تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دع الصناديق مغلقة



بثينة محمود
23-04-2005, 03:07 AM
" يسعدنى الآن ويملؤنى الفخر أن أعلن نجاحى فى تحضير هذا العقار, هذا الحلم الذى راود البشرية كثيراً وأظنه كان من المستحيلات حتى أتيت به".

كنت أحادث نفسى -وكأنى أمام رهط من العلماء- التى أرهقتها شهوراً طويلة بلا نوم ولا راحة, عمل وكد متواصل حتى أصابنى الكلل, ورغم تأكدى من نتيجة عملى إلا اننى كان يلزمنى تجربته فعلياً حتى يكتمل الإبداع, وأسجل براءة اختراعى المذهل.

تركت الحجرة الصغيرة التى جعلتها معملى ومركز إبداعى وبيدى قارورة تحوى خلاصة جهدى, توجهت إلى حجرتى ووضعتها برفق على المنضدة, وارتميت على الأريكة وأنا أرقبها بشغف كما تفعل الأم مع وليدها الصغير.

" الناس صناديق مغلقة"
قالها لى والدى -رحمه الله- وهو يجلس معى يوماً ليحادثنى كعادته, ويحاول أن يبثنى خلاصة تجربته فى الحياة, كان يحاول جاهداً أن يجعلنى مسيطراً على انفعالاتى غير مستبقاً للأحداث, وأن أمعن الفكر قبل أن أنطق- أو أهذى- تحت تأثير الحدث, كان يرانى شغوفاً بمعرفة بواطن الأمور, ولعاً بتوقع أفكار الآخرين, كان الرجل حكيماً ولا شك, ولكنى رفضت فى قرارة نفسى هذه العبارة, كيف يكون الناس صناديقاً مغلقة؟ هل يمكنهم حقاً كبت مشاعرهم وإظهار غير ما يبطنون؟ ولماذا لا أملك من المفاتيح ما يتيح لى فتح هذه الصناديق؟

كنت أترك لخيالى العنان وأنا أسير فى الطرقات, ومن حولى صناديق تتحرك وتتدلى منها الأقفال, وتحت كل صندوق قدمان تسيران بسرعة أو ببطء أو تتوقفان لعمل ما, كانت تحاصرنى الصناديق وكلمات والدى وأفكارى المتوهجة.

- أهلاً يا عزيزى, كيف حالك؟
-......................................
- نعم, اعترف أنى مقصر فى حقك, لكنى كنت منشغلاً ببعض الأعمال فى الفترة الماضية.
-......................................
- اتصل لأهذا السبب, افتقد لقاءاتنا بشدة, ما الموعد المناسب لك؟
-......................................
- إذن اتفقنا, إلى اللقاء.

تطلعت إلى النافذة, وأنا احلم باللقاء, لن أجد أفضل منك يا صديقى العزيز لتكون شريكى فى تجربتى وشاهداً على لحظة نجاحى, كم هزأت بى فيما سبق لكنى الآن سأتيح لك الفرصة لتعى قيمة صديقك الحقيقية, سيملؤك الفخر عندما تدرك, لا أشك فى هذا لحظة واحدة.

ضمتنا القاعة الرحبة فى نادينا المشترك وجلست بيننا رقعة الشطرنج كعادتنا منذ الصغر, نظرت إلى كأسىّ العصير وقد تغير لوناهما قليلاً ومالا إلى الأحمر الداكن, وفقاعات كرؤوس الدبابيس تتصاعد فى بطء لتختفى عند السطح, بدأنا اللعب وبدأنا فى تجرع كأسينا, لم أحاول أن أفسد الأمر فوضعت لنفسى ذات القطرة التى وضعتها له.

لفنا الصمت الطويل, وبدأ الحوار دون كلام, يا إلهى, يبدو أنى نجحت بالفعل !!!

- نجحت فى ماذا أيها الأخرق, أما زلت على احلامك المستحيلة, أنظر لرقعة اللعب قبل أن أقضى عليك.

- لا شك أنك مازلت لا تدرك ما يحدث لك -لنا- سأحاول ألا أفكر فى الأمر حتى يصبح وقع المفاجأة أجمل فى نهاية الأمر .

- كأنى أسمعك تتحدث, ماذا تخفى أيها الأبله؟ وهل يمكنك إخفاء شيئاً وأنت أمامى كالكتاب المفتوح, مسكين.

- تنعتنى بصفات غريبة وتتحدث عنى بطريقة لم أعهدها فيك, ماذا دهاك؟؟

- لأنك غبى, تصدق كالبلهاء تمتمات الشفاه, انظر, أخطأت ومات وزيرك !!!

- تتمادى فى السب وكأنك تتلذذ بهذا, كأنك معتاد على احتقارى, رغم أنى لم أرَ منك يوماً أى تحقير, قد يكون هزلاً كعادة الشباب, أو بعض الغيرة, لكنى ...

- اصمت أيها الأحمق, أنت لا تدرك أى شىء, تحيا كالميت بين قواريرك, تغلق عليك بابك ويأتيك -ياللعجب- كل ما تشتهى دون أن تسعى, إنك أحمق محظوظ لا أكثر.

- يا إلهى, أهذا ظنك بى ؟

- نعم, بل أكثر من هذا, أظنك لو عرفت كل شىء لتركت هذا البله جانباً وانتبهت لكونك أكبر أحمق فى الكون.

- ....................................

- أحسنت, فالصمت من أمثالك حكمة, خير لك أن تنهى هذه الجولة سريعاً فلدى موعد مع جميلة جديدة ولا أحب أن تنتظرنى طويلاً.

- جميلة جديدة ؟؟!!

- لا تخف, ليست زوجتك, فقد سئمت زوجتك فهى بنفس حمقك, كما أن شفتيها دوماً باردتان كالثلج, ........

***************************

" لاأعلم يا سيدى أكثر مما ذكرته, لقد جلسا كعادتهما قليلاً يلعبان الشطرنج, ولم يسمعهما أو يرهما أحد يتشاجران أو يتحادثان, كانا فقط ينظران لبعضهما, وانتبه كل من فى القاعة على شوكة الطعام وهى تستقر فى رقبة أحدهما, فتفجرت الدماء فى كل مكان, لقد كان مشهداً رهيباً....."

نظر الرجل إلى رقعة الشطرنج المغطاة بالدماء, ورفع حاجباه دهشة, فقد كانت الجولة لم تنته بعد ,,,,,,,,,

د.جمال مرسي
23-04-2005, 10:43 AM
و هل بعد الدماء التي غطت رقعة الشطرنج يمكن أن تكتمل الجولة
خيالك خصب يا سنبلة
و قصة سحبتني لآخرها فلم أفك طلاسمها إلا مع آخر سطر
و هذا هو عنصر التشويق فيها
دمت بخير أيتها الرائعة
سعدت بالقراءة لك
( ورفع حاجباه دهشة ) .. حاجبيه

تقبلي خالص الود و عظيم الإمتنان
أخوك
د. جمال

يسرى علي آل فنه
23-04-2005, 12:24 PM
تحية طيبة أختي العزيزة سنبلة

بالفعل نتفق معكِ بأن الناس صناديق مقفلة وكم ستكون الحياة مرعبة لو أن هنالك عقاراً يكشف خبايا ماتضمر النفوس كموجات تصل الى الذهن ويقرأها بمنتهى السهوله ويجن جنونه بعد معرفته
بكل حال يكفي أختي الحبيبة ما تكشفه لنا التجارب ومحكات الحياة مما تضمره نفوس من نحيا بينهم من خير وشر
وفي أمثالنا الشعبية الناس صناديق مقفلة مفاتيحها التجارب

تقبلي تقديري وبوركتِ على جميل ماتنسجين من أفكار مميزة.
:0014:

إسلام شمس الدين
23-04-2005, 01:02 PM
من أجمل ما قرأت لكِ كاتبتنا العزيزة
أسلوب سرد رائع ، ونسج قصصي متميز

أحسنتِ سنبلة
أطيب أمنياتي لكِ بدوام التوفيق
إسلام شمس الدين

جوري
23-04-2005, 01:43 PM
أعجبتني الفكرة التي سارت بطريقة مبهمة في المنتصف حتى اتضح الخط في النهاية ..
تحكم في سير القصة بشكل سلس ..
اللهم اجعل بواطننا وسرائرنا كظواهرنا ..بل أحلى .

تحية إلى قلمك الغض .

بثينة محمود
29-04-2005, 02:30 PM
أستاذى جمال مرسى

سعدت بتشريفك وتعليقك وتصحيحك

فلتت منى رغم طول تمحيص :001:

شكرا لك

بثينة محمود
29-04-2005, 02:32 PM
الأخت العزيزة يسرى

سلم قلمك

فذاك الصندوق الكامن فى كل نفس لا ينبىء أبداً عما بداخله

إلا بالطرق عليه ومحاولات فتحه المستمرة

تحياتى

بثينة محمود
29-04-2005, 02:34 PM
أستاذ إسلام شمس الدين

شكرا لك التشجيع والتواجد هنا

أجمل تحية

بثينة محمود
29-04-2005, 02:37 PM
الأستاذة جورى

ترحيب متأخر جداً بك وبوجودك العذب فى واحتنا

سامحينى

وشكرى بلا حدود لتعليقك الرقيق

تحياتى

د. سمير العمري
01-08-2005, 06:41 PM
تأخرت في الرد يا سنبلة لظروف سفر طال فالمعذرة.

قصتك هذه المرة تتناول قضية كبيرة قد أنعم الله على عباده بها من الستر والمداراة و"إغلاق الصناديق" ولعل الحكمة هنا تذكرني بقوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (المائدة:101)
فتلك نعمة عظيمة يستهتر بها بعض الجهال فيسعون بكل الوسائل لكشف خبايا النفوس مما أراد لها الستر حفظاً للحياة فيكون مصيرهم شوكة تغرز في العنق.


تحياتي وتقديري
:os::tree::os:

زاهية
15-10-2005, 04:29 AM
أختي الغالية
سنبلة
:001: :tree: :001:
كل عام وأنت بخير

أختك
:0014:
بنت البحر

سحر الليالي
15-10-2005, 09:06 PM
قصة رائعة..

شكرا لكأختي سنبلة لهذه الجميلة

لك باقة ياسمين لروحك:001:

ليال
18-10-2005, 01:40 AM
قصة قصيرة جميلة ومتماسكة الأركان ولقد صيغت بأسلوب شيق وجذاب متماسك حتى النهاية، كما أنني وجدت ذلك الحوار الصامت بين الصديقين حواراً ممتعاً جدا وكذلك النهاية فلقد كانت جد موفقة.شخصياً أعتبر نفسي قد حصلت أخيراً في هذا الملتقى على قصة شيقه تبقى في الذاكرة فترة معتبرة من الوقت ..شكرا لك

عبلة محمد زقزوق
18-10-2005, 01:54 AM
جميلة
رقيقة

ولا يسعني إلا قولي

الله ، الله ، الله

فأنت حقا مبدعة

أيتها الأديبة أ / ســـــــــنبلة

حوراء آل بورنو
20-03-2006, 12:46 AM
بحق قصة جميلة كلها إبداع ، و الغاية فيها علية المكانة .

حياك ربي .

سحر الليالي
20-05-2007, 05:25 PM
"سنـــبلة"

اشتقنا لروائعك ..!

هل لك أن تمطرينا ؟؟؟

بإنتظار هطولك دوما بشوق

لك كل ودي وباقة ورد