أخرى ستكون أكثر تأثيراً وهي تناول قصة واحدة كل شهر مثلاً من ملتقى القصة لكتابنا الأفاضل بالنقد والدراسة .

كل التحية والتقدير ، ولسوف نقرأ معكم ونشارك بقدر استطاعتنا باذن الله

مصطفى حمزة
22-11-2014, 04:22 AM
هي قصّة رمزيّة على لسان بعض عناصر الطبيعة ( الورد – النرجس – الطبيعة ) تؤدي فكرة إنسانية ملخصها : أن نعيش ساعة في رفعة ، خير من أن نعيش عمرنا في حضيض . أو : إن العمر لا يُقيّم بأن نعيش أي حياة ، بل بمجد هذه الحياة التي نعيشها .
وهذه الفكرة خادعة من النظرة الأولى ، وفيها نظر . فما من مخلوق إلا وله قيمة وفائدة من حيثُ هو ، سواء أكان صغيراً أم كبيراً ، أميراً أم حقيراً حجراً أم بشراً ...فالله سبحانه لم يخلق شيئاً عبثاً . وهذه الفكرة تناولتها نصوص أدبية وفلسفية عدة ، يحضرني منها الآن قصيدة لإيليا أبي ماضي بعنوان ( الحجر الصغير ) التي يقول فيها :
سمع الليل ذو النجوم أنينا ، وهو يغشى المدينة البيضاء
فانحنى فوقها كمسترق الهمس يطيل السكوت والإصغاء
فرأى أهلها نياما كأهل الكـهـف لا جلبة ولا ضوضاء
ورأى السدّ خلفها محكم البنـيان والماء يشبه الصحراء
كان ذاك الأنين من حجر في السدّ يشكو المقادر العمياء
أيّ شأن يكون في الكون شأني لست شيئا فيه ولست هباء
لا رخام أنا فأنحت تمثالا، ولا صخرة تكون بناء
الخ .. فيُغادر مكانه – الحقير بنظره – فإذا :
فتح الفجر جفنه فإذا الطوفان يغشى المدينة البيضاء !
لكنّ جبران نحا بالفكرة منحى آخر ، فرأى – من خلال النرجسة – أنه كان على الحجر أن يكون ربما سدّاً ولو لساعة ، وبعدها لو انهدم أو انحطم فلا بأس ما دام الحجر لم يعش كل حياته حجراً !
لكن الطبيعة رائعة ومفيدة بكل عناصرها معاً ، بكل أحجامها وألوانها وكائناتها ..
وتذكرت الآن قصّة لنجيب محفوظ قرأتها قديما تحمل الفكرة ذاتها - فكرة جبران - هي قصّة فرّاش موظف في دائرة حكومية ، فقير حقير بين الموظفين ، يُكلفونه في أول أحد الشهور أن يذهب إلى البنك ليأتي لهم بمرتباتهم ، فيذهب بها إلى أحد المصايف مع صديقة له خادمة ليعيشا أياماً كما يعيش ( الكبار ) ثم يسلم نفسه للشرطة ، وقد حقق – في منطقه – إنسانيته لأيام !!
وأنا أرى أن فكرة جبران – ومعه نجيب محفوظ - فيها من الهدم الخلقي أكثر مما فيها من البناء ( الظاهر ) ..
الطموح لا يعني أن نبحث عن مجد وهميّ أنانيّ – وبأية وسيلة - ليُقال عنا إنّا عظماء ، لا ، بل المجد الحقيقيّ أن نكون عظماء في مجتمعنا ، مميزين في بيئتنا ، نبني من موقعنا ، ومما خُلقنا مهيّئين له . وأيضاً بوسائلنا .
هذا ما خطر لي من حيثُ الفكرة
ربما أعود لأخربش حول عنصر آخر
تحياتي للجميع وأولهم صاحبة الفكرة ، سيدة الواحة الأستاذة ربيحة

عدنان الشبول
22-11-2014, 10:03 AM
أعجبني تعليق الأستاذ مصطفى حمزة

ثمّ لي رأي هنا ، حيث أعتقد أن السرد كان فيه بعض الإطالة الغير مشوِّقة .. أصابتني ببعض ملل .. وكان يمكن إختصار القصة أكثر ( مجرد رأي )



ألف تحية

عبد السلام دغمش
23-11-2014, 10:42 AM
بدايةً نقدم الشكر الجزيل للأخت الأديبة ربيحة الرفاعي ولإدارة الملتقى على هذا الطرح المميز ..
كقراءة للنص القصصي يتبين أن هيكل النص يقوم على الحوار ..
ومن وجهة نظري انه كان من الأوجه إضفاء بعض الاحداث لكسر نسق الحوار حتى لا يصاب القارئ بالملل .

.. توقفت عند أداة الإستئناف عند مطلع الفقرات: الفاء حينا والواو حينا آخر.. مثل :
ففتحت البنفسجة ثغرها
و سمعت الوردة ما قاله جارتها
فـرفعت مليكة طائفة البنفسج قامتها ..
وكان الأولى برأيي أن أن نترك بعض الفقرات بلا أداة استئناف أتعبت حينا ذهن القارئ.. حيث أن الفقرة الجديدة تمنح القارئ فرصة ليلتقط أنفاسه وسط نص يقوم على الحوار .

كانت هذه ملاحظات متواضعة على البناء السردي للقصة ، وأنا أتابع لأقتطف المزيد مما يكتبه الاخوة والاخوات .
تقديري .

بهجت عبدالغني
23-11-2014, 01:39 PM
حول الفكرة :

قصة رمزية يصوّر فيها الكاتب حياة بنفسجة طموح ، أبتْ أن تبقى بين أترابها لابدةً بالأرض .. فتطاولت بخيالها تنظر إلى الأعالي طامحة راغبة في حياة أوسع وأشمل ..
ولكن هل كل الطموح جيد ومفيد ؟
جميل أن يسعى الانسان إلى المعالي ، ولكن أمن العقل والحكمة أن يُطاول الإنسان شيئاً أكبر منه ومن قدراته ؟ ( وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )
وهل الطموح يكون في رفض الذات والتنكّر له ، ولبس ثوب غير الثوب المناسب ؟
ما الحدّ الفاصل بين الطموح والتهور ؟

هذه القصة تطرح كل تلك التساؤلات .. تقدم رأيين متباينين لها .. والكاتب وإن كان واضحاً أنه مال إلى صواب قرار البنفسجة ، إلا أن تلك التساؤلات ستظلّ ملتصقة بذهن المتلقي ..
والحقيقة أن الإجابة قد تكون صعبة .. إذ ليس كل القرارات تتخذ بطريقة منطقية ودراسة عقلية .. أحياناً تطغى العاطفة الجارفة ، تتلألأ العينان بمغامرة جامحة ..
يقول الدكتور عمرو شريف في كتابه ( خرافة الالحاد ) : ( إن عقول البشر لا تعمل بالطريقة التي يقول بها المناطقة ، فإذا كان اقناع رجلٍ بفكرة معينة (أ) يستتبعه منطقياً اقتناعه بالفكرة (ب) ، فإن الواقع يخبرنا أن هذا الانتقال المنطقي هو الاستثناء وليس القاعدة ! فالأعم الأغلب الانتقال بين الأفكار يتم عن طريق التداعي النفسي والايحاء ، إذن فهي انتقالات نفسية وليست منطقية ) .

لذا أرى أن قرار البنفسجة لم يكن صائباً وإن كانت فكرته عن الطموح صحيحة .. فهي قد رفضت ذاتها ، وقللت من شأن دورها في الحياة .. فالتغير لا يعني الانسلاخ من الهوية ، والاغترار بالمظاهر ، والانجراف وراء الصور الخادعة ..
خطّ دقيق .. يفصل بين الطموح والتهور .. فليحاذر المرء من تجاوزه !

فوزي الشلبي
28-11-2014, 06:52 AM
الأديبة النبيلة الأريبة ربيحة:
تحية محبة وتقديرٍ وود..

لست ممن يحسنون النقد..ولعلمي أني ساكون كالبنفسجة التي تحولت وردة فتساقطت اوراقها أمام الأنواء..لكنه حضرني موقفان:
1. ظننت أنني طفل صغير أستمع لحكاية من حكايا جدتي!
2. لقد كان لنا في آي القرآن الكريم أسوة فيما نص عن قارون والذين تمنوا مكانه أمس..وكيف خسف الله به وبداره الأرض..وكيف اعتبر السعيد بغيره والشقي بنفسه!

تقديري الكبير وخالص دعائي

ربيحة الرفاعي
02-12-2014, 03:03 AM
كنا ننتظر حوارا أكثر تفاعلا يا أدباء الواحة
النص ميدان واسع لمساقط نقدية تستحق بهاء حضوركم وتحتمل أن نتحاور

دمتم رموزا للألق

تحاياي

نداء غريب صبري
06-12-2014, 12:07 AM
من حيث المضمون أجد أن الكاتب استطاع أن يعرض لنا وجهات النظر المختلفة من فكرة الطموح والمبالغة فيه التي قد تؤدي للخسارة في نظر الآخرين، وكان ذكيا في توصيل رأيه الشخصي على لسان البنفسجة لأنها هي من سيقول الكلمة الفاصلة، وترك لبقية البنفسجات وللقراء في نقدهم للنص أن يقولوا الرأي المغاير
وكذلك فقد كان ناجحا جدا في بناء القصة بحيث يظل دوران السرد حول موضوع طموح البنفسجة دون إطاله تؤدي للملل ولا تكثيف يقتل الغرض أو يضيّعه

الخاتمة كانت قوية وكانت تصرخ في القراء تتحدى القراءة المتوقعة منهم باعتبار البنفسجة الطموح خاسرة


فرفعت مليكة طائفة البنفسج قامتها ومدّت أوراقها ونادت رفيقاتها قائلة : تأمّلن وانظرن يا بناتي . انظرن إلى البنفسجة التي غرّتها المطامع فتحوّلت إلى وردة لتشامخ ساعة ثمّ هبطت إلى الحضيض. ليكن هذا المشهد أمثولة لكنّ.
عندئذ ارتعشت الوردة المحتضرة واستجمعت قواها الخائرة وبصوت متقطع قالت:
ألا فاسمعن أيتها الجاهلات القانعات ، الخائفات من العواصف والأعاصير . لقد كان بإمكاني أن أعيش نظيركن ملتصقة بالتراب حتى يغمرني الشتاء بثلوجه وأذهب كمن يذهب قبلي إلى سكينة الموت والعدم قبل أن أعرف من أسرار الوجود ومخبآته
فتمرّدت نفسي على نفسي وهام وجداني بمقام يعلو عن وجداني
وسكتت الوردة هنيهة ثمّ زادت بلهجة مفعمة بالفخر والتفوّق:
لقد عشت ساعة كملكة . لقد نظرت إلى الكون من وراء عيون الورود، وسمعت همس الأثير بآذان الورود ، ولمست ثنايا النور بأوراق الورود . فهل بينكن من تستطيع أن تدّعي شرفي؟
ثمّ لوت عنقها، وبصوت يكاد يكون لهاثاُ قالت:
أنا أموت الآن . أموت وفي نفسي ما لم تكنه نفس بنفسجة من قبلي . أموت وأنا عالمة بما وراء المحيط المحدود الذي ولدت فيه ، وهذا هو القصد من الحياة . هذا هو الجوهر الكائن وراء عرضيات الأيام والليالي.
وأطبقت الوردة أوراقها وارتعشت قليلاً ثمّ ماتت وعلى وجهها ابتسامة علويّة – ابتسامة من حققت الحياة أمانيه – ابتسامة النصر والتغلّب – ابتسامة الله.


لكن النص حمل رسالة أخرة متوارية أعتقد أنها لا دينية ظهرت فيما وراء بعض الجمل وكانت أبرزها قول جبران

وما زلت أتمرّد على ذاتي وأتشوّق إلى ما ليس لي حتى انقلب تمرّدي إلى قوّة فعّالة واستحال شوقي إلى إرادة مبدعة فطلبت إلى الطبيعة – وما الطبيعة سوى مظاهر خارجية لأحلامنا الخفية– أن تحولني إلى وردة ففعلت ، وطالما غيرت الطبيعة صورها ورسومها بأصابع الميل والتشويق .
فقد قرأت في هذه الجملة توجيها مباشرا لفكرة التطور الطبيعي المتصلة بأكذوبة الخلق التلقائي

شكرا لأستاذة ربيحة الرفاعي لطرح هذا الموضوع الذي يمكن اعتباره دورة تدريبية في القراءة النقدية لمن يرغب بالاستفادة
أنا سأكون تلميذة مواظبة في هذا الفصل

بوركتم

خليل حلاوجي
07-12-2014, 01:08 PM
النص يطرح موضوعًا مكررًا من حيث الفكرة ولكن صياغته السردية سرقت من المتلقي تركيزه من خلال التشبيهات المتكررة ...

الحوار كان هادئًا ومجديًا لولا أن المتلقي يعيش عصر السرعة الفائقة وعصر الومضة .. وكان الأجدى أن يختصر النص رغم تماسكه المذهل ..

هذا النص أقرب للحوارية من الاسترسال في الحدث .. بل وحتى النهاية جاءت متوقعة من قبل المتلقي وهو يمارس قراءة متعددة الأوجه فيقرأ تارة النص شاعريًا وتارة أخرى قصصيًا .. وثالثة قراءة فلسفية ..




بالغ تقديري.

فاطمه عبد القادر
30-12-2014, 02:53 AM
السلام عليكم
من غير الانصاف أن أعدّل أنا خلف جبران ,فقد كان شاعرا فذا ,وفيلسوفا عظيما ,ورساما أثيريا رائعا ,رحمه الله.
ولكن ,,عفوا جبران فأنت الذي تريد للبنفسج ,أن يحدق في الورود المتطاولة,
أراد جبران هنا أن يتكلم عن الشجاعة ,لذا من الأفضل للعنوان أن يكون البنفسجة الشجاعة وليس الطموحة ,
فالطموح من الواجب أن يتدخل به العقل ,
فيدرس نسبة النجاح من الفشل قبل الإقدام ,فلو حصلنا على نسبة 50 /100 فهذا جيد وإلا كان الإقدام مقامرة مدمرة,
والبنفسجة أرادت تحقيق طموحها وبعد ذلك الموت الأكيد .
حتى من مشى على القمر خطوات كانت الأولى في تاريخ الكون لم يغامر بهذا الشكل الجنوني ,
بل كانت فعلة البنفسجة شجاعة خارقة أقرب للمغامرة, والحقيقة فالإنسان يحتاجها مرة ومرة .في حياته.
تحقيق الطموح لا يتحقق بهذة الشجاعة المتهورة .
كانت البنفسجة بلهاء ,
ولا يشفع لها إلا هدفها النبيل فقط ,ولو كان هدفها غير نبيل لقلنا أنها مقامرة ,وليست طموحة .
القصة كانت رائعة جدا جدا من حيث السرد والجماليات في الوصف وانتقاء الألفاظ الساحرة ,
ولكن كلمة واحدة أحتج عليها وهي وصف البنفسجة لنفسها بالحقيرة ,
هذا الوصف لا ينطبق أبدا على البنفسجة لأنها صغيرة , ,ملتصقة بالأرض نعم ,ولكنها ليست حقيرة على الإطلاق ,
كم من العظماء في قلوبهم وأخلاقهم وتصرفاتهم وأفعالهم عاشوا وماتوا ولم يعلم عنهم أحد !
الحقير هو الخفاش مصاص الدماء ,والجرذ الذي يعيش في المجاري ,والضبع الذي يرمرم الجيف ,
أما البنفسجة صاحبة اللون الرائع والعطر الفواح لا توصف بالحقارة فهذا ظلم ما بعده ولا قبله .
بالنهاية كانت القصة غاية وآية في الجمال والروعة .
شكرا لك ربيحة العزيزة
ماسة

ربيحة الرفاعي
07-01-2015, 01:42 AM
ماذا لدينا أيضا ؟
- البحث في الأساليب الفنية المستخدمة في النص ..تشخيص تشبيه ‘ إستعارة، رمزية، حوار ....
تعالوا بنا نتحدث في هذه الجزئية من قراءة النص
فالقصة رمزية كما نرى جميعا طالما أن الكاتب اعتمد شخوصا غير إنسانية لتمثيل مواقف ذات دلالات تؤدي لمواقف إنسانية، وبما أنها قصة رمزية فسيكون النص زاخرا بالتشخيص والتشبيه والاستعارة في جمله وأحداثه من مثل:
قالت البنفسجة متنهدة
اهتزت الوردة ضاحكة
ما أغباك بين الأزهار
مدت الطبيعة أصابعها الخفية السحرية
أم سلبت عقلَك العظمة الفارغة .
استجمعت قواها
كان الاكتفاء حاجزا منيعا


والحوار كان على مراحل بين شخوص النص الثلاث
1- البنفسجة - وهي الشخصية المدورة أو الرئيسية
2- البنفسجات والوردات ومن ضمنها مليكة طائفة البنفسج - وهي الشخصيات المسطحة في النص ذات العبور السريع أو الواهي المكمل للفكرة أو الحدث
3- الطبيعة - وهي أيضا من الشخصيات المسطحة


ولهذه الفنيات أثرها الساحر على السرد، بما تضفي عليه من جمال وتصويرية تستدعي التأمل وتحث على الغوص في عمق اللوحة بدلالاتها واستشعار معانيها


هل من لديه زيادة هنا؟