المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مذكرات صحابي من أحد



عبد الله راتب نفاخ
13-01-2015, 02:09 PM
مذكرات صحابي من أحد

(صلى الله عليك وعلى آلك يا سيدي يا رسول الله)

اشتد الوقع، حارت الأفئدة.
وقع الظهيرة شديد، يضرب على الدروع الصقيلة والرماح المتهاوية هنا وهناك فيزيد الحريقَ حريقاً.
عيناي تزيغان، والزحام يملأ ما حولي كله، دماء تطيش، ونحور تُدَقُّ.
فجأة أتاني الصوت مذبوحاً: قد أصيب رسول الله.
كأن سيفاً قسم صدري من داخله.
- أيٌعقَل؟؟؟
أنا في وسط المعمعة ، حتى المشركون لا يصلون إلي، فقد علقت وسط صف المؤمنين.
لكنّ الخبر أعادني إلى الواقع من حيث أذهب صوابي.
مذهولاً بدأت أشق طريقي إلى حيث كان رسول الله.
كانوا واهلين، لكن ليس وهل من فقد نبيه وقائده.
شيء من طمأنينة سرى فيّ ، فأكملت الطريق .
نسيت أني في معركة، وأن هناك من يقصدني بسوء ، وأن جيشي فد ارتبك، وأعداءه أطبقوا عليه، كل ما شغل بالي أن يهدأ روعي برؤية رسول الله سالماً.
فجأة بزغ الإشراق في صدري، رأيته، حقاً رأيته، خارجاً كبدر لم ينر الليالي مثله، خارجاً من حفرة، بين علي ابن عمه وطلحة بن عبيد الله ، كانا يعينانه، وكان الدم يغطي وجهه، والتراب يكسو ثيابه.
لكنّ الإشراق، الضياء، كانا ينبعان من وجهه فتنير الأكوان كلها بهما.
فجأة هوى عليه أحدهم من خلفي، التفتّ ورائي فرأيتهم كالغربان وجدت فريسة ضعيفة تنال منها، يتجمعون ويكرون مريدينه بالسوء.
استللتُ سيفي ، دبت فيّ الحماسة على صورة لم أعهدها ، بل جُنّ بي الجنون.
- لن تصلوا إليه يا أعداء الله.
وجدتُني أضرب ولا أبالي، وعلى أني لم أُعهَد مقاتلاً أشوس أنا التاجر المدني، فإن من رأوني ساعتئذ كادوا ينظمون القصائد في وصفي.
لقد صنع مرآه خارجاً من الحفرة بي العجب، وسعادتي بنجاته خلعت علي حماسة ما حسبتني أكنها في صدري، وخوفي عليه وقد أقبلوا بجموعهم الشوهاء جعلني أفقد عقلي بل أرميه، نعم رميتُ عقلي وقاتلتُ بقلبي وحده، بعاطفتي المجردة وحدها.
من قَتلت ؟ ومن أَصبت؟ وهل أُصبت؟ لم أعِ.
لكنني أذكر أنني وسط غمامة من القتال والتراب وأخلاط الخلائق وقعت، ارتطمت بي فرس وارتطمت بأحدهم لا أدري أكان مشركاً أم مؤمناً، فهويت أرضاً، ثم ... ثم ..... ثم ......
لا شيء في عينَيَّ غير الغبار ، ولا شيء أشمه غير رائحة التراب، وشعاع شمسي يلقي على عينَيّ غشاوته.
.................................................. ...
وجدتُني أصحو، لقيت مقابلي وجه أحد المؤمنين، أبصرتْه عيناي المنهكتان.
- أحمد الله على سلامتك يا أُخيَّ
قالها وفمه يفتر عن ابتسامة نقية.
- ما فعل رسول الله؟
تمتمتُ بها وأنا لا أكاد أملك الكلام.
- قد حماه الله وأنجاه ، بيد أننا هُزمنا يا أخي والله.
- - لم نُهزم، لم نهزم ما دام فينا القمر الكلي يسري فينا بنوره، وينير لنا دياجي الحياة وما وراء الحياة.
قلتُها مشدداً على مخارج الحروف رغم حالي، ثم أغمضتُ عينًيَّ ورحت منساحاً في حلم مخملي تملؤه راحة لا شبيه لها، كأنني محمول على أكف الملائكة في مدى سكوني.
لقد نجا رسول الله ، وما دام فينا صاحبُ الوحي قمرُنا الكلي شخصاً أو نهجاً فذلك النصر، وكل نصر من بعده سيأتينا عاجلاً أم آجلاً.

فاطمه عبد القادر
14-01-2015, 12:57 AM
رأيته، حقاً رأيته، خارجاً كبدر لم ينر الليالي مثله، خارجاً من حفرة، بين علي ابن عمه وطلحة بن عبيد الله ، كانا يعينانه، وكان الدم يغطي وجهه، والتراب يكسو ثيابه.
لكنّ الإشراق، الضياء، كانا ينبعان من وجهه فتنير الأكوان كلها بهما

اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وآلهِ وصحبه .
هزيمة أُحد ما زالت تجرح مشاعرنا حتى هذا اليوم كلما قرأنا عنها أو رأيناها في مسلسل أو فلم أو حتى تذكرناها ,
لكنها في الواقع كانت إرادة الله ودرسا مهما لأجل المستقبل ,
كتبت بلغة عاطفية عالية, كنت أقرأ وكأنني أرى بعيني كل شيء ,
سبحان الله كيف استحوذ رسولنا عليه السلام على هذا الحب المنقطع النظير ,في السابقين واللاحقين ,وإلى يوم الدين ,؟
إنها إحدى المعجزات التي وهبها الله عز وجل للرسول الأكرم !,
قطعة نثرية رائعة ,
شكرا لك أخي عبد الله
ماسة

كاملة بدارنه
15-01-2015, 05:09 PM
صلّو الله عليه وسلّم .. سيظلّ محفوظا وحبّه محفورا في القلوب مهما كاد له الكائدون
شكرا لسموّ الخلق
بوركت
تقديري وتحيّتي

علاء الدين حسو
15-01-2015, 08:28 PM
احييك اخي على النص ، الهادف والمميز، درس لنا نحن لكتاب، ودرس للقارئ، لا ان يمر على سيرة صحابي كمن يمر على قرية عابرة ، وانما العيش فيها والانصياع لها والتاثر بها ..

مودتي

تبارك
16-01-2015, 09:44 PM
وجدتُني أضرب ولا أبالي، وعلى أني لم أُعهَد مقاتلاً أشوس أنا التاجر المدني، فإن من رأوني ساعتئذ كادوا ينظمون القصائد في وصفي.



في هذه الدنيا، غبار السعي وهمومه تعمينا، تتكاثف على القلوب فتكاد تطفئ النور فيها، قلة يعيشون لله بكل ما في الكلمة من معنى،
يسعون كغيرهم وأكثر، يأخذون بالأسباب ككل الناس وأكثر، تراهم فتحسب السعي أكبر همهم، ثم تعاشرهم فتدرك أنهم لا يرون غير رضى الله!
وهؤلاء، حين تعاشرهم، تجدهم بقلوب طيبة صافية كالماء العذب، ومعاملة هينة لينة متواضعة هاشة باشة، بسطاء خلت نفوسهم من التعقيدات
التي لطالما كبلت من حولهم من الساعين في الدنيا، قد يكونون من البساطة والهدوء بحيث يمرون في حياة الناس من حولهم ولا ينتبه لهم أحد،
لكن رغبتهم العارمة في بلوغ مرتبة "يحبهم ويحبونه" و "المؤمن القوي" ومجد الأمة ونهضتها وعزة الإسلام و"استعن بالله ولا تعجز" تدفعهم
للعمل الجاد والدأب والإصرار، ثم هم كالأشجار المثمرة اليانعة، لا يكاد يمر عليهم يوم دون إنجاز، ثم هم بإخلاصهم قد طرحت البركة في أيامهم
فتراهم يقطعون في اليوم -مجازا- مراحل لا يقطعا غيرهم في أيام.
تلك حياة، ترى فيها حقا، أن من كان في نظر الناس إنسانا عاديا، يصبح بهذا الإيمان إنسانا خارقا ليس له مثيل، وهو نفسه لا يعرف لذلك
سببا فعليا إلا "توفيق الله"، ذلك وحده ما جعل حياته أشبه بمعجزة، وغيرها، تماما.




نص رائع مؤثر وموفق
جزاك الله كل الخير وبارك فيك

ربيحة الرفاعي
21-01-2015, 06:38 PM
نص جميل بمحمول جليل وأداء طيّب
لا حرمت أجرها

تحاياي

نداء غريب صبري
05-05-2015, 12:42 AM
اللهم صل على سيدنا محمد

خيال أدبي جميل أخي
جزاك الله خيرا

عبد الله راتب نفاخ
27-07-2015, 08:54 AM
رأيته، حقاً رأيته، خارجاً كبدر لم ينر الليالي مثله، خارجاً من حفرة، بين علي ابن عمه وطلحة بن عبيد الله ، كانا يعينانه، وكان الدم يغطي وجهه، والتراب يكسو ثيابه.
لكنّ الإشراق، الضياء، كانا ينبعان من وجهه فتنير الأكوان كلها بهما

اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وآلهِ وصحبه .
هزيمة أُحد ما زالت تجرح مشاعرنا حتى هذا اليوم كلما قرأنا عنها أو رأيناها في مسلسل أو فلم أو حتى تذكرناها ,
لكنها في الواقع كانت إرادة الله ودرسا مهما لأجل المستقبل ,
كتبت بلغة عاطفية عالية, كنت أقرأ وكأنني أرى بعيني كل شيء ,
سبحان الله كيف استحوذ رسولنا عليه السلام على هذا الحب المنقطع النظير ,في السابقين واللاحقين ,وإلى يوم الدين ,؟
إنها إحدى المعجزات التي وهبها الله عز وجل للرسول الأكرم !,
قطعة نثرية رائعة ,
شكرا لك أخي عبد الله
ماسة


أستاذتي الغالية الكريمة
كرمتني وشرفتني
دمتم بكل الود

عبد الله راتب نفاخ
27-07-2015, 08:56 AM
صلّو الله عليه وسلّم .. سيظلّ محفوظا وحبّه محفورا في القلوب مهما كاد له الكائدون
شكرا لسموّ الخلق
بوركت
تقديري وتحيّتي

بوركتم أستاذتي الغالية
سلمكم الله وبارك فيكم

عبد الله راتب نفاخ
27-07-2015, 08:58 AM
في هذه الدنيا، غبار السعي وهمومه تعمينا، تتكاثف على القلوب فتكاد تطفئ النور فيها، قلة يعيشون لله بكل ما في الكلمة من معنى،
يسعون كغيرهم وأكثر، يأخذون بالأسباب ككل الناس وأكثر، تراهم فتحسب السعي أكبر همهم، ثم تعاشرهم فتدرك أنهم لا يرون غير رضى الله!
وهؤلاء، حين تعاشرهم، تجدهم بقلوب طيبة صافية كالماء العذب، ومعاملة هينة لينة متواضعة هاشة باشة، بسطاء خلت نفوسهم من التعقيدات
التي لطالما كبلت من حولهم من الساعين في الدنيا، قد يكونون من البساطة والهدوء بحيث يمرون في حياة الناس من حولهم ولا ينتبه لهم أحد،
لكن رغبتهم العارمة في بلوغ مرتبة "يحبهم ويحبونه" و "المؤمن القوي" ومجد الأمة ونهضتها وعزة الإسلام و"استعن بالله ولا تعجز" تدفعهم
للعمل الجاد والدأب والإصرار، ثم هم كالأشجار المثمرة اليانعة، لا يكاد يمر عليهم يوم دون إنجاز، ثم هم بإخلاصهم قد طرحت البركة في أيامهم
فتراهم يقطعون في اليوم -مجازا- مراحل لا يقطعا غيرهم في أيام.
تلك حياة، ترى فيها حقا، أن من كان في نظر الناس إنسانا عاديا، يصبح بهذا الإيمان إنسانا خارقا ليس له مثيل، وهو نفسه لا يعرف لذلك
سببا فعليا إلا "توفيق الله"، ذلك وحده ما جعل حياته أشبه بمعجزة، وغيرها، تماما.




نص رائع مؤثر وموفق
جزاك الله كل الخير وبارك فيك

كلماتكم ها هنا فاقت النص الأصلي رونقاً وبهاء
جويتم كل خير وبارك الله فيكم

ناديه محمد الجابي
02-02-2017, 09:52 PM
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تصوير جميل بحروف نثرت محملة بعميق المعنى وشجي الإحساس
جعلتنا نطير معك في عوالم من النقاء.
سلمت ـ ودام هذا القلم المنير. :0014: