تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رحلة الطائر الأخيره -- عاهد الشريف..



عاهد سليم الشريف
07-01-2015, 11:23 AM
لم يكن يحبها، ولم تكن تحبه، ولكن كل منهما يحمل هدفا ما .
هذا الشاب الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين، وتلك السيدة التي تخطت سنين الشباب ، وأصبحت في الخمسين .
كل منهما يبحث عن هدف ما ليشبع رغبته التي لطالما قضيا السنوات بحثا عنها.
انه الآن يعيش في بلد أوروبي، في بلدها الذي رحل إليه منذ زمن بعيد وحين حاول العثور على امرأة في عمر الشباب لم يسعفه الحظ ولا لغته الركيكة والتي من خلالها حاول اصطياد الفتيات. وحين التقى بهذه السيدة والتي تعمل في حانة بالقرب من بيته المطل عليها، رضي بها، وأقنع نفسه بأنه يحبها، وأقنعت نفسها أنها تحبه.
وأخيرا تزوجا، وضمهما بيت صغير متواضع بعد أن انتقلا إليه ليعيشا معا .
هو يبحث عن أشياء كثيرة، وهي تبحث عن شيء واحد فقط لا غير.
هو يبحث عن بلد مستقر، آمن، يجد فيه المال والحياة الهانئة والإقامة الدائمة .
وهي تبحث عن إرضاء شهوتها الجامحة، التي مازالت تتشعب في جسدها كألسنة من لهب.
والتصقت به وأومأت إليه ليقبلها، لكنه أشاح بوجهه عنها وابتعد قليلا. لم تتوقف وأعادت المحاولة مرة أخرى واقتربت منه وألصقت خدها المتجعد الصامت الموحش بخده النابض المنتعش بروح الشباب.
إنها مملة وفارغة، قبلاتها مثلها فارغة، لا روح فيها، وهو لم يتزوجها إلا لشيء، يجب أن يحققه من خلال هذه المرأة المتصابية، فيغمض عينيه مقبلا شفتيها اليابستين باشمئزاز، ثم يتوقف، لكنها تنهره ليستمر ويستمر في هذا الجحيم الذي يعيشه الآن في أحضان امرأة أخذت منه لذة الحياة وأغرقته في آمال متناثرة، آمال ربما لن تتحقق، آمال في طريقها إلى التشتت والضياع .
لا بأس قال، وغابا في عراك الشهوة الجامحة والقبل الزائفة.
ومر شهر ومر الآخر وتجمعت الشهور عند بابهما كالأشباح المتواثبة.
وأدرك أن عمره يضيع وأنه يفنني أيامه الشابة من أجل امرأة تافهة، لا تبحث إلا عن رغبتها ولا ترى فيه إلا شلالا من الشهوة المتدفقة ، من شاب يمتلك الرجولة والقوة وروح الشباب المتوثب .
ومر عام على زواجهما وأحس بالأيام تفترس روحه ، وتغلق شريان الحياة في جسده.........
ويخرج من المنزل باحثا عن حانة ، عن مسكن لآلامه المتشعبة في صدره.
إن هذا الليل يبعث فيه الحزن والألم كثيرا، كثيرا.
هذا الليل الذي يتغزل به الشعراء وعاشقو الليل والجالسون عل رصيف العشق، لم يعد يعني له شيئا كثيرا .
ويثمل ، يثمل كثيرا ويغيب مسافرا في أحزانه الكبيرة، يسافر ويبقى ساعات طوال إلى أن يأتي إليه الصباح حاملا صوت الجر سون وهو يقول: الساعة الآن السادسة، نريد إغلاق الحانة ، لو تكرمت أيها الشاب !
وتغلق الحانة أبوابها، ويعود إلى البيت، يعود وهو مترنح ، متعب ، مثخن بجراحه الأبدية.
يطرق الباب ، وهو يردد أغنية حزينة.
يستمر في طرق الباب ، لكن زوجته لم تنم تلك الليلة، لم تنم .. ليس لأنها قلقة عليه بل، لأنها تريد أن تنفث في وجهه عباراتها السامة القاتلة.... وقالت : هذا أنت أين كنت ؟. لماذا تأخرت؟ ، لم يعد لك مكان هنا ، ابق في الخارج ، نم أينما شئت ! نم في الجحيم! لكنك لن تدخل إلى هنا ....قالت ذلك في أقل من ثلاثين ثانية، وأغلقت الباب في وجهه وعادت إلى سريرها الوحيد، إلى فراشها الوثير، لتغمض جفنيها وتريح جسدها الذي بقي متوترا طيلة تلك الليلة الغاضبة .
لم يقل شيئا، بل انفجر باكيا ، بكى، بكى كثيرا، كثيرا وأسند ظهره إلى الحائط . انها المرة الأولى التي يبكي فيها بكاء مرا.... وتمنى لو إنه الآن في حضن أمه التي لم يرها منذ سنوات عديدة .
انه قابل للانفجار، لا يهمه أي شيء ، يريد أن يتبخر ، ويريد أن يرحل ، يريد أن يختفي، وفعلا اختفى وفعلا تبخر ، وأصبح حديث الناس والقراء الذين قرؤا في الصحف اليومية عن موته الغامض

عبد السلام دغمش
07-01-2015, 04:10 PM
أخي الأستاذ عاهد الشريف،
نص قصصي مشوق باسلوبه السردي وتلاحق الأحداث فيه..
كثيرٌ من الشباب يهاجرون ويتزوجون من أجل جنسية ووظيفة..والزواج اذا خرج عن مقاصده التي شرع لاجلها لم يكن فيه استقرار.
نص متميز ،
تحياتي.

عاهد سليم الشريف
07-01-2015, 04:53 PM
أخي عبد السلام شكرا على مرورك الكريم .الحقيقة هذا ما يعانيه الشباب في الغرب وكثيرا ماتكون النهاية بهذه الطريقة..

خلود محمد جمعة
08-01-2015, 09:17 AM
علامات الفشل واضحة من بداية رسم الاهداف ومحاولة اختصار المسافات الى لحد يناسب وصولنا دون جهد
حدد الهدف الخاطيء منذ البداية واكمل على أساس غير متين فكان انهيار الحياة في لحظات
كان انتهائه قبل اختفائه
رسالة اجتماعية بطرح طيب وحرف جميل وفكر عميق
بوركت وكل التقدير

عاهد سليم الشريف
08-01-2015, 11:33 AM
اخت خلود شكرا لك على هذا الاهتمام. وهذه قصص قريبة من الواقعية جدا

عاهد سليم الشريف
11-01-2015, 12:14 AM
اخت خلود شكرا لك ولمرورك الذي امتعنا.وكثيرا ماتكون افكار تلشباب سببا في نهايتم

ربيحة الرفاعي
19-01-2015, 11:42 PM
لغة طيبة بأداء سردي جميل ومهارة في بناء الجمل القصّية، والوصف والتفصيل الاستقطابي ، وأراها أهلا لبناء نصوص مميزة ببعض اشتغال على الفكرة ومهارة رسم المشهد وملامح شخوصه، وأزعم في النص هنا أن الفكرة المتداولة بسخاء في حكايات خيبات الغربة لم تحظ بالتأثيث الكافي، وكان رسم الشخوص متجنيا إلى حد ما، مما انحرف بالتصاعد الدرامي في المشهد والتنامي الحدثي باتجاه الخاتمة عن منطَقية التتابع ..

دمت بخير أديبنا
لا حرمك البهاء

تحاياي

آمال المصري
17-12-2015, 02:14 AM
اختلاف الأهداف أو انعدامها يؤدي إلى مالا يحمد عقباه
قصة أقرب للواقع بما تحمل وتهدف جاءت رسالة للبعض الذين ينظرون للغربة بعين الأمل وتحقيق الطموح ويجهلون الثمن
لغة سلسة وسرد ماتع ونهاية مؤلمة أتقنت نسجها أديبنا الفاضل
تحاياي

ناديه محمد الجابي
05-09-2023, 09:53 PM
زواج المسنات الأجنبيات من الشباب العربي لمنحهم الاستقرار في أوروبا والحصول
على الإقامة هو شكل من أشكال الاستغلال الجنسي والسخرة والخدمة قسرا
والاسترقاق والاستعباد.
زواج بدون حب هو مجرد زواج مصلحة مشتركة
ومابنى على باطل فهو باطل.
قصة تطرح قضية هامة من الواقع بأسلوب جميل وسرد رائع ونهاية مؤسفة.
تحياتي وتقديري.
:009::002::004: