تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رصيف الأرواح



سعاد محمود الامين
17-01-2015, 05:58 PM
رصيف الأرواح

انكشاط الأرجل على حجارة المقابر، جعل حارس المقبرة ينتفض ويقشعر بدنه، لمن هذه الخطوات الثقيلة؟ تمتم فى سره..
انتظر تأقلم عينيه مع العتمة، الأموات الجدد لا يندمجون مع الأموات القدامى، مازالوا متعلقين بدنياهم، كذلك كان يعتقد عبد الصمد حارس المقابر، المهنة التي ورثها عن أب وجد، يجيدها يستقبل الجثامين دون تعاطف، كأنه يحضر مأتما لايعنيه فى شئ.
كان الليل مدلهما، والسماء مكفهرة مخططة ببرق عنيد يبرق بقوة تخطف الأبصار ثم يتلاشى،هزيم الرعد يرج الأرض بشدة. لأو ل مرة ينتاب عبد الصمد هذا الرعب، سمع صراخ استغاثة يثقب ضجيج الليل المضطرب، حمل قنديله وتدحرج نحو المقبرة الأخيرة، ليرى الجسد الذى رقد عند سقوط الشمس فى مستقرها وليتلو عليه قوانين الرقود الأبدي،كان ضوء الشعلة يترنح ثم ينطفئ، فيزداد وجيب قلبه، يبسمل ويقرأ ماتجود به الذاكرة فى مثل هذه المواقف، ولكنه نسي ماحفظه:
ــ مالهذا الميت لا يستقر فى مرقده الأبدي.. !؟
وساوس دواخله غير المطمئنة تشوش واقعه. مازلت الضوضاء المتلاحمة، من صراخ وخطوات ثقيلة تدوّم فى المقابر، وعبد الصمد متكورا.. يردد فى همسه :
ــ ماذا يقع لهؤلاء الموتي؟! أقامت قيامتهم!
أدركته سنة من النوم ربما ثوان أو ساعة،لايدري لقد أضاع الزمن، أصاخ لبرهة.. هناك اهتزازات حناجر حزينة تشبه الأنين، تنبعث من جميع أركان المقبرة، وشواهد القبور تلمع مع كل وميض، شاهدة على مايحدث ولكنها شواهد صامته..
تسللت أشعة الشمس بعد أن إنكمشت الغيوم، فأيقظته، هرول مسرعا ليكشف سر مخاوفة التي انتابته لأول مرة، وجد قبرا جديدا فى الجهة القصية من المقابر، وقد كان سطحه مترعا بدماء لم تغسلها أمطار ليلة الأمس..وبدل الشاهد وضع سيف يبرق نصله تحت وهج الأشعة ، شعر بالحزن لأول ميت وهمس:
ــ قتلوه..كان يصرخ مقاوما أبديته؟ ليتني حضرت لأمنعهم ..
طرد الفكرة مسرعا من مخيلته، ونبذ هذا التعاطف الذى اعتراه..تمتم:
ــ لقد تم أجله ماذا أنا فاعل له..!
رجال الشرطة يذرعون أرض المقابر جيئة وذهابا، ينتظرون نبش الجثة المغدورة.
عبد الصمد يراقب مقهورا، لم يقم بواجبه فى الحراسة،فأدى إلى موت ضحية قضت مضجعه ، وأزعجت الموتي فى مراقدهم بصراخها، كان يتعايش معهم كالأحياء، ويجلس قرب كل قبر جديد يتلو عليه تعاويذ رحلة الخلود..كان هذا عالمه. اعتاد رؤية الأشباح الليلية وهمسها ووقع خطواتها الخفيفة وتوترها،لايخشاهم يظن أن الموتى يزورون بعضهم، هم أهل هناك الجد والأب والخال وأبن العم يرقدون وتكتمل قناعاته وينجلي الخوف. الرعب الذى هد كيانه ليلة الأمس، جعله لايثق فى الموتى ولا أشباحهم، فقد أصبحت خطواتهم ثقيلة، وضجيجهم يثير مخاوفه، ولكنه ناقم على الشرطة يهمس محدثا نفسه التي اعتاد مخاطبتها:
ــ لايأتون إلأ بعد سفك الدماء..ماذا لوطافت دوريتهم ليلا!؟
أوشك أن يقول شيئا للشرطي!ثم ترنح وسقط مغشيا عليه، عندما نُبش القبر ووجد خاليا !:003:

آمال المصري
18-01-2015, 03:46 PM
تناولت أديبتنا القديرة عدة أمور من خلال نص امتزج فيه الواقع بالخيال بالحلم نقلت فيه أحدى الصور من مجتمعنا وصورت لنا معاناة صاحب المهنة وما يلاقيه
ربما لم يرد لأذهان الكثير منا كيف يعيش حارس القبور وتعامله مع أرواح الموتى أو تصوره لما يدور في عالمهم وتعمل الهواجس على ما ينتابه من إرهاق حتى يرتطم بالواقع
النص يحمل أبعادا عديدة لما يتم داخل المقابر وحولها من انتهاكات ونسمع كثيرا عن نبشها وتجاوزات تتم في الخفاء بعيدا عن أيدي القانون
زان النص بعض مفردات معجمية جعلتنا نستمتع بلغتنا الجميلة وحبكتها ونهايتها المباغتة فشكرا لك على نص راق لي
تقديري الكبير

سعاد محمود الامين
18-01-2015, 08:31 PM
الأستاذة الأديبة آمال
كل عام وأنت بخير
اشتقت لتعليقاتك المبهرة دوما..ازدان النص بمرورك..
قرأت كثيرا حتى تشبعت مخيلتي بمفردات حفظتها لاعجاي بها فاطلقت لها العنان فى النص
سرني انها اعجبتك وانت سيدة الحرف
تحياتي النواضر...:001:

كاملة بدارنه
19-01-2015, 07:47 PM
ذهبت بنا لعالم آخر في رحلة شائقة لمعرفة الصّراعات التي عاشها البطل والتي تعكس نظرة مغايرة للحياة...
عالم الأموات لا يسلم أيضا من بطش الأحياء... فتبّا للأيدي الملطّخة بفعل العار
سرد جاذب وقفلة مفاجئة
بوركت
تقديري وتحيّتي

سعاد محمود الامين
22-01-2015, 06:14 AM
الأستاذة الأديبة كاملة
تحية طيبة ومبارك العام الجديد
شكرا على ماتفضلت به..أثريت النص..
ودمت بخير

خلود محمد جمعة
24-01-2015, 07:42 PM
مهما حاولنا إنكار انسانيتنا يبقى هناك ذلك الركن البعيد حيث نتعرى امام انفسنا ونرى ملامحنا العميقة
ورث المهنة مع احساس اقتبسه من جده ووالده لكنه في موقف معين يدرك هشاشته
تصوير للحالة النفسية وتفاعلنا مع الحدث المرتبط بها بمهارة
وطرح قضية الموت و المقابر وما يفعله الاحياء بالاموات بسرد ماتع وبطابعك المائز
كل التقدير و مودتي
بوركت

سعاد محمود الامين
27-01-2015, 07:02 PM
العزيزة خلود
مرحبا بك
أسعدني عبورك منهذه المقبرة بالسلامة هه
أعجبني تعليقك الرفيع الأنيق المعنى والمضمون
شكرا جزيلا لك

ربيحة الرفاعي
29-01-2015, 01:55 AM
أداء قصّي لافت كدأبك أيتها الرائعة، ومشهد رسم بيراعة قاصة قديرة تعرف كيف تفرض سلطان الحرف على المتلقي بشائقية السرد ومتانة الحبكة والتمكن من خيوطها
أما الجديد الذي أسعدني فتطور في لغتك أصفق له احتراما

دمت بروعتك

تحاياي

سعاد محمود الامين
29-01-2015, 03:20 PM
الأستاذة ربيحة
أسعدالله أوقاتك بكل خير
سعدت بمانثرت هنا حول النص والقلم.. أثلجت صدري
كيف لي أن أتطور لولا سعيك الدائم لتوجيهي
لا أنكر لك دورك الفاعل المشجع
ومرورك وإهتمامك بالنصوص..
شاكرة ومقدرة وممتنة
دمت بألف خير

نداء غريب صبري
29-04-2015, 11:32 PM
أسلوب مشوق ومؤثر في وصف معاناة وهلوسة حارس المقبرة
القصة جميلة ومميزة

شكا لك أختي

بوركت

سعاد محمود الامين
01-05-2015, 11:02 PM
الأديبة نداء
تحية وود
شكرا لك على مرورك وابتعاثك النص للواجهة
ممتنة لك وسعدت أعجبتك الفكرة
ودمت بألف خير

د. سمير العمري
24-06-2015, 04:24 PM
نص قصصي جميل رصد جانبا من أحداث المقابر والعاملين فيها وكيف تكون الجرائم التي تقضي على حياة البشر دون أدنى تأثر.

الفكرة واضحة وموحشة وحشة القبور ولكنها مؤثرة في النفس والتلقي ، واللغة أرقى مما تعودنا منك ولكن لا يزال هناك بعض هنات تحتاج تصحيحا.

تقديري

سعاد محمود الامين
02-07-2015, 06:56 AM
الأخ الأديب د. سمير
رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير
شكرا كثيرا على ماتفضلت به حول النص
وإن كنت أطمع دوما فى استخراج الهنات حتى أراها وأصوبها.
كثيرا ماتفوتني أثناء المراجعة..ومنكم نستفيد
خاص التقدير والامتنان

ناديه محمد الجابي
20-10-2015, 09:52 PM
الموت هو الحقيقة المطلقة في الحياة إلا إنه عالم محيط بالكثير من الغموض
بطلنا حارس مقبرة أبا عن جد.. قد تعود على عمله ، كان هذا عالمه ..
اعتاد رؤية الأشباح ليلا ولا يخشاهم ـ ولكن ذلك لم يمنع أن يمر بليلة
أدخلت الرعب إلى قلبه، ليكتشف أن الأحياء لم يرحموا حتى عالم الأموات.

جذبني السرد الماتع ـ نص بهي بلغة قوية وتعابير ملفتة تركيبا وصورا.
أين أنت صديقتي سعاد .. ولم انت بعيدة عن الواحة التي كبر وتطور
وبرع فيها قلمك .. أتمنى أن أقرأ لك قريبا هنا في واحتك التي تشتاقك. :001:

كريمة سعيد
21-10-2015, 05:18 PM
صراع بين الأموات الأحياء وبين الأحياء الأموات في قصة اعتمدت التمويه من خلال الاعتماد على الخيال الواسع والفنتازيا
قصة جميلة بأسلوبها ومضمونها تحتمل عدة قراءات
تقديري ومودتي

سعاد محمود الامين
26-10-2015, 08:22 AM
العزيزة نادية
الشوق والتحية
مرورك أعجبني وبهاء حرفك طوق النص فازدان
لقد افتقدتكم جميعا...ربما كون النشر فى صفحتى قد أخذتني
عن موقع ترعرع فيه القلم واللغة..ولكن أطل من حين الى آخر
لأرى جديدكم..الشكر والتقدير لك
:0014:

سعاد محمود الامين
26-10-2015, 08:24 AM
الأخت كريمة
لك التحية
مرورك أسعدني..أضفت وأنرت النص
لك التقدير والشكر