المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سد الرمق...................محمد محضار



محمد محضار
25-01-2015, 03:28 PM
سد الرمق....بقلم محضار
قصة قصيرة: سد الرمق
--------------------------------------------------------------------------------
سد الرمق ..........................محمد محضار
الطفلة تبتسم وتنظرالى أمها سائل المخاط ملتحم بشاربها ثيابهاالرثة تحمل أثر التراب, يدها تحك رأسها الأشعث المقمل, أمهامدفونةالجسد في ثوب وسخ ملفوفة في نصف ملاءة قديمة . تنتعل حذاء بلاستيكيا يطفح بالرائحة الكريهة .الطفلة والأم تتجولان بين جماعات المسافرين الواقفين على رصيف المحطة .الأم تمد يدها المشققة: صدقةعلى الله والوالدين يا أولاد الحلال.
تقتربان من شاب مكرفط وفتاة متبرجة ترافقه , تنظر الطفلة الى ساقي الفتاة الممتلئتين مستنشقة ذرات العبير المنبعثة من كل جسدها.
الأم تمد يدها قائلة :صدقة يا أولاد الحلال الله يكمل عليكم يرد الشاب متأففا: "ابتعدي يا امرأ ة الله يعفو عليك وعلي.".تقول الفتاة مزدرية :"كثرتم الله يحضر السلامة "..تبتعد الأم وطفلتها .
الطفلة تنحني الى الأرض تلتقط علبة رايب فارغة تبدأ بلحس بقاياها ..الأم تتكئ على حائط أحد شبابيك التذاكير تحسب السنتيمات التي جمعتها منذ الصباح الباكر. منبهات الحافلات تحطم سكون المكان , ترمي الطفلة علبة الرايب بعد ان فرغت من لعقها .ماسح أحذية شاب جالس على الارض امامه علبته , في يده اليمنى خرقة مخضبة بالسلسيون يشمها بنشوة , عيناه مقلوبتان , شفتاه زرقاوتان , الطفلة تبحلق فيه , يبدو غريبا الأم غير مكترثة بأمره , لها مشاكلها الخاصة ..يقترب كهل مكتنز من ماسح الأحذية يضع قدمه على خشبة العلبة . يشتغل الماسح ..تجر الأم طفلتها وتتركان مكانهما . صرخة نسوية تردد صداها فجأة جدران المحطة, تلتفت الأم وطفلتها , امرأة عجوز تسللت خصل من شعرها الابيض عبر المنديل الذي تشد به رأسها تصيح وتصرخ :"..سرقوني يالمسلمين ضربوا لي الجيب ..خطفوا لي رزقي يخ من المدينة يخ من المدينة.". بعض أبناء الحلال يحاولون زرع السكينة في نفسها , آ خرون يهبونها نقودا.
شمس الربيع تنثر أشعتها الدافئة ..رياح شمالية تهب منعشة , الأم وابنتها تغادران المحطة , تعنان على السويقة , تشتري الأم خبزة ودرهما زيتونا ..تجران أقدامهما عبر شوارع المدينة ,
بعد حين تصبح دورها وعماراتها خلف ظهريهما وبمواجهتهما مدينة القصدير , ضجيج الأطفال يتهادى الى أسماعهما كلما تقدمتا .تصلانها. الطفلة تبتسم لمجموعة من البنات المتسخات مثلها يلعبن بالحبل , الأم تهز رأسها مسلمة على كهلة ضامرة العود تقف قرب باب براكة .
عند مدخل براكتهما اقتعد الأب صخرة متوسطة الحجم , موجة من دخان الكيف ترتفع من شقف السبسي الذي يدخنه ..الطفلة تهرول نحوه مقبلة خده الممتقع .ترتسم على شفتيه الذابلتين ابتسامة لاهثة . الأم تقترب منهما . يرفع الأب رأ سه نحوها ..لم أجمع اليوم الا سنتيمات قليلة , رواد السوق البلدي كانوا قلة وأكثرهم من الشباب وانت تعرف أولاد اليوم..المحطة كانت مكتظة لكن بركة هذا الصباح كانت قليلة المهم ان نسد الرمق ونعيش ...
يدلف الثلاثة الى داخل البراكة .تضع الأم حبات الزيتون في طبق قصديري , يجتمعون حوله’ جالسين على حصيرة مهترئة.
محضار
نشرت هذه الاقصوصة بجريدة العلم سنة 1987
واعيد نشرهايوم 28دجنبر2005 بجريدة النهار المغربية

خلود محمد جمعة
29-01-2015, 06:09 PM
نعم هو سد رمق مغمس بالذل يغص بالحلق ولا يجد ما يرطبه فيمر قاسيا جارحا الى ان يصل ملتهبا بدموع ابتلعوها بصمت
دقة في تصوير مشهد من مسرح الحياة الذي يحتل جزءا على كبره الا انه منسي
براعة في الوصف وجمال في الحرف
بوركت
تقديري

ربيحة الرفاعي
03-02-2015, 02:06 AM
من قاع المجتمع، وبمشاهد تلتقطها عين الأديب وترسمها حروفه، تأتي حكايات غمست تاصيلها بالوجع الإنساني ونسجت بحس من يحاول أن يلقي في ماء الغفلة عن آلامهم حجرا يحركه

دمت بخير أديبنا

تحاياي

آمال المصري
14-06-2015, 11:45 AM
سد الرمق ... شعور بالغصة عندما نرى ونقرأ عن بعض المجتمعات تحت خط الفقر يلوكهم المرض والجهل
هنا كان التصوير رائعا ناطقا أجدت وأبدعت نقله وكأننا هناك نرى ونسمع ونتألم لحالهم
سرد متقن وحبكة قوية ونص رائع كعهدنا بكتاباتك أديبنا الفاضل
شكرا لك

نداء غريب صبري
09-09-2015, 04:01 PM
الجمل القصيرة في السرد جعلت أنفاسنا تتلاحق في متابعة المشهد المؤلم
والأسلوب الجميل أمتعنا في القراءة

شكرا لك أخي

بوركت

ناديه محمد الجابي
23-10-2015, 08:03 PM
في الشوارع الخلفية لمدننا يقبع عالم آخر لا نكاد نعلم عنه شيئا
عالم يقبع في الرقعة المظلمة من كيان المجتمع، جميع مواطنيه
هم من ضحايا الفقر والبطالة والتفكك الأسري .. العوز والحرمان
والمعيشة في أوضاع بالغة السوء هى حياتهم.
بسرد متقن ومتمكن أحسنت رسم صورة من هذا العالم وأمطت
اللثام عما يقاسوا من أوجاع
سلمت اناملك. :001:

محمد جباري
23-10-2015, 10:11 PM
كل ذلك.. و رب البيت يجلس كصخرة أمام البراكة و هو يستف الكيف!..
لكن الأمر كما يقول المثل المصري: ظل رجل، و لا ظل حيطة.

محمد محضار
18-01-2017, 10:22 PM
نعم هو سد رمق مغمس بالذل يغص بالحلق ولا يجد ما يرطبه فيمر قاسيا جارحا الى ان يصل ملتهبا بدموع ابتلعوها بصمت
دقة في تصوير مشهد من مسرح الحياة الذي يحتل جزءا على كبره الا انه منسي
براعة في الوصف وجمال في الحرف
بوركت
تقديريفعلا هي صورة واقعية يعيشها الهامشيون غي مجتمعاتنا العربية ، النص عمره ثلاثون عاما ولكن الحال مازال على ما هو عليه

كاملة بدارنه
22-01-2017, 06:36 PM
وصف دقيق لما يجري في صفوف الطّبقات شبه المعدمة!
سرد جاذب ومؤثّر
بوركت
تقديري وتحيّتي