فوزي الشلبي
22-12-2014, 02:15 PM
خلودُ روح!
ابتسمَ للسَّماءِ عندما دهمتهُ السَّيارةُ، فانهمرتْ على فقدِهِ السماءُ وقد أودعهُ أهلوهُ القبرَ وأروتِ الدُّموع الثَّرى.
كانَ الحاجُّ صالحُ قطرةً من ذلكَ البحرِ الهادرِ الَّذي تتَّجِهُ أمواجُهُ إلى شاطئِ اللُّجوءِ. حيثُ تساوى في اقتسامِ المحنةِ الغنيُّ والفقيرُ، والصَّغيرُ والكبيرُ، فاهتمَّ لذلكَ كثيراً.
حديثُ نفسٍ؛ لولا أنَّ الفقيرَ ليسَ كالغنيِّ في افتقادِ بيتٍ أثيرٍ، وعقارٍ رفض َأن يخليَهُ بثمنٍ باهظٍ للوكالةِ اليهوديَّةِ ..فما زالَ رنينُ الذَّهبِ عالقاً في ذهنهِ عندما عرضَ عليهِ السِّمسارُ العربيُّ الذي توظِّفهُ الوكالةُ لشراءِ العقارِ والأراضي..
قالَ السِّمسار: دكانك هذا يا حاجًّ صالحُ لا يساوي خمسمائةِ جنيهٍ فلسطينيٍّ..ونحن نعرضُ عليكَ عشرةَ آلافٍ...وسنجزلُ لكَ أكثرَ، إذا بعتنا بيتَكَ..لكنَّهُ دونَ تفكيرٍ انعقدَ لسانُهُ فهرعَ إلى هراوتهِ لتكونَ أفصحَ لساناً، وأوفى ردّاً..
إلاَّ إنهُ بعدَ أنْ سكتَ عنهُ الغضبُ، راحَ يحدَّثُ نفسَهَُ..فقال: واللهِ إنَّها لصفقةٌ رابحةٌ لولا أنها لم تكن لليهودِ..إذ كيفَ أواجهُ النّاسَ غداً وقد افتُضحَ أمري؟!.. وما سأستقبلُ من عمرٍ هوَ أقلُّ بكثيرٍ مما استدبرتُ؟! وعمرٌ جاوزَ الستينَ يزحفُ إليهِ الموتُ بسرعةٍ فأيُّ معنى للدُّنيا وشوفاً للسَّعادة؟!...كيفَ وقدْ عزمَ النّاسُ أنْ لا يُدفنُ من يبيعُ أرضَهُ لليهودِ بمقابرِهِمْ..كيفَ وقدْ خسبتُ للنّاسِ حساباً ولم أحتسبْ عندَ ربّي أيَّ حسابٍ.. بلْ ويلي ثمَّ ويلي بأيِّ وجهٍ سوفَ ألقى ربيَ غداً..؟!
نعم..كانتْ ذكرياتُ طفولتهِ وصباهُ وشبابِهِ وحياتِهِ في عائلةٍ تشكِّلُ المعنى الوحيدَ لحياتِهِ..ألم يكن الكرملُ جنةٌ يجري تحتهُ البحرُ وتمخرُ السُّفنُ إلى حضنِ الميناءِ جيئةً وذهابا؟!..ألم ياتِ رئيسُ بلديةِ بيروتَ يوماً..في الثلاثيناتِ لينقلَ تصميمَ المدينةِ إلى بيروتَ؟!..كانتْ كلُّ هذهِ لتجعَلهُ يتثاقلُ عنِ الرَّحيلِ.
خلا قلةٌ قليلةٌ باعتْ نفسَها بثمنٍ بخسٍ في حظِّ الآخرةِ، آلافٍ معدودةٍ من الجنيهاتِ الفلسطينيةِ، بدتْ أموالاً طائلةً عندَ قبضِها. لكنَّها لنْ تساوي على مرورِ الأيامِ إلا شروى نقيرٍ ..أما وقدْ رفضَ الصَّفقةَ التي عرضتْ عليه ِمبلغاُ ضخماً لشراء بيته ودكانهِ في حيفا..لا تساوي حين تحاسبُ النفسُ النَّفسَ إلا قبضَ الرِّيح، ولاتَ حين مندم، وبئسَ المصيرُ..حتى جاءهٌ التهديدُ من العصاباتِ على صيغةِ إنذارٍ يالقتلِ إنْ لم يغادر حيفا من فورِهْ..وكان للإذاعاتِ العربيةِ التي أشعلتِ الرُّ عبَ في قلوبِ النّاسِ دوراُ في إنحازِ المهمةِ..فقرَّرَ أن يغادر!
أغلقَ بابَ دكانهِ.. تنهَّدَ ...وحشرجةٌ تنهشُ صدرَهُ فأحسَّ بروحهِ تخرجُ من جسدِهِ، واغرورقتْ عيناهُ بالدُّموعِ حتىّ لم يعدْ يبصرُ شيئاً...وخطتْ قدماهُ الثّقيلتانِ الرّصيفَ نحو الشّارعِ...وصكَّ أُذنيهِ صوتُ فراملُ سيّارةٍ قطعتْ حبلَ التَّفكيرِ عليهِ فضجَّ كثيراً...لكنَّهُ تمنّى لو توقَّفَ هذا الضجيجُ، فتوقفَ...ثمّ نظرَ إلى كفِّه...حسنٌ!... ما زالتْ كفُّهُ تمُسكُ المفتاحَ بقوةٍ فهدأتْ نفسُهُ فابتسمَ، واتَّخذَ من الشّارعِ بساطَ دماءٍ...ففاضتْ روحُهُ حتىّ استراحَ..
ابتسمَ للسَّماءِ عندما دهمتهُ السَّيارةُ، فانهمرتْ على فقدِهِ السماءُ وقد أودعهُ أهلوهُ القبرَ وأروتِ الدُّموع الثَّرى.
كانَ الحاجُّ صالحُ قطرةً من ذلكَ البحرِ الهادرِ الَّذي تتَّجِهُ أمواجُهُ إلى شاطئِ اللُّجوءِ. حيثُ تساوى في اقتسامِ المحنةِ الغنيُّ والفقيرُ، والصَّغيرُ والكبيرُ، فاهتمَّ لذلكَ كثيراً.
حديثُ نفسٍ؛ لولا أنَّ الفقيرَ ليسَ كالغنيِّ في افتقادِ بيتٍ أثيرٍ، وعقارٍ رفض َأن يخليَهُ بثمنٍ باهظٍ للوكالةِ اليهوديَّةِ ..فما زالَ رنينُ الذَّهبِ عالقاً في ذهنهِ عندما عرضَ عليهِ السِّمسارُ العربيُّ الذي توظِّفهُ الوكالةُ لشراءِ العقارِ والأراضي..
قالَ السِّمسار: دكانك هذا يا حاجًّ صالحُ لا يساوي خمسمائةِ جنيهٍ فلسطينيٍّ..ونحن نعرضُ عليكَ عشرةَ آلافٍ...وسنجزلُ لكَ أكثرَ، إذا بعتنا بيتَكَ..لكنَّهُ دونَ تفكيرٍ انعقدَ لسانُهُ فهرعَ إلى هراوتهِ لتكونَ أفصحَ لساناً، وأوفى ردّاً..
إلاَّ إنهُ بعدَ أنْ سكتَ عنهُ الغضبُ، راحَ يحدَّثُ نفسَهَُ..فقال: واللهِ إنَّها لصفقةٌ رابحةٌ لولا أنها لم تكن لليهودِ..إذ كيفَ أواجهُ النّاسَ غداً وقد افتُضحَ أمري؟!.. وما سأستقبلُ من عمرٍ هوَ أقلُّ بكثيرٍ مما استدبرتُ؟! وعمرٌ جاوزَ الستينَ يزحفُ إليهِ الموتُ بسرعةٍ فأيُّ معنى للدُّنيا وشوفاً للسَّعادة؟!...كيفَ وقدْ عزمَ النّاسُ أنْ لا يُدفنُ من يبيعُ أرضَهُ لليهودِ بمقابرِهِمْ..كيفَ وقدْ خسبتُ للنّاسِ حساباً ولم أحتسبْ عندَ ربّي أيَّ حسابٍ.. بلْ ويلي ثمَّ ويلي بأيِّ وجهٍ سوفَ ألقى ربيَ غداً..؟!
نعم..كانتْ ذكرياتُ طفولتهِ وصباهُ وشبابِهِ وحياتِهِ في عائلةٍ تشكِّلُ المعنى الوحيدَ لحياتِهِ..ألم يكن الكرملُ جنةٌ يجري تحتهُ البحرُ وتمخرُ السُّفنُ إلى حضنِ الميناءِ جيئةً وذهابا؟!..ألم ياتِ رئيسُ بلديةِ بيروتَ يوماً..في الثلاثيناتِ لينقلَ تصميمَ المدينةِ إلى بيروتَ؟!..كانتْ كلُّ هذهِ لتجعَلهُ يتثاقلُ عنِ الرَّحيلِ.
خلا قلةٌ قليلةٌ باعتْ نفسَها بثمنٍ بخسٍ في حظِّ الآخرةِ، آلافٍ معدودةٍ من الجنيهاتِ الفلسطينيةِ، بدتْ أموالاً طائلةً عندَ قبضِها. لكنَّها لنْ تساوي على مرورِ الأيامِ إلا شروى نقيرٍ ..أما وقدْ رفضَ الصَّفقةَ التي عرضتْ عليه ِمبلغاُ ضخماً لشراء بيته ودكانهِ في حيفا..لا تساوي حين تحاسبُ النفسُ النَّفسَ إلا قبضَ الرِّيح، ولاتَ حين مندم، وبئسَ المصيرُ..حتى جاءهٌ التهديدُ من العصاباتِ على صيغةِ إنذارٍ يالقتلِ إنْ لم يغادر حيفا من فورِهْ..وكان للإذاعاتِ العربيةِ التي أشعلتِ الرُّ عبَ في قلوبِ النّاسِ دوراُ في إنحازِ المهمةِ..فقرَّرَ أن يغادر!
أغلقَ بابَ دكانهِ.. تنهَّدَ ...وحشرجةٌ تنهشُ صدرَهُ فأحسَّ بروحهِ تخرجُ من جسدِهِ، واغرورقتْ عيناهُ بالدُّموعِ حتىّ لم يعدْ يبصرُ شيئاً...وخطتْ قدماهُ الثّقيلتانِ الرّصيفَ نحو الشّارعِ...وصكَّ أُذنيهِ صوتُ فراملُ سيّارةٍ قطعتْ حبلَ التَّفكيرِ عليهِ فضجَّ كثيراً...لكنَّهُ تمنّى لو توقَّفَ هذا الضجيجُ، فتوقفَ...ثمّ نظرَ إلى كفِّه...حسنٌ!... ما زالتْ كفُّهُ تمُسكُ المفتاحَ بقوةٍ فهدأتْ نفسُهُ فابتسمَ، واتَّخذَ من الشّارعِ بساطَ دماءٍ...ففاضتْ روحُهُ حتىّ استراحَ..