تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دورة أسطوانة



بشار عبد الهادي العاني
01-01-2015, 09:23 PM
ولدت هذه الصفحة , مع بداية عام جديد , نسأل الله خير ما فيه , ونستعيذ به من شرحوادثه وأحداثه.
سأقوم بتسجيل حوادث حصلت معي أو مع غيري , مما عشته وعايشته , مما سمعته أو قرأته, سأنقل ما يدور في خلدي, وما يعتلج في صدري .
هي صفحة مفتوحة للجميع, أظنها ستعبر عن ضمير كل إنسان بسيط, ولد في هذا الركن المظلم من العالم, في هذه البيئة البدائية النقية الطيبة.
خير ما أبدأ به صفحتي هوقول الباري عز وجل في سورة ق الأية 18 (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
على بركة الله وباسمه.

د. مختار محرم
01-01-2015, 10:22 PM
صفحة بيضاء في عام مبهم .. لا ندري كيف سيكون .. لكن لا أتوقع أن يكون أسوأ من سابقه
أرجو ذلك ..
متابع لك أخي الرائع بشار العاني
تقديري

بشار عبد الهادي العاني
01-01-2015, 10:31 PM
صفحة بيضاء في عام مبهم .. لا ندري كيف سيكون .. لكن لا أتوقع أن يكون أسوأ من سابقه
أرجو ذلك ..
متابع لك أخي الرائع بشار العاني
تقديري

وما حيلتنا سوى هسيس تفاؤل , وصراخ أمل ,
يشرفني متابعتكم أخي وصديقي وشاعرنا النحرير
بارك الله بك ,وأعطانا وإياك من خير هذا العام , وكفانا شره.
محبتي وتقديري..

بشار عبد الهادي العاني
01-01-2015, 11:35 PM
الثلج وصوت فيروز وأكياس القمح المتكدسة في زاوية المنزل , وشجرة السرو الكبيرة العالية والمحفوفة بأشجار التفاح والزيتون والأكدنيا ( المشمش الهندي) , صوت العاصي الهادر , وعين الماء الساخنة , التوت البري.
عقال الجد العبوس وشماغه البرتقالي الزاهي وسنه المذهب, آنية الماء الفخارية , إبريق الشاي المتفحم على الحطب , الوزغ المقرف واجتماعه قرب مصباح الإنارة الضعيفة .
حكايات الجن والسعالي والفرات , وأعواد الزل.
نخيل الرطب العالي وألوان شماريخه المختلفة , البرد في الغرب , والحر في الشرق.
الصباح وجرس الكنيسة , ومدرسات راهبات صباحاً , وشيخ جليل واعظ وترتيل وتجويد قرآن في المساء.
كل هذه المشاهد, كانت بداية الوعي في ذهن الطفل المدلل, معلنة بداية دورة الأسطوانة.

بشار عبد الهادي العاني
01-01-2015, 11:57 PM
- ما اسمك؟
- بشار
- وما كنيتك؟
- الدّراسة ( الحصادة)
تضحك بصفاء وطيبة , وتضمه إلى صدرها مقبلة تشمه , كأنه باقة فل أو قرنفل
- وما اسمي أنا؟
- عمتي فيكتوريا
- قل لي ماما فيكتوريا
- لا ماما هدى , هناك في البيت المجاور , هي تضربني وتوبخني , إذا كسرت شيئاً , أو ضربت أخي الأصغر , أو رميت النقود في حديقة الدار , أما أنت فلا , بل تعطينني كل ما لديك من حلوى ونقود.
- ليتك تبقى معي وأعطيك عمري.
(بعد أربعين سنة ماتت تلك النقية , وحيدة , تحت شجرة السرو العالية, كم تمنت أن يكون هذا الطفل بقربها , ربما نالت منه شمة أخيرة)

بشار عبد الهادي العاني
02-01-2015, 07:55 PM
( العرزال) وهي عبارة عن لوح خشبي رحب مرفوع على أعمدة من الحديد أو الخشب , غالباً ما يستند ضلع أو ضلعين منها على ساق شجرة عالية أو أكثر , مسور بعوارض منخفضة الإرتفاع , كان ينصبه الفلاحون , في فصل الصيف , للمبيت في حقولهم البعيدة عن مركز البلدة.
كان ذلك من أحب الأماكن إليه , وعلى غير عادة الأطفال الذين يخافون من تسلق سلمه الطويل , يهرع إليه بخفة ومهارة , وما أن يصل إلى قمته , حتى يتملكه شعور من الفرح والغبطة, يتبعه هدوء وسكينة وصمت .
- شو يا عمي , والله كأنك شاعر , أول ما تطلع على هالعرزال , بتبلش تصفن وتفكر .
للمرة الأولى يسمع هذا النعت , ولا يعرف ما عنى به ذلك الرجل الطيب !
ربما سيسأله عن معناه , ولكن ليس الآن , فهو يمارس لعبته المفضلة في الجلوس عالياً , والتمعن بمنظر الخضرة والنهر وأشجار التفاح..
(( ضوّوا قنديل المحبّة على بيوت النّاس
قبل ماينهدّ الورد ويوسع اليباس
واللي عالبواب .. يطلعوا من النّوم
يكسّروا البواب.. ويتهبّط النّوم
وطلع الضّو .. عالسّهل الكبير
وطارت السّما عاجناح العصافير
تركوني .. تركوني .. خلّيني طير))

..كلما سمع هذه الأغنية من صاحبة الصوت الشجي الجميل , يتبادر له ذلك المشهد , ربما ترجمت حاله حينذاك ؟, أفكار أربعينية ووهم وتوجس..

بشار عبد الهادي العاني
05-01-2015, 10:22 PM
لأول مرة يحضر هذا المجلس , رجال يلبسون العمامات البيض ويحملون الدفوف الكبيرة , يغنون ويهزجون بمدح المصطفى عليه الصلاة والسلام.
هذه الألحان سمعها مراراً وتكراراً , لكن الكلمات مختلفة !
يخاطبه الأب : ما عهدتك بخيلاً
- أنا لست بخيلاً يا أبي , وأنت تعرف ذلك.
- من ذكر اسم النبي عنده , ولم يصلّ عليه فهو بخيل
كان فرحاً بذلك الدرس , وبصرر الحلوى والملبّس أيضاً , وفرح أيضاً بأن جميع الحاضرين لم يلحظوا السلسة الذهبية التي كانت في عنقه على هيئة الصليب.
بعد أشهر من ذاك الحفل , اكتشف عمه الأكبر هذه السلسلة , ونزعها منه غاضباً , وموبخاً للأب والأم ومعاتباً, لم تنفع مبرراته التي قدمها لعمه , ولا مبررات أبيه , فقد كانت التعليمات صارمة نافذة....

بشار عبد الهادي العاني
08-01-2015, 05:02 PM
لأول مرة يسمع لعلعلة الرصاص , ويخاف من جلبته , وخصوصاً أن مطلق الرشاش الصغير كان يبعد عنه أقل من متر واحد .
كانت مطاردة لذئب سكير , اعتاد أن يختم سهرته المسائية , بوليمة أغنام ودجاج بيتي , في مزرعة الجار النزق المسلح , والذي طارده بسيارته الجيب العسكرية وأرداه قتيلاً.
لم تمض ساعات , حتى تحول هذا الرجل المغمور إلى بطل قومي ,الجميع حول كوانينهم المشتعلة يتحدثون عن بطولاته الخارقة , والمثير أن أحد أبطال هذه القصة التي بالغ الناس في (تبهيرها) و(تمليحها) كان هذا الصغير.
ربما سيصبح يوماً صائد ذئاب أو ذباب أو يباب ...

بشار عبد الهادي العاني
08-01-2015, 05:12 PM
1974 يدخل الرائي ( التلفاز) هذه البلدة الصغيرة , وتشاء الأقدار أن تكون أول قطعة منه في بيتهم الريفي الواسع.
صندوق خشبي غامق كبير , في مقدمته شاشة كبيرة بلورية لامعة وعلى جانبها أزرار ومفاتيح كثيرة .
كان الصغير يخاف من صوته العالي ,يقف مندهشاً من الصور الناطقة المتحركة التي ترتسم على صفحته , لكنه تعود على تصرفه الأحمق من اليوم الأول , فقد اجتمعت البلدة صغاراً وكباراً ونساءً لمعاينة هذا الإختراع العجيب, وكل أطلق صرخته بشكل مختلف : يا (محمد) , ما هذا ؟
_ (اسم العذراء) عجيب , - وااا علي , ماهذا؟
رغم اختلاف المعتقد والمذهب والرؤى , إلا أنه يتذكر , كيف كان يبكي الجميع , عند مشاهدتهم لذلك الأخرس البائس ومعاناته في أحد العروض التمثيلية .

بشار عبد الهادي العاني
10-01-2015, 10:18 AM
يا ثلجُ قد ذكِرتني أمّي ... أيّامَ تقضي الليلَ في همي
مشغوفةً تحَارُ في ضَمّي ...تحنو عليّ مَخافَةَ البردِ
يا ثلجُ قد ذكّرتني الموقِد ...أيامَ كُنا حَولهُ نُنشِدِ
نعنو لَدَيهِ كأنّهُ المسجِد ...وكأنّنَا النُّسّاكُ في الزُّهدِ

رشيد أيوب , نكأت الجرح , وأثرت الشجن , تباً لذاكرة الشاعر وذكرياته , قد تكون سيفاً ينخر في قلبه بلا رحمة...

بشار عبد الهادي العاني
10-01-2015, 03:08 PM
السفر كان يعني له الإنتظار , النوم والاستيقاظ مرات عديدة , وأضواء برتقالية وحمراء في الحافلة الصاخبة , وأصوات كلثومية يرافقها التصفيق والإعجاب , ودخان التبغ الكثيف المنبعث من أفواه رجال يقتلهم الملل والوجوم .
رغم أن الصبح كان جميلاً مع ما يحمله من نور وسكون , و بصيص مشارف بلدته البعيدة , وأفواج المستقبلين , وقبلات المشتاقين , لكنه ما يزال يمقت ساعات الوصول .
القدر سيسطر في دفاتره بعناد : ستظل مسافراً ما حييت , من شمال الأرض إلى جنوبها , تجتر الساعات وتلتحف الحنين , وتحدق باحثاً عن سراب الأهل والصحب.
يا ترى هل سيعود الصبح يوماً بنور وسكون؟؟

بشار عبد الهادي العاني
10-01-2015, 09:50 PM
عيد الأضحى , والوليمة المنتظرة , يقوم كل فرع من فروع العائلة بتجهيز وليمة كبيرة للباقي وفق تسلسل ودور , يحدده عمر وترتيب الإخوة في أصل مشجرة النسب , ويرافق ذلك جمع النقود لصندوق العائلة , وذلك بدفع مبلغ سنوي عن كل ذكر في العائلة , صغيراً كان أم كبيرا, وتظل تلك المبالغ في الصندوق لتصرف فيما بعد على مناسبات الأحزان والأفراح , أو لمحتاجي الأسرة.
الخرفان المشوية والموضوعة على صحون النحاس الكبيرة الدائرية , وقد جللت الرز الأبيض وخبز التنور المنقوع بالمرق المبالغ بسمنه وبمكسراته, وسطول الخاثر أو ما يسمى بالشنينة التي ترافق هذه القدور.
الصغير ينظر باستغراب لهذا الجمع , وقد اهترأ خده الوردي من القبل , ويحاول أن يعد الموجودين , ولكنه يفشل كل مرة , فكل هؤلاء إما أعمامه أو أولادهم , أو أحفادهم.
- هل كل اولئك أعمامي؟
- نعم , والكثير منهم لم يحضر لأعذار مختلفة.
- الحمد لله , ضاق صدري من السلام والقبل
- عيب يا ولد , إنهم يقبلونك حباً وترحيباً
- ما المناسبة في هذا الإجتماع؟
- إنه عيد الأضحى يا بني , والناس تجتمع يوم العيد للتواصل والتزاور
- أهو كعيد الميلاد , والبشارة؟
- اخفض صوتك , لا تفضحنا , تلك الأعياد في مدرستك فقط , وهي ليست بأعيادنا.
- الجو هنا حار , ورائحة اللحم تقتلني , متى سنرجع إلى بلدنا.
- هذا بلدك , واولئك أهلك , إك تنتمي إلى هذه البقعة من الأرض.
مازال مفهوم الإنتماء كتابع بياني , يصل في بعض فترات الحياة إلى نقطة الذروة , ثم ينخفض بشكل عشوائي ,حتى ينتهي بنقطة, هي نقطة الفشل والإنكسار , يعتمد في ذلك على السن والتجربة والمعتقد والمنهج .( بعد أن شابت الذوائب أدرك أخيراً ماهية الإنتماء)

بشار عبد الهادي العاني
11-01-2015, 08:50 PM
يحدث الأب:
( النخلة المعمرة الشاهقة من فسيلة الخستاوية , هو الشيئ الوحيد الذي اصطحبه جدنا معه , من مدينة عانة , ليغرسها فيما بعد في بيته .
اليوم وبعد مضي أكثر من مائة عام , ينتصب الكثير من أبناء هذه الفسيلة بشموخ وإباء , في بيوت الأولاد والأحفاد , مذكرة بقصة حب وهجرة).
اليوم هو موعد جني ثمارها, والطقس مقدس , الأبناء مجتمعون مع أولادهم في ساحة البيت الكبير المترامي الأطراف ذي القناطر القوطية , التي لا يعرف أحد عن ماهيتها وكيف ومتى عمرت.
يلف أحد الشباب حبلاً , حول خصره وحول جذع النخلة , ويتسلقها ببطء متجاوزاً جذعها المتدرج الطويل , عندما يصل إلى الشماريخ العالية , يثبت نفسه بمهارة واحترافية ويبدأ بقص العناقيد.
تحلق الجميع حول الجد, الذي افترش الأرض , وأخرج صندوقه الفضي الصغير حيث يحتفظ بالتبغ المحلي , ينظر إلى الأعلى , غطاء رأسه البرتقالي وعقاله الأسود , والذي كان يشترى له خصيصاً من الموصل, لحيته البيضاء الكثيفة , وعيونه الواسعة الطيبة , ولسانه اللاهج دوماً بالأدعية والصلوات, كل مافيه مهيب جليل .
- هات التمر , يخاطب أحدهم بلهجة حنونة
الجميع يتسابق لهذه المكرمة , ويفوز أحدهم فرحاً بتلبية الطلب .
يجلس الجد ويهمهم بكلمات غير مفهومة هامساً لحبات التمر
- هل جدي مجنون؟
- اخرس يا ولد
- اذاً , لماذا يتكلم مع حبات التمر؟
- إنه يناجيها , فبينهما الكثير من الأسرار, والصحبة والعمر
بعد عشر سنين , مات الجد , ولم تفلح كل محاولات أحفاده من الخبراء والمهندسين الزراعيين والحكماء ,بإقناع تلك النخلة أن تثمر تمراً كبيراً يانعاً كما كانت تفعل , فاكتفت العائلة بما ينتجه أولادها من الفسيلات الصغيرة , واقتلعت فيما بعد ليحل مكانها قواعد الأسمنت في البناء الجديد.

مازن لبابيدي
12-01-2015, 11:39 AM
متعب أنا اليوم
بدأت في قراءة هذه الفقرات؛ والذي شدني إليها اسم الكاتب وغرابة العنوان.
أدركت سريعا أنها كنز يستحق أن أغرف منه؛ وأنا بحال غير هذا.

سأعود يا بشار، إن شاء الله

بشار عبد الهادي العاني
12-01-2015, 12:07 PM
متعب أنا اليوم
بدأت في قراءة هذه الفقرات؛ والذي شدني إليها اسم الكاتب وغرابة العنوان.
أدركت سريعا أنها كنز يستحق أن أغرف منه؛ وأنا بحال غير هذا.

سأعود يا بشار، إن شاء الله

حللت أهلاً ووطأت سهلاً أستاذي الغالي ( ما شاف قلبك شر ولاتعب)
يشرفني ولوجك بين هذه الكلمات المتعبات وأنت بكامل الصحة والعافية والألق.
محبتي وتقديري...

بشار عبد الهادي العاني
14-01-2015, 09:05 PM
البيت المسكون بالأشباح , وحكايات الجيران وشهود العيان , والحادثة التي حصلت مع أمه , كل هذه الأمور لم تنقص من حبه لهذا البيت الريفي الجميل ذي الحدائق الواسعة والغرف المتجاورة , جدرانه البيضاء , وأبوابه الخضراء, كانت من أجمل اللوحات التشكيلية التي ارتسمت في ذهنه وذاكرته.
في هذا البيت تعلم الكثير!
كانت تجلس معه في الصباح ترتشف (المته) , وتهمس له بحنان: إياك أن تصدر أي صوت أو حركة, لقد وضعنا الطعم , وجهزنا المصيدة.
كانت المصيدة عبارة عن خيط رفيع معقود من طرفه , وقد فتح بشكل حلقة دائرية , تستطيع بسهولة أن تحكم إغلاق هذه الدائرة , بمجرد سحبك طرف الخيط من النهاية الأخرى.
بعد دقائق قليلة وسط دهشة الطفل الصغير , سحبت الخيط ببراعة , لتقبض على قدم العصفور الصغير , الذي حاول الفرار , لكنه لم يستطيع أن يحلق إلا بمسافة طول الخيط المعقود.
أمسكت العصفور برقة وعناية , وصارت تربت على ريشه , كأنها تحاول طمأنته.
- انظر ما أجمله , اربت عليه بخفة وحنان.
الإبتسامة العريضة , وفرح طفولي عارم يجتاح كيانه , ونشوة انتصار وسعادة.
- الآن يجب علينا أن نطلقه , كي يعود إلى عائلته وأولاده
- لماذا؟ دعيه قليلاً كي نلعب معه
- ربما تأخر عن عائلته , إنه يجمع الطعام لهم , ويجب عليه العودة كي يعتني بصغاره ,هذه الطيور تعشق الحرية , وإن تركناه فترة أطول , سيموت قهراً وحزنا, هيا ودعه وقبله
كم هي جميلة أن تقبل مخلوقاً رائعاً , وترسم له أول إشارات الحرية , درس محفور في الذاكرة , لكنه سبب له الكثير من المتاعب في حياته , لأنه لم ولن يجامل بعد ذلك في مفهوم العبودية والحرية.

بشار عبد الهادي العاني
15-01-2015, 09:36 PM
بكى بشدة , وبحرقة , هو لا يريد الإنتقال مع أهله إلى المدينة.
لم تفلح تبريرات الأب والأم , ولا كميات الحلوى المستوردة الكثيرة , ولا إغراء الورقة النقدية الجديدة من فئة الخمس ليرات
هو يريد البقاء مع جيرانه , مع من يحبهم , مع ريفه الجميل.
نظر إلى الحنونة والحنون , كانا يبكيان لبكائه , وكأن كل دمعة يذرفها , تنهال في صدرهما رماحاً ومدى .
رغم جمال المدينة وطيبة أهلها وكثرة أشجارها , ونظافة الحي و شارعه , وبعده عن المركز المزدحم , إلا أنه أحس بغربة تخنقه ,بمرارة تعصره.
قضى ليلته الأولى وكأنها قرن مظلم , لم تأت العمة كعادتها بعد الفجر, لتأخذه عندها كي تشرب (المته) , فقد كان هو سكرها , كما كانت تقول له.
لم يصطبح بضحكات العم وعناقه الحار كل صباح.
وقف على النافذة حزيناً مترقباً , يراقب الناس وحركتهم , غير آبه بملابسهم ذات الألوان المختلفة , والتي لم يعتد على مشاهدتها هناك.
عاد الوالد من عمله وقد جلب المزيد من الفاكهة والألعاب والحلوى , لكها لم تلفت انتباهه ,
- قم لقد أحضرت غداءاً جاهزاً من السوق , إنها صحاف اللحم الذي تحب
- لا أريد الطعام .
فجأة , وبدون سابق إنذار يقفز الطفل فرحاً ونشوة , لقد سمع صوتاً يحبه كثيراً , إنه صوت الدراجة البخارية الكبيرة , التي لطالما أقلته في نزهات العاصي , وحقول التفاح.
لم تخب آماله , صوت العم الحنون , يطرق الباب , يرتمي في أحضانه كالقط المتجمد برداُ
- لا تؤاخذوني يا جماعة , لكن الزوجة لم تنم ولم تأكل شيئاً من الأمس , وهي في بكاء مستمر , إنها تريد أن تراه , اسمحوا لي أن آخذه معي وسأعيده إليكم بعد الغد.
- اجلس الآن للغداء , ثم خذه معك , هو أيضاً لم يأكل شيئاً منذ البارحة.
- لا, لا , الزوجة تنتظر.
يضعه في حضنه على سدة الدراجة , ويغطي رأسه بشال دافئ, مقبلاً رأسه ,متوجهاً إلى مدينته الوادعة.
شعور لا يوصف , هو الآن يشعر بالجوع , يشعر بحبه للحلوى , يريد أن يأخذ الورقة النقدية...
ذات مساء في ليلة نقاش مع والده بعد سنين طوال , أخبره الوالد أمراً أبكاه وهيج فيه الحنين:
- في ذلك اليوم يا بني جاء هذا الرجل ليأخذك , ولكنه عرض أيضاً , أن يتنازل عن كل أملاكه وأراضيه وبيوته لك , مقابل أن تعيش معه, وتكون ولده.
- لماذا رفضت يا أبي , وكنت لا تملك المال.
- أنت أغلى عندي من ذلك.
في صيف عام 2000 الأب يتصل بولده على العمل , ليخبره أن ذلك العجوز الطيب قضى , وأنه أوصى بأن لا يدفن حتى يكون حبيبه حاضراً دفنه , رغم اختلاف الدين , وبعد المسافات والرؤى...

بشار عبد الهادي العاني
16-01-2015, 06:17 PM
الشقراء الجميلة زرقاء العينين , محمرة الخدود , ذات الصوت الهامس الساحر .
تشاء الأقدار , وقلة عقول بعض النسوة , أن تكون أخته بالرضاعة
لم يكن يملك التفسير المناسب , لرغبته الدائمة في رؤية هذا الملاك الصغير, لكنه في حضرتها يقاوم البكاء والشراهة والطفولة, تستحضره الرجولة ويونع فيه الحنان.
كان دائماً يراها أجمل زهرات الحقل , وأشهى تفاحة على الأغصان , ويقارن دائماً بين لون عينيها والسماء الصافية , بين خدودها وثمرات التوت البري, بين صوتها وحفيف الأشجار وخرير العاصي.
بعد ثلاثين عاماً , يراها , يخفق قلبه لا إرادياً كالعادة , الزمن خلب بظفره تلك الخدود , بريق العيون خافت , الصوت حزين متقطع.
- كيف حالك يا أختاه
- بخير , أشتاق إليك على الدوام
- كيف أنت؟
- أعيش و....
- هل تريدين حاجة من أخيك قبل رحيله؟
- نعم , سمعت أنكم في العاصمة , تعرفون المسؤولين وتتواصلون معهم , هل يمكن أن تجد لي أحداً يستطيع مساعدتي , لكي أنقل عملي إلى هنا بالقرب من أولادي؟
- سأفعل ما بوسعي
ما أقسى أن يطلب منك القريب إلى القلب , طلباً , تعمل بجهد وسعادة لتحقيقه, ثم لا تستطيع تنفيذه إلا بعد فوات الأوان .
تباً للوعد إن طال قضاؤه , وللفرحة إن أبطأت سويعاتها...

بشار عبد الهادي العاني
19-01-2015, 09:08 PM
الصف الأول الإبتدائي , فرحة ما بعدها فرحة للوالدين الذي يدخل ولدههما الأول في المدرسة.
النصائح تنهال كالمطر كما الأعطيات والقبلات والتشجيع , والوالد أقسم أن لا يذهب إلى عمله إلا بعد مشاهدة الطفل الصغير داخلاً لفناء المدرسة , لذا تمترس على سطح المنزل مع فنجان قهوته , وعلبة سجائره المارلبورو الحمراء , ترافقه الأم القلقة
- لماذا علي الذهاب إلى المدرسة؟
- لكي تتعلم وتصبح طبيباً , كما أريدك أن تكون
- لكني أعرف القراءة والكتابة , وقد قمت لتوك باختباري , وقرأت لك عناوين الصحيفة , وجمعت لك , كم بلغ مصروف المنزل إلى الآن.
- يا ولد , التعليم ليس قراءة وكتابة فحسب , ستتعلم الكثير في المدرسة إن شاء الله
- لكني كنت أتعلم في الكنيسة
- انتهى دور الكنيسة الآن , وصار دور المدرسة
كان اليوم الأول مملاً , رغم هتاف الآنسة المعجبة بهذا الطفل وذكائه , ورغم أنه صار بطلاً قومياً في المدرسة منذ اليوم الأول , كونه يتقن القراءة والكتابة تماماً , بينما أقرانه , كانوا يتعلمون حروفهم الأولى.
لا يزال يفكر في العاصي والبساتين والعليق البري وسكة القطار وحقول القمح والحنونة والحنون.
بعد 12 عاماً امتلك الشجاعة وقال لأبيه : لا أريد أ أصبح طبيباً
- لكنك يا بني طالب متفوق , وتستطيع أن تفعل ذلك
- أكره الطب , أريد أن أكون صحافياً أو شاعراً
- طالب ذي تحصيل علمي , وعلاماته كاملة , يريد أن يصبح شاعراً؟؟!! , تستطيع أن تكون طبيباً وتكتب الشعر
- لا أريد.
- حسناً , فمهندس إذاً , كل أعمامك وعائلتك , أبناؤهم إما أطباء أو مهندسون , هل تريد أن يقولوا عني بأني فشلت في تربية وتدريس أولادي.
- هم يعرفون تماما , بأني أذكى من جميع أولادهم , ولكني لن أدرس الطب , فأنا أكره الدم , ورائحة البنج , وووووو
اليوم , في جلسة صفاء وتفكير وتمحيص , سأل الله أن يغفر له عدم تلبية حلم والده , ثم حمد الله كثيراً , بأنه أصر على رأيه , فأطباء بلده في الغالبية , ماتوا على خارطة الأرض الأم , أو خانوا قسم أبقراط , أو ذهبوا للتسول في شمال الأرض

بشار عبد الهادي العاني
21-01-2015, 09:11 PM
الخبر ينهال كالصاعقة على الجميع , دمشق
عمل الوالد سينتقل إلى دمشق , والمشاعر متبدلة , فتارة فرحة وتارة حيرة
الفرحة بأه سينتقل إلى مكان جديد كبير , والحزن لأنه سيبتعد عن تلك البلدة الجميلة الوادعة وعن أحبابه هناك.
- هل دمشق جميلة يا أبي؟
- إنها أجمل بقاع الأرض , لقد أخذتك مراراً إلى هناك , ألا تتذكر؟
- نسيت ,لكنهم يقولون أنها كبيرة جداُ , وغالية , هل سنضيع هناك أو نفلس؟
- لا تخف , لن تضيع ولن تفلس , لدينا منزل هناك ,وسنجلس فيه بعد أن يخرج المستأجر.
عفش المنزل ينقل من بيتهم إلى السيارة , وسط ضجيج وصخب العمال , وتوجيه الوالد وتعليماته , بالحذر والهدوء,
سيذهبون إلى العاصمة , ولم يعرف الصغير بأن ذلك اليوم سيكون بداية عشق أزلي لتلك المدينة الخالدة...

بشار عبد الهادي العاني
25-01-2015, 12:45 PM
- هل أنت متأكد أننا في دمشق؟
- ههههه , وأين نحن إذاً , مالك تتغابى يا ولد ؟
- أنا لا أمزح , كل من قابلتهم إلى الآن من أعمامي وأولاد عمي , وهم يسكنون بنفس هذا البناء الإسمنتي الكئيب الكبير.
- إنها مصادفة , وقد اشترينا البيوت كلها في نفس المكان حتى نكون بالقرب من بعضنا البعض.
- وماقصة هذا الذي يسكن في بيتنا , ولا يريد أن يخرج من البيت , بعد أن حضرنا إلى هنا.
- اخفض صوتك , إنه خالك , وسيخرج حالما يجد له بيتاً
- هل يدفع لك إيجاراُ
- لا , أنا أسكنته في المنزل , كي يقوم بحراسته.
- واضح جداً , هو يحتل جميع مرافق البيت , ويحشرنا في غرفة واحة , ويتصرف وكأنه مالك البيت .
- ما أوقحك أيها الصغير
- أنا أريد غرفة ثانية وفوراً , افرض مثلاً أن أهلي قدموا من الريف ,أين سينامون؟ أوجد حلاً , وإلا ذهبت أنا إليهم . فهناك أملك الغرف الكثيرة والحديقة الواسعة.
كان من الصعب , إقناع ذلك الطفل , بالمقارنة بين رحابة الريف وبيوته الواسعة , وأناسه الطيبين , ذوي المشاعر المثخنة, وبين العاصمة وبيوتها الإسمنتية الصغيرة , وأناسها الذين يسعون وراء لقمة العيش والنجاح , والذي أنساهم الكثير من المشاعر والأحاسيس.
أما الوالد فقد ندم بعدها كثيراً , لأنه لم يستمع لنصائح ذاك الطفل الوقح كما أسماه , وعانى الكثير حتى خرج ذلك المستعمر لبيته , وذلك بعد تدخل الأجداد والعشيرة والأقارب , واتق شر من أحسنت إليه ...

بشار عبد الهادي العاني
30-01-2015, 01:16 PM
الجد , ذلك الشرطي المتقاعد , ذي الوجه العابس الحازم المهيب , يجلس على أرضية البيت , والناس تتحلق حوله في مهابة وخوف واحترام , كان أباً لتسعة من الأباء وسبعة من البنات , وجداً للعشرات من الأحفاد , والذي يتجاوز عمر بعضهم الكثير من الأخوال.
لم يجرؤ طفل أبداً على ممازحة ذلك الجد أو التقرب إليه , فقد كان صارماً جداً , حتى في مشاعره , لكن ذلك الطفل كان استثناءً فريداً , فهو من سماه ,وهو ابن ابنته المدللة , وابن ابن اخته الطيب المحبوب
- دعوه , هذا ولدي وحفيدي , وهو غال علي كأبيه وأمه , وكل ماهمو ممنوع عن الجميع , فهو مباح له , سيكون له شأن كبير , وسنذكر بعضنا البعض .
- لكنك توليه الرعاية والحنان , بعكس ما تتولى بقية الأحفاد , وهذا حرام , يجب أن تكون منصفاً , لم أرك يوما , تشم أو تقبل أحفاد ابنتك الكبيرة , وأخاف أن تحزن ابنتك من ذلك . ( الجدة في جدية وحزن)
- النفس وما تهوى يا عجوز , لا أعرف , هذا الولد , له محبة خاصة , وكأنه شهد عجن في قلبي , أحب الجميع , لكن هذا فوق الجميع.
الجد ينتقل إلى رحمة الله , وفي يوم عزائه , الجميع يحدق بذلك الطفل , الذي تسابق إليه الأخوال لضمه وتقبيله , فهم لم يعرفوا إلى الآن سبب حب والدهم الشديد له , لكنهم سيحبونه بنفس الشكل , احتراماً لذكرى والدهم وتقديراً له.
- أين جدي يا أبي؟ أشتاق إليه , أريد أن أنام تحت فروته الدافئة.
الوالد بعيون دامعة ونبرة حزينة: خالي أو جدك , انتقل إلى رحمة الله , هو الآن عند ربه , ادعو له بالمغفرة والجنة
- وهل سيأخذني معه؟
- لا... لا , أطال الله في عمرك
الموت لأول مرة يدخل في قاموس وذاكرة ذلك الطفل , هو لا يعرف كنهه أو سببه أو عواقبه , ولكن من المؤكد بأنه شيء حزين مؤلم , لأنه سيكون السبب , في عدم رؤيتك لأشخاص تحبهم , وتتمنى أن تكون دائماً بجوارهم.

مازن لبابيدي
04-03-2015, 05:50 PM
متابع بشغف أخي الحبيب بشار

سيرة ذاتية بأسلوب متميز ، ورحم الله جدك.

بشار عبد الهادي العاني
05-03-2015, 07:09 PM
متابع بشغف أخي الحبيب بشار

سيرة ذاتية بأسلوب متميز ، ورحم الله جدك.

بوركت أستاذي الغالي , ورحم الله أمواتنا وأمواتكم وأموات المسلمين أجمعين .
محبتي وتقديري..

بشار عبد الهادي العاني
05-03-2015, 08:30 PM
دمشق , كانت بلسماً لروحه , وملاذاً لذائقته , هو يرى كل ما فيها جميل , بالرغم أنه لم يعتد الزحام , ولا الأبنية الشاهقة , ولا المسافات البعيدة.
عندما يصل إليها من سفر , يحس بالأمان , وعندما يغادرها يضيق صدره , ويهاجمه الضجر والنزق.
دمشق ياسمينة ,لا يمل من عطرها , نافورة حنان وسط بيت جمال عربي أصيل , تحت شجرة نارنج عتيدة جميلة .
كان يحب أن يذهب إلى أحيائها القديمة , يدخل إلى أزقتها , متأملاً تلك البيوت المتهالكة , المدعومة بأوتاد خشبية قديمة , مع طين وتبن أو حجر أسود بركاني , كان هذا النسق يرسم في وجدانه لوحة بديعة . ولا يدري أين سينتهي به المطاف, لكنه دائما يجد نفسه في النهاية , قبالة الجامع الأموي الكبير , وقبل أن يدخله , يتفحص البسطات المنتشرة أمامه , من الكتب القديمة والمجلات , التي كان مدمناً على شرائها.
دخل مرة إلى بيت صديقه الذي ألح عليه بزيارته , لمساعدته في فهم بعض الواجبات المدرسية.
الباب الخشبي الصغير والعتيق ذي السقاطة البرونزية , والتي كانت تستخدم منذ زمن سحيق , كجرس للباب ,لا يوحي إليك بأنك سترى بعده لوحة تشكيلية رائعة.
تلج هذا الباب ليصادفك فناء كبير , تتوسطه نافورة جميلة وسط بركة من الماء , سورت برخام ملون جميل , وفوقها مباشرة , عريشتان كبيرتان , واحدة من العنب والثانية من الياسمين , وقد تشابكتا وتعانقتا بحنان وجمال . أما في الأطراف , فكانت هناك شجرتان كبيرتان , واحدة منها شجرة ليمون والأخرى كباد , وقدر رسمتا بثمارهما اليانعة قوس قزح جميل باللونين الأصفر والبرتقالي.
وفي صدر الفناء تواجهك غرفتان كبيرتان , وعلى يسارك غرفة صغيرة , عرف فيما بعد أنها غرفة المونة كما يسمونها , وبجانبها مطبخ لا يملك من صفات اسمه , سوى أن به بعض مواقد الغاز القديمة , وبعض قطرميزات اللبن والمكدوس المحفوظ بزيت الزيتون .
في الجهة اليمنى , سلم حديدي طويل معقوف , يؤدي بك إلى الغرف العلوية , حيث ثلاث غرف كبيرة جداً للنوم , كانت تحتوي على أثاث قديم مصنوع من الخشب الموشى بالموزاييك.
- ما هذا الجمال يا صاحبي , أنت تعيش في جنه
- بل قل ماهذا الفقر والعتق, هذا البيت ورثناه من جدي , ولا يسكن به أحد , نأتي إليه في أيام العطل , والمناسبات فقط , ثم أن بيتكم الصغير في وسط البلد لو باعه والدك , لاشترى لك خمسة بيوت مثله.
- ليته يفعل
- خلتك عاقلاً , وأنت أذكى طالب في المدرسة , وإذا بك مجنون!
- بل أنت جاهل بتضاريس الجمال يا صديقي.
إلى هذا الوقت , يتمنى أن يعيش في مثل ذلك البيت , يناجي الياسمينة , ويشكو همه لشجرة الليمون , ووجعه لشجرة النارنج , ويداعب قوافيه , برفقة أنغام تلك النافورة الرائعة ...

عدنان الشبول
06-03-2015, 03:10 AM
يا عيني عليك أيها الجميل العاني



حفظكم الله وحفظ الأوطان ورحم من فقدتم



محبتي

بشار عبد الهادي العاني
06-03-2015, 09:06 PM
يا عيني عليك أيها الجميل العاني



حفظكم الله وحفظ الأوطان ورحم من فقدتم



محبتي

هلا بالغالي أبو أحمد الورد , حفظكم ربي ورحم أمواتنا وأموتكم وأموات المسلمين كافة.
محبتي وتقديري...

إيمان ربيعة
14-03-2015, 08:07 PM
1974 يدخل الرائي ( التلفاز) هذه البلدة الصغيرة , وتشاء الأقدار أن تكون أول قطعة منه في بيتهم الريفي الواسع.
صندوق خشبي غامق كبير , في مقدمته شاشة كبيرة بلورية لامعة وعلى جانبها أزرار ومفاتيح كثيرة .
كان الصغير يخاف من صوته العالي ,يقف مندهشاً من الصور الناطقة المتحركة التي ترتسم على صفحته , لكنه تعود على تصرفه الأحمق من اليوم الأول , فقد اجتمعت البلدة صغاراً وكباراً ونساءً لمعاينة هذا الإختراع العجيب, وكل أطلق صرخته بشكل مختلف : يا (محمد) , ما هذا ؟
_ (اسم العذراء) عجيب , - وااا علي , ماهذا؟
رغم اختلاف المعتقد والمذهب والرؤى , إلا أنه يتذكر , كيف كان يبكي الجميع , عند مشاهدتهم لذلك الأخرس البائس ومعاناته في أحد العروض التمثيلية .

.................................................. .................................................. .......................

السلام عليكم أيها العاني المبدع
استوقفتني خبايا السّطّور فأحببتُ أن أستفسر معناها قد عجزت عنه من فضلك أودّ شرحا
بدون إحراج لك :001::011:

بشار عبد الهادي العاني
14-03-2015, 08:34 PM
.................................................. .................................................. .......................

السلام عليكم أيها العاني المبدع
استوقفتني خبايا السّطّور فأحببتُ أن أستفسر معناها قد عجزت عنه من فضلك أودّ شرحا
بدون إحراج لك :001::011:

حياك الله وبياك أخي عيمر , غال أنت والطلب رخيص
يصف الكاتب كيف دخل التلفاز تلك القرية البسيطة بأهلها ورتابتها وأحلامها , ويصف بشكل غير مباشر معتقدات أهلها ودياناتهم , ثم يتطرق لمشهد تمثيلي حزين , جمع تلك المعتقدات ذات دمعة وأسى , بينما اليوم يفرقهم الرصاص والقتل والأنا ووو....
ربما هو حنين لتلك الأيام بصفائها ونقائها , لذلك كانت دورة اسطوانة .
محبتي وتقديري...

ناديه محمد الجابي
15-12-2018, 08:53 PM
يا ثلجُ قد ذكِرتني أمّي ... أيّامَ تقضي الليلَ في همي
مشغوفةً تحَارُ في ضَمّي ...تحنو عليّ مَخافَةَ البردِ
يا ثلجُ قد ذكّرتني الموقِد ...أيامَ كُنا حَولهُ نُنشِدِ
نعنو لَدَيهِ كأنّهُ المسجِد ...وكأنّنَا النُّسّاكُ في الزُّهدِ

رشيد أيوب , نكأت الجرح , وأثرت الشجن , تباً لذاكرة الشاعر وذكرياته , قد تكون سيفاً ينخر في قلبه بلا رحمة...

جميلة ذكرياتك أخي بشار ـ سردك راق لي لغة ومضمونا
لن اتكلم أكثر فأنا شغوفة بمتابعة هذه الذكريات التي برعت فيها
بأسلوبك المتميز حسا ونبضا وحرفا ووصفا.
تحياتي لك وكل تقديري.
:010::v1::0014:

ناديه محمد الجابي
15-12-2018, 09:42 PM
بكى بشدة , وبحرقة , هو لا يريد الإنتقال مع أهله إلى المدينة.
لم تفلح تبريرات الأب والأم , ولا كميات الحلوى المستوردة الكثيرة , ولا إغراء الورقة النقدية الجديدة من فئة الخمس ليرات
هو يريد البقاء مع جيرانه , مع من يحبهم , مع ريفه الجميل.
نظر إلى الحنونة والحنون , كانا يبكيان لبكائه , وكأن كل دمعة يذرفها , تنهال في صدرهما رماحاً ومدى .
رغم جمال المدينة وطيبة أهلها وكثرة أشجارها , ونظافة الحي و شارعه , وبعده عن المركز المزدحم , إلا أنه أحس بغربة تخنقه ,بمرارة تعصره.
قضى ليلته الأولى وكأنها قرن مظلم , لم تأت العمة كعادتها بعد الفجر, لتأخذه عندها كي تشرب (المته) , فقد كان هو سكرها , كما كانت تقول له.
لم يصطبح بضحكات العم وعناقه الحار كل صباح.
وقف على النافذة حزيناً مترقباً , يراقب الناس وحركتهم , غير آبه بملابسهم ذات الألوان المختلفة , والتي لم يعتد على مشاهدتها هناك.
عاد الوالد من عمله وقد جلب المزيد من الفاكهة والألعاب والحلوى , لكها لم تلفت انتباهه ,
- قم لقد أحضرت غداءاً جاهزاً من السوق , إنها صحاف اللحم الذي تحب
- لا أريد الطعام .
فجأة , وبدون سابق إنذار يقفز الطفل فرحاً ونشوة , لقد سمع صوتاً يحبه كثيراً , إنه صوت الدراجة البخارية الكبيرة , التي لطالما أقلته في نزهات العاصي , وحقول التفاح.
لم تخب آماله , صوت العم الحنون , يطرق الباب , يرتمي في أحضانه كالقط المتجمد برداُ
- لا تؤاخذوني يا جماعة , لكن الزوجة لم تنم ولم تأكل شيئاً من الأمس , وهي في بكاء مستمر , إنها تريد أن تراه , اسمحوا لي أن آخذه معي وسأعيده إليكم بعد الغد.
- اجلس الآن للغداء , ثم خذه معك , هو أيضاً لم يأكل شيئاً منذ البارحة.
- لا, لا , الزوجة تنتظر.
يضعه في حضنه على سدة الدراجة , ويغطي رأسه بشال دافئ, مقبلاً رأسه ,متوجهاً إلى مدينته الوادعة.
شعور لا يوصف , هو الآن يشعر بالجوع , يشعر بحبه للحلوى , يريد أن يأخذ الورقة النقدية...
ذات مساء في ليلة نقاش مع والده بعد سنين طوال , أخبره الوالد أمراً أبكاه وهيج فيه الحنين:
- في ذلك اليوم يا بني جاء هذا الرجل ليأخذك , ولكنه عرض أيضاً , أن يتنازل عن كل أملاكه وأراضيه وبيوته لك , مقابل أن تعيش معه, وتكون ولده.
- لماذا رفضت يا أبي , وكنت لا تملك المال.
- أنت أغلى عندي من ذلك.
في صيف عام 2000 الأب يتصل بولده على العمل , ليخبره أن ذلك العجوز الطيب قضى , وأنه أوصى بأن لا يدفن حتى يكون حبيبه حاضراً دفنه , رغم اختلاف الدين , وبعد المسافات والرؤى...

هذه هى الإنسانية ـ المحبة في الله التي لا تعرف دين أو حزب أو ملة
متى نعود كما كنا متآلفين مسلم ومسيحي ..وسني ..وشيعي ..و كردي ..ودرزي ..وعلوي ..
لما تَفَرّقْنَا .وصرنا ... شَتَاتٌ ؟؟؟؟ !!!
:002::006::003:

ناديه محمد الجابي
16-12-2018, 11:38 AM
الجد , ذلك الشرطي المتقاعد , ذي الوجه العابس الحازم المهيب , يجلس على أرضية البيت , والناس تتحلق حوله في مهابة وخوف واحترام , كان أباً لتسعة من الأباء وسبعة من البنات , وجداً للعشرات من الأحفاد , والذي يتجاوز عمر بعضهم الكثير من الأخوال.
لم يجرؤ طفل أبداً على ممازحة ذلك الجد أو التقرب إليه , فقد كان صارماً جداً , حتى في مشاعره , لكن ذلك الطفل كان استثناءً فريداً , فهو من سماه ,وهو ابن ابنته المدللة , وابن ابن اخته الطيب المحبوب
- دعوه , هذا ولدي وحفيدي , وهو غال علي كأبيه وأمه , وكل ماهمو ممنوع عن الجميع , فهو مباح له , سيكون له شأن كبير , وسنذكر بعضنا البعض .
- لكنك توليه الرعاية والحنان , بعكس ما تتولى بقية الأحفاد , وهذا حرام , يجب أن تكون منصفاً , لم أرك يوما , تشم أو تقبل أحفاد ابنتك الكبيرة , وأخاف أن تحزن ابنتك من ذلك . ( الجدة في جدية وحزن)
- النفس وما تهوى يا عجوز , لا أعرف , هذا الولد , له محبة خاصة , وكأنه شهد عجن في قلبي , أحب الجميع , لكن هذا فوق الجميع.
الجد ينتقل إلى رحمة الله , وفي يوم عزائه , الجميع يحدق بذلك الطفل , الذي تسابق إليه الأخوال لضمه وتقبيله , فهم لم يعرفوا إلى الآن سبب حب والدهم الشديد له , لكنهم سيحبونه بنفس الشكل , احتراماً لذكرى والدهم وتقديراً له.
- أين جدي يا أبي؟ أشتاق إليه , أريد أن أنام تحت فروته الدافئة.
الوالد بعيون دامعة ونبرة حزينة: خالي أو جدك , انتقل إلى رحمة الله , هو الآن عند ربه , ادعو له بالمغفرة والجنة
- وهل سيأخذني معه؟
- لا... لا , أطال الله في عمرك
الموت لأول مرة يدخل في قاموس وذاكرة ذلك الطفل , هو لا يعرف كنهه أو سببه أو عواقبه , ولكن من المؤكد بأنه شيء حزين مؤلم , لأنه سيكون السبب , في عدم رؤيتك لأشخاص تحبهم , وتتمنى أن تكون دائماً بجوارهم.


الموت هو أحد حقائق الحياة ـ وعندما يدخل في قاموس وذاكرة الطفل لأول مرة
يعيش في حالة من الضبابية وعدم الفهم لمعنى الموت ، ويتزلزل إحساسه بالأمان
وينتقل إليه الشعور بالحزن أو الخوف الذي تعيشه الأسرة.
وقد يحزن الطفل حزنا مبالغا فيه خصوصا إذا كان الفقيد مقربا ومحبوبا إلى القلب
والذاكرة مثل ( الجد) هنا.
مستمتعة بالقراءة لك جدا..
تحياتي لك أينما كنت .
:hat::hat: