تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ابن الجيران



هَنا نور
13-12-2014, 08:08 AM
ابن الجيران ( قصة من أرشيف ثورة )

لا أدري متى أحببتُك.. هل عندما اندهشت طفولتى وأنا أغوصُ في زرقةِ عينيكَ، أحاول أن أعرف لماذا هما مختلفتان عن كل العيون التى أراها وتراني؟ أم عندما ابتهج صباي بابتسامةٍ منك، وامتلك طيفُك الباسم كل مساحات خيالي؟ هل أحببتُكَ يومَ رأيتُك الأجملَ بين الجميع؟ أم أنني رأيتك هكذا لأني أحبُك؟

سمعتُ الزغاريد تنطلقُ من بيتكم، فانقبض صدري وانتابني حزنٌ شديد.. خرجتُ إلى شرفتي لعلى أراك.. ورأيتُك وقد تركتَ كل المهنئين ووقفتَ وحيداً في شرفتك، شارداً مهموماً .. والتقت عينانا، ولكني لم أهرب كما كنتُ أفعل كل مرة.. أردتُ أن أملأ عيني منك، وأن أتزود لوحشةِ أيامٍ قادمة.. ابتسمتَ لي، فهربتُ منك من جديد.

دق جرس نهاية اليوم الدراسي، وخرجتُ أحتضن حقيبتي وأخذتُ طريقي إلى البيت. وفي منعطفٍ عند نهايةِ سور المدرسة ظهرتَ أمامي فجأة.. تسمرتُ في مكاني، وتوهجت وجنتاي، و تسارعت دقاتُ قلبي، وصمَّت أذناي فلم أعد أسمع شيئاً، واختفي كلّ شيء من حولي، واختُزلت كلُّ الألوان في اللون الأبيض الذي كنت ترتديه.. بادرتني بابتسامتك الآسرة، وأمسكتَ يدي عندما هممتُ بالهروب.. لكنني هربت.

رميتُ بحقيبتي على السرير وأسرعتُ إلى الشرفة لأراك.. رمقتني بنظرةِ عتاب: أهكذا يكون استقبالك لي بعد خمسةٍ وأربعين يوماً من الغياب؟

توالى غيابك، وتباعدت وقصرت فترات حضورك .. وتلاشت ابتسامتك شيئاً فشيئاً.. حتى عيناك المدهشتان اعتقلتَهما خلف نظاراتٍ سوداء. ماذا فعلت بك البدلةُ البيضاء؟

كنتُ أهرب من هجيرِ غيابك إلى واحة الأحلام حيث أنا وأنت معاً نضيفُ إلى قاموس الحياة معاني جديدة للسعادة .. كنتُ في أسعد أحلامي أراني وأنت، بثياب الزفاف، وقد تناثرت حولنا الزهور من كل الألوان، وعبقت روائح البخور بالهواء من حولنا، وحجبتنا أدخنتها العاطرة عن العيون، وأنا غارقة في زرقة عينيك بنفس الدهشةِ الطفولية القديمة، وأنت تحيط خاصرتي بذراعيك كي لا أعاود الهروب..

وتحقق حلمي.. وجاء يومُ زفافي.. والتقينا بعد سنين الغياب.. وعندما أمسكت يدي، لم أر من وجهك سوي عينيك الزرقاوين المدهشتين.. ولم تر من وجهي سوى عينين ألهبهما دخان الغاز المسيل للدموع.. طوقت خاصرتي بإحدى ذراعيك، وكانت الأخرى تفرق بالسلاح جموع الثائرين .. وعندما أفقتُ من دهشتي حاولتُ الهروب.. أي قوةٍ تلك التي دفعتُك بها فأسقطَتك وحررَتني من أسرك؟ ... هل كان يجب عليّ حينها أن أنزع الكمامة عن وجهي لتعرف أنني أنا جارتك الحبيبة، قبل أن تخترق الرصاصة قلبي لتفرغه من حبك إلى الأبد؟

خلود محمد جمعة
14-12-2014, 11:21 AM
بسرد ماتع وحبكة محكمة وأسلوب شائق الى نهاية رسمت اللم بالاحمر العريض
للقدر فلسفة لا يعلمها الا هو
جميلة حد الحزن
كل التقدير
بوركت

عبد السلام دغمش
14-12-2014, 08:24 PM
تلك الملابس البيضاء كانت تخفي داخلها زي العسكري..

أما قصة الحلم الذي لا يزال يعيش في البطلة .. فلم يقض عليه الا رصاصات الظلم وهي تنطلق ولا تميز بين حق و باطل .
الأخت هنا : قصة جميلة و سرد قوي .
كان أسلوب الحوار والخطاب المباشر بليغا في إيصال دلالات النص .
تقديري و تحيتي .

آمال المصري
17-12-2014, 09:49 PM
مافعلته البذلة البيضاء به ربما كشفت وأزاحت عنه قناعا حاول اخفاء ملامحه وراء نظارته السوداء ولكن أراد الله أن يريها ذلك من وراء كمامتها وهي تُزفّ للشهادة
موجعة بلغة رشيقة ماتعة فشكرا لك أديبتنا الفاضلة ونهاية مباغتة أجدت من خلالها نقل الصورة
تحاياي

فاطمه عبد القادر
20-12-2014, 02:03 AM
أي قوةٍ تلك التي دفعتُك بها فأسقطَتك وحررَتني من أسرك؟ ... هل كان يجب عليّ حينها أن أنزع الكمامة عن وجهي لتعرف أنني أنا جارتك الحبيبة، قبل أن تخترق الرصاصة قلبي لتفرغه من حبك إلى الأبد؟

السلام عليكم
ما عرفها ,,ولا أحس بحبها ,
تعامل معها كما يتعامل مع حجر أصم ,
قصة جميلة تحكي عن تجمد المشاعر الآدمية في أوقات الحروب ,
واجبه قد ألغى كل شيء من مشاعره ,حتى واجبها تجاه وطنها ,
ما أقسى هذه الدنيا ,
ارتاحت منها ومنه ,
لها الجنة ان شاء الله
ماسة

ربيحة الرفاعي
25-12-2014, 01:32 AM
"طوقت خاصرتي بإحدى ذراعيك، وكانت الأخرى تفرق بالسلاح جموع الثائرين"
هذه الصورة وحدها حكاية موجعة اختصرت مشاهد من الثورة
والزي الأبيض ليس فقط لكوادر الخدمات الطبية كما خيل لي في بداية النص، فهو في خاتمة النص يتكشف عن زي رجل الأمن الذي فرّق بسلاحه جموع الثائرين ... فهل خرجت من فوهة سلاحه هو تلك الرصاصة التي أنهت حياتها؟

يعجبني سردك الشائق يا هناء، وقدرتك على الإمساك بخيوط الحبكة وفرض سلطان حرفك على القارئ يحمله إلى حيث يريد النص بفكرته ..
الخاتمة صاعقة ومؤثرة

دمت بخير غاليتي

تحاياي

كاملة بدارنه
27-12-2014, 10:01 PM
نهاية مؤثّرة!
سرد جاذب غنيّ بالصّور والأوصاف العبّرة
أمسكت بالأنفاس حتّى النّهاية
بوركت
تقديري وتحيّتي

رويدة القحطاني
02-01-2015, 12:03 AM
أعجبتني فكرتك وأسلوبك
لكني لم أفهم لماذا طوق خصرها بذراعة، هذه حركة محب وليست طريقة الشرطي في جرّ معتقلة!

د.حسين جاسم
27-01-2015, 12:58 PM
قصة كتبت باحتراف، وفكرة قادمة من خيبة الشعوب بأجهزة الأمن الوطنية
سرد مشوق وحبكة قوية وخاتمة صادمة
أحييك

ناديه محمد الجابي
07-04-2016, 10:01 PM
نص مائز بسرديته الرائعة ولغته السامقة وخاتمته المباغتة
قص محترف وكاتبة متمكنة وسرد قوي مشوق لقصة
مليئة بالإثارةـ معبرة ومؤثرة ومؤلمة
لك التحايا العاطرات وكل الأعجاب. :001:

سلوى سعد
08-04-2016, 11:14 AM
قصة جميلة وحزينة، وكلمات مبدعة وأسلوب رائع
كان متخفي ويتنكر أمامها بملابسه ونظاراته
ولم تكتشفه على حقيقته إلا عندما تنكرت وأرادت الكمامة بسبب الغاز المسيل للدموع . قصة احكي واقعا موجود في حياتنا
كل الشكر والتقدير لك

أحمد حسن
09-04-2016, 06:30 PM
في متاهات الحياة قد يولد "حُب" ولكنه قطعا يموت فيها..... نص وجداني جميل تحيتي لك أستاذة هناء

سحر أحمد سمير
10-04-2016, 08:02 AM
خاتمة قوية لقص مشوق و قلم بارع ..الزي العسكري حتَّم عليه تنفيذ الأوامر بحذافيرها دون الالتفات إلى حقوق الإنسان ..

راقت لي كثيرا ..دمت بروعتك أستاذة هنا ..

فائق احترامي لشخصك الكريم .