مشاهدة النسخة كاملة : الرّغّاي (قصة قصيرة)
محمد النعمة بيروك
19-12-2014, 01:47 PM
الرّغّاي
قصة قصيرة
محمد النعمة بيروك
يدعونه “الرّغّايْ” ويتأفّفون منه ومن صرخاته المفاجئة التي لا يفهمها أحد، والتي يُحدثها منذ صغره، وربّما منذ ولادته، حين أطلّ على هذه الدّنيا بتشوّه خِلقي بالغ في الذهن.
يُرى على حافّات الأرصفة تحت وهج الشمس الحارقة، بدل الظل الذي لا يفصله عنه أحيانا غير بضع خطوات.
لا يغسل تلك البشرة المائلة إلى الدّكنة، رغم بياض كل أفراد أسرته، ولا ذلك الشعر الأشعث كصوف الكبش، إلا لِماما، حين تضغط أمّه بكلّ حنانها، لترغم إخوته لإجباره على الخضوع لحمام ساخن يتمّ بشقّ الأنفس، لكن ذلك لا يحدث إلّا مرة كل شهور، بسبب وهَن الأمّ، ولا مبالاة الأشقاء، واليوم حتى ثيابه صارت رثّة ومتّسخة، ولم تعد تُغسل تقريبا.
لا أحد يسأل عنه غير تلك المرأة الضعيفة التي تحضنه وكأنها لا تشتم رائحته النّتنة التي تلازمه، وتطعمه حينما يعود جائعا، حتّى أنّها تقبّله على خدّه الذي يعافه الجميع..
لا يعرف أحد كيف تفهم كلامه الغامض حدّ الهمهمة، وكيف تسعد بضحكاته الصّاخبة والمخيفة أحيانا، حين يكشف عن تلك الأسنان المهشّمة..
يكاد يكون ردّ فعله الوحيد هو التجاوب الفطري مع حالات الجوع والعطش، والتي يعبّر عنها بالصراخ والجري نحو المنزل، حيث يجدها تبتسم له وتكلّمه كالعادة، وهي التي تعرف أنه لن يجيب..
-أين كنت يا حبيبي
-خذ.. شَوَيْتُ اليوم لك اللحم الذي تحبّه..
"ما عْليش يا بني.. حالتك حالة، لكن اعذرني، ما عاد بي لك جهد."
وكأنّها لا تكلّمه، ينهمك في أكل الوجبة بنهم وهو يضحك أحيانا..
لكن تلك الأم لم تعد تستطيع الوقوف لاستقباله، فبدأ يدخل عليها وهي على فراش المرض، لتمدّه الأكلَ بيديها في كيس، هكذا أوصتهم، فهي تعلم أنها وسيلتها الوحيدة لرؤيته، فيخرج للبهو حيث يأكله بنهم.
إلى أنْ عاد -ذات يوم- يصيح كالعادة، فلم يجدها على الفراش، فرفض أن يتناول الكيس الموضوع عليه، بفعل من أحدهم، وربما بوصيّة من أمّه..
كانوا حينها قد دفنوها وعادوا، وكما كانوا دائما، لم يسأل أحد عنه، حتّى بعد مرور يوميْن كامليْن على وفاة الأم.
لكن جريدة الحوادث كتبتْ هذا الصباح أنّ “حارس مقبرة أطلق النار بالخطأ على رجل مجنون كان ينبش قبرا.. اتّضح أنّه لأمّه.
عبدالله عيسى
19-12-2014, 03:47 PM
صاحب السهل الممتنع . البيروك الجميل . رائع أنت كالعادة ..
تأتي بما لايخطر على بال أهل الابداع . جأت قصتك هذه في نفس التوقيت
التي مات فيه جارنا وترك أبنه المعتوه دون راع ليلاطمه الزمن . ربمـــــا
الرصاصة التي تشرف بها بطل قصتك جأت خيرا له ممن هو أقسى ..
أنها والله لقضية أنسانية كبرى .. وحجمها هو سر ضعفنا الإيماني ، بسبب
أهمال هذه الفئة حد الزجر والتنافر ومن أقرب المقربين ، دون الأم التي لن
تضل أمومتها أبدا ... تحياتي أديبنا الرائع
محمد النعمة بيروك
19-12-2014, 11:13 PM
صاحب السهل الممتنع . البيروك الجميل . رائع أنت كالعادة ..
تأتي بما لايخطر على بال أهل الابداع . جأت قصتك هذه في نفس التوقيت
التي مات فيه جارنا وترك أبنه المعتوه دون راع ليلاطمه الزمن . ربمـــــا
الرصاصة التي تشرف بها بطل قصتك جأت خيرا له ممن هو أقسى ..
أنها والله لقضية أنسانية كبرى .. وحجمها هو سر ضعفنا الإيماني ، بسبب
أهمال هذه الفئة حد الزجر والتنافر ومن أقرب المقربين ، دون الأم التي لن
تضل أمومتها أبدا ... تحياتي أديبنا الرائع
شكرا لقراءتك العميقة وألمك الذي ينبلج من بين السّطور
تلك هي الحياة، قد يبدو ظاهرها قاسيا، لكن لله حكمته في كلّ شيء..
هذه مجرد التفاتة إلى الذين وُلدوا في هذه الدنيا بأذهان مختلفة وناقصة، فاعتقد البعض أنهم بلا شعور..
شكرا جزيلا لمرورك المشرِّف المبدع عبد الله.
آمال المصري
21-12-2014, 10:04 AM
سلاسة في السرد أنتجت لنا نص إنساني رائع تناول أحد حالات ذوي الاحتياجات الخاصة والذي يظن البعض أنه لاحاجة له حين أنه أجدر بالرعاية والاهتمام والاحتواء
ربما صادفني في الحياة نماذج أقرب لبطل النص ومن حوله وآلمتني أحوالهم كما آلمتني القصة هنا
أبدعت فكرا وحرفا أديبنا الفاضل
تحاياي
سلوى سعد
21-12-2014, 10:28 AM
قصة رائعة وجميلة جداً ، ينسجم الشخص مع أحداثها وكأنه يعيش القصة .
وقصة جديدة المضمون وكذلك شخصية بطل القصة جديدة .
شكراً لك أخي محمد على هذه القصة وعلى هذا الابداع .
محمد النعمة بيروك
22-12-2014, 10:54 AM
سلاسة في السرد أنتجت لنا نص إنساني رائع تناول أحد حالات ذوي الاحتياجات الخاصة والذي يظن البعض أنه لاحاجة له حين أنه أجدر بالرعاية والاهتمام والاحتواء
ربما صادفني في الحياة نماذج أقرب لبطل النص ومن حوله وآلمتني أحوالهم كما آلمتني القصة هنا
أبدعت فكرا وحرفا أديبنا الفاضل
تحاياي
وما يُفترض في الأدب سوى أن يكون مرآت تعكس ما نصادفه في الحياة..
سعيد أن راقت لكِ القصة الأديبة آمال..
شكرا جزيلا لكِ.
خلود محمد جمعة
24-12-2014, 10:20 AM
الأم التي تحمل هموم الارض دون ان تشتكي وقصة كفاح مع العائلة والمجتمع والمرض
المرض ونظرة المجتمع له
الحالة العقلية وكيفية التعامل معها
ومن بين طرح قضايا اجتماعية تسرد قصتك المؤثرة بسلاسة وجمال ومع تكرار هذه الحالة الا أن لرسم حروفك منحنيات أخرى
مؤثرة وجميلة
بوركت وكل التقدير
محمد النعمة بيروك
25-12-2014, 05:01 PM
قصة رائعة وجميلة جداً ، ينسجم الشخص مع أحداثها وكأنه يعيش القصة .
وقصة جديدة المضمون وكذلك شخصية بطل القصة جديدة .
شكراً لك أخي محمد على هذه القصة وعلى هذا الابداع .
hالشكر لكِ أنتِ أختي القارئة الحصيفة سلوى..
سعيد أن راقت لكِ القصة..
تقبلي فائق تقديري وامتناني.
ربيحة الرفاعي
28-12-2014, 05:10 PM
حتى بانعدام أدوات التواصل وإمكانات الفهم تبقى البوصلة قادرة على التأشير الدقيق إلى حيث قلبها يحمي الضعف ويحتوي العجز ويعين على التيه
قصة كتبت بإحساس وسموق تسديد ورفعة غاية واستدرت في خاتمتها دمعة غافلتني
دمت بخير أيها الرائع
تحاياي
محمد النعمة بيروك
30-12-2014, 02:00 AM
الأم التي تحمل هموم الارض دون ان تشتكي وقصة كفاح مع العائلة والمجتمع والمرض
المرض ونظرة المجتمع له
الحالة العقلية وكيفية التعامل معها
ومن بين طرح قضايا اجتماعية تسرد قصتك المؤثرة بسلاسة وجمال ومع تكرار هذه الحالة الا أن لرسم حروفك منحنيات أخرى
مؤثرة وجميلة
بوركت وكل التقدير
أحسنتِ أختي الأديبة خلود، حال ذلك الإنسان ليس مسؤولية أمّه وإخوته فقط، بل مجتمع كامل لم يوفر لذوي الاحتياجات الخاصة حتى ممرات آمنة في الشوارع والأزقة، بل أن البعض يعتقد أنهم بلا مشاعر..
سعيد أن راق لكِ النص أختي الأديبة.. شكرا جزيلا لكِ.
محمد النعمة بيروك
02-01-2015, 12:43 AM
حتى بانعدام أدوات التواصل وإمكانات الفهم تبقى البوصلة قادرة على التأشير الدقيق إلى حيث قلبها يحمي الضعف ويحتوي العجز ويعين على التيه
قصة كتبت بإحساس وسموق تسديد ورفعة غاية واستدرت في خاتمتها دمعة غافلتني
دمت بخير أيها الرائع
تحاياي
عندما تكون الشهادة من أديبة مثلك أختي ربيحة، فهذا مدعاة فخر كبير لي..
سعيد بتفاعلكِ مع القصة، رغم ما فيها من سجى..
شكرا جزيلا لكِ.
كاملة بدارنه
21-01-2015, 08:32 PM
بسرد سلس جاء باستعمال الفعل المضارع لعرض الحدث، يلفت نظرنا الكاتب أنّنا أمام حالة موجودة ومستمرّة. فاستعمال صيغة المضارعة يدلّ على الاستمراريّة.
وتبدأ الأحداث تحت تأثير الصّوت الذي غدا (موتيفا) وهو صرخة الطّفل منذ ولد.. هذا الطّفل البطل ذي الصّرخات المفاجئة في كبره، والتي لم تسعفه في الإعلان عن وجوده سوى أمام والدته، اليد الدّاعمة والملبيّة لحاجاته الفيزيولوجيّة والعاطفيّة!
ويستمرّ الصّوت بتأثيره على الأحداث من خلال عرض العلاقة مع الأم المتفهّمة له ولحاجاته: " وكيف تسعد بضحكاته الصّاخبة والمخيفة أحيانا"، ومن خلال عرض ردّ فعله وطريقته للحصول على طعامه: " يكاد يكون ردّ فعله الوحيد هو التجاوب الفطري مع حالات الجوع والعطش، والتي يعبّر عنها بالصراخ والجري نحو المنزل".
ويستمرّ تأثير الصّوت على الأحداث بصراخه حين عاد إلى البيت ولم يجد أمّه : " إلى أنْ عاد -ذات يوم- يصيح كالعادة، فلم يجدها على الفراش".
رافق الصّوت الأحداث حتّى الخاتمة ، حيث كان موته بطلقة، والطّلقة لاشكّ أنّ لإطلاقها صوتا .
وكأنّي بالكاتب يصرخ بالضّمير الإنسانيّ أن ينتبه لمثل هؤلاء، والّا يقتصر الاهتمام الذي يحظون به على الأمّ أو الأب فقط - مع أنّه مغيّب هنا. وأظنّ الأب هو السّلطة المغيّبة التي لا تهتمّ لأمور ذوي الاحتياجات الخاصّة.
عرضت لنا قضيّة اجتماعيّة إنسانيّة أخي الأستاذ محمّد
شكرا لك على جميل العرض وطرح الفكرة
بوركت
تقديري وتحيّتي
محمد النعمة بيروك
28-01-2015, 08:48 PM
بسرد سلس جاء باستعمال الفعل المضارع لعرض الحدث، يلفت نظرنا الكاتب أنّنا أمام حالة موجودة ومستمرّة. فاستعمال صيغة المضارعة يدلّ على الاستمراريّة.
وتبدأ الأحداث تحت تأثير الصّوت الذي غدا (موتيفا) وهو صرخة الطّفل منذ ولد.. هذا الطّفل البطل ذي الصّرخات المفاجئة في كبره، والتي لم تسعفه في الإعلان عن وجوده سوى أمام والدته، اليد الدّاعمة والملبيّة لحاجاته الفيزيولوجيّة والعاطفيّة!
ويستمرّ الصّوت بتأثيره على الأحداث من خلال عرض العلاقة مع الأم المتفهّمة له ولحاجاته: " وكيف تسعد بضحكاته الصّاخبة والمخيفة أحيانا"، ومن خلال عرض ردّ فعله وطريقته للحصول على طعامه: " يكاد يكون ردّ فعله الوحيد هو التجاوب الفطري مع حالات الجوع والعطش، والتي يعبّر عنها بالصراخ والجري نحو المنزل".
ويستمرّ تأثير الصّوت على الأحداث بصراخه حين عاد إلى البيت ولم يجد أمّه : " إلى أنْ عاد -ذات يوم- يصيح كالعادة، فلم يجدها على الفراش".
رافق الصّوت الأحداث حتّى الخاتمة ، حيث كان موته بطلقة، والطّلقة لاشكّ أنّ لإطلاقها صوتا .
وكأنّي بالكاتب يصرخ بالضّمير الإنسانيّ أن ينتبه لمثل هؤلاء، والّا يقتصر الاهتمام الذي يحظون به على الأمّ أو الأب فقط - مع أنّه مغيّب هنا. وأظنّ الأب هو السّلطة المغيّبة التي لا تهتمّ لأمور ذوي الاحتياجات الخاصّة.
عرضت لنا قضيّة اجتماعيّة إنسانيّة أخي الأستاذ محمّد
شكرا لك على جميل العرض وطرح الفكرة
بوركت
تقديري وتحيّتي
شكرا لكِ أنت أديبتنا الراقية كاملة بدرانة على هذه القراءة النقدية الوافية التي شرّفتِ بها هذا النص المتواضع، بدءا بالإشارة إلى زمن القصة، ومرورا بدور الأم واللمحة المدهشة في غياب دور السلطة الذي تبدّى لكِ في غياب الأب، وانتهاء بتأويل ولا أروع للصرخات التي تحوّلت إلى صرخات الكاتب نفسه ضد تهميش أمثال البطل..
إن هذه القراءة تثبتُ بحق كم هو مهم أن نضع النصوص بين أيدي الأدباء من أمثالك أختي بدرانة، حيث تُستنطق بروعة واقتدار..
شكرا مجددا وجزيلا على هذا الشرف الذي نلتُه بمقدرتكِ الرائعة على الاستنباط وقراءة ما بين السطور، فضلا عن حضورك وأدبك ونُبلك..
تقبلي فائق تقديري وامتناني.
ناديه محمد الجابي
19-04-2016, 10:49 PM
سيكون أي رد أكتبه غير ذي قيمة أمام القراءة النقدية الجميلة للعزيزة كاملة
ولكنى أحببت أن أعبر عن إعجابي بسردك الماتع والرسالة العميقة التي قدمتها
للفت الإنتباه إلى تلك القضية الإجتماعية الهامة ( ذوي الأحتياجات الخاصة)
بأسلوب مشوق وحرف هادف.
وأما الطلقة.. فكانها طلقة الرحمة التي رحمته من التعايش مع مجتمع لن يجد
فيه من يفهمه أو يرعاه.
قصة صارخة بالحق .. سلمت يداك. :0014:
محمد النعمة بيروك
23-05-2016, 04:30 PM
سيكون أي رد أكتبه غير ذي قيمة أمام القراءة النقدية الجميلة للعزيزة كاملة
ولكنى أحببت أن أعبر عن إعجابي بسردك الماتع والرسالة العميقة التي قدمتها
للفت الإنتباه إلى تلك القضية الإجتماعية الهامة ( ذوي الأحتياجات الخاصة)
بأسلوب مشوق وحرف هادف.
وأما الطلقة.. فكانها طلقة الرحمة التي رحمته من التعايش مع مجتمع لن يجد
فيه من يفهمه أو يرعاه.
قصة صارخة بالحق .. سلمت يداك. :0014:
سعيد بقراءتكِ ورأيكِ العام في القصة، وتأويلك العميق والمؤلم لرمزية الطلقة أديبتنا الرّاقية نادية..
شكرا جزيلا.
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir