المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جَدِّى ...وأنا!



نجلاء محمود مِحْرِم
27-04-2005, 02:08 PM
جَدِّى .. وأنا!

زأر أبى يوما وحكى لى الحكاية..
قال : إن جدنا البعيد البعيد كان يتبختر فى الغابات وفوق التلال!
سألته : ألم يكن يعيش فى قفص يا أبى؟
تحشرج زئير لائم فى حلقه :
ـ من ذا الذى كان يجرؤ على حبسه فى قفص؟

كنت أعرف مواعيد حكايات أبى.. فأجرى إليه.. أربض بجواره ساكنا.. وبعد أن يستريح وتهدأ نفسه المعذبة يبدأ فى الحكى :
ـ كان جدك حاكما.. له تخضع الرعية.. ولرهبته يسود النظام.. ولعدله تحل الطاعة..
نظرتُ إلى الكرباج الملقى هناك.. خارج القفص واندهشتُ!
ـ ألم يكن هناك من يضرب جدى بالكرباج؟
غضب أبى غضبا شديدا.. هز رأسه بحدة فاهتزت لبدته.. أطلق زئيرا مرعبا جعلنى أتراجع إلى أقصى ركن من القفص!

بعد كل عرض أعرف أن موعد الحكى قد حان.. فأُسْرِعُ إلى جوار أبى العطشان للذكرى الحبيبة..
ـ كان جدك أول من تسيد الأرض.. وعلم الآخرين النظام..

بدأت أفهم أن أبى يتداوى بالذكريات.. وكنت أرى عينيه العسليتين ترقان وتهدآن للحكى.. وتعلمت ألا أغضبه بأسئلتى الجارحة..
ـ مملكة جدك كانت حراما على الآخرين.. لا يجرؤ أحد على المساس بطرف من أطرافها.. وإذا حدث وتجرأ طائش من الطائشين.. لا يحل المساء إلا ويكون قد استقر فى معدة جدك!
بدأت تنتابنى نفس النشوة التى تنتاب أبى.. كنت أنظر لزملائى ذوى الأجنحة والحوافر وأنفخ صدرى قائلا لنفسى : " أنا حفيد جدى ".. وأخطر بكبر إلى أن يفْجَأَنى صوت المدرب فأعود " أنا " من جديد!

ـ كل يوم يخرج جدك للصيد.. يترصد الأسمن والأضخم لتشبع رعيته.. يأكل من الفريسة ما يشاء ثم يبتعد ليتقاطر الباقون فينالون نصيبهم من اللحم الطازج الشهى..
الحمير المريضة والنافقة هى طعامنا.. قال لى أبى : إن جدى كان يفضل لحم الغزال.. واندهشت للكلمة : " يفضل "! يالها من كلمة غريبة!

لما نبتت لى لبدة.. وغلظ صوتى.. كنت قد تعلمت التراجع والخضوع والطاعة.. وأصبحت جاهزا لأداء دورى.. وصرت أقفز خلال حلقات النار وأجلس كالقط فوق كرسى صغير وأنام على الأرض وأتمرغ.. وصرت أكثر احتياجا لسماع حكايات جدى.. أجرى بعد كل عرض إلى أبى العجوز فيحكى ويحكى.. وأتداوى بالماضى..
صرت نجما.. وصرت أفهم تصفيق المتفرجين وأنتشى له.. وأنتظر الوجبة الاستثنائية من لحوم الحمير التى أنالها كلما زادت حرارة التصفيق..
واستمر فخرى واعتزازى بعراقة أصولى! حتى وأنا أقفز من خلال النار وأزدرد لحم الحمير الميتة.. كنت أشعر بعراقة أصولى! لكن أحيانا ينتابنى شىْء من الخجل!
ماذا لو رآنى جدى وأنا أُضَرُب بالكرباج؟
ماذا سيفعل لو رآنى أدخل القفص بأقدامى دون اعتراض؟
أجرى نحو أبى.. يرمقنى بعينيه الكسيرتين.. يدرك وقوعى فى فخ الطعام والخوف.. يكف عن الحكى..
ـ احْكِ لى يا أبى عن جدى
= لا فائدة يا بنى.. لا فائدة.. ربما يكون أبناؤك....
ويصمت أبى فى تشكك..
وأخرج للعرض.. أتأخر فى تأدية الحركات.. يكثر زئيرى ورفعى لكفى مشهرا مخالبى.. كل شىْْء يثيرنى.. هذا الكرباج.. وهذه النار.. وهذا المدرب.. وقبل كل شىْء هذا الخوف الذى يحتل كيانى..
ماذا لو رفضت القفز؟
وأقفز!
ماذا لو رفضت الجلوس؟
وأجلس!
ماذا لو رفضت المرور نحو القفص؟
وأمر.. وأثناء مرورى.. والغضب يتفجر داخلى.. ونظرة أبى تقتلنى.. وتاريخ جدى يسحقنى.. اعترضنى شىْء.. أطبقت عليه فكىّ.. قضمته.. فتته.. أكلته.. فى ثورة غضبى اجتاحتنى الأمنيات.. سأكون حفيد جدى.. لكننى بعد لحظات رأيته.. ما زال واقفا هناك.. بساقيه الاثنتين كاملتين.. وفى يده الكرباج!
فبراير 2002

سلطان زمن
28-04-2005, 11:45 AM
الأخت العزيزة نجلاء محمود محرم

كعادتك تبهرينا بما هو جميل .

أختي الفاضلة لا تصدقي بأن هناك من يرضى الذل ؛ حتى ولو كان حيوانا لا يعقل ، بل إن الحرية مبتغى الجميع ؛ حتى الحيوانات .

وأذكر قول شاعرنا الكبير نزار قباني :
" الحرية جواد أبيض ؛لا يستطيع ركوبه إلا الشجعان ، قلعة لا تفتح أبوابها إلا للمقاتلين . العبودية سهلة ؛ إنها جسد يتعاطى الحبوب المنومه ، أما الحرية فهي وجع أبدي لا يريح ولا يستريح ".
ويقول أيضا : " الحرية سيف لا يقطع إلا في يد الأحرار "

تقبلي إعجابي ومتابعتي ، فأنت من القلائل الذين أتشوق للقراءة لهم .


تحياتي لك ،،،،

عمرو العمدة
30-04-2005, 06:49 PM
الأخت الكريمة / نجلاء محمود محرم
يسعدني تواصل تألقك بين الزهور والرياحيين من أدباء الملتقي
,ويسعدني أكثر أن أتشرف بأن يسطر قلمي إعجابه بإبداعات قلمك
ولكن سيدتي !!!!!!
أنا أعتقد بأن الحرية تولد مع الإنسان, و هو الوحيد المسؤول عن حمايتها, ولا يفقدها إلا من يتنازل عنها بملئ إرادته.
مع خالص إعزازي وتقديري لشخصك الكريم
أخيك
عمرو العمدة

د.جمال مرسي
30-04-2005, 09:30 PM
أديبتنا الرائعة نجلاء
جذبني العنوان لأقرأ ما حكاية جدي و أنا
فما أن قرأت أول كلمة إلى آخر كلمة حتى تملكتني الدهشة
اسلوبك بديع بالفعل في السرد
أما عن الموضوع الذي تناولتيه و هو الحرية فإني أوافق رأي الإخوة الذين سبقوني
أن الحرية تولد مع المرء و هو بنفسه إما يخميها أو يتسبب بفقدها
و كثيرا ما نرى أناسا و شعوبا تهاونت في حقوقها فما كان إلا أن احتلت من قبل دول أكبر سلبتها أعز سئ تملكه ألا و هو الحرية .
متألقة أنت دوما
و يسعدني القراءة لك أبدا و أتمنى اللقاء بين الشعر و النثر أن يدوم كما قلت لك من قبل
سأنتظرك في غزوة لبيت الشعر لعلنا نخرج بعمل أدبي مشترك نثروشعري ( على وزن فرانكو أراب )
تقبلي خالص ودي و امتناني
د. جمال

محمد الدسوقي
30-04-2005, 11:39 PM
الفاضلة

نجلاء ...........

من متابعتي لك هنا وهناك

أجدك تتألقين فى كل موضع

حرفك سهلا ممتنع

لا يقبل التأويل

فتحية أعجاب بما يخطه يراعك

ويحضرني قول عمر ( متى أستعبتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار)

تقبلي ودي

د. سمير العمري
04-05-2005, 03:00 AM
الأديبة الكبيرة والقاصة المبدعة نجلاء:

دعيني أثني أولاً على الأسلوب الشيق في السرد القصصي.
ثم دعيني أثني جداً على الفكرة وبلورتها في هذا الإطار المميز بما يعيدنا إلى أجواء كليلة ودمنة في حكمتها ومتعتها.

الحرية هي الحياة فلا حياة لمن تخلى عن حريته. هو ميت وإن أكل وشرب ونام. والعبرة في القصة كبيرة وشامخة وأرجو أن تصحو الأمة من غفلتها وتنفض عنها حياة الدعة وأن تكسر قيود الذل والعبودية وأن تكسر باب قفص التبعية لتنعم بالكرامة وبالحرية.


دمت مبدعة بفكرك وممتعة بأسلوبك.

تحياتي وتقديري
:os::tree::os:

إسلام شمس الدين
29-08-2005, 05:36 AM
أديبتنا الرائعة نجلاء محمود مِحْرِم
قلما أقرأ سرداً أو نثراً أو قصاً هادفاً راقياً يسمو بفكرنا ومشاعرنا؛ بروعة حروفك ومعانيكِ

نفتقد كثيراً هذا القلم الهادف؛ في زمنِ نحن أحوج ما نكون لمداده
اشتقنا إلى إبداعاتك أديبتنا الجميلة، فلا تطيلي الغيبة عن واحتك

دمتِ أديبة كبيرةً ومبدعة راقية
لكِ وافر تحياتي وتقديري وإعجابي :0014: :0014:
إسلام شمس الدين

معاذ الديري
31-08-2005, 12:49 PM
أوقع بالاعجاب.
فكر راق . واسلوب سهل.
....
الحرية سيف لا يقطع الا في يد الاحرار
لنزار قباني

جمال سالمي
04-09-2005, 06:58 PM
نعم لقد أصبت جوهر افشكال .. أحسنت يا نجلاء فهذه الحرية حورية العرب الكسالى النيام الغافلين بها عادوا إلى التاريخ بعد ليالي الاستدمار الطويلة المذلة.. وبها ليس بغيرها سيكسبون رهان التنمية والتقدم والنماء أما في ظل هكذا ديكتاتوريات مبعثرة لن تقوم لنا معاذ الله قائمة إلا بالحرية يا نجلاء

نجلاء محمود مِحْرِم
28-09-2005, 08:03 PM
يا إلهى!
أين كنت أنا وأنتم تكتبون هذا الكلام الودود الرقيق الجميل؟
سامحونى على تأخرى..
وأعدكم ألا تقصير بعد ذلك..
إخوتى الأعزاء:
الأستاذ سلطان، الأستاذ عمرو، الدكتور جمال، الأستاذ محمد، الدكتور سمير، الأستاذ إسلام، الأستاذ معاذ، الأستاذ جمال..
كل الشكر والامتنان
وأكرر أسفى واعتذارى على تأخرى.. سامحونى

نجلاء محمود محرم