المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المذبح الدامي



جوري
24-04-2005, 01:36 PM
بدأت تلك الخلايا في العمل , وأخذت تنشر الدفء في جسدها المنهك ؛ بعد أن كاد برد الانتظار المؤلم يَفْتك بها , ورجفة الخوف من المجهول الذي يشع في داخلها بدأ في التلاشي؛ لينبئها بأن شروق شمس حياتها قد بدأ في البزوغ , وأن ليل الوحدة سوف ينجلي وأن الربيع قد بدأت طلائعه في الظهور . (حياة متأخرة دهراً )
هي تعلم أن سرقة بعض من لحظات الفرح في هذا العمر لن تجدي . ربما تكون عقيمة وغير ذات نفع ولكنها لن تعود إلى ذلك الليل القاتل . شعرت بنفاذ تلك النظرات تخترق ظهرها كسهام تُدمي وتجْرح , والأقاويل همساً تخترق جدار آذنها لِتُصيبها في صميم فؤادها : ( لا بد لها من الرضا والقبول فوضعها لا يسمح بغير ذلك ) .
اشتد الهمس وحرارة الأحرف والكلمات تشتد طعناً : انظروا علامات السنين بدأت تختم على ملامحها وجسدها بختم كل من يمر بتلك المرحلة العمرية , وبدأ شعرها يُغزى من قِبل تلك الشعيرات البيضاء في مقدمة رأسها . في محاولة مستميتة منها بصبغها أو وضع الحناء التي لا تلبث بعد فترة أن تُعيد الكرّة كلما زحفت الصبغة مدبرة لمدارة آثار السنون التي أخذت من شبابها وتألقها الكثير .
دلفت إلى حجرتها وأغلقت الباب وارتكزت بظهرها عليه ممسكة قلبها بيدها حتى لا يُسمع وجيبه ؛ فيظن الظانون ظن السوء أنها أصوات الفرح والسرور قد بدأت . فتبدأ الغمزات واللمزات حتى تغدو لعنات تنهال عليها , وجمرات ملتهبة تسقط على رأسها وجسدها فيُصبح كمصفاة ممتلئة بثقوب مؤلمة ( كل ذلك من أجل كلمة تتكون من ثلاثة أحرف [نعم]) طرفت بعينها داخل حجرتها فوقع نظرها على ذلك الإطار الزجاجي بداخله أحرف رُصت لكلمات تُثبت تفوقها . هذا التفوق الذي صرفت عليه سنين من عمرها . رفضت في سبيل تحقيقه الكثير . نحتت لاسمها على جدران الحياة , إطارات مذْهبة تلمع وتبرق . كم تمنت في هذه اللحظة أن تطمس معالم تلك الإطارات . أرادت أن توقف عجلات الزمن . أن يُصيبها العطْل . ترجع العجلة إلى الوراء . تمنت أن تكون ( أسطورة آلة الزمن ) حقيقة .
أفاقت على واقع قبولها من شاب يصغرها عمراً . ويصغرها بمستواه التعليمي والثقافي , والوظيفيّ .... !! شاب من الممكن أن يكون ابنها . هو يتيم أو في حكم اليتيم ( لقيط) عاش حياته في داراً للأيتام بعد أن وجدوه بجانب صندوق النفايات وعلى صرخاته الباحثة عن الصدر الدافئ الحنون تلقفته الأيدي في ذلك الفجر الذي قد بدأ يشق ثوب الليل عنه , لم يعرف للحياة الأسرية طعم . وبعد اشتداد عوده بدأ يبحث عن زوجة لم يشترط العمر جُلّ ما يبحث عنه هو الأخلاق وبيت متكامل يملك مفتاح داره وزمام الأمر به .
تذكرت أن للناس أعينا وألسنا , وسوف يضعونها على نُصب المذبح أضحية لمتعتهم القاتلة سوف ( يسنون ) تلك الألسن قبل البدء في مراسيم الذبح ( على سيرتها) .
سيكونون أول المهنئين وأول الملتهمين لجسدها . ابتسامة صفراء تبرز من خلالها أنياب تفوق أنياب ( دراكولا ) وحشية وطلباً للدماء .
تراجعت فزعة . خفق قلبها بقوة وضخ الدماء سريعاً إلى رأسها الذي كاد في ساعته أن ينفجر ( وتُصاب بجلطة تؤدي بحياتها )
فتحت باب غرفتها وركضت أمام ذهول الموجودين غير آبهة بما يقال وكالمجنونة أسرعت إلى ذلك الباب الفاصل وصرخت بأعلى صوتها بقوة تلك الدماء المندفعة من قلبها الذي يصرخ ألماً .... : لن أتزوج

سلطان زمن
24-04-2005, 02:11 PM
الأخت المبدعة / جوري

تصوير لواقع مؤلم ، وكما يقال :"ايش جابرك على المر ، غير الأمر منه" .

برغم كل الألم الموجود ، إلا أنك أبدعت في الكتابة عنه .

تقبلي إعجابي بما تخطين .


تحياتي لك ،،،،

د.جمال مرسي
24-04-2005, 06:13 PM
اديبتنا الرائعة الجوري
فعلا قصة تصور واقعا مؤلما أتقنت صياغتها بشكل جذاب
و لكن هنا يحضرني سؤال : هل على المرء أن يسلم أذنيه لكل ما يقوله الناس .
و ما شأن الناس إن كان بطل القصة يتيما ( لقيطا ) أو غيره طالما كان هو نفسه صاحب خلق طيب
ما جريرته هو كي يتحمل وزر أبوين فاسدين أن تظل فعلتهما وصمة عار في جبينه يدفع ثمنها طول حياته .
و هي .. بطلة القصة لماذا تعير الناس مسمعها و الناس لا تحسن إلا القيل و القال .

مجرد تساؤلات فرضتها عليّ نهاية هذه القصة المؤلمة لعلها تكون نقطة لانطلاقة حوار و عدم افكتفاء بكونها قصة تصور ةواقعا معينا .

دمت بخير أيتها الأديبة الرائعة جور و قد أسعدني رغم حزن ما كتبتيه أن أقرأ لك .

و أخيرا لفت نظري .. و لعلها أخطاء طباعة الآتي :

لمدارة آثار السنون التي أخذت من شبابها وتألقها الكثير . ( آثار السنين )

عاش حياته في داراً للأيتام في دارٍ للأيتام )

تقبلي ودي و عظيم امتناني

أخوك د. جمال

جوري
25-04-2005, 11:11 AM
أخي سلطان : أنت المبدع حقاً في مد حبال التواصل المثمر في هذه الواحة .. حباك الله بنعمة عظيمة .. دامت لك بإذن الله ..

أشكرك على المرور الدائم على أسطري .

لك أرق التحايا من أرض الحرمين أينما حللت وارتحلت .

جوري
25-04-2005, 11:44 AM
مرحباً بك أخي د. جمال على طلّتك البهية وأسئلتك الرائعة .. مرحباً بالحوار الراقي

للأسف البطلة أطلقت العنان للمشاعر المتناقضة في داخلها , والتي كانت ما بين شد وجذب , وإن كان الشد بها أقوى من الجذب , فكلمات المتحمسين للنميمة والقيل والقال أخذت من فكرها وعقلها الكثير .فجعلت بذلك جلّ همها كلام ( الناس ) . أوا ليس هذا هو طبع البشر ؟؟ فطبع البشر ( غلاب ).
وكما نرى من أحداث القصة أن الفتاة ذات مكانة علمية عالية , والعريس أقلّ منها في كل شيء .. في بداية الأمر ابتهجت لأن هنالك من تذكرها في هذا العمر وأتي يخطب ودها .. نست أو تناست بالأحرى في لحظة من شعورها بالبهجة كل ما يمكن أن يُقال عنها ؛ فإذا بي الأمور تسوء بسهام الكلمات التي أصابت قلبها من أقرب الأقربين والذين أتوا مهنئين , بل قاتلين وآكلين من لحمها الكثير ..
أما عن اللقيط صدقني د. جمال نعم هناك من يريد الستر ؛ لكن والله نحن نعيش في مجتمع لا يرحم وقاسي ..
القصة من خيالي فكرتها تدور عن العنوسة وعن من ترفض الزواج بحجة الدراسة , وبعد يفتها القطار . تتندم وتتحسر على عدم وجود أنيس يؤنس وحشة لياليها المقفرة . وعن وليد يفرش بفطرته قلبها بالورود .
تتحدث فكرتي عن اللقطاء الذين أوتوا إلى الدنيا بجريرة فعل وذنب أناس لا يخافون الله , أناس كان همهم شهوة وقتية أنجبت هذا الطفل الذي يتحمل تبعاتها طوال عمره .

مرحباً بك لأي حوار أخر وأسعدني جداً هذا الحوار الفكري .
أتمنى أن أجدك دائماً على ضفاف أحرفي المتواضعة , الكبيرة بتواجدكم فقط .

ملاحظتك سوف أضعها في مسودتي الخاصة وأقوم بالتعديل بحول الله .شاكرة لك نظرتك الثاقبة .

د. سلطان الحريري
03-05-2005, 01:01 AM
جوري الرائعة:
إنني ألوم نفسي على التأخر في الرد على هذه الرائعة التي أتحفتنا بها معنى ومبنى..
أما من الناحية الفنية فقد أمسكت بخيوط القص باقتدار ، وكان السرد طاغيا على قصتك ، مع شيء من التداعي الذي لمحته بين السطور ، وكنت مبدعة في رسم أبعاد شخصيتك إلى درجة أنني عشتها عيانا ، وكأنها ماثلة أمامي بصفاتها ومشاعرها وقسوة الأيام والناس عليها..رائعة جمعت بين شخصين عاشا مرارة الأيام ، وظلم المجمتع..والغريب أنني لم أفاجأ بنهاية القصة ..إنها نهاية متوقعة لفتاة عاشت ظلم الناس ، ورضخت لهم ..وهي بحد ذاتها تحمل النقد اللاذع لما يجري، وقد يراها بعضنا استسلاما للواقع الذي نريد تغييره ، ولكنك
اخترت يا جوري تعرية رضوخ الفتاة للواقع ..وهذا يظهر من استسلامها..كنت أود كما أسلف الدكتور جمال ألا تعير البطلة الآخرين آذانا صاغية ، ولكن يبقى أن لك الحرية في اختيار ما ترينه مناسبا..
لقد تميزت قصتك بالإبانة الكاشفة عن علاقة الإنسان بغيره، والإثارة الدافعة إلى عمل يغني الحياة بقيمها المتناقضة، ويرفع الإنسان ، ويولد الشوق إلى الأكمل في مجتمع لا يعرف الكمال، قرأت ما وراء الكلمات ..
جوري : أنت كاتبة موهوبة فاستمري ، وجددي من أدواتك ..
سأنتظر نصوصك دائما

جوري
03-05-2005, 10:54 AM
د. سلطان ( ما على الخيريّن من سبيل ) يكفي أنك في نهاية الأمر ولجت إلى هنا ووضعت بصمتك التي أسعدتني بحق .
صحيح أنني كنت أنتظر رأي أستاذنا ؛ لكننا أيضاً نلتمس الأعذار.
لقد كتبت حفظك الله ( مع شيء من التداعي الذي لمحته بين السطور ) أين بالضبط موطن هذا التداعي ؟ . أم هو شامل في القصة ككل ؟.
تحليلك ورؤيتك لما بين الأسطر أسعدتني ووجدت أن القصة ستصل إلى قلب المتلقي ؛ متى ما قرأها بسهولة ويسر .
أنا أعلم أن القصة ربما اُخذت الكثير من قِبل الكُتاب ؛ لكن لكل كاتب رؤيتة في شخصيته .
أما عن استمراري في الكتابة ؛ فبتشجيعكم لقلمي ؛ سوف يستمر ويستمر وينمو ويرقى .

تحية وتقدير عبر أثير المنتدى محملة بأطيب العطور إليك أستاذنا إينما حللت وارتحلت .

عدنان أحمد البحيصي
21-05-2005, 06:35 PM
تظل كلمات الناس الغير محسوبة بمثابة مقاصل تضرب كل من يقف ولو كان على اساس من التقوى


ويظل القلب المؤمن موقنا أن كلماتهم مجرد صيحات في صحراء لا تصل إلى العقول والقلوب المؤمنة


قصتك كشفت عن مظهرين لهما في واقعنا حضور قوي

تأخير الزواج بحجة النجاح وبغية تحقيق التفوق ثم المفاجأة بأن الزمان لا ينتظر



واللقطاء من يعيشون حاضرهم ومستقبلهم بلا ماض ولا اسرة تحتويهم وإن كانوا في انفسهم صالحين


وقفات مع النفس يجب عليها أن ندّارسها جميعا قبل أن نحكم بلا أو نعم
أو لن كما قالت تلك الفتاة البائسة :لن أتزوج


شكرا لك جوري ولا تحرمينا من إبداع يتواصل

د. سمير العمري
02-08-2005, 07:27 PM
سرد جميل أختي الكريمة جوري وأسلوب أعلم أنك قادرة على الرقي به أكثر فأكثر ليوافق مستواه مستوى المضمون.

ولعلي وأنا أرى أن الموضوع قد تعرض لثلاثة أمور كبيرة ومهمة في حياتنا؛ العنوسة لأسباب متباينة ، اللقطاء نتيجة السفاح ، وانشغال الناس بأمور غيرهم بغيبة أو بنميمة أو ببهتان أو بسوء ، أن أقول بأن الحل لكل هذه المشكلات ولغيرها هو التزام منهج الحق الذي أنزله الخالق فلا نحرم حلالاً ونحل حراماً جهلاً وافتراء.

لو التزم القوم بما أمر الله فجعلوا الزواج منهجاً وحصناً فتزاوجوا متى استطاعوا الباءة ، وتصاهروا متي توافق الطبع وخفق القلب ، وتحابوا بعفاف وبنية الزواج ، وابتعدوا عن أسباب الفساد والإفساد ، وعلموا بأهمية تعدد الزوجات كمنهج رباني وتعاملوا به لما وجدنا مشكلة للعنوسة ولما وجدنا لقطاء يدفعون ثمن لحظات شهوة عارمة.
ولو التزم القوم أمر الله بأن يسلم كل أخ مسلم من لسانه ويده ، والتزموا أمره بالستر وعدم التجسس ونهيه عن الإفك والبهتان وقول السوء وشهادة الزور لما كان بين الناس إلا السلام والحب والوئام.

إن حل كل مشاكلنا هو في العودة إلى منهج الله والابتعاد عن تأثير الإعلام وخصوصاً تلك المسلسلات والأفلام التي ترضع أجيالنا حليباً فاسداً وتشوش عقوله بمنهج وضعي ليس فيه ولا يصلح له.


تحياتي وتقديري
:os::tree::os:

سحر الليالي
26-10-2005, 08:16 PM
عزيزتي جوري :

قصةجميلة جدا
سلمت يداك على هذا الابداع
وفعلا انه في هذا الزمان المرء يسلم أذنيه لكل ما يقوله الناس .فإنه يرضخ للواقع ..ويستسلم فقط كي يعمل على ما يريده غيره

شكرا لهذه الروعة

تقبلي خالص حبي

إلهام محمد
28-10-2005, 11:27 PM
أختي جوري
لا أعرف
عندما بدأت بالقراءة رأيتني أنساق بلا شعور أكملت حتى النهاية
شيء ما شدني
انسياب الجمل
ترابطها
كان تصويرك رائعاً لمشاعر تلك السيدة
إنسانيتها
إحساسها بأنوثتها وشبابها الضائع
تمردها ثم انصياعها لآراء من يحيطون بها
إنها في النهاية امرأة ضعيفة غير قادرة على التحدي
أجدت التعبير وأصبت الهدف
وفقك الله ورعاك
م.الهام56

أحمد فؤاد
09-11-2005, 03:05 PM
الرقيقة / جوري ..



في البداية .. شدّني عنوان قصتكِ القصيرة ..


حاولت قراءة النص الأدبي بمزيد من التمعّن .. من أجل الوصول إلى أعماق كاتبته ..


التحليل النفسي لفتاة قصتكِ كان جيداً جداً , مما كان له أثره البالغ بانعكاسه على القارئ .. بالشعور حتماً بألم الفتاه .


أسلوب السرد كان مُنساباً , بالإضافة إلى طريقة كتابة العمل الأدبي بصورة تُشبه - نسبيّاً - الـ( فلاش باك ) ..


لحظة دخول القارئ قصتك لم تكن صعبة برغم الغموض مع التأثير النسبي للعنوان .. استعادة بعض الذكريات وإلقاء الضوء عليها , و اتضاح الأمور عبر رحلة القصه . و تصاعد الإثاره مع إخفاء النهاية في اللحظة الأخيرة .




أهنئك على قصتكِ الجميلة .. فقد أعجبتني حقاً ..




تقديري ..

أحمد فؤاد

حسام القاضي
10-04-2007, 09:07 PM
للتثبيت استحقاقاً وتكريماً للراحلة / جوري

تغمدها الله برحمته

محمد سامي البوهي
11-04-2007, 01:03 PM
رحمك الله يا جوري ، يموت الإنسان وتبقى كلماته خالدة ، وقد تركت فينا يا جوري أطيب الكلم .

رحمك الله .

أشكرك يا أخي الحبيب الغالي الأستاذ/ حسام