المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : احتراق نجم



تبارك
09-12-2014, 08:20 PM
"خاطرة لم تبلغ الغاية"






كل ذلك لم يكن يعني لك أي شيء، لم تكن متورطا فيه عاطفيا، لم يكن حلم حياتك!
ِ
كانت الأيام قد دارت دورتها معك، وكنت أكثر الناس رغبة في الطمأنينة والسلام، لم يلهمك قلبك اليافع وخاطرك المسالم إلا أن تساير الدنيا، حتى لأجل حلمك أنت لم تكن ترغب في القتال! هذا كله حولك إلى مقاتل! لست أدري كيف يصيغ الإنسان حياته بتلك الطرق العجيبة ولا كيف يعيش تلك التناقضات المتسقة! ولست بدعا من الناس، كلنا كذلك.
ِ
لكنك عندما أركعتك رصاصة طائشة في غير ساحة حرب، وسط الظلال المتراقصة والصمت المتشح بالظلمة، عندما تعثرت خطواتك المرسومة بالدم نحو جدار قريب، ودون زفرات ولا صراخ، ودون أن يشعر بك أحدٌ، نزفتَ هناك في العتمة حتى الموت محروما من الرفقة، من عينين مشفقتين، من هلع الأحبة وذعرهم، من محاولاتهم اليائسة لإنقاذ روح ترفرف بكل ما فيها لتتحرر من قضبان الجسد، من صدر يتكئ رأسك المثقل إليه، من كفين تبعثان بعض الدفء في كفيك اللتين جمدهما النزيف، من قلب ينصت لك للمرة الأخيرة وأنت تتأمل في الحياة، من صوت بشري يبدد عنك بعض غربة الاحتضار، من روحٍ تراقبُ بخوفٍ وذهولٍ وتشتتٍ تلك النظرة المطمئنة والبسمة الراضية وهما تتمددان في ملامحك الدمثة مع تمدد الموت فيها، من شهقة تتمازج بشهقتك الأخيرة!
ِ
موتك المفاجئ البطيء المتعثر وحيدا شابا بعيدا عن كل أحلامك وأمانيك، أعزل من كل شيء وشخص أحببته، موتك بتلك الصورة البعيدة كل البعد عن الحياة والممات اللذين تمنيتهما وحلمت بهما، البعيدة كل البعد عن موتٍ هادئٍ مسنٍ محاطٍ بالأبناء والأحفاد والحب، والبعيدة كل البعد عن موت يهز الدنا لإنسان عاش يهزها وكان يستحق ذاك الاهتزاز وتلك الرعشة، كل ذلك وضعني أمام حقائق عارية جدا، عارية أكثر مما يجب، وكأنه رماني في بحيرة مغطاة بالجليد: لا أجد إلا عتمة مضيئة وبردا قاتلا ويأسا مرعبا وذعرا مشتتا وموتا لا تتخلله لمحة من حياة!
ِ
// ما هي الحياة؟ ما هي العظمة؟ من أجل ماذا ذاك التنافس والتصارع وتلك اللهفة؟ ما هي الدنيا؟ من نحن؟ وما حيواتنا؟
ِ
ما أشد تفاهة الإنسان وغروره عندما يخيل إليه أن غاية حياته أن يبني لنفسه مجدا!! وأنه إن أراد فستتضافر معه الأكوان لتحقيق ذاك المجد الشخصي! وما هو إلا هباء! لحظةٌ عابرةٌ في التاريخ، كينونةٌ عابرة في الوجود، نغمةٌ عابرة في الجوقة، بتلةُ وردٍ تسقط منسية بصمت.
كُلُّه وطموحاته وحروبه الخاصة وأطماعه وخططه وسهره وجده ولهوه، كله وكل ذلك ومضة واحدة من ضوء في نهر من الأنوار لا أكثر، فلا يقتلنه الغرور! لا يصدقن أنه محور للحياة ولا أنها تُعنى برضاه أو سخطه.
كينونةٌ عابرةٌ لا قيمةَ لها... إلا إذا كانت قطرة... تسعى بجد لتكون من السيل الذي بالكل يغير الكثير، أو من النهر الذي بالكل يحيي الموات. مهما كان مهما كان مهما كان، إن لم يكن جزءا من الإنجاز للكل، سيكون الأمر بعدما تُحطِّمُ روحُه الأقفاص وكأنه لم يكن قط!
ِ
عاش لأجله، ومات لأجله، لا أكثر!
ِ
ما أهون هكذا حياة! ما أضيع! //
ِ
إحساس الخسارة والمرارة بعد موتك، تلك الصدمة المروعة ونحن نجدك غارقا في بركة من دمك، مستكينا صامتا، بعينين مليئتين بالمعاني والأحلام المذبوحة، وبسمة مرتعشة بردا مملوءة بالرضا والتسامي، وأنامل تمتد للبعيد.. للمجهول..
وكأنك كنت تشفق علينا من موتك، ومن الحياة بعدك، وكأنك كنت تلاقي ما طال بحثك عنه، وكأنك كنت تجد كل هذا الزحام الذي يغيبنا ويعشي أبصارنا وأفئدتنا مجرد ضجيج فارغ تتوق للخلاص منه!
لم تكن تتوق للموت، لكنك لم تكن تريد هذه الحياة!
كل ما تمنيته كان السلام والسكينة والرقي!
وهو كل الذي لم تجد سبيلا إليه!
ِ
كل ذلك لم يكن يعني لك أي شيء، لم تكن متورطا فيه عاطفيا، لم يكن حلم حياتك!
ولم يلهب خيالك يوما حلمٌ بأمجاد تعنون باسمك، لم يستغرقك الطموح المغرق بالغرور، لم تستهلكّ الأنانية، لكنك لما حوصرت في تلكم الحياة عشتها بكل فيها وكل ما فيك، كنت صادقا في كل لحظة، وحتى اللحظة الأخيرة، كنت عظيما، ووصلت إلى الذي لم يصل إليه من كانت تلك الأضواء منتهى آمالهم... فقط لأنك كنت تحيا بصدق، وبكل جارحة من جوارحك، وكنت تخلص في إتقان كل ما ترميك الحياة به أحببته أم لا، لم تسمح للتقبل من عدمه أن يكون حجر عثرة في دروبك، كان الإتقان هو كل ما تبقى لك مما ترتضيه في الحياة.
ولست أدري لماذا، لكن الإتقان أيضا وحده هو ما يخطر على بالي عندما أستحضر عيني موتك اللتين كانتا بخلاف أعين الموتى الخاوية من التعبير، مليئتين بالكلام الذي ظلت تردده أفعالك طوال حياتك.""

فاطمه عبد القادر
10-12-2014, 01:29 AM
// ما هي الحياة؟ ما هي العظمة؟ من أجل ماذا ذاك التنافس والتصارع وتلك اللهفة؟ ما هي الدنيا؟ من نحن؟ وما حيواتنا؟ِ
ما أشد تفاهة الإنسان وغروره عندما يخيل إليه أن غاية حياته أن يبني لنفسه مجدا!! وأنه إن أراد فستتضافر معه الأكوان لتحقيق ذاك المجد الشخصي! وما هو إلا هباء! لحظةٌ عابرةٌ في التاريخ، كينونةٌ عابرة في الوجود، نغمةٌ عابرة في الجوقة، بتلةُ وردٍ تسقط منسية بصمت.
كُلُّه وطموحاته وحروبه الخاصة وأطماعه وخططه وسهره وجده ولهوه، كله وكل ذلك ومضة واحدة من ضوء في نهر من الأنوار لا أكثر، فلا يقتلنه الغرور! لا يصدقن أنه محور للحياة ولا أنها تُعنى برضاه أو سخطه.


السلام عليكم
كانت جمالية النسج هنا سلسة وأخاذة.
وكانت اللغة أنيقة ,والتعبير رائع ,وهناك بلاغة واضحة ,
ثم هي قريبة من القلب ,
كأن هذه المقطوعة كانت جزء من رواية ,
خطاب للنفس, أو لشخص معين بالذات ,وطبعا ستكون خطابا لأشخاص لهم نفس الظروف .
في النهاية ,,أعجبتني كثيرا جدا
شكرا لك
ماسة

ربيحة الرفاعي
12-12-2014, 12:52 AM
تهديف دقيق بفكرة عميقة ذات رؤى عليا جسدها حديث للنفس في لحظة رحيل
اللغة لافتة والتعابير قوية مؤثرة بأداء جميل
عاز النص شئ من المراجعة لضبط بعض عثرة شابته

دمت بخير

تحاياي

تبارك
13-12-2014, 08:51 PM
العزيزة فاطمة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
كان يفترض أن تكون جزءا من رواية، كان الموقف كله يفترض أن يكون كذلك، لكنه مشروع تم تأجيله حتى فقد روحه، وبقي منه فقط لقطات كانت سبب تفكيري في تجربة فن الرواية لكنها فقدت تلك الحرارة التي تدفع للكتابة، حتى حدث ما أيقظ إحدى تلك اللقطات في نفسي، فنثرتها كما جاءت وفاء لحامل الشعلة.
لأنك تلمست ذلك وجدتني أدين لك بهذه الكلمات، وليتني أعرف كيف فعلتِ :). لا أخفيك دهشتي وانبهاري!

شكرا لك، كل الشكر
تحياتي وكل التقدير

تبارك
13-12-2014, 09:02 PM
العزيزة ربيحة

بعض المواقف أو الأحداث أو الذكريات تستمر في التوقد في نفس صاحبها كجمرة تنتظر لتصبح نارا
هذا التوقد يلح عليه ليعبر عنه، ليحكيه، ولكل طريقته في التعبير
لكن حكاية هذا النص ظلت تتوهج بصمت سنوات عدة حتى أنهكتني، وكان توهجها يحفظها في الذاكرة دائما لكنه يعجزني عن كتابتها
لذلك حين كتبت ما كتبت سارعت لنشره -ببعض ركاكته أحيانا- كما هو قبل أن تتاح له الفرصة لمزيد من الإنهاك :) وأرحت ضميري بأن سبقته بقولي: لم يبلغ الغاية :)

لك كل التحية والود

خلود محمد جمعة
15-12-2014, 06:49 AM
يتوقف الزمن في لحظة ليرسم زمنا آخرا يولد ويكبر فينا
وفي نقطة ما لا تستطيع التقدم تقف كثيرا وتفكر مليا وعند رحيلك تنسى قلبك وعيونك عند تلك النقطة
هناك صورة ترتسم في الذاكرة ومع مرور الزمن تتضح ، تلتصق حتى تخالها أصبحت من مكونات العقل وتتحكم في عدد نبضات القلب
بوح محلق وعميق بلغة وارفة الجمال وصور بالغة الدقة وتعبير أبحرنا معه الى البعيد ولم نعد
من اجمل ما قرات
كل التقدير

تبارك
23-12-2014, 08:26 PM
العزيزة خلود

أجل، تلك اللحظة التي تتوقف أرواحنا أمامها، ونكمل حياتنا ونحن نجذب الروح وراءنا فيما شيء منها يتشبث باللحظة!! يطلبها إلى حد أن يتخلى عنا!
وتلك المواقف التي تتقمصنا مدى الحياة، فتتصرف بدلا منا وتتكلم بدلا منا وتغلبنا أحيانا أو غالبا على أمرنا!
وذلك الدفء الذي عانقني من بين كلماتك، وليست تفيه أحرف "شكرا" حقه!

سعدت بك ... شكرا

نداء غريب صبري
02-04-2015, 10:22 PM
أدبك جميل وأسلوبك ممتع ولغتك رائعة
النسج الأدبي مميز
وهناك بعض الأخطاء

شكرا لك أختي
بوركت

كاملة بدارنه
04-04-2015, 06:10 PM
ما هي الحياة؟ ما هي العظمة؟ من أجل ماذا ذاك التنافس والتصارع وتلك اللهفة؟ ما هي الدنيا؟ من نحن؟ وما حيواتنا؟
تساؤلات تعصف بأذهاننا حين نقف على عتبة الحياة لنحدّد غايتنا منها !
لكلّ هدف وطريقة لتحقيق ما يصبو إليه، وما يطمح له لتخليد ذكراه
نصّ هادف
بوركت
تقديري وتحيّتي

رويدة القحطاني
20-06-2015, 05:06 PM
ولست أدري لماذا، لكن الإتقان أيضا وحده هو ما يخطر على بالي عندما أستحضر عيني موتك اللتين كانتا بخلاف أعين الموتى الخاوية من التعبير، مليئتين بالكلام الذي ظلت تردده أفعالك طوال حياتك.

هذا حرف جميل ونثر مؤثر جدا في النفس ولا أراه إلا بلغ الغاية وحقق الأرب
شكرا لك أيتها الأديبة

ناديه محمد الجابي
30-10-2016, 04:27 PM
عجبت للإنسان في فخره
وهــــو غداً في قبره يُقبر

ما بال مـــن أوّلـه نـطفـة
و جيفــــة آخـــره يفــجــر

صبح لا يملك تقديم مـــا
يرجو ولا تأخير مـا يحدر

و أصبح الأمر إلى غيره
فيكلّ ما يقضى و مايقدر

يقول الحسن البصرى :((عجبت لابن ادم يتكبر على الله وهو حفنه من تراب تداس بالاقدم
اوله نطفة مذرة واخره جيفة قذرة وهو بين هذا وذاك يحمل فى جوفه العذرة
تنتنه عرقه وتقتله ... شرقه))

معان نبيلة وفلسفة عميقة وشعور صادق متدفق وفكر ناضج ولغة عالية رفيعة
نص بديع التصوير محكم الصياغة لونته إنسانية حس وسموق طرحك وجمال حرفك
فتألق بروعة القول. :001: