هشام النجار
07-02-2015, 11:25 AM
نناقش فى هذا المقال قضيتين هامتين على طريق طرح رؤى أكثر تطوراً ومواكبة للعصر للفقه الدستورى الاسلامى ، وفى نفس الوقت تحافظ وتتمسك بالأصول والثوابت .
من ضمن أهم القضايا الاشكالية فى ملف نظام الحكم الاسلامى والخلافة وتطبيق الشريعة ، قضية تطبيق الحدود .. وقد عالجناها من زوايا عدة سابقاً وشرحنا الفارق بين الكليات والقيم الدستورية وبين الفروع العقابية القانونية التى تدخل فيها الحدود ، وكيف أنه لا قيمة لتطبيق القانون العقابى الفرعى اذا غابت القيمة الدستورية العليا من عدل وشورى ومساواة أمام القانون .
واليوم نطرح هذا السؤال اتماماً للحديث عن قضية الحدود .. فماذا لو طبق رئيس الحكومة المصرية – على سبيل الافتراض - الحدود العقابية الرادعة كما وردت فى القانون الجنائى الاسلامى فى ظل الظروف والأوضاع الحالية ؟
هذا السؤال يضعنا مباشرة أمام شروط اقامة الحدود العقابية الرادعة .. ومتى ينبغى على الحاكم ايقافها واستبدالها بعقوبات أخف ؟
ذكرنا من شروط اقامة الحدود محاسبة المسئولين والوزراء والمحافظين أولاً قبل محاسبة الرعية .. وليس هو الشرط الوحيد ، انما لابد أيضاً من اصلاح الوضع الاقتصادى والاجتماعى ورفع مستوى الدخل وايجاد عمل لكل فرد فى الدولة وتوفير مسكن لائق يحميه من برد الشتاء وحر الصيف ، وأن يصل بالمجتمع الى حد الكفاية ، أو ما أطلق عليه الفقهاء " حد الغنى " ، ومعناه : أن يكون لكل فرد الكفاية أى ما يكفيه وما يغنيه عن السؤال والحاجة من مأكل وملبس ومسكن وعلاج ، فلا يضطر أحد الى السرقة بسبب الفقر والجوع والحاجة لضروريات الحياة والمعيشة ، ولا يضطر شاب الى الزنا لعدم مقدرته على الزواج ولا تضطر امرأة الى الانحراف لتعول نفسها وأسرتها .
عقوبات الشرع الرادعة توقف وتمنع اذا لم تكن هناك كفاية ووفرة فى المجتمع ، وفى عام الرمادة أوقف عمر رضى الله عنه الحدود لأن الشروط الأساسية لاقامة العقوبة غير متوفرة وهو حد الكفاية بسبب المجاعة .
غالبية العالم الاسلامى يمر اليوم بما يشبه عام الرمادة ، بل ما هو أعظم وأفدح .. قارن بين أعداد الفقراء والجوعى فى عام الرمادة وأعداد الفقراء والجوعى والمشردين فى مجتمعات المسلمين وفى مصر اليوم ، تجد فارقاً كبيراً فالنسبة اليوم من عاطلين وفقراء ومشردين وجوعى وأطفال شوارع ومحرومين أضعاف أضعاف أضعاف عام الرمادة .. وهو فقر وجوع وحرمان ليس بسبب القحط وعدم نزول المطر وقلة الموارد كما حدث عام الرمادة .. فالموارد متوفرة والمطر كثير والخير كثير والثروات موجودة ، لكن فقر وجوع اليوم بسبب سوء الادارة والانحراف والفساد والبيروقراطية فى أجهزة الحكم وسوء توزيع الدخل .
بمعنى أن الحاكم هنا يأثم مرتين اذا طبق الحدود الرادعة فى مثل تلك الأحوال ؛ مرة لعدم قيامه بواجباته الادارية والتنظيمية لتصل الحقوق لأهلها ، ومرة لأنه طبق الحد العقابى الرادع مع عدم توفر شروطه بسبب تقصيره واهماله .. وليس الأمر متعلقاً بجدب أو قحط .
هناك شرط أخير ومهم وهو وجوب اقامة المجتمع الاسلامى المثالى النظيف الناهض المتطور المرفه الخالى من مسببات الانحراف والانزلاق لارتكاب الجرائم ، كالخمور والمخدرات وبؤر الفساد والفتن ومنافذ وعروض الاثارة الجنسية .. الخ . وهذا هو المفهوم الصحيح للشريعة وتلك هى القراءة المستقيمة لدين الله .. من رأسه ومن أولوياته ومقدماته وواجبات حكامه .. وليس من نعله ، ولا قفزاً الى العقوبات وقطع الأيدى والرؤوس قبل النهوض بأعباء الادارة والقيام بحقوق الرعية كاملة .
القضية الثانية المهمة هى مسألة النسب القرشى ؛ حيث يزعم المغامرون من هواة الزعامة فى التنظيمات والجماعات وجوب امتداد نسب حاكم الدولة الى قريش – حيث كان شرطاً من شروط الخلافة بالماضى - .
نقول أن هذا الشرط له قراءة وتطبيق مختلف الآن فى عصرنا هذا .. وابتداءاً لا قيمة لنسب أصيل وعريق اذا كان صاحبه مستبداً أو ظالماً ولا يقيم العدل ويستغل نفوذه وسلطاته لتحقيق مصالح شخصية ، فالنسب قضية تأتى بعد توفر العدالة والأمانة والكفاءة والخبرة .. ويقصد به بحسب مستجدات العصر وحسب الزمن الذى نعيش فيه أن يكون الرئيس والحاكم من أسرة ذات مكانة ومنعة وقوة ، وقد لا تكون أسرة أو عائلة انما قد يحقق هذا المطلب ويوفره له حزب سياسى أو هيئة أو كيان اجتماعى مرموق له انتشاره ونفوذه فى المجتمع ، فالقصد ليس " القرشية " بحد ذاتها .. حيث من الصعب الحصول على صاحب نسب قرشى الآن ، وحيث لم يعد الآن لقريش هذا النفوذ والحضور الاجتماعى والسياسى الذى كانت تدعم به المنتسب اليها سياسياً واجتماعياً فى عهد الصحابة .
بمعنى أن " القرشية " اليوم لا تتحقق بالانتساب لقريش ، انما مفهومها العصرى – بالقياس على مقصدهم منها بالماضى - هو الانتساب لكيان أو حزب يشكل الأغلبية الشعبية .. وهذا البعد المهم فى تلك القضية التى تثير خلافات وصراعات على زعامة الجماعات الاسلامية ودولة داعش أشار اليه المفكر الاسلامى الكبير ابن خلدون رحمه الله عندما قال .. " اذا بحثنا عن الحكمة فى اشتراط النسب القرشى ومقصد الشارع منه لم يقتصر فيه على التبرك بوصله للنبى صلى الله عليه وسلم كما هو المشهور ، وان كانت تلك الوصلة موجودة والتبرك بها حاصل ، لكن التبرك ليس من المقاصد الشرعية كما علمت ، فلابد اذاً من المصلحة فى اشتراط النسب وهى المقصودة من مشروعيتها ، واذا سبرنا وقسمنا لم نجدها الا اعتبار العصبية التى بها الحماية والمطالبة ويرتفع الخلاف والفرقة بوجودها لصاحب المنصب فسكن اليه الملة وأهلها وينتظم حبل الألفة فيها ، وذلك أن قريشاً كانوا عصبة مضر وأصلهم وأهل الغلب منهم فلو جعل الأمر فى سواهم لتوقع افتراق الكلمة بمخالفتهم وعدم انقيادهم " .
معنى هذا الكلام أن أمراء الجماعات والتنظيمات يتنازعون على شكل وعنوان وليس على قيمة ومقصد القضية وجوهر المسألة ؛ فلم تعد قريش بنفوذها ومنعتها موجودة الآن لتحقق هذه الغاية للحاكم المنتسب اليها - اذا افترضنا وتحقق فعلاً هذا النسب - ، انما يتحقق المقصد بانتساب الرجل لكيان أو أسرة أو مؤسسة أو حزب يحقق به الغلبة وتجتمع حوله الكلمة .
من ضمن أهم القضايا الاشكالية فى ملف نظام الحكم الاسلامى والخلافة وتطبيق الشريعة ، قضية تطبيق الحدود .. وقد عالجناها من زوايا عدة سابقاً وشرحنا الفارق بين الكليات والقيم الدستورية وبين الفروع العقابية القانونية التى تدخل فيها الحدود ، وكيف أنه لا قيمة لتطبيق القانون العقابى الفرعى اذا غابت القيمة الدستورية العليا من عدل وشورى ومساواة أمام القانون .
واليوم نطرح هذا السؤال اتماماً للحديث عن قضية الحدود .. فماذا لو طبق رئيس الحكومة المصرية – على سبيل الافتراض - الحدود العقابية الرادعة كما وردت فى القانون الجنائى الاسلامى فى ظل الظروف والأوضاع الحالية ؟
هذا السؤال يضعنا مباشرة أمام شروط اقامة الحدود العقابية الرادعة .. ومتى ينبغى على الحاكم ايقافها واستبدالها بعقوبات أخف ؟
ذكرنا من شروط اقامة الحدود محاسبة المسئولين والوزراء والمحافظين أولاً قبل محاسبة الرعية .. وليس هو الشرط الوحيد ، انما لابد أيضاً من اصلاح الوضع الاقتصادى والاجتماعى ورفع مستوى الدخل وايجاد عمل لكل فرد فى الدولة وتوفير مسكن لائق يحميه من برد الشتاء وحر الصيف ، وأن يصل بالمجتمع الى حد الكفاية ، أو ما أطلق عليه الفقهاء " حد الغنى " ، ومعناه : أن يكون لكل فرد الكفاية أى ما يكفيه وما يغنيه عن السؤال والحاجة من مأكل وملبس ومسكن وعلاج ، فلا يضطر أحد الى السرقة بسبب الفقر والجوع والحاجة لضروريات الحياة والمعيشة ، ولا يضطر شاب الى الزنا لعدم مقدرته على الزواج ولا تضطر امرأة الى الانحراف لتعول نفسها وأسرتها .
عقوبات الشرع الرادعة توقف وتمنع اذا لم تكن هناك كفاية ووفرة فى المجتمع ، وفى عام الرمادة أوقف عمر رضى الله عنه الحدود لأن الشروط الأساسية لاقامة العقوبة غير متوفرة وهو حد الكفاية بسبب المجاعة .
غالبية العالم الاسلامى يمر اليوم بما يشبه عام الرمادة ، بل ما هو أعظم وأفدح .. قارن بين أعداد الفقراء والجوعى فى عام الرمادة وأعداد الفقراء والجوعى والمشردين فى مجتمعات المسلمين وفى مصر اليوم ، تجد فارقاً كبيراً فالنسبة اليوم من عاطلين وفقراء ومشردين وجوعى وأطفال شوارع ومحرومين أضعاف أضعاف أضعاف عام الرمادة .. وهو فقر وجوع وحرمان ليس بسبب القحط وعدم نزول المطر وقلة الموارد كما حدث عام الرمادة .. فالموارد متوفرة والمطر كثير والخير كثير والثروات موجودة ، لكن فقر وجوع اليوم بسبب سوء الادارة والانحراف والفساد والبيروقراطية فى أجهزة الحكم وسوء توزيع الدخل .
بمعنى أن الحاكم هنا يأثم مرتين اذا طبق الحدود الرادعة فى مثل تلك الأحوال ؛ مرة لعدم قيامه بواجباته الادارية والتنظيمية لتصل الحقوق لأهلها ، ومرة لأنه طبق الحد العقابى الرادع مع عدم توفر شروطه بسبب تقصيره واهماله .. وليس الأمر متعلقاً بجدب أو قحط .
هناك شرط أخير ومهم وهو وجوب اقامة المجتمع الاسلامى المثالى النظيف الناهض المتطور المرفه الخالى من مسببات الانحراف والانزلاق لارتكاب الجرائم ، كالخمور والمخدرات وبؤر الفساد والفتن ومنافذ وعروض الاثارة الجنسية .. الخ . وهذا هو المفهوم الصحيح للشريعة وتلك هى القراءة المستقيمة لدين الله .. من رأسه ومن أولوياته ومقدماته وواجبات حكامه .. وليس من نعله ، ولا قفزاً الى العقوبات وقطع الأيدى والرؤوس قبل النهوض بأعباء الادارة والقيام بحقوق الرعية كاملة .
القضية الثانية المهمة هى مسألة النسب القرشى ؛ حيث يزعم المغامرون من هواة الزعامة فى التنظيمات والجماعات وجوب امتداد نسب حاكم الدولة الى قريش – حيث كان شرطاً من شروط الخلافة بالماضى - .
نقول أن هذا الشرط له قراءة وتطبيق مختلف الآن فى عصرنا هذا .. وابتداءاً لا قيمة لنسب أصيل وعريق اذا كان صاحبه مستبداً أو ظالماً ولا يقيم العدل ويستغل نفوذه وسلطاته لتحقيق مصالح شخصية ، فالنسب قضية تأتى بعد توفر العدالة والأمانة والكفاءة والخبرة .. ويقصد به بحسب مستجدات العصر وحسب الزمن الذى نعيش فيه أن يكون الرئيس والحاكم من أسرة ذات مكانة ومنعة وقوة ، وقد لا تكون أسرة أو عائلة انما قد يحقق هذا المطلب ويوفره له حزب سياسى أو هيئة أو كيان اجتماعى مرموق له انتشاره ونفوذه فى المجتمع ، فالقصد ليس " القرشية " بحد ذاتها .. حيث من الصعب الحصول على صاحب نسب قرشى الآن ، وحيث لم يعد الآن لقريش هذا النفوذ والحضور الاجتماعى والسياسى الذى كانت تدعم به المنتسب اليها سياسياً واجتماعياً فى عهد الصحابة .
بمعنى أن " القرشية " اليوم لا تتحقق بالانتساب لقريش ، انما مفهومها العصرى – بالقياس على مقصدهم منها بالماضى - هو الانتساب لكيان أو حزب يشكل الأغلبية الشعبية .. وهذا البعد المهم فى تلك القضية التى تثير خلافات وصراعات على زعامة الجماعات الاسلامية ودولة داعش أشار اليه المفكر الاسلامى الكبير ابن خلدون رحمه الله عندما قال .. " اذا بحثنا عن الحكمة فى اشتراط النسب القرشى ومقصد الشارع منه لم يقتصر فيه على التبرك بوصله للنبى صلى الله عليه وسلم كما هو المشهور ، وان كانت تلك الوصلة موجودة والتبرك بها حاصل ، لكن التبرك ليس من المقاصد الشرعية كما علمت ، فلابد اذاً من المصلحة فى اشتراط النسب وهى المقصودة من مشروعيتها ، واذا سبرنا وقسمنا لم نجدها الا اعتبار العصبية التى بها الحماية والمطالبة ويرتفع الخلاف والفرقة بوجودها لصاحب المنصب فسكن اليه الملة وأهلها وينتظم حبل الألفة فيها ، وذلك أن قريشاً كانوا عصبة مضر وأصلهم وأهل الغلب منهم فلو جعل الأمر فى سواهم لتوقع افتراق الكلمة بمخالفتهم وعدم انقيادهم " .
معنى هذا الكلام أن أمراء الجماعات والتنظيمات يتنازعون على شكل وعنوان وليس على قيمة ومقصد القضية وجوهر المسألة ؛ فلم تعد قريش بنفوذها ومنعتها موجودة الآن لتحقق هذه الغاية للحاكم المنتسب اليها - اذا افترضنا وتحقق فعلاً هذا النسب - ، انما يتحقق المقصد بانتساب الرجل لكيان أو أسرة أو مؤسسة أو حزب يحقق به الغلبة وتجتمع حوله الكلمة .